أراك لم تتعظ بعد بحوادث الدهر حتى وقد تقدمت بك الاعوام، اراك لم تستوعب الدرس وعهدي بك لبيبا فهيما، اسألك اما آن لك ان تقلع عن ممارسة عاداتك السيئة وافعالك «الخايبة» اما آن لك ان تريح وتستريح ام اراك ستقضي العمر بين رسو واقلاع تمضي الى مدنك ومناخاتك الجميلة؟ لماذا تصر كل الاصرار وبعناد سلحفاة بحرية على ارتكاب اثم الابداع حتى وانت تؤدي الفريضة الا تدري انك بهذا تتفرد وتخرج عن السرب وتتمرد عن الدوزنة وجوقة الشطح والردح وثقافة «الهنك رنك»؟ لماذا تصر مرة اخرى وفي كل مرة ان تعيدنا الى عوالم خلتها ذهبت كالامس الغابر؟ اختصر فاقول ربي يهديك... حضرة الصديق.. باستدعائك للفنان المبدع الفاضل الجزيري اعدتني مجبرا الى عالم الورق والقلم وقد طلقته الطلاق البائن منذ استبدلت الصحافة المتقلبة بأمن الوظيف فكست الطحالب اقلامي واعتلاها الصدأ حتى واذ كنت طوال هذه العقود اتنفس بمنخر واحد فيضيق صدري ويخرس لساني ولا ينطلق فتعتريني حالة من يصعد الى السماء حضرة الصديق.. ذات خريف تمتعت بصحبة المرحوم مصطفى الفارسي في «ذات خريف» فتطهرت بتلك الصحبة خلال كامل الحصة كما يتطهر الهندوس وعشت لحظات تمنيت لو طالت اكثر مما كانت حتى وهي تلهج بموجعات الذكريات وبكلام جميل وعبارات يرف منها الحنين لاحد اوتاد الثقافة الوطنية من جيل الوعي والسعي المدافعون عن الابداع كما لو كانوا يدافعون عن حصون مدينتهم وانت واحد منهم وما اراك في حاجة الى شهادة او تعضيد من أحد.. حضرة الصديق.. لقد اعدتني الى الزمن الجميل وانا في آخر محطات اليأس والاحباط والاغتراب وقد مللت السماجات والبذاءات التي تعود بنا الى العصر الحجري الاعلى وعهد حمير وإرم... لقد كان لك فضل عتقنا من نير الارتهان الى برامج تتجاوز قواعد اللياقة وحدود الادب وقديما قال افلاطون غاية الادب ان يستحي المرء من نفسه فأين الحياء من النفس في هذه البرامج والقنوات التي استوفت كل مفردات الرذالة؟.. حضرة الصديق.. لقد فرحت بما قدمته لنا في حصة الجزيري في مدينة النجوم حيث كنت رائعا وانت تنزع الاردنية المألوفة وتميط اللثام عن كل ما يعيق فينا فضيلة الكمال، فامتعتنا وارحتنا من بعض أوجاع الجسد وبتاريخ النفس وجددت فينا الامل امل ان القنوات التلفزية ليست كلها كتل من ثقل الدم والسفالة الغرائزية تعتدي بها علينا تحت لافتات دوّارة بين واقعية وجرأة وحرية تعبير... حضرة الصديق... لقد كنت رائعا كما كنت وكان الفاضل رائعا كما هو وانتما تتماشيان يد بيد تقتحمان مدنا وتمضيان اليها وتستحضران من مخزون الذكريات حلو الازمنة وعذابات السنين وذاك قدر الفنان وقدر المبدع المنوط بعهدته وظيفة الابداع وواجب التخليق وتوفير المتعة المعينة على تحمل الحياة بكل ما فيها من تعب وشقاء بل واستطاعة تلمظ مذاقاتها المرة والحلوة على السواء لذا ادعوك الى الاصرار على ارتكاب اثم الابداع والبقاء مشاكسا كالنورس والذهاب بعيدا فيما انت ذاهب اليه وخاصة الاهتمام باوتاد هذا البلد وها ماته الثقافية الحقيقية... والثقافة كما تعلم هي اول خطوط الدفاع عن الاوطان...