«غزّة تحيط بها الالغام... وتنتحر... لا هو موتٌ ولا هو انتحار.. إنه أسلوب غزّة في اعلان جدارتها بالحياة» هذا ما قاله محمود درويش قبل وفاته وبالتحديد في يوم الجمعة 7 مارس 2008. إنّ غزّة اليوم معجزة هذا الزّمن الرّديء الذي تعيشه الانسانية وبخاصة الشعوب العربية والاسلامية حيث أنّ مفاهيم القيم انقلبت رأسا على عقب ولم يعد هناك ميزان نميّز به بين القبيح والجميل بين الخير والشرّ او بين الاصيل والمزيّف. اختلت موازين القوى ومالت الكفة الى قوّة المادة المتعجرفة فازداد الفقير فقرا وضاقت الارض بأهلها المستضعفين واتّسعت السماء لتحتضنهم ولما انتفضوا وطالبو بحقهم في الوجود والعيش الكريم تصدوا لهم فتقذفهم السماء كشضيّة تدك مغتصبيهم ومن هنا نتساءل من هو المسؤول عن الارهاب؟ هم يشعلون النار ثم يقولون من اين جاء الدّخان؟ امام هذ الخلل امام هذا الوجع الانسانيّ.. امام هذا الزّمان المشنقة تقف غزّة بكل قواها الحيّة وألوانها لتقول لا.. لا.. لا لحياة بلا كرامة، بلا حريّة وهي المحاصرة وهي الجائعة، تقف بدموعها، بدمائها، بأشلائها لتقول لا «رغم الدّاء والاعداء» وتعيد للانسان كبرياءه وللأصل أصالته غزّة تأخذنا الى منعطف لا رجعة فيه قد يكون بداية عهد جديد يعيد للانسان كرامته وللارض توازنها الطبيعي، غزة هي الميزان الذي سيقاس به حرارةهذا الوجود فإما حياة يحياها الانسان على ارضه المشروعة كما يشتهي ان يحيا ولا يفرض على الاخر اسلوب عيشه كما يفعل «الديمقراطيون» الجدد واما الموت البطيء حيث لا موت ولا حياة. غزّة كانت تئنّ وتموت ببطئ وكلّ يوم تجوع وتعطش وتقتل وممنوع عليها الصراخ لا احد نظر اليها وهي تحتضر وتتعرّى لتكشف عورة هذا العالم البشع وهذا الزيف الديمقراطي وهذا التواطؤ العربي المخْزي وعورة حماة الاسلام المنافقين. لقد اهتزّ العالم ولم يقعد لأجل تمثال «بوذا» واستنكر الازهر وعلماء الاسلام وتحوّلوا الى افغانستان اما غزة فلم تحرك لهم ساكنا تحرك البعض منهم بعد عشرة ايام من الغزو وبعد سقوط مئات الضحايا. غزّة هي عودة الروح الى نبضها الداخلي هي عودة الاصل الى أصله وعودة الارض الى أهلها.. غزّة ليست ايديولوجيا بل هي حلمٌ يتفتّح ويفيق على واقع وسيبقى هذا الحلم قائما ولو كره الكارهون هي بابٌ يفتحه الحالمون بالنصر والحريّة والحبّ والسلام اذا ما استطاعوا إليه سبيلا. غزة علمتها الجراح ان تركب جرحها، ان تعود الى ذاتها ان تنهض وتتمرّد وتركب المستحيل ولن تعود الى الوراء الى الراكضين في وحل خرائهم. غزّة بدمارها، بدموعها، بدمائها، بظلامها هي المنارة، هي الاشارة تعيد للوقت زمانه وتعيد للموت الحياة.. هي البدْر تكوّره بيديها ترفعه وتبني اعاليها فوق المقابر فوق الخرائب، فوق المزابل وفوق الطّغاة. غزّة هي الموعد مع الأحبّة، مع الاخر المحب للسلم والعدل هي موعد مع ارادة القوة عند المقهورين، موعد مع مراجعة الذات ومحاسبة النفس واستخلاص العبر فإمّا ان تكون أو لا تكون.