ما من مواكب لأيام قرطاج السينمائية في هذه الدورة الحالية إلا وتساءل عن مدى قدرة استيعاب هذه القاعات لتظاهرة دولية وأدرك جيدا حجم المشاكل التقنية والفنية التي تعاني منها قاعات العروض حيث سجلت أعطاب وإخلالات بالجملة. لئن شهدت قاعات السينما في تونس تراجعا من حيث العدد في السنوات الماضية فإن ما تبقى منها يعاني من مشاكل لا يمكن حصرها وقد أثبتت الدورة الحالية من أيام قرطاج السينمائية عدم قدرة هذه القاعات على استيعاب تظاهرة دولية انطلاقا من سهرة الافتتاح التي احتضنتها قاعة الكوليزي بالعاصمة حين حضر العطب الصوتي بامتياز الى جانب الحرارة التي أجبرت البعض على مغادرة القاعة قبل انتهاء السهرة.
أعطاب بالجملة
لن نبالغ حين نصف بعض القاعات بسوق الخضار غير المهيئ لكثرة وحدّة الأوساخ الملتصقة بالسجاد وبالكراسي حتى أنك لا تستطيع الجلوس عليه خشية من ان تلتصق بك بقايا تلك الأوساخ او البعض من تلك الكراسي المهترئة التي بدأت «بطونها» تظهر.
لا شيء يغريك لمتابعة عرض الى حين ينتهي، فكل الظروف تجبرك على مغادرة المكان دون رجعة، مكيّفات معطّبة، ولعل أهم عطب تميزت به هذه الدورة مشكل الصوت الذي ينقطع أحيانا ثم يعود ليحدث ضجة تتصدّع لها الآذان، هذا المشكل الذي تعاني منه تقريبا جل التظاهرات الثقافية التونسية وحتى أكبرها وأهمها ولعل مهرجان قرطاج الدولي خير دليل على ذلك.
والغريب ان هذه الدورة الحالية لأيام قرطاج السينمائية حظيت باهتمام وزارة الثقافة التي كانت قد تحدثت عن هذه التظاهرة في مناسبات عدة (على لسان وزير الثقافة) على اعتبار أنها ستوليها اهتماما كبيرا حتى تكون متميزة ومختلفة على سابقاتها لكن الواضح ان هذا الاهتمام لم يدخل حيز التنفيذ.
فكان من المفروض ان تهتم الوزارة بقاعات العروض وتهيئها تقنيا وجماليا لاحتضان مثل هذه التظاهرة الدولية، حتى لا يقع جمهور المهرجان في مثل هذه الاحراجات التي تعدت الأعطاب فيها تقنيات الصوت لتشمل ايضا الصورة التي تنقطع كلما يحلو لها ذلك ليخيّم الظلام على القاعة دون انذار مسبق.
إلغاء عروض لأسباب تقنية
ولهذه الأسباب التقنية تم إلغاء مجموعة من العروض من بعض القاعات لعجزها عن عرض الافلام المبرمجة.
كما تم الاعلان ايضا عن تأجيل عرض فيلم النوري بوزيد «مانموتوش» لأن القاعة المبرمجة لاحتضان العرض غير مهيئة بالتقنيات السينمائية الجديدة. الأعطاب التقنية التي لزمت هذه الدورة الحالية من أيام قرطاج السينمائية لا تليق بتظاهرة دولية لطالما أعطت الصورة المشرّفة للثقافة في تونس وهو ما يطرح أكثر من سؤال ولعل أبرزها هل ان القاعات السينمائية التونسية مازالت قادرة على استيعاب مثل هذه التظاهرات؟ وهل أن وزارة الثقافة مازالت تؤمن بالسينما والسينمائيين في تونس أو أنها عادة لا تريد قطعها فحسب؟
وإن كان هناك وحسب ما لاحظنا عدد كبير من المشرفين والمسؤولين على هذه التظاهرة وهم يتقاضون أجورهم فما هي إذن مهامهم والمسائل التنظيمية تكاد تكون منعدمة في هذه الدورة؟!
أيام قرطاج السينمائية في دورتها الحالية لمن لم يتابع عروضها ويوم افتتاحها فهي شبيهة بالمجلس التأسيسي وأعضائه عشرات المسؤولين والمنظمين في المقابل غياب تام للتنظيم. لتبقى مشاكل بالجملة في انتظار الحلول الجذرية والسريعة.