بالأمس ونحن على مقاعد المدارس الابتدائية، قرأنا عن حذاء «الطنبوري»، ثمّ ونحن على مقاعد المعاهد وقفنا على أمثال العرب وعن «حنين» الأعرابي الذي تاه في الصحراء بحثا عن ناقة جرباء فافترسته الوحوش ولم يبق منه الاّ الحذاء وهو عبارة عن خف، فعاد من خرج يبحث عنه بهذين الخفين فكانت هذه الحادثة وراء مثل يضرب في حالة الاخفاق الذريع... فيقال: عاد بخفي حنين... ومع الأحذية دائما، كنّا نتندر بوزراء أمبراطور الحبشة «هيلاسي لاسي» وهو يمعن في اذلالهم والدوس على رقابهم حين يرسل عليهم كلبا من كلابه يتشمم أحذيتهم وهم بقاعة الانتظار قبل انعقاد مجلسهم حتى اذا بال الجرو على أحدهم سارع مسؤول التشريفات إلى اخراجه ويكون مآله العزل حالا بأمر من الامبراطور... فحاسة الكلب لا تخطئ وقد يكون الوزير غير مخلص لسيده... ومرّة أخرى يحضر الحذاء فيكون رمزا للسفالة والحطة خاصة عند بعض القبائل السامية، ذلك أنّه عندما يموت أحد منهم، تقتضي تقاليدهم أن يتزوج الأخ أرملة شقيقه حتى اذا رزق منها ابن اطلق عليه اسم شقيقه فيحفظ بذلك ذكراه، أما اذا رفض هذا الزواج، فإنّ شيخهم يجبره أن يخلع نعله فيضربه به أو يلقيه عليه ويطلق على بيته «بيت مضروب النعال». أمّا اليوم وقد ضرب «بوش» بالنعال فأي نعت سينعت به؟ قد لا تهم التسمية بقدر ما يهم الاعلام والتبليغ ليسمع الذي في أذنه وقرأن العربي منذ فجر التاريخ لا يبيت عن غيض ولا يسكت عن ظلم ولا يتنازل عن حق ولا يتسامح في ثأر... وهاهو الزميل منتظر الزيدي يجسم بالفعل ما نحن بصدده بالقول، فلم يكبر في عينيه رئيس القوة الأكبر ولم يتردّد في رجم الزائر المتكبر الذي جاء يتباهى بانجازاته الحضارية في العراق من قتل للعلماء وتدمير للمعاهد والكليات ونهب للمتاحف وسرقه للتحف بحرب همجية تحيل على أزمنة التاتار والماغول... «فردة حذاء» كانت كافية في رمزيتها ودلالاتها أن تمحو العار وتركع الطاغية المستقوى بسطوة الحديد والنار وتجعله يتقوقع متحاشيا «الفردة الثانية» التي رمتها يمين منتظر عمّن كان لا ينتظر مثل هذا التكريم وهذه الهدية في آخر مدّته الرئاسية وعهد من العربدة والغطرسة وشائن الممارسة... حركة واحدة غير مسبوقة في التاريخ كانت كافية لتحيل رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى «كراكوز» وأضحوكة أمام العالم كلّه وتجعل منه موضوع تندر للبعض وشماتة للبعض وتشفٍّ للبعض وللثلاثة معا لكل العرب من «رأس الخيمة» بالخليج إلى «رأس بوجادور» بالمحيط... حركة شجاعة واحدة لبطل شجاع استبطن ارادة الحياة التي تأبى الذل فارتفع الى مدارات الخلود حيث نحت اسمه ضمن سجل الكبار من أفذاذ هذه الأمة المنجاب التي تجود بالبطل تلو البطل وتقدم الشهيد تلو الشهيد ولا تقبل الاستعلاء من كل من تتضخم فيه الأنا والشعور بالتطاوس وهو يستنفر مشاعر ملايين العرب وهو يتظاهر بما ينافي التاريخ في بلد التاريخ فرأى بعينه فوق ما كان يسمع وتيقن ان أبعد الأشياء عن الظن هي الأقرب إلى الوقوع... لقد أزاح هذا الحذاء ما تراكم عن صدر الأمة من قهر وعسف وظلم و»حرة» فكانت هذه الحادثة رائعة بكل المقاييس، نشطت الذاكرة وأعادت للعرب شيئا من مذاق شهد الماضي...