عادة جميلة دأب عليها مهرجان ربيع سبيطلة في دوراته الثلاث الأخيرة وتتمثّل في استضافة نجم فاعل في سماء الفن العربي، له من المواقف ما يشرف وما الإبداع ما يضيف.. وقد سبق لهذا المهرجان أن استضاف الفنان المصري محمود ياسين في الدورة التي تلت سقوط بغداد، ثمّ الفنانة السوريّة منى واصف بعد سقوط الصهاينة في جنوب لبنان، وهاهو يستضيف اليوم الفنانة المبدعة وسلطانة المسرح العربي السيدة سميحة أيوب المدير السابق للمسرح القومي المصري وصاحبة عشرات الأعمال الفنية بل قل المئات والتي توزّعت بين التلفزيون والسينما والمسرح. فهي صاحبة «الأرض الطيبة» مع عزّت العلايلي، و»فجر الإسلام» و»المتشردة» و»بين الأطلال» و»كدت أهدم بيتي» و»الوحش» إلى غير ذلك من الأعمال التي حازت على رضاء المشاهد في الوطن العربي، وعلى إرضاء الحس الفني الذي افتقدته السّاحة الفنية العربية في ظل طغيان المادة، والإجتياح البكتيري للفضائيات التي تروّج للرّديء، وتؤسّس للساقط، وتشيع الوقح. مع السيدة سميحة لم نُجر حوارا بل قل أجرينا حديثا، بل سمرا، بل جردا لفاتورة واقع عربي هو الأسوء على الإطلاق.. سياسيا كما اقتصاديا كما ابداعيّا وثقافيا.. ممّا جعلها الحساسة بهذه الجراح الغائرة في قلب ووجدان العربي، مضاف إليها همها الشخصي فهي التي خاضت ثلاث تجارب اجتماعية من خلال زيجاتها التي حولت من الاجتماعية إلى الفنية والعكس صحيح.. وهي على فشلها تبقى السيدة سميحة أيوب وفية لها ومستلهمة منها وثابتة حتى بين خرائب أطلالها فمنها تستمدّ موقفا غريبا حيث قالت بالحرف «طالما أنا عايشة لن أحسّ بأنّي بلّغت رسالتي» ومكمن الغرابة يتمثّل في هذا الإصرار على التواضع لأنّ في جعبة السيدة الكثير من الأقوال والأعمال.. وبالتالي فهي لم تتأثّر بفراق محسن سرحان ولا بوداع سعد الدين وهبة ولا بذهاب محمود مرسي وكل منهم كان زوجا لها في فترة من فترات حياتها ورفيق درب في حياتها الاجتماعية والفنية.. وهو ما قد يكون مصدر إصرارها على أنّها مازالت أمينة ومطالبة بتبليغ رسالتها التي في تقديرها لم تبلّغ بعد ما دامت على قيد الحياة، قيد العطاء، قيد الإضافة... وحتى لا نهيم في المطلق ولا ننخرط في الجانب السردي لنقل جلستنا إلى القارئ نختصر المسألة في هذه الاجابات النارية على بعض الأسئلة التي طرحناها لتكون مسك لقائنا بالسيدة سميحة فكانت علقما ومرارة رغم «حلاوة» المكان. ماذا تعني لك هذه الأسماء: موليار، كورناي، راسين، برشْت، شكسبير..؟ كفاية! هؤلاء آلهة الإلهام، جهابذة الكلمة، صنّاع الفكر ومحتلّي وجداني.. قرطاج، ماذا تعني لك؟ مدينة عشقي وترفضني «أيّامها» (أيّام قرطاج المسرحية). إذا كنت طبيبة وعادَك المسرح فماذا توصّفين وماذا تصفين؟ يا إبني المسرح هو صورة المناخ العام، فإذا كان هذا المناخ بخير فالمسرح كذلك وإذا كان بسوء فالشيء نفسه. وبالتالي فإنّ المسرح هو مرآة المجتمع والمعبر عنه. الأمّة في أسوء أحوالها.. فأين مسرحك يا سيدتي؟ أنا خبّرتك بأنّه كيفما يكون هذا يكون ذاك. ألا تساهمون ويساهم فنّكم في مقارعة هذا «السوء»، ألا تعنيكم الفالوجة وبنت جبيل وغزة والخرطوم؟! مَنْ نحن الذين تسألهم.. فإن كانت على الفنانين فأنا أتفهّم غيابهم بل أعذرهم وأبرّره في غياب الكتابة والنصوص المشخصة للواقع الذي تتحدّث عنه. وأين ذهب هؤلاء أم هل هم انقرضوا؟ أنا أعلم أنّ المسرح أو الكتابة المسرحية هي حالة تنتاب المبدع والكاتب... هذه الحالة لم تلِمَّ بأحد إلى حدّ الآن، والكتّاب الآن يجترّون الأحداث ويفرزونها ثم يأتي التعبير عنها (هنا ضحك صديقي وقاطع «بعْدَما اتْخذْ شرَى مُكحلة» (أي بندقية). حتى يستفيق هؤلاء الكتّاب ولن يستفيقوا.. ما رأيك أنت في هذه الأحداث؟ نحن نعيش عصر اللاّمعقول والأهرام المقلوبة وهاهم اليوم يطاردون عمر البشير وتعَامَوْا عن مجرم الحرب جورج بوش. قولي كلاما جميلا لأودّعك؟ لا ياصديقي! الكلام الجميل يقال في «الزمن الحلو»، وهل نحن بصدده. أنظر فعندنا في مصر المسرح احترق وانظر كذلك العقول احترقت والأعصاب انفلتت.. ولأنّك «عايزنا نخلّص» أقول الصورة قاتمة والمسرح مكسور.. (وهو آخر كلام).