من يزور مدينة سبيطلة من النجوم العربية يتحول إلى شاعر. حدث هذا الامر مع الفنانة منى واصف التي حضرت قبل ثلاث دورات إلى المدينة ثم مع الفنان محمود ياسين الذي كان نجم الدورة الفارطة لمهرجان ربيع سبيطلة وتكرر نفس الامر هذا العام مع الفنانة سميحة أيوب. تحيط هذه الاسماء التي ذكرها عادة نفسها بهالة كبيرة على اعتبار قيمتها ورصيدها وريادتها لمجالها لكنها ما إن تسألها عن شعورها وهي تزور هذه المدينة التي تقع بالوسط التونسي حتى تراها وقد لانت ورقّت ويصعب عليها أحيانا إيجاد الكلمات التي تراها لائقة بوصف جمال المدينة وطيبة سكانها وكرم الضيافة وحسن الاستقبال. ويحرص مهرجان ربيع سبيطلة الذي تنظمه سنويا جمعية فنون سفيطلة برئاسة عدنان الهلالي واللجنة الثقافية بسبيطلة تحت إشراف المندوبية الجهوية للثقافة بالقصرين , يحرص خاصة مع الدورات الاخيرة على استضافة نجم عربي (عادة) في كل دورة جديدة للمهرجان لمحاولة إثارة فضول الاهالي لمواكبة هذه التظاهرة وكذلك خلق فرص أفضل لمواكبة المهرجان اعلاميا والمساعدة على التعريف به. كانت إذن الفنانة سميحة أيوب نجمة الدورة التاسعة لربيع سبيطلة التي دارت فيما بين 11 و14 أفريل الجاري. حظيت هذه الفنانة باستقبال كبير ونظمت على شرفها بالجهة حفلات تكريم. وعقدت جلسة مساء الاحد للحديث مع هذه الفنانة حضرها إعلاميون ومجموعة هامة من شباب الجهة. وتولى السيد أحمد عامر تقديم الفنانة سميحة أيوب فأكد بالخصوص على أنها سيدة المسرح العربي بلا منازع ولفت النظر كذلك إلى حضورها الفاعل بالسينما والتلفزيون وذكّر بأهم الادوار التي جسدتها هذه الفنانة على المسرح مشيرا إلى ما تتميز به خارج الفن من مواقف لصالح القضايا العربية. "فادرة" و"إلكترا" و"أنتيغون" و"كليوباترا" بعض مما أنجزت من أمهات المسرح العالمي دارت أغلب التدخلات حول التجربة المسرحية للفنانة سميحة أيوب باعتبار أنها فنانة مسرحية بالاساس بل الامر أبعد من ذلك فهي تلقب بسيدة المسرح العربي. ومن الطبيعي أن لا تحار السيدة سميحة أيوب في إيجاد الكلمات المناسبة لتحديد ماهية المسرح من منظورها. المسرح بالنسبة لها يعني الحقيقة الخالصة التي لا يرتقي لها زيف وهي تقدم من خلاله خلاصة التجربة الانسانية. إنه يمنحها متعة شديدة وترى أن من مازال يملك الطاقة اللازمة للذهاب للمسرح في خضم تكاثر الفضائيات خاصة منها المختصة في السينما والدراما يكون قد قام بعمل نبيل. إلى أي حد توفقت سميحة أيوب في مسيرتها المسرحية. الاجابة بالنسبة لها بديهية. فإن كانت كل ممثلة تؤرخ لمسيرتها بدور واحد من الادوار الكبرى فإنها والكلام لها قدمت العديد والعديد من الادوار من أمهات المسرح العالمي. لقد جسمت دور "فادرة" و"أنتيغون" و"إلكترا" و"كليتمنسترا" و"كليوباترا". شخصية واحدة من هذه الشخصيات تمكن الممثلة إن أتقنت آداءها من تحقيق مجد كبير فما بالك بسميحة أيوب التي قدمت هذه الشخصيات مجتمعة وقد عرضت في مرات كثيرة بتونس وهي تذكر بالخصوص إقامتها بالحمامات وتقديمها لعروض هناك وبحمام الانف وبسوسة ودقة وقابس وتتوقف مطولا عند زياراتها لتونس لتؤكد على المكانة البارزة التي تحتلها بلادنا في قلبها وتقول في هذا الشأن: لقد زرت بلدانا كثيرة لكن لا أدري لماذا تبقى علاقتي بتونس أكثر حميمية. عندما تكون الممثلة قد قدمت شخصيات على غرار ما ذكرنا "أنتيغون" و"إلكترا" و" كليوباترا" مثلا فإنه ليس من السهل عليها أن تنزل من عليائها. وسميحة أيوب لا ترى إلى اليوم أي ممثلة عربية قادرة على وراثتها على عرش المسرح العربي. وتقول في هذا الشأن أنها تتمنى أن ترى الفنانات القادرات على منافستها طوابير لان في ذلك حسب وصفها ضمان لمستقبل المسرح أما والواقع غير ذلك من وجهة نظرها فهي لا ترى من تنافسها بجدية في مجالها. ربما جليلة بكار مثلا وقد طرح اسم الفنانة التونسية في هذه الجلسة. لم يكن يعني هذا الاسم شيئا لسميحة أيوب فهي ببساطة لم تسمع عن جليلة بكار من قبل وتؤكد أنها لا تعرفها... الدراما السورية لم تتفوق على المصرية ودبلجة الاعمال التركية إلى اللهجة السورية عمل لا يستند إلى فكر الجيل الجديد بالمسرح لا ينبئ عن خير كثير بالنسبة لسميحة أيوب. فعقلية الربح السريع سائدة لدى أجيال الفنانين من الشباب. لا تنقصهم الموهبة أحيانا حسب قولها لكنهم لا يتعهدون هذه الموهبة وبالتالي فهي تضيع منهم بسهولة. الحل من وجهة نظرها يتمثل في التوعية منذ الصغر. التنشئة لها دورها الكبير في تغيير العقليات... الشباب هم أبناء جيلهم فعلا لكن لابأس من المراوحة بين المسرح والسينما والتلفزيون وهي تدعوهم بالمناسبة للقيام بتضحية صغيرة جدا. فالتوجه قليلا إلى المسرح لن يضير هؤلاء في شيئ... مقابل ذلك فإن سميحة أيوب ترى أن المسرح لن يشيخ وهو في ربيع دائم لانه الاصل. غير أنها تبقى مشدودة إلى فترة الستينات تلك الفترة المزدهرة والتي كانت تتميز بحركة مسرحية متميزة ومن حولها حركة نقدية كبيرة. السؤال حول الدراما السورية بات كالقدر بالنسبة للممثل المصري. وقد باتوا وكأنهم يحملون أسئلة جاهزة حول الموضوع. سميحة أيوب لا تؤيد فكرة تقهقر الدراما المصرية لصالح الدراما السورية وهي ترى أن السوريين لم يتفوقوا إلا في الدراما التاريخية أو الفانطازيا. لانهم يتمتعون بدعم كبير من الجيش السوري الذي يمدهم حسب تعبيرها بكل الادوات اللازمة لذلك. هي لا تحمل كذلك فكرة إيجابية حول ظاهرة دبلجة الاعمال التركية باللهجة السورية. الدبلجة بسوريا زهيدة الثمن مقابل الاسعار المطروحة بمصر حسب تأكيدها. ومن حيث تقييمها للفائدة من هذه العملية فنيّا , ترى أنها لا تستند إلى فكر ما وبالتالي فلا أهمية لها. سميحة أيوب من جيل الفنانين الذين قاموا بدور كبير في بناء الحركة المسرحية بمصر وهي وإن كانت تتكلم بمنطق الغيور على جيلها جيل الرواد الذي لم يكن يهمه الربح بقدر البحث عن تحقيق الفائدة للجمهور، هي شخصيا ووفق ما صرحت به خلال الجلسة المذكورة لم تتمكن من شراء سيارة بسيطة إلا بعد 15 سنة من العمل المتواصل إن كانت تبدو صارمة في أحكامها وشديدة اللهجة عند تقييم مختلف التجارب فإنها لا تتردد في احتضان الكفاءات الشابة وتقول في هذا الغرض بأنها احتوت ناس كثيرين خاصة من الشباب المستنيرين. كما أنها أوضحت أنها لا تحمل موقفا معاديا للاشكال المسرحية غير الكلاسيكية. قالت مثلا أنها تحترم بعض تجارب " المونودراما " وأنها أصرت في أحد المهرجانات على تتويج عمل مسرحي تونسي من نوع "الوان مان شو". تواصل سميحة أيوب مسيرتها المسرحية ولم تفوت هذه الفنانة الفرصة قبل أن تتوجه بملاحظة حول غيابها عن أيام قرطاج المسرحية منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي. أما بشأن المسرح القومي المصري الذي تعرض لحريق مادي ومعنوي حسب وصفها هو الان بصدد لملمة نفسه. عربيا وبعيدا عن الفن والفنانة سميحة أيوب مشهورة أيضا بمواقفها السياسية قالت أنها ليس لها أمنية غير تلك التي تتعلق بوحدة العالم العربي. الوحدة ينبغي أن تكون من القلب حسب تأكيدها داعية العرب إلى التخلص من عادة الكلام الذي لا تنجرّ عنه أعمال.