مرّت يوم 12 ماي الجاري الذكرى 12 لوفاة المربي الأصيل والمناضل الوطني والنقابي الصادق الشيخ الحسين بن قدور. وبالمناسبة أرى من واجبي المساهمة بهذه الأسطر والتعرّض للبعض من مواقف حياته النضالية، وأُثير بعض الذكريات القديمة التي كنت شاهدا عليها. عرفت المرحوم لأوّل مرة ومباشرة خلال صائفة 1958 عندما قرّرت الجامعة الدستورية بفصة والهمامة تنظيم حفل فني لتمويل الأنشطة الصيفية لخلايا الشباب بالجهة (الشبيبة الدستورية الكشافة التونسية المصائف والجولات) وتكليف لجنة يرأسها الشيخ الحسين ومن بين أعضائها: عن الشبيبة: محمد جلول (شهر شكيوه) والبشير عيدودي. عن الكشافة: عبد العزيز جبارة محمد ونّه والمنصف الشريف وعيشة السوسية عن المصائف والجولات: ميداني مكي وحشاد. وشخصيا ورغم فُتوتي آنذاك تأثرت أشد التأثر بشجاعة المرحوم وجرأته وكثرة تحركه وتواجده على الميدان صباحا مساء للإشراف والتوجيه والتنفيذ وصولا إلى التقييم، كان يتحرّك.. ويشعّ ويوجه باللين ويفرض بالشدة ويشرك الجميع في العمل. وفوجئنا أثناء السهرة بالمرحوم يرتدي بدلة السهر ويفتح قوسا في نشاط الحفلة الساهرة التي تحييها فرقة المنار بقيادة الفنان رضا القلعي ومشاركة: نعمة علية القلال السملالي صفية للبيع بطريقة المزايدة الأمريكية صورة المرحوم بوريبة مؤكدا شيئين اثنين: الالحاح على الجميع بالمشاركة ولورمزيا ليحضى الجميع بشرف مساعدة شباب الجهة. يؤكد أنّه سوف يبدأ بعد مشاركة السلط الجهوية بنفسه ويساهم ب 15 من مرتبه الشهري (معلم) وأذكر أنّ تلك الليلة شاهدت حماسا متزايدا في المشاركة وخاصة من المرحومين: النقابي محمد الطاهر السوفي ومحمد بن يوسف وجوزيف رشي (الذي أصبح فيما بعد وبعد ان أسلم) يسمى يوسف رشي والنقابي أحمد اللوز ومسعود اليهودي. ومنذ تلك المدة بدأت أعرف عن كثب الشيخ المرحوم وأحضر اجتماعاته الشبابية التي كان يشرف عليها باعتباره كاتبا عاما لشعبة المدينة (الحزب الحر الدستوري التونسي) ومساعدا لرئيس البلدية مكلّفا بالنشاط الشبابي والثقافي والاجتماعي. وأذكر أيضا عديد المواقف الشجاعة والمثيرة التي تواصلت معه فيما بعد سواء في الشعبة أو البلدية أو جمعية شباب ابن منظور وأيضا في أسرة نقابة التعليم الابتدائي صحبة السادة قليعي الراشدي ومحمد الصغير الأدب.. وصولا الى علي المدب والمنصف الزاهي. ثمّ وأثناء الثورة الجزائرية كان المرحوم صحبة الجزائري المدعو خذر يتحرك ويدعم وعلى اتصال كبير بمقر جبهة التحرير بدار ابراهيم فتاح بالدوالي فصة وبالمخيم المنتصب وسط المدينة (مقر منزل منصف مراد حاليا). وعلمت بعد ذلك أنّه كان يتحرك تحت امرة وتعليمات المرحوم أحمد التليلي. وتشاء الصدف واثر الزلزال الذي دك مدينة الأصنام أن كنت رافقته في الوفود التونسية التي سافرت للمواساة وكانت هذه الوفود تتكوّن من: وسيلة بوريبة والحبيب بوريبة الابن نيابة عن رئيس الدولة. حامد القروي نيابة عن الديوان السياسي. الحبيب عاشور والحسين بن قدور وخيرالدين الصالحي عن الاتحاد. الفرجاني بلحاج عمّار عن الصناعة والتجارة فتحية مزالي عن الاتحاد النسائي. حمادي غديرة عن اتحاد الفلاحين. عبد السلام الديماسي محمد بن سعد المنصف الشريف المولدي البوسالمي عن منظمات اتحاد الشباب. وهناك زاد تعرفي بقيمة وأهمية المرحوم وخاصة من عدد المسؤولين في جبهة التحرير والنقابيين الجزائريين... وتشاء الصدف أيضا أن أكون يوم خروج المرحوم ورفاقه من سجن شارع 9 أفريل اثر احداث 26 جانفي 1978 والجماهير المحتشدة في استقباله من فصة وتونس ومنزل بوريبة ومن كل الأماكن التي درس بها المرحوم وطوابير السيارات حتى وصلنا محل سكناه بنهج تركيا بالعاصمة التي لم تسع الجميع وهناك أيضا عرفت عن كثب قيمة هذا الرجل وعظمته. وأذكر يومها أن في جبهة الفقيد بقعة حمراء يظهر وأنّها كانت علامة على بداية مرضه وخاصة وأنّه دخل المستشفى أثناء اقامته بالسجن كسجين نقابي والذي لا أنساه أبدا هو مرافقته للمرحوم الحبيب عاشور والاشراف على المؤتمر الجهوي بفصة وقيامه بالتشهير بالبعض من رفاقه النقابيين بمسقط رأسه على تجاوزاتهم المالية وعدم أمانتهم. وللفقيد تاريخ نضالي آخر مميّز وخاصة مع الهياكل النقابية والشغالين في الجزائر والمغرب وليبيا ومواقف جدّ جريئة وشجاعة مع رجال وأبطال الثورة الفلسطينية.. وثورة اريتريا. وباختصار إنّ الشيخ رحمه الله كان شجاعا ووطنيا ومناضلا وعروبيا وناصريا وقوميا أعطى البلاد والعباد والوطن من شبابه وصحته وأوقاته وثقافته وعلاقاته الكثير والكثير. وإذا كان أغلب من عاشوا معه ومثله في هذه الأجواء النضالية قد أنهوا أوقاتهم بالزاد وذات اليد والمنزل.. فإنّه والمعروف عنه أنّه غادر هذه الدنيا وثروته الوحيدة التي خلفها لأبنائه هو العلم والشهائد العليا وحمل المشعل منه لمواصلة بناء الدولة العصرية وزوجة أخلصت له وطمأنته على أبنائه أمام محنه وأوقات نضاله، وجملة من الأهل والأصدقاء الذين عرفوه ولم ينسوه أبدا. وحتى المسكن الذي بناه في آخر حياته كان اثر بيعه لجزء من ميراثه في مسقط رأسه. رحم الله الشيخ الحسين: الرجل.. الانسان.. المربي.. المناضل.. النقابي.. والأب المسؤول.