رئيس الجمهورية يستعرض لدى استقباله رئيسة الحكومة نتائج مشاركتها في اعمال "تيكاد9" باليابان    أستراليا تقرر طرد السفير الإيراني وتصنيف "الحرس الثوري" منظمة إرهابية    القمة الأمريكية الكورية الجنوبية: استثمارات ضخمة وتطوير التعاون الصناعي والدفاعي    إندونيسيا.. آلاف الطلاب يشتبكون مع الشرطة احتجاجا على "بدلات" النواب    طقس الثلاثاء.. استقرار في درجات الحرارة    لدى استقباله الزنزري.. سعيد يؤكد بأن الحَقّ , حَقّ ولن يسقط بالتقادم    بسبب التطرف اليميني.. تسريح ما يقرب من 100 جندي من الجيش الألماني    مصر تدفع بآلاف الجنود إلى سيناء وتعزز قواتها العسكرية    عاجل: فتح جسر جديد على مستوى مستشفى الحروق البليغة ببن عروس أمام حركة الجولان    الشرطة البريطانية تعتقل أكثر من 400 شخص جراء حادثة طعن    كرة القدم العالمية : على أي القنوات يمكنك مشاهدة مباريات اليوم الثلاثاء ؟    نحو ربط المطارات الداخلية بالأسواق العالمية: تونس تفتح الأفق أمام السياحة المستدامة    مهرجان الفستق بماجل بلعباس ..تثمين ل«الذهب الأخضر»    الفنانة أنغام تعود إلى منزلها بعد فترة علاج في ألمانيا    تاريخ الخيانات السياسية (57) .. .الخليفة الطائع من القصر إلى الحجر    في الطريق الرابطة بين جندوبة وفرنانة ... 3 وفيات و 6 جرحى في حادث تصادم بين «لواج» وسيارة عائلية    بعد سرقة السيارات وتفكيكها...شبكة إجرامية تعربد بين تونس والجزائر    رغم كثرة الغيابات في رحلة بنزرت ...الإفريقي يريد الانتصار ومصالحة الجمهور    الانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة دقاش حامة الجريد..المصادقة على رزنامة الدور الثاني    الطقس غدًا: تقلبات في هذه الولايات وأمطار رعدية في الأفق    شبيبة القيروان - زين الدين كادا يعزز الصفوف    إطلاق أول مسابقة وطنية لفيلم الذكاء الاصطناعي    بورصة تونس: "توننداكس" يستهل معاملات الاسبوع على ارتفاع بنسبة 1ر0 بالمائة    عاجل/ دراسة تكشف عن مشكلة خفيّة في أجساد النساء خلّفها فيروس كورونا    عاجل/ من السعودية: تونس تدعو لتكثيف الجهود لوقف الإبادة ضدّ الشعب الفلسطيني    عاجل/ نحو توزيع الكتب المدرسية على التلاميذ من أبناء العائلات المعوزة    للتسجيل الجامعي عن بعد: البريد التونسي يكشف عن آلية جديدة للدفع    يأكل اللحم: تسجيل اول إصابة بالدودة الحلزونية في امريكا.. #خبر_عاجل    توريد كميات هامة من لحوم الضأن وهذا سعر بيعها للعموم.. #خبر_عاجل    قابس : برنامج ثقافي ثري للدورة السابعة لتظاهرة " أثر الفراشة "    بهاء الكافي: عودة قوية ب"الرد الطبيعي" بعد غياب    اتحاد بن قردان يعزز صفوفه بلاعب الوسط وائل الصالحي    من بينها تونس: 7 دول عربية تشملها فرص الأمطار الصيفية    عاجل/ من بينهم 4 صحفيين: استشهاد 15 فلسطينيا في قصف صهيوني على مجمع ناصر الطبي في خان يونس..    شكري حمودة يوضح: التنسيق مع المصانع المحلية والدولية يحمي المخزون ويواجه النقص الظرفي    كيفاش نحضر صغيري نفسيا لدخول المدرسة لأول مرة؟    بشرى سارة: تقنية جديدة لتصحيح النظر بدون ليزر.. ومدتها دقيقة واحدة..    افروبسكيت 2025 - انغولا تفوز على مالي 70-43 وتحرز اللقب القاري للمرة الثانية عشرة عي تاريخها    لقاء اعلامي للصحفيين المهتمين بالشأن الثقافي بالمركز الثقافي الدولي بالحمامات    عدسات العالم تسلّط الضوء على الوعي الثقافي: المهرجان الدولي للفيديوهات التوعوية في دورته الخامسة    وزير الخارجية يلتقي عددا من التونسيين المقيمين بالسعودية    اصدار طابع بريدي حول موضوع الطائرات الورقية    أمل حمام سوسة يكشف عن خامس إنتداباته    الحماية المدنية: 113 تدخلاً لإطفاء حرائق خلال ال24 ساعة الماضية..    الرابطة الأولى: برنامج مواجهات الجولة الرابعة ذهابا    عاجل/ من بينهم 3 توفوا في نفس اليوم: جريمة قتل 5 أشقاء تبوح بأسرارها..والتحقيقات تفجر مفاجأة..!    ارتفاع طفيف في الحرارة مع ظهور الشهيلي محلياً    اليوم: انطلاق بيع اشتراكات النقل المدرسية والجامعية    الأبراج ليوم 25 أوت 2025: يوم تحت شعار الخيارات الحاسمة    العودة المدرسية 2025: كلفة تجهيز التلميذ الواحد تصل إلى 800 دينار!    سوسة: مهاجر إفريقي يُقتل طعناً بسكين على يد أصدقائه    متابعة: إعصار سيدي بوزيد يخلف أضرارا مادية دون إصابات بشرية    تاريخ الخيانات السياسية (56) .. أفتكين و بختيار وسطوة الترك    وفاة مفاجئة لفنان مصري.. سقط أثناء مشاركته بمباراة كرة قدم    هام/ كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية..    طبرقة تستعيد بريقها: عودة مهرجان "موسيقى العالم" بعد 20 سنة من الغياب    أولا وأخيرا .. هاجر النحل وتعفن العسل    موعدُ رصد هلال شهر ربيع الأوّل..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا غابت البرامج الثقافية في قنواتنا الوطنية؟
في شهر رمضان وعلى كامل السنة :
نشر في الشعب يوم 12 - 09 - 2009

إن نوعية وسائل الاعلام السمعية والبصرية العمومية منها والخاصة لم تشكل محور نقاش ولا موضوع جدال إلا عندما اكتشف الجميع أنها تمادت في تطوير برامج أقرب الى الرداءة فأصبح لزاما على الممكن الثقافي أن يتدخل وبسرعة لانقاذ ما يمكن إنقاذه ، فالرّداءة أصبحت حالة ملحّة عند المتلقي وحتى لدى المثقفين أنفسهم ونسي الجميع ان مثل هذا التمشّي الاعلامي إذا ما تواصل قد يكون السبب في تدمير المجتمعات وتحطّم كل محاولات الاصلاح التربوية والثقافية على صخرة هذه المهزلة الاعلامية .
إن التدخل السافر لسلطة المال المتمثل في هذا الكم الهائل من البرامج الهابطة والاعلانات الاشهارية التي أصبحت تسيطر على مساحات أغلب القنوات التلفزية قد أرسل الثقافة الى غياهب النسيان .
وحينما ينتقد منتجو هذه البرامج على التفاهات التي يبثونها يردون بأنهم يقدمون للمتلقي ما يطلبه منهم بل وينتقلون الى الهجوم عملا بمقولة «أحسن وسيلة للدفاع هي الهجوم» فيتهمون من يخالفهم الرأي بأنهم جمهور من المتشائمين المعقدين نفسيا وينظّرون لثقافة البؤس ويريدون أن يحرمو المتلقين من الترفيه عن أنفسهم. لقد أعدم هؤلاء فكرة الانتقال التدريجي الى الثقافي بواسطة البرامج الشعبية ، وشارلي شابلين وفكتور هيقو وعلي الدوعاجي وبيرم التونسي .. الخ كانوا كلهم فنانين شعبيين لكنهم في المقابل علموا الناس كيف يفكرون ويعملون الرأي.
الكل له الحق في الترفيه عن النفس أمام مشهد إعلامي أو تلفزي لكن المسألة أصبحت تنذر بالخطر ولم تعد مسألة ترفيه بل أصبحت مؤامرة تهدف لضرب عقلية مكتسبة وصنع عقلية جديدة تتناسب وطموحات الصناعيين ورجال الأعمال.
زد على ذلك فإن المركزة الرأسمالية أصبحت تحتكر دور النشر والصحف والقنوات الإذاعية والتلفزية وكل مصادر المعلومة فخنقت بذلك المشهد الاعلامي ولم تترك للمتلقي أي متنفّس أو اختيار.
والأدهى والأمر أن هذه المؤامرة الاعلامية تتم بمساعدة الدولة التي أصبحت تقف موقف المتواطئ إذ تخلت تدريجيا عن دورها الحيادي والتعديلي .
ففي هذا السياق الاعلامي والأطباق المقدمة لنا أصبحنا نتبارى في التصفيق لانجازات الحكومات والدول والتعبير عن حبّنا ووفائنا للرؤساء ونتلهف لاستيقاء المعلومات الدقيقة عن ملابسات وفاة الفنان مايكل جاكسون والضائقة المالية التي مرّ بها . وملاحقة أخبار الأميرة ديانا والاشكالات التي حفّت بمقتلها في علاقة بعاشقيها والحال أن جلّ المتلقين ليسوا مطلعين على سير دواليب جغرافية العالم التي تحيط بهم.
لأنه وكما جاء في كتاب «النبيّ» لجبران خليل جبران لو شاء الناس إسقاط طاغية عن عرشه فعليهم أولا أن يحطموا العرش الذي أقاموه له في قلوبهم ، والمغزى أنه لا طاغية بدون عبيد» فالمقارنة غريبة ففي الوقت الذي تزداد فيه وسائل الاعلام تقدما وقدرة تكنولوجية فائقة فإن تغطية الأحداث العالمية (البؤس، الفقر، الحروب العادلة .. الخ ) آخذه في الانكماش الى جانب تقلص البرامج الثقافية التي تتناول الموضوعات المهمة .
إذن فإن هذه الصناعة الاعلامية المضغوطة تجاريا أصبحت متهمة بتوليد التفاهة والتسطيح وتضييق الأفق حيث يسقط المشاهد في التصديق اللاواعي للمادة المقدمة له.
إن الوجبة الحصرية المعروضة أصبحت ضارة بشتى الطرق ، إذ تسببت في تآكل الأحاسيس الاخلاقية وطوّعت التقنيات للتناسب مع الأهداف المرسومة، فهي من جهة تتيح لنا التحكم بصورة سحرية في تكوين موقف من الأحداث التي نشاهدها وفي نفس الوقت تبقينا بعيدين بحكم عجزنا عن الفعل وعدم اضطرارنا لتحمل المسؤولية فينتج عن ذلك تقارب حميمي مع الحدث وانفصال مبرر على مستوى الالتزام بالفعل فتفعل بذلك هذه الآلة الجهنمية في المتلقى فعل المخدّر .
لقد أصبحت العلاقة بين المشهد والمتلقي كعلاقة الصياد بفريسته فهو لا ينفك يطاردها يمينا وشمالا في هذا الاتجاه والاتجاه المعاكس ويُمعن في مطاردتها ومحاصرتها حتى يفلح في التمكن منها فيستريح وتنبسط أساريره .
مما ترتب عنه قتل كل رغبة في الفرد لتطوير إمكاناته وطمس كل رؤية نقدية للحياة والمجتمع تتسم بالعمق والوعي وهكذا اتسعت الهوة بين ما هو ثقافي في بعده الانساني وبين الآلة الاعلامية فلم يعد للفرد ولا للمجموعات استقلالية فنية أو فكرية يساهمون من خلالها في نشر مبادئ الرقي والقيم الانسانية.
إن غائية وسائل الإعلام لم تعد انتاج المعلومة بل تكريرها وإعادة انتاجها طبقا لمتطلبات الصّناعيين ورجال الأعمال.
ولهذا الغرض وجب على المتلقي أن يضاعف انتباهه حتى يعرف أن المادة المقدمة له جيّدة أم رديئة قبل أن ينخرط في الترحيب بها أو مقاطعتها ولذلك وجب ان يستخدم عقله وما توفر له من أدوات تحليل ويفكّر بإمعان ولا ينقاذ انقياد الآعمى وراء الوجبة الحصرية المقدمة له.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.