بداية من الغد: اضطراب وانقطاع توزيع المياه بهذه المناطق..#خبر_عاجل    الهند توقف تدفَق المياه على نهر تشيناب.. وباكستان تتوعد    تونس تحصد 30 ميدالية في بطولة إفريقيا للمصارعة بالدار البيضاء منها 6 ذهبيات    دوّار هيشر: السجن 5 سنوات لطفل شارك في جريمة قتل    المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة في زيارة إلى تونس    تصنيف لاعبات التنس المحترفات: انس جابر تتراجع الى المرتبة 36    جمعية الأطباء التونسيين في ألمانيا تدعو إلى ضرورة إحداث تغيير جذري يعيد الاعتبار للطبيب الشاب    الإدارة العامة للأداءات تُحدد آجال إيداع التصاريح الشهرية والسنوية لشهر ماي 2025    في المحمدية :حجز عملة أجنبية مدلسة..وهذه التفاصيل..    قيس سعيّد يُجدّد دعم تونس لفلسطين ويدعو لوحدة الموقف العربي..    وفد من هيئة الانتخابات في رومانيا لملاحظة الانتخابات الرئاسية    ربط أكثر من 3500 مؤسسة تربوية بشبكة الألياف البصرية ذات التدفق العالي بالأنترنات    كل ما تحتاج معرفته عن ''كليماتيزور'' السيارة ونصائح الاستعمال    عاجل/شبهات تعرّض سجين للتعذيب ببنزرت: هيئة المحامين تُعلّق على بلاغ وزارة العدل وتكشف..    عاجل/ في نشرة متابعة: تقلبات جوية وامطار رعدية بعد الظهر بهذه الولايات..    انطلاق امتحانات البكالوريا التجريبية..    تقلبات جوية متواصلة على امتداد أسبوع...تفاصيل    عاجل -فلكيا : موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    عاجل : دولة عربية تعلن عن حجب 80% من الحسابات الوهمية    مفتي السعودية يوجه رسالة هامة للحجاج قبل انطلاق الموسم بأيام    بطولة مدريد المفتوحة للتنس للأساتذة: النرويجي كاسبر رود يتوج باللقب    البطولة الفرنسية : ليل يتعادل مع مرسيليا 1-1    محرز الغنوشي: حرارة صيفية الظهر وأمطار منتظرة    حكم قضائي في حق اجنبي متهم في قضية ذات شبهة ارهابية    ترامب يأمر بفرض رسوم بنسبة 100% على الأفلام غير الأمريكية    الرحيلي: الأمطار الأخيرة أنقذت السدود... لكن المشاكل الهيكلية مستمرة    العثور على جثث 13 موظفا من منجم للذهب في بيرو    سوريا.. انفجار الوضع في السويداء مجددا.. اشتباكات وقصف ب"الهاون"    معرض تونس الدولي للكتاب: الناشرون العرب يشيدون بثقافة الجمهور التونسي رغم التحديات الاقتصادية    بوسالم.. فلاحون يطالبون بصيانة و فتح مركز تجميع الحبوب بمنطقة المرجى    بورصة تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث الأداء بنسبة 10.25 بالمائة    كأس تونس لكرة اليد : الترجي يُقصي الإفريقي ويتأهل للنهائي    الرابطة الثانية (الجولة العاشرة إيابا)    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    البطولة العربية لألعاب القوى للأكابر والكبريات: 3 ذهبيات جديدة للمشاركة التونسية في اليوم الختامي    معرض تونس الدولي للكتاب يوضّح بخصوص إلزام الناشرين غير التونسيين بإرجاع الكتب عبر المسالك الديوانية    بوشبكة.. حجز أجهزة إتصال متطورة لدى اجنبي اجتاز الحدود بطريقة غير قانونية    طقس الليلة.. أمطار رعدية بعدد من الجهات    قابس.. حوالي 62 ألف رأس غنم لعيد الأضحى    ثنائية مبابي تقود ريال مدريد لمواصلة الضغط على برشلونة المتصدر بالفوز 3-2 على سيلتا فيغو    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    إلى أواخر أفريل 2025: رفع أكثر من 36 ألف مخالفة اقتصادية وحجز 1575 طنا من المواد الغذائية..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    تونس في معرض "سيال" كندا الدولي للإبتكار الغذائي: المنتوجات المحلية تغزو أمريكا الشمالية    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    كارول سماحة تنعي زوجها بكلمات مؤثرة    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الطرابلسي، واحد منّا
التحق بمنظمة العمل الدولية مع الاقامة في القاهرة: بقلم:محمد العروسي بن صالح
نشر في الشعب يوم 01 - 11 - 2008

مؤثرة جدّا، تلك اللحظات الحميمة التي جمعت الصديق الاخ محمد الطرابلسي الامين العام المساعد للاتحاد ومسؤول العلاقات الدولية والهجرة بعدد كبير من أصدقاء وزملائه ورفاقه من النقابيين وغير النقابيين الذين جاؤوا جميعا لحضور حفل بسيط خصّص لتحيته بعد ان اختارته منظمة العمل الدولية لشغل منصب مهم خاص بالمنطقة العربية مع الاقامة الدائمة في القاهرة.
هو حفل للتوديع بما انّ الرجل يغادر بصفة رسمية مسؤوليته في الاتحاد حيث سيتعذّر عليه عمليا حضور الاجتماعات المتتالية للمكتب التنفيذي كما ينص على ذلك القانون الاساسي والنظام الداخلي كما سيتعذّر عليه الجمع بين منصبه القديم والجديد مثلما فعل لما انتخب مستشارا لمنظمة العمل العربية قبل 4 سنوات لانّ الفرق واضح وكبير بين منصبي منظمتي العمل العربية والدولية، ولأنّ المنصب الجديد في منظمة العمل الدولية يتطلب الحضور والمداومة والمتابعة بما انه يغطي كامل المنطقة العربية ويتطلّب ان يعمل صاحبه عملا مضنيا.
لكنه كان ايضا حفل تكريم، باعتبار وأنّ محمد الطرابلسي من قلائل النقابيين التونسيين بل ربّما الوحيد الذي ارتقى الى مثل هذا المنصب الرفيع في منظمة العمل الدولية صحيح أنّه كان لنا موظفين سامين في هذه المنظمة مثل المرحوم رؤوف الدبّوسي والصديق صادق بلحاح حسين وغيرهما ولكن ينحدر هؤلاء من وزارة الشؤون الاجتماعية وربّما من الخارجية، ونذكر هنا أنّ صديقنا الكبير رجل القانون الاجتماعي الالمعي الاستاذ محمد الناصر وزير الشؤون الاجتماعية سابقا كان قاب قوسين وربّما ادنى من أن يفوز بمنصب المدير العام لمك تب العمل الدولي في معركة حامية الوطيس جرت سنة1986.
صحيح انّ عددا من النقابيين احتلوا مناصب رفيعة في منظمات اقليمية أو دولية، لكن نقابية أمّا في منظمة العمل الدولية، فإنّ أوّل نقابي تونسي يرتقي الى منصب رفيع في أجهزتها هو دون شك اخونا وصديقنا محمد الطرابلسي.
هو تكريم أيضا لشخص له بصمات كثيرة تركها في الاتحاد وتقلب في عدة مسؤوليات فمن نقابته الاساسية الى النقابة العامة للتعليم الابتدائي ومباشرة الى المكتب التنفيذي حيث أدار قسم الاعلام والنشر بما فيه جريدة الشعب من افريل 1989 الى افريل 1996 وقسم التغطية الاجتماعية والصحة والسلامة المهنية الى افريل 1999 وقسم العلاقات الدولية والهجرة الى الآن، وهو دون شك القسم الذي ساعده على الارتقاء الى منصبه الجديد الذي يفرض عليه الاقامة في القاهرة.
وقد سرّني كثيرا أنّه قبل يوم من سفره لترتيب إقامته في قاهرة المعز، بعث لي كما بعث للعديدين من أصدقائه رسالة نصية عبر المحمول أفادني فيها برقمه في مصر وبعنوان بريده الالكتروني. وهذه طبعا بادرة أحسبها له، لا فقط لأنّها تقيم الدليل على أنّه فعلا رجل علاقات عامة كما عهدناه دوما ولكن أيضا ترجمة منه على الإرادة في استمرار التواصل وإدامة علاقة تعمّر منذ نحو ثلاثين سنة رغم ما شهدته من تباينات وسوء تفاهمات.
محمد الطرابلسي سيكسب على المستوى الشخصي ماديا ومعنويا من منصبه الجديد الذي سيحقق له دون شك اضافات جديدة وبفضل هذا المنصب سيحقق أو لنقل أنّه سيساعد على تحقيق مكاسب جديدة للحركة النقابية العربية ويحاول نقلها إلى وضع أفضل ممّا هي عليه الآن.
ولاشك أنّ السعادة تغمرنا ونحن نرى تونسيا يرتقي إلى مثل هذا المنصب الرفيع ولو أنّه اقليمي والذي كان إلى تاريخ غير بعيد حكرًا على أناس من غير أهلنا وبني عمومتنا وأخوالنا. وأملنا كبير في أن يشع محمد الطرابلسي من خلال منصبه الجديد على الحركة النقابية التونسية فيمكنها من الاضافات التي مازالت تحتاج إليها ومن الارتقاء إلى المنزلة التي هي جديرة بها حقّا بالنظر إلى ارثها التاريخي الكبير وعطائها الغزير وبطولة العديد من زعمائها ونضالية الكثير من قيادييها والمنتسبين إليها.
في استبيان سريع لآراء بعض النقابيين وأصدقاء الاتحاد وقفت على أربعة مواقف من مغادرة محمد الطرابلسي.
موقف أوّل يرى أنّ الرجل رغم ما يبديه من مبدئيات لم ينس نصيبه من الدنيا فاغتنم أوّل فرصة أُتيحت له لتحقيق كسب مادّي رفيع فاندفع دون تأخير. ويرى بعض أصحاب هذا الموقف أنّ المغادرة بالتكتم الذي أُحيطت به لا تخلو من بعض الانتهازية.
موقف ثانِ يرى أصحابه أنّ الرجل يئس من حلّ مشكلة المدتين النيابيتين التي وضعها في طريقه وطريق زملائه مؤتمر جربة وهي مشكلة في تصوّر الكثيرين اجراء عقابي استنتجه ذلك المؤتمر تأسيسا على ممارسات الأمين العام الأسبق وانفراده بالرأي وتحكمّه بقبضة حديدية في كامل دواليب الاتحاد ومؤسساته. وعوض أن يحصر المؤتمر اجراءه العقابي على منصب الأمين العام مثلما هو معمول به في عديد المنظمات القطرية والدولية فإنّه وسعه إلى أعضاء المكتب التنفيذي كافة وفي نفس الوقت أنقذ منه الكتّاب العامين للاتحادات الجهوية والمحلية والجامعات والنقابات العامة والاساسية.
يضاف إلى ذلك أنّ محمد الطرابلسي، المهندس الحقيقي لمؤتمر جربة، كاد يفشل في الحفاظ على منصبه إذ بقي متأرجحا في ساعات الفرز الأخيرة بين الفوز والفشل وحصل على أقل عدد من الأصوات فجاء أخيرا بل كاد يخسر حقيبة العلاقات الدولية حيث نافسه عليه عضو جديد قديم . ولا جدال في أنّ نجاح «الهندسة» هو الذي جلب لمحمد الطرابلسي عقاب المجموعات المؤثرة في الاتحاد والمؤتمر ولم ينقذه منه إلاّ تقدير الأغلبية الصامتة واعترافها له بجميل الخدمات التي قدمها للاتحاد.
الموقف الثالث يرى أنّ الاتحاد منظمة ولاّدة، يأتيها المناضلون والمسؤولون في مختلف الدرجات، يبقون ما يبقون من الوقت ثمّ يمرّون، وهكذا الأمر بالنسبة لمحمد الطرابلسي فهو في القيادة منذ أفريل 1989 وهو في الاتحاد على الأقل منذ سنة 1980 عبر نقابات التعليم الابتدائي لذلك حان الوقت كي يترك مكانه لغيره بل ويذهب أصحاب هذا الموقف إلى حدّ التنويه بالرجل وشكره على المغادرة لأنّه بادر بها من تلقاء نفسه ولم يخرج مطرودًا أو مهزوما، موفّرا بذلك فرصة حقيقية أمام عدد كبير من المناضلين حتى يتباروا على تعويضه.
الموقف الرابع، يرى أصحابه أنّ مغادرة محمد الطرابلسي في هذا الوقت المفصلي خسارة كبرى للاتحاد وللحركة النقابية ولعدد كبير جدّا من النقابيين والمثقفين والاعلاميين والمدرسين والطلبة الذين كانوا يجدون لديه الملاذ الأخير، عندما تنسد أمامهم الآفاق.
ذلك أنّه يحسب لمحمد أنّه من بين قلائل القياديين النقابيين مع الاخ عبد المجيد الصحراوي الذين ساعدوا على انجاح المؤتمر 18 للاتحاد العام لطلبة تونس، وأنّه نجح في أن يفرض على القيادة العمّالية آنذاك إعادة بناء التحالف بين المنظمتين النقابيتين الذي انكسر ذات شهر فيفري من عام 1972.
يحسب له أنّه إبّان إدارته لتحرير جريدة «الشعب» رفض رفضا قطعيا أن تخضع الجريدة في بداية التسعينيات للرقابة الادارية التي كان يمارسها شخصيا المرحوم السيد الهادي القريوي كاتب الدولة للاعلام آنذاك رغم أنّه كان صديقًا لعدد كبير من النقابيين ومنهم محمد الطرابلسي نفسه. فقد كان القريوي يفرض أن تمثل أمامه وفي مكتبه بالذات، كلّ صفحات الجرآئد، فيقرؤها صفحة بعد أخرى، يشطب هنا، يضيف هناك إلى غير ذلك من أعمال الرقيب.
يحسب لمحمد الطرابلسي نجاحه في هندسة 3 من مؤتمرات الاتحاد الأخيرة (93 و99 و2002) فإلى جانب المشاركة الفعّالة في الانتاج الأدبي لتلك المؤتمرات (التقرير العام التقرير الأدبي اللوائح) فإنّه وفّق أيضا في بقيّة الجوانب التنظيمية بما كان يقدّمه من تصوّرات واقتراحات تمّ الأخذ بها جميعا.
يحسب له أيضا أنّه يعمل بصفة مستمرّة، لا يكلّ ولا يملّ، عنده رأي في كلّ مسألة، عنده قول في كلّ قضية، موقفه محدّد دوما وحاسم، بالسلب أو الايجاب. ولا شكّ ان كل الخصال لم تأت من فراغ، فإلى جانب التكوين والبديهة، فانّ الرجل سليل عائلة نقابية، حيث ان والده علي كان مساعدا للزعيم الحبيب عاشور عند تأسيس نقابة بلدية صفاقس سنة 1944 والدخول بها الى اتحاد نقابات الجنوب سنة 1945.
لمّا أبعد سنة 1996 من قسم الاعلام ونقل إلى قسم الصحة والسلامة المهنية والتغطية الاجتماعية فاجأ الجميع بحماس منقطع النظير في إدارة هذه الملفات، فبعد ركود لم يزد عن بعض الأسابيع، صادفه منذ مطلع سنة 1997 ملف ضخم جدّا جدّا مازال مفتوحا إلى اليوم وهو ملف التأمين على المرض. وفي الوقت الذي تصوّر فيه البعض أنّ نجمه أفل، سطع بمناسبة ذلك الملف الذي استوعبه بسرعة فائقة وبشأنه نظّم العشرات من الاجتماعات وعقد العشرات من الجلسات وجلب إلى المنظمة عددًا كبيرا من الخبراء الذين بنوا موقف الاتحاد من ذلك الملف.
تحسب له قدرته الفائقة على نسج علاقات دولية، حيث كنت شاهدًا خلال سنة 1992 على نجاحه في اعادة العلاقات بين الاتحاد وبين سي جي تي الفرنسية. كنّا في زيارة لجامعة نقابات الصحف والمطابع هناك لمّا صادفنا في أحد الممرات الصديق هنري كرازوكي أمين عام سي جي تي والذي عرفنا إليه صديقنا ميشيل مولر.
«كارت بلانش»
في حدود الخامسة وخمسين دقيقة من مساء ذلك اليوم رنّ الهاتف في مكتب ميشيل فإذا به مساعد كرازوكي يدعونا للقائه لمدّة 5 دقائق لأنّه ملتزم بالمغادرة في السادسة حيث تنتظره زوجته للعودة إلى المنزل بعيدا عن باريس.
بعد التعارف من جديد، لم يترك محمد الفرصة لمضيفنا ليتكلّم بل بادره بالحديث، أو بالأحرى بالاشادة بخصاله (خصال كرازوكي) ومواقفه المساندة للقيادة النقابية الشرعية قبل أن يتخلّص إلى الحديث عن العلاقات التاريخية القائمة بين المنظمتين.
وصحّ هنا أن أقول «بُهت الذي كفر» فإذا بالرجل يترك كرسيه ويأتي ليجلس قبالتنا في الصالون مسترخيا في مقعده، واضعا رجلا على رجل ومستمعا بانتباه إلى ما يقال حتى أخذنا إلى نحو الثامنة ليلا.. ولمّا جاء دوري في الحديث عن معونة فنية للمطبعة التي كنت أديرها آنذاك، قاطعني بإصدار أمر لميشيل مولر في كلمتين: «كارت بلانش».
ولاشك أنّ سهولة ربطه للعلاقات، أثارت ضدّه خصوما كثيرين ممّن اتهموه بالعمل على التطبيع مع النقابات الاسرائيلية خاصة بعد أن أخذ الاخوة النقابيون الفلسطينيون الذين كانوا مقيمين في تونس بالعودة إلى الأراضي المحتلة تبعا لاتفاق أوسلو. ومعلوم أنّ لمحمد علاقات متطوّرة مع الأشقاء الفلسطينيين، سواء منهم العائدون أو جماعة الداخل الفلسطيني الذين لهم علاقات مع النقابات الاسرائيلية.
ورأى خصوم محمد أنّه يمهّد للتطبيع مع النقابات الاسرائيلية استنادًا إلى علاقاته المتطورة مع جماعة الداخل وتشجيعه «السيزل» (القديمة) على قبول انخراطهم فيها.
وقويت التهمة عندما اضطر محمد لحضور تظاهرات نقابية متوسطية أو مؤتمرات دولية حضرتها النقابات الاسرائيلية التي تقع دعوتها كلّما وقعت دعوة النقابات الفلسطينية في الداخل. وحصل كم من مرّة أن حضر نقابيون فلسطينيون يمثّلون... النقابات الاسرائيلية!
تحسبُ لمحمد الطرابلسي أفكار عديدة منها فكرة إعادة هيكلة الاتحاد حيث اقترح فيما اقترح مكتبا تنفيذيا أو أمانة عامة كما يقول يتركب من 7 أعضاء واقترح انتخاب أعضاء الهيئة الادارية بدل انضمامهم إليها آليا كما اقترح فيما اقترح أن تتفرّع عن الاتحاد مؤسسة جامعة تضمّ كل النقابيين المباشرين فيها للمسؤولية وغير المباشرين وتكون بمثابة إطار للتفكير والمشورة. لكن كل هذه الأفكار اصطدمت بمعارضة شديدة وربّما هي التي دفعته إلى التفكير الجدّي في المغادرة.
لكن تحسب على أخينا محمد أخطاء كثيرة وتحالفات وتكتيكات صعبة الفهم والتصديق وتقلّبات سريعة أضرّت به في أحيان كثيرة وأحرجت المنظمة في مناسبات غير قليلة ومنها مثلا قصّة كتب مممنوعة جلبها من فرنسا وضبطتها لديه شرطة المطار.
لمحمد الطرابلسي علاقات جيدة مع عدد وافر من الصحافيين من مختلف المؤسسات وقد كان من أبرز المتحمسين للنقابة العامة للصحافيين التابعة للاتحاد. كما كتب في العديد من الصحف وخاصة منها صحف دار الصباح ومنها «لوطون» وصحف دار الأنوار حيث كانت تربطه علاقات جيدة مع المرحوم صلاح الدين العامري الذي ساند النقابيين الشرعيين (المؤتمر 16) في محنتهم على الأقل من خلال توفير مساحات هامة للاعلام عن مواقفهم وآرائهم وتحركاتهم رغم وجودهم خارج الاتحاد.
ويذكر أنّ المرحوم صلاح العامري وفّر الفرصة مثلا للأخ محمد الطرابلسي خلال الازمة النقابية سنتي 86 و87 كي يكتب ركنا تحت امضاء عياش تطرّق فيه الى عدّة مسائل اجتماعية. ويذكر أنّه ذات مرة لما ذهب محمد الطرابلسي لاستخلاص مستحقاته، سلموه شيكا به هذا الرقم: 000.000.70 وكان يعني في ذهن الموظف الذي حرره وكذلك أيضا في ذهن المسؤول الذي امضاه ان الأمر يتعلق بسبعين دينارا وهكذا أيضا فهم محمد الطرابلسي. لكن بذهابه الى البنك، اكتشف ان كتابة الرقم بذلك الشكل تعني واحدًا من مبلغين فإمّا سبعين مليون مليم وإمّا سبعين ألف دينار.
لذلك استرجع الشيك من البنك دون خلاص طبعا وأعاده إلى المرحوم صلاح العامري واشترط عليه عدم معاقبة الموظف على ذلك الخطإ، وحتى لمّا أذن له بمكافأة ثقة، رفضها وأعادها إليه.
محمد الطرابلسي مدمن على القراءة والكتابة، ورغم ابتعاده عن جريدة الشعب إلاّ أنّه بقي وفيا لها وللتحرير فيها بامضاءات مختلفة وفي أغراض متنوعة بل إنّه خصّص لها رسالة ختم الدّراسات الصحفية التي أنجزها سنة الألفين.
لغته سلسة، عباراته منتقاة، أسلوبه سهل، ساخر، ناقد، مرح، ومصداقه هذه الحلقة من ركن «بالعربي» الذي كان يحرّره للشعب أسبوعيا وخصصها للتعليق على فشل منتخبنا لكرة القدم في احراز كأس افريقيا سنة 1994 رغم تنظيمها عندنا.
كأس افريقيا بين النسر والدجاجة
يقول: انظروا شعار البطولة الافريقية الذي قيل لنا أنّه يمثّل نسرا تونسيا... فواللّه العظيم لم أر قطّ في حياتي نسرا تونسيا مثل هذا.. وسألت عشرات الأشخاص شيوخا وصغارا.. من الجنوب حتى مشارف الصحراء ومن الشمال حتّى جبال خمير ان صادف يوما أن رأوا نسرا تونسيا مثل هذا في الطبيعة أو في القفص أو في حديقة الحيوان...
فأقسموا جميعا بأنّهم لم يشاهدوا أبدا نسرا بهذا الشكل وأكدوا جميعا انّ هذا النسر لا يمكن أن يكون تونسيا أبدا.
أحدهم أضاف قائلا:
انظر ملّيا إلى هذا النسر، ليس فيه من تونس سوى العلم الذي ألبسوه إيّاه،، ولو كان تونسيا لعرفناه حتى دون العلم...
ثمّ أردف قائلا:
لو كان نسرا تونسيا لما نظر إلى الخلف ولما أدار وجهه عن تونس بلده. فمن البداية لم يكن هذا النسر يرغب في اهداء تونس كأسها الافريقية الأولى والاّ لماذا أدار وجهه إلى الوراء.
خسرنا الكأس الافريقية منذ أوّل مباراة.
ثمّ خسرنا كأس الروح الرياضية منذ أوّل اقصاء في أوّل مباراة.
لم يبق لنا سوى فتح سجل ذهبي لتقبّل التهاني بنجاح التنظيم وعبارات الشكر للجنة المنظمة.
فكرة السجل الذهبي ونجاح التنظيم في هذه البطولة الافريقية جعلتني أتذكر نكتة ذكرها لي أخ عزيز من بلد شقيق سأسردها دون تعليق وأرحل:
«عرف احد الأقطار العربية الشقيقة أزمة في الدجاج، حيث قلّ انتاجه وارتفع ثمنه.
فبلغ إلى علم أحد المواطنين خبر مفاده أنّ الدولة فتحت محلاّ لبيع الدجاج وقد اختارت أن تقيمه بعيدا عن المدينة بحوالي المائة كيلومتر تجنّبا للاكتظاظ والازدحام وتعطيل حركة السير في المدينة بسبب الدجاج.
سافر صاحبنا الى المكان المذكور فوجد الناس في طوابير عديدة وطويلة.
وقف في الطابور الأوّل ساعتين في طقس حارّ جدّا ولمّا وصل إلى البائع سأله «كيف تريد دجاجتك بلدي أم اصطناعي؟» وبما أنّ صاحبنا «قلّيل» وثمن الدجاج البلدي مرتفع طالب بدجاج اصطناعي (أو مايسمى عندنا بالدجاج الأبيض) فردّ عليه البائع بأنّ عليه في هذه الحالة أن يقف في الطابور الثاني.
وبعد أكثر من ساعتين وصل صاحبنا إلى البائع الثاني الذي سأله: تريدها حيّة أم مذبوحة؟
أريدها مذبوحة طبعا!
طلبك ليس عندي بل عليك بالطابور الثالث.
ووقف المسكين في الطابور الثالث أكثر من ساعة وحين وصله الدور سأله البائع الثالث:
تريدها «مريشة» ومنظفة أم مذبوحة فقط؟
أريدها مريشة ونظيفة طبعا حتى لا يفسد لحمها في الطريق.
آسف، عليك يا أخي بالطابور الرابع.
ولمّا وصل المسكين للبائع الرابع وهو في حالة يرثى لها سأله:
ماذا تريد يا أخي؟
أجابه: أريد دجاجة اصطناعية ومذبوحة ومنظفة من فضلك.
فأجابه البائع بلهجة ذلك القطر العربي الشقيق:
ماعندنا دجاج.. بس شو رأيك في التنظيم؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.