غيّب الموت يوم 21 ديسمبر 2008 بتونس أستاذي الجليل والمناضل الوطني الأستاذ المحامي: ابراهيم بن الطاهر بن علي عن سن تناهز الثالثة والثمانين سنة (1925 2008). ويعتبر الفقيد من خيرة الوطنيين الصادقين بقفصة عن طريق الحزب الحر الدستوري التونسي وجمعية شباب ابن منظور حتى بداية عهد الاستقلال وبروز الخلاف البوريبي اليوسفي حيث مال الفقيد بحكم نزعته العروبية الى صالح بن يوسف. والفقيد المتحصل على الشهادة الابتدائية ثم شهادتي الأهلية والتحصيل فشهادة العالمية في الحقوق بالجامعة الزيتونية. وخلال الخمسينيات انتدب للتدريس بالفرع الزيتوني بفصة وشخصيا تشرفت بالتتلمذ على يديه بداية وخلال السنة الأولى حيث درسني مادتي التاريخ والجغرافيا ثمّ وخلال السنتين الأولى والثانية درست عنده مادة الأدب العربي. وللتاريخ أكتب هذا وأقول أنّ الفقيد كان قوميا الى الأعماق. وقد كان يسرق من وقت الدراسة ليحدثنا عن العروبة والعرب والقومية العربية وعن طريقه عرفنا الكثير من الهموم العربية وتعرفنا عن الزعماء جمال عبد الناصر وعبد العزيز الثعالبي والحبيب بوريبة وصالح بن يوسف والمنجي سليم وغيرهم... وعن طريقه عرفنا الكثير عن شباب فصة المتعلم والمتابع للتعليم مثل شقيقه رضا بن علي ومصطفى السماوي وكان يحدثنا بإعتزاز عن اغتراب صديقه أبو القاسم كرو الذي هاجر إلى الشرق لطلب العلم.، وعن طريقه عرفنا مكتبة شباب ابن منظور التي كان حافظها آنذاك الشيخ علي بحري (شُهر صالح) أطال اللّه عمره بساحة العدول بالمدينة. وعن طريقه اطلعنا معه على مأساة فلسطين وقضيتها واغتصاب أرضها.. وأيضا عن دور الجامعة العربية التي كان يتألم لها ولعجزها عن القيام بدورها ويأمل أن يأتي الوقت لتكون خير أداة لخدمة الأمة العربية وكذلك كان يحدثنا عن أهمية الاتحاد المغاربي وأهميته في استقرار وتقدم شمال افريقيا. وعن طريقه كنّا نحضر المحاضرات الثقافية التي كانت تلقى على منبر جمعية شباب ابن منظور من طرف الأساتذة القاضي ابراهيم الآجري (رحمه الله) والأساتذة عبد الحميد الزاهي وعلي شلفوح (أطال الله عمرهما). وأذكر أنّه اصطحبنا إلى قاعة الولاية لحضور محاضرة الأستاذ المرحوم عثمان الكعاك بإشراف الوالي المرحوم الهادي مبروك... وهناك استفدنا كثيرا من طريقة النقاش وأسلوب الحوار خاصة عندما اشتد الحوار والحماس بين المحاضر الذي أكد أنّ فصة أرضيتها مملوءة بالقوقاز والحلزون وبقايا الأسماك ومن أجل ذلك تواجدت المناجم وأكيد أنّ المنطقة الجنوبية تحتوي أيضا على البترول وبين محاوريه نجد المرحومين محمد الامام صميدة (مدير الفرع الزيتوني) وعبد المجيد غلاله (أستاذ العلوم الطبيعية بالفرع الزيتوني) والمعلمين البشير بالشاوش وعبد القادر مامي وأيضا أستاذ التاريخ والجغرافيا عبد السلام جابر (أطال اللّه عمره). وللأمانة أقول أنّ أستاذي المرحوم هو الذي دفعنا الى عديد الأمور الوطنية الصادقة وإلى التعلّق بالكتاب والمطالعة وكان يعطينا من بين المحفوظات المقرّرة في المنهاج قصائد وطنية حماسية كنّا نفتخر بحفظها والقائها في سهراتنا الكشفية مثل قصائد الباجي المسعودي وأبو القاسم الشابي والشريف الرضى ومفدي زكرياء... وغيرهم... ويذكر التاريخ أنّ المرحوم وبإنتمائه إلى الحركة اليوسفية تعرض إلى الاهانة بالتهديد والضرب... ولقد زرته شخصيا ببيته صحبة ثلّة من تلاميذه اثر عملية (براكاج) تعرّض إليها ليلا تكسرت اثرها ساقه ويده اليمنى... ولاحظوا له أن هذا تهديد... والويل كل الويل له لاحقا... لكنّه لم يكف.. ولم يعف وواصل ايمانه بالعروبة والقومية ووقف مساندا لقضية فلسطين. وكان رحمه الله قد انتمى في بداية الستينيات إلى سلك المحاماة حيث بدأ في فصة بمكتب والده الطاهر بن علي بشارع محمد خدومة (قرب سيدي عبلة) ثم بتونس بباب فرنسا (بداية نهج جامع الزيتونة) حتى سن التقاعد وكان الفقيد مغرما بالمطالعة (كتب ومجلات وصحافة) العربية والفرنسية ومغرما بالترحال والسفر. والفقيد المرحوم أستاذي متزوّج من السيدة: أنّا لينا بورْسْتروم وله ثلاثة أبناء: الطاهر ووليد ونرجس وجملة من الأحفاد وهم: مصطفى ليلى أمنْدَا زكرياء. وعند ظهر يوم الوفاة دفن الفقيد بمقبرة الزلاج بمقبرة الزلاج بالعاصمة في موكب خاشع يتقدمه شقيقاه رشيد وعادل بن علي وصهره محمد الهادي القليبي وعائلات بن علي والمقني وخذيري والقليبي وسلادجا وصوفيا. وجمع هائل من رفاقه وزملائه وتلاميذه. دونت هذا للتاريخ وللإعتراف بالجميل أعطى وأفاد.. وكون فأجاد. رحم الله أستاذي ابراهيم بن علي وعزاء وصبرا لأسرته وأهله وذويه.