شارك الاخ المنصف الزاهي الامين العام المساعد للاتحاد مسؤول الوظيفة العمومية في اشغال الندوة الوطنية حول تحديث الوظيفة العمومية وألقى بالمناسبة كلمة جاء فيها: نحضر هذا اللقاء اثر الدعوة التي تلقيناها من وزارة الوظيفة العمومية مشكورة على ذلك لنشارك صحبة مختلف مكونات المجتمع التونسي بعديد مشاربه وآرائه، وأملنا أن نخرج من هذه الندوة بما يفيد الناس وخاصة الموظفين منهم. أملنا أن نستمع جيدا لبعضنا البعض ونسمح بتلاقح الآراء والأفكار حتى تتمخض عنها مقترحات واقعية تصب في خانة الإصلاح المنشود للوظيفة العمومية بتونس بواجهاتها المتنوعة حالة الأعوان ، دور الإدارة وإشعاعها ، تطور خدماتها إزاء المجتمع فردا وجماعة . إن الوظيفة العمومية تعتبر أقدم فضاء للتشغيل في بلادنا وقاعدة التنمية والخدمات الاجتماعية فتاريخ انبعاثها قديم جدا وقد سمح لها بتبوء منزلة مرموقة لدى العام والخاص وحملها بالتالي مسؤولية خطيرة على البلاد وسكانها وقد حفظ المجتمع للوظيفة العمومية احتراما كاملا ووهبها ما تستحق ضمن مكانة قيمة وثابتة وقدر أيما تقدير أعوانها الذين أدّوا الأمانة وافنوا العمر في هذه المسؤولية دون أن يكونوا في أكثر الأحيان على أحسن ما يرام ماديا ومعنويا . إن الوظيفة العمومية هي أول وجه يمثل السلطة في البلاد وعبر هذه الوظيفة تمرر جّل القوانين لتنظيم المواطنين وتحديد أنواع العلاقات التي تربط بين مكونات المجتمع وبين إفراده مما جعل مهمتها ودورها من اخطر ما يوجد في مجتمعنا . ونظرا لأنها كذلك أصبح من الضروري رعايتها ومراجعة أحوالها وتعهدها من حين لآخر حتى لا تتآكل وربما نحن الآن في احدى هذه المحطات رغم تعبيرنا عن الأسف الكبير بعدم استشارتنا من قبل حيث كان بالإمكان دعوتنا مثلما وقع في التشغيل والتأمين وتونس 21 والإصلاح التربوي وغيرها. علينا أن نصارح بعضنا بالهينات الموجودة في الوظيفة العمومية ونبحث عن أسبابها ونعالجها حتى تكون الوظيفة العمومية متجاوبة مع متطلبات العصر ومستوعبة كل عناصر التطور الداخلي والعالمي سواءا كانت تقنية أو فكرية . ضمان أوفر حظوظ النجاح كان على المسؤولين على حظوظ الوظيفة العمومية توسيع الاستشارة أيضا وذلك جهويا وقطاعيا واخذ رأي الأطراف الفاعلة كالاتحاد العام التونسي للشغل مثلا حتى يضمنوا أكثر ما يمكن من عوامل النجاح ويعيدوا للوظيفة مكانتها التي تراجعت عنها ويعالجوا بجد أوضاع شريحة الموظفين إنها فرصة لنا في مثل هذا اليوم لتذكر باعتزاز كل ما هو قيمّ بالوظيفة ونرفض ما هو غير مجد ومعرقل لقطار التطور . علينا أن نبتعد على مفردات المجاملة ونجعل من الخطاب العقلاني لغتنا ومن التعامل الجدي منهجنا. فلنراجع بعمق واقع الوظيفة مهمة وأعوانا نصّا وتطبيقا واقعا ومستقبلا. وباحترامنا الكامل لبعض المحاولات السابقة للإصلاح أو المراجعة لم تشهد تحويرات جوهرية على مستوي نصوص العمل أو نظام التأجير وشبكات الأجور والجوانب الترتيبية . لقد غابت عناصر كالتشجيعات والتحفيز ومازلنا نشعر بتقوقع الوظيفة وبمركزيتها المشطّة والالتزام بأدوات التقييم للأعوان أكل عليها الزمان وشرب فأين العناية بالتكوين المستمر وعدم مركزيته أين خلق جوّ المنافسة قصد ضمان الجودة؟ أين الترقيات الاستثنائية؟ أية صلاحيات أعطيت لرؤساء الإدارة المباشرين في التعاطي مع ترقيات أعوانهم وفتح الآفاق المهنية وتطوير أساليب الترقية ومقاييسها.؟ لماذا ترتبط الترقيات بالميزانية؟ فليسمح لكل وزارة بالتصرف في منح الترقيات لأعوانها. لابدّ من تفويض صلاحيات للرؤساء المباشرين في أعمال التصرف لان العدد الكبير من الموظفين 460) ألف ( يثقل كاهل وزارة الوظيفة العمومية عند النظر في الملفات الجبائية للأعوان وقد تكثر عليها التأشيرات المتنوعة والمختلفة . كيف نصلح الوضع المهترئ ماديا ومعنويا لأعوان الجذع المشترك في الوظيفة العمومية؟ ولا يعني هذا أن زملاءهم الآخرين وزميلاتهم هم في أفضل حال والأمثلة عديدة قد نحصيها في الوقت المناسب وخلال جلسات كالتي تقيمها هذه الأيام مع إطارات سامية تابعة لوزارة الوظيفة العمومية. لا يمكن أن يبقى فصل في القانون العام للوظيفة العمومية لا ينسجم مع ما جاء بالدّستور أو لا يتماشى وروح الاتفاقات الدولية المصادق عليها من الحكومة التونسية أو يتناقض مع ما استقرت عليه أحكام المحكمة الإدارية أو يختلف عن محتوى مجلة الشغل التونسية . إن بالوظيفة العمومية ثغرات لابدّ من التنبه إليها والعمل على إزالتها وتعميرها بما ينفع الموظفين والناس أجمعين. ظروف عيش طيبة انه من الضروري أن يصبح الموظف في وضع مادي يسمح له بمظهر لائق وزي محترم وسلوك راق وظروف عيش طيبة حتّى نتأكد من انه صار بعيدا عن كل الانزلاقات الأخلاقية لأنها في الوظيفة العمومية خطيرة ولها انعكاسات سلبية على الجميع. هل يقبل أن يبقى الكثيرون ممن هم في الجذع المشرك قابعين في درجة انتدابهم أحيانا حتّى التقاعد فأين التشجيع والتحفيز وخاصة إذا ما قورنوا بزملائهم في قطاعات الدواوين والشركات والخاص؟ هل عملنا على المحافظة على إطارات الوظيفة العمومية وتمكّنا من إبقائهم في مسؤولياتهم وقضينا على هجرتهم من العام إلى الخاص ومن وطنهم إلى الغربة؟. علينا اليوم قبل الغد التمعّن في أحوال الوظيفة العمومية وخاصة في فصول قانونها العام وجعل هذه الفصول منسجمة في تصوراتها متكاملة في معالجتها لمشاكل الوظيفة والموظف محترمة أعوانها إنهم الأقرب للسلطة ولكن ومع الأسف الأقل حظّا والأضعف دخلا من كل الفئات الأخرى. هل يعقل أن ينمو في رحاب الوظيفة العمومية وبالتدقيق في باب الانتدابات التعامل بالمناولة وما يسمى sivp أو التعاقد؟ الوظيفة العمومية يجب أن تظل محترمة وشامخة تتحلى دوما بنظافة الفكر واليد وهدفها خدمة المواطن حسب القانون. يجب أن تبقى الوظيفة العمومية من اقوي الضامنين للقيم الأخلاقية والإنسانية ، ناشرة العدالة بين الناس ومدافعة عن العدل بينهم ، عين ساهرة على حقوق الإنسان تقدم الخدمات دون كلل معتزة بوطنها وشعبها وأصالتها معتبرة نفسها احدى اكبر القاطرات التي تجر المجتمع نحو الرقي والرخاء معاهدة الجميع على ان تبقى مثلا يحتذى به . العزوف عن الاصلاحات الثانوية إن الاتحاد العام التونسي للشغل الذي ينخرط فيه أغلبية أعوان الوظيفة العمومية لشاعر بمسؤولياته إزاءهم وقد سخر لخدمتهم أقساما عديدة كالتشريع والدراسات والتكوين والصحة والسلامة وخاصة قسم الوظيفة العمومية . إن الاتحاد يعيّن الموظفين والموظفات بشكل متواصل وفي المحطات المعروفة كالمفاوضات الاجتماعية أو الخصوصية لبعض الأسلاك ويتبنى مشروعا إصلاحيا للنظام العام بجانبيه الترتيبي والمالي وهو يدعو السلطة إلى العزوف عن الإصلاحات الثانوية وإنما الغوص في القضايا الهامة التي يريدها الموظف متطورة في سيرتها منسجمة في منطقها وجامعة للاستجابة لكل مشاغله. نلتقي الآن في جلسات منتظمة مع الحكومة لنناقش معا عدة جوانب تخص الوظيفة والموظف وأملنا أن نصل إلى ما نصبو إليه من رفع لمستوى مهمة الوظيفة ومن يشرف عليها ويديرها وينفذ قراراتها وأوامرها. يجب أن تصبح الوظيفة العمومية منارة يهتدي بها مختلف مؤسسات المجتمع عامة كانت أو خاصة. الوظيفة العمومية يجب أن تكون محل فخر واعتزاز للمواطن خالية من كل الشوائب التي قد تنخر بعض الأوساط الأخرى. الوظيفة تكون شفافة في كل تعاملاتها منطقية في خطابها سليمة في تصرفاتها وجدية في كل أعمالها. الوظيفة العمومية عليها أن تسهر على بث روح الطمأنينة لدى المجتمع بزادها البشري وبقراراتها وأوامرها ومناشيرها وكم نتمنى أن تلبس ثوب النقاوة بعيدة عن كل الشبهات ويتمتع أعوانها بالثقة والمحبة والاحترام من لدن الشعب وهذا لن يتسنّى إذا كان الموظف في خصاصة وحرمان فالعون هو المرأة لقطاعه وفاقد الشيء لا يعطيه . تساؤلات مشروعة قد يطول الحديث حول الوظيفة العمومية وعن نظامها العام وعن أعوانها لكن لنا مواعيد آتية لا ريب فيها حتّى ننفض الغبار العالق بها ونعيد النظر فيما يجب إعمال الرأي فيه نتلمس كل الجزئيات حتى ننقح ونلغي ونبقي ما أمكن ونخلص إلى مجلة جديدة ووظيفة محترمة ومتطورة . ومن كل نقاش كما يقال تسطع أنوار مشعة وهادية لما فيه خير للوظيفة العمومية والشعب والوطن. علينا أن نحذر مما يأتي من مؤثرات العولمة على جميع الأصعدة المباشر منها وغير المباشر وتداعياتها على القطاع العمومي والوظيفة العمومية على وجه اخص كلنا أبناء التعليم العمومي ونرفض سلعنته . كلنا متمسكين بالصحة العمومية وندعو لتأهيل القطاع الصحي لأنه لا يجوز أن نتخلى عن العمومي للخواص. أختتم هذه الكلمة بالتساؤل: كيف نعيد للوظيفة العمومية هيبتها ومكانتها داخل المجتمع؟ كيف نجعل الإقبال على الوظيفة العمومية قبلة للكفاءات والنخب تلتحق بها مفيدة ومستفيدة؟ كيف نحسن اختيار الانتدابات حتى نعوض من غادر الوظيفة من الكفاءات متقاعدا أو مهاجرا لها؟ مالعمل حتّى نرفع من شأن الموظف ولا يصح فيه قولة احدهم : الموظفون على الأرض كيف نضمن أن لا يرمى بهذه التوصيات في الرفوف وتأخذ طريقها إلى التطبيق؟