شنّت اسرائيل حربا غير متوازنة على قطاع غزة، اتفق حولها أغلب المراقبون أنّ هدفها الرئيسي غير المعلن هو كسب أصوات الشارع الاسرائيلي، خاصة بعد أن أحسّ حزبا كاديما والعمل بضعف موقفهما في الساحة الاسرائيلية، لذلك قاد هذا العدوان كل من تسيبي ليفني وزيرة الخارجية وزعيمة حزب كاديما، وايهود باراك وزير الدفاع ورئيس حزب العمل، اللذين تنافسا لجمع أكبر عدد من المقاعد في الكنيست تؤهل أحدهما لمنصب رئاسة الوزراء. وجاءت انتخابات الكنيست الاسرائيلية الثامنة عشر بعد استقالة رئيس الوزراء أولمرت على خلفية التحقيق معه بخصوص ملفات الفساد، وبعد فشل وزيرة الخارجية ويد اولمرت اليمنى تسيبي ليفني من تشكيل حكومة بديلة، الأمر الذي يدعو رئيس الدولة شمعون بيريز إلى انتخابات مبكرة، فهل حصد العدوان على غزة ثماره كما حرقت نيران الفسفور الأبيض أطفال ونساء وشيوخ غزة؟ يتضّح من نتائج الانتخابات الأولية وشبه المؤكدة أنّ حزب العمل بقيادة ايهود باراك قد مُني بخسارة كبيرة غير متوقعة، وتراجع حزبه (العمل) الذي كان يشغل (18) مقعدًا في الكنيست المنتهية ولايته الى (13) مقعد في الكنيست الجديد، ولأوّل مرّة يتراجع حزب العمل الى المركز الرابع في تاريخه، فكانت أولى علامات خسارة المعركة بالقطاع وصفعة قوية لحزب العمل وقائده ايهود باراك تحديدا وزير الدفاع الذي قاد الجيش للعدوان الغاشم على قطاع غزة، ويبدو أنّ الناخبين أنصار حزب العمل لم يكتفوا بما سُفك من الدماء وغاضبين من باراك لأنّه أوقف الحرب لذا أرادوا تلقينه درسا لن ينساه أبدا، فتوجهوا الى اليمين المتشدّد نحوب حزب (اسرائيل بيتنا) بزعامة افيغدور ليبرمان الذي حصل حزبه على (15) مقعد بزيادة بلغت (3) مقاعد، وهذا الحزب معروف بمواقفه العنصرية تجاه الفلسطينيين والعرب، واذ نستذكر هنا بشكل خاص تصريحات ليبرمان في ما يتعلّق بالأقلية العربية في (اسرائيل) حيث يشترط عليهم الولاء مقابل منحهم الجنسية، ويطالبهم بحلف (القسم) اليمين لحفظ البلاد (اسرائيل)، ويطالب الى إعادة ترسيم الحدود لإخراج المناطق التي لا تهمهم من السيطرة الاسرائيلية وسحب الجنسية بالتالي عنهم. وهذا ما أكده الخبراء الذين رأوا أنّ التراجع في شعبية حزب العمل بقيادة باراك سببه الشعبية التي حُضيت بها شعارات ليبرمان زعيم حزب (اسرائيل بيتنا) الذي زادت شعبيته بعد الهجوم على قطاع غزة، واستقطب الكثير من الأصوات في التيارات اليمنية التي كانت تاريخيا في صف الليكود. وبالتالي أصبح حزب (اسرائيل بيتنا) محدّدا رئيسيا للحكومة الاسرائيلية المقبلة، فهو كما يصفه مناحيم هوفننج أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية «أنّ ليبرمان برز كصانع للملوك في هذه الانتخابات وبين انّّ الفائز في هذه الانتخابات، حيث أن من سيقف معه في الفترة المقبلة سيصبح رئيسا للوزراء» حيث أصبح للحزب موقفا صلبا في تحديد من سيرأس الحكومة المقبلة. وفي خضم هذه البلبلة الاسرائيلية حافظ حزب الليكود الاسرائيلي الوسطي «المعتدل» على مكانته دون تقدم أو تأخر وحصد (28) مقعدا، وهي نفس النسبة التي احتلها في الكنيست المنتهية ولايته، وعلى مايبدو انّ كل الدماء التي سُفكت في غزة لم ترو عطش أنصار حزب شارون الذي أسسه في العام 2005، والذي من وقتها بقي معتليا على عرش رئاسة الوزراء في اسرائيل، ويذهب المراقبون والمحللون الى أنّه لولا الحرب الأخيرة على غزّة لمُني الحزب بانتكاسة شبيهة بانتكاسة حزب العمل، وان العدوان على قطاع غزة سمح للحزب بالحفاظ على ثبات مركزه مقارنة بالأحزاب الأخرى، وتمثل الفشل بالعدوان الأخير على القطاع بهبوط شعبية حزب العمل وعدم حصدهم لمزيد من المقاعد بالكنيست، والصفعة الحقيقية لهم كانت بتوجه الجمهور أو الناخب اليهودي نحو اليمين المتشدّد المتعصّب الرافض لكل أشكال التسوية. «من الواضح أنّ الشعب بات يرفض بوضوح سياسات كاديما» كما يقول جلعاد اردان وهو عضو بارز بالليكود، وقد أعلنت ليفني في كلمة أمام أنصارها بمقر الحزب بتل الربيع (تل أبيب) ان شعب اسرائيل اختار حزبها الوسطي ودعت نتنياهو الى احترام اختيار الناخب الاسرائيلي والانضمام الى حكومة وحدة وطنية يشكلها حزب كاديما، وأخذت ليفني تطلق الشعارات مثل «الناخبون اختاروا كاديما وعلى بقية الأحزاب الانضمام إلينا» يبدو أنّها تريد ان توهم نفسها أنّها كسبت المعركة بغزة وبالانتخابات، وهي تعلم علم اليقين انّها علم حافة الهاوية، لأنّ كل المؤشرات والانظار تتجّه نحو نتنياهو لتشكيل الحكومة القادمة، فتحاول ليفني التي قد تنجح بتولّي مهمّة تشكيل الحكومة ان تحافظ على حزبها حتى لا يفتضح وينهار لوصول حزب يميني مثل الليكود للمنافسة ويوجه الرأي العام يمينا، وما أرعب حزب كاديما وتسيبي ليفني هو تصريحات نتنياهو «أنني وبمساعدة الرب سأكون رئيس الوزراء المقبل في اسرائيل» وأعلن عن فوز حزبه (الليكود) بالانتخابات، ونتنياهو ذو خبرة سياسية كبيرة وتحاول ليفني اخضاعه وايهامه بالخسارة حتى يستسلم لها ويدخل في حكومة وحدة وطنية برئاستها، وتجدر الملاحظة هنا أنّ الفارق بين الحزبين هو مقعد حيث تفوق كاديما على الليكود بمقعد واحد حسب النتائج الأولية شبه الرسمية. وتبقى مهمّة اختيار رئيس الوزراء الذي سيشكل الحكومة المقبلة مرمية على عاتق رئيس الدولة شمعون بيريز وليس بالضرورة ان يتوجه الى زعيم الأغلبية بالكنيست، لكن زعيم الأغلبية هو المرشح صاحب أكبر فرصة في تشكيل الإئتلاف الحكومي، وشكلت نتائج الانتخابات أكبر دليل على خسارة المعركة الأخيرة التي شنتها قوّات الاحتلال على قطاع غزة وصادمة لكل من باراك وليفني. إذن بينت نتائج الانتخابات الاسرائيلية توجه الجمهور اليهودي نحو اليمين المكرس لسياسة الاحتلال، وتوسيع الاستيطان، ورفض حق العودة لللاجئين الفلسطينيين، ورفض تقسيم القرس، وعدم الانسحاب من أراضي عام 1967، فمع توجه الرأي العام اليهودي نحو الأحزاب اليمينية والوسط أيضا المتفقة فيما بينها على استبعاد امكانية تحقيق السلام استنادًا الى قناعاتها وأوهامها الذاتية وليس الى الواقع العربي الفلسطيني المؤيد والمتمسك بخيار السلام العادل والشامل والدائم الذي سيفضي لقيام دولة فلسطينية في عام...