ان الحديث عن وضعية كرة القدم بمكارم المهدية هو في الواقع تقويم لحجم النشاط في هذه الجمعية العريقة من الناحيتين التنظيمية والفنية، فالمواسم مرت وسنة 2009 شارفت على الانقضاء لكن كرقم فقط باعتبار ان الاستمرارية تحيل الارقام نقاط ارتكاز ودلالات على ما يمكن ان يكون عليه المستقبل، غير ان الامر لا يخلو من فواصل الابداع التي يحلو تجسيدها من جديد ومن ذكرى السلبيات التي ترخي بظلالها لسبب او لآخر، وكما عودناكم قراء «الشعب» الاوفياء عبر ما نحبره ان نبرز الحقيقة دون مساحيق نتناول الازمة التي تتخبط فيها جمعية المكارم خلال المواسم الاخيرة لاستخلاص العبر للمستقبل. العهد الذهبي جمعية المكارم التي تأسست بتاريخ 24 اوت 1937 حجزت لنفسها موقعا رياديا في خارطة كرة القدم عقب ارتقائها لأول مرة الى القسم الوطني بعد موسم (1959 1960) وكان يرأسها انذاك نجيب المورالي، الا ان التجربة لم تعمر طويلا واقتصرت على موسمين فحسب، لتتجدد الملحمة انطلاقا من موسم (1970 1971) وتعمر ستّة مواسم متتالية اي الى غاية (1975 1976) تحت رئاسة السيد محمد خواجة الذي تقلد المسؤولية طيلة ثلاث عشر سنة (من 1963 الى 1976) وترجع اخر تجربة بالقسم الوطني الى موسم (1981 1982) باشراف عبد الرزاق ذويب، ولعل ما يمكن استخلاصه من هذه الحقبة الزمنية الاستقرار في التسيير الاداري والتخطيط المحكم للمستقبل والرؤية الصائبة مع حسن التصرف اداريا وماليا، هذا اضافة الى المصداقية في التعامل والانسجام داخل العائلة الموسعة للمكارم، كما ان الموارد المالية كانت متوفرة بشكل جيد جدا لذلك غابت الديون المتضخمة وأمكن للهيئات المتعاقبة انجاز عمل مدروس وناجع في كل الاصناف فبرزت المواهب والطاقات الواعدة حتى ان الانتدابات كانت نادرة وحسب الاحتياجات. الانحدار عرف الفريق نكسة على مستوى النتائج وظل يتأرجح بين القسمين الثالث والثاني، والاسباب متعددة، فالمكارم اشتكت من نرجسية بعض الرؤساء وغياب الاستمرارية على المستوى الاداري وعدم الشفافية في التصرف المالي والانخراط في الانتدابات العشوائية التي استنزفت خزينة الجمعية، اضافة الى الاهمال التام للعمل القاعدي على مستوى الشبان حتى ان الرئيس «فتحي فرحات» الذي راهن على التكوين خلال موسم 2000 2001 وقعت ازاحته لأنه لم يضع من أولوياته الصعود الى القسم الوطني، ولعل العلامة البارزة في هذه المرحلة غياب خطة مدير فني للشبان حسب ما يقتضيه الفصل 59 من القوانين العامة للجامعة الذي ينص على ضرورة تكليف مدرب حائز على الدرجة الثانية على الاقل بالنسبة للرابطة المحترفة الثانية بهذه المهمة، ووقع الاقتصار على مدربين لم يواكبوا تطور اللعبة فضاع الشبان في الزحام، لكل هذه الاسباب عرفت في الفترة الاخيرة عزوفا عن تحمل المسؤولية بسبب قلة الموارد المالية وكثرة الوعود الزائفة وهو ما عاناه على سبيل الذكر خالد بن يوسف ومعز المصمودي ورؤوف التركي ولطفي لعبيّد وفتحي بالرجب وغيرهم. هذه الازمة أدت الى عدم خلاص المدربين واللاعبين والمزودين فتعددت القضايا والاحكام الصادرة عن لجنة النزاعات ليقع الحجز على عائدات المكارم وتزداد الامور حدة. في المفترق ارتقاء «حسام البرّي» الى سدة التسيير خلال الموسم المنصرم 2008 2009 لاقى معارضة شديدة من بعض «المتزلفين»، وحمل بوادر الامل بسبب السخاء الذي أبداه والتسهيلات المالية التي وفرها لصندوق الجمعية الذي انتعش، وقديما قالوا: «المال قوّام الاعمال»، الا ان تسيير الجمعيات يقتضي الحنكة والحرفية والتبصر وحسن التصرف «La gestion» وهو ما افتقده حسام البري نظرا لإنعدام تجربته وحتى لا يقال «البرة كيف طيح تكثر سكاكنها» حريّ بنا ان نستعرض اسباب فشله خلال الموسم المنصرم، فبالاضافة الى انفراده بالرأي وعدم استقرار اعضاء الهيئة بحكم التغييرات والانسحابات واللخبطة في التسيير وال «charisme» الشخصي عوّل على اشخاص غير قادرين على افادة المكارم واعطى الثقة في اخرين استغلوا انفاقه بلا حساب، كما لا يفوتنا التذكير بظاهرة تداول المدربين: لسعد معمر ثم شكري الخطوي ثم محمد الجلاصي ثم كمال العزابي مع الانتداب الشخصي لبعض اللاعبين مثل راغب بن جريد ونور الطبوبي دون الانتفاع بخدماتهما، وبالرغم من ضخه لأموال طائلة فقد لعب الفريق من اجل تفادي النزول. خلال الموسم الحالي 2009 2010 تفاقمت الاخطاء ولعل ابرزها اختياره للمدرب الاجنبي الجزائري مجدي الكردي دون استشارة اعضاده والقيام بانتدابات عشوائية وفاشلة من الاساس وبأثمان باهضة كما بيّناه في عدد سابق مع اعطاء المدرب «كارت بلانش carte blanche» في كل شيء والحط من قيمة اعضاء الهيئة «ما تتعاملوا كان معايا والمدرب» هذا الاخير «وجد المدينة خالية، فأقام فيها الآذان» وكنا قد أتينا على تجاوزاته المتعددة، فحسام البري بلغت مصاريفه الخاصة قرابة 850 مليون والفريق يقبع في ذيل الترتيب، اما على المستوى المالي فيجدر القيام بالمقارنات التالية: خلال موسم 2006 2007 بلغت منحة الانتاج 80 الف دينار والاجور الشهرية 14 الف دينار، وخلال موسم 2007 2008 140 الف دينار لمنحة الانتاج و 16 الف دينار أجور والموسم الفارط 2008 2009 كانت 150 الف دينار لمنح الانتاج و 21 الف دينار كأجور شهرية مع 70 الف دينار لانطلاق الموسم، اما خلال الموسم الحالي 2009 2010 فمنح الانتاج بلغت 351 الف دينار (!!!) والاجور 30 الف دينار (!!!) وهو ما يطرح اكثر من سؤال حول هذا التصرف (؟). وقد وقع تخصيص او صرف 300 الف دينار لانطلاق الموسم (!!!) فكيف ستتخلص المكارم من هذه التركة الثقيلة؟ آفاق المكارم أضحت في حاجة ماسة الى ثورة كاملة وشاملة على جميع المستويات اداريا وتسييريا وماليا حتى تسترجع سالف هيبتها واشعاعها وهذا لن يتم الا بتضافر الجهود والتآزر بين كل مكونات هذه العائلة واتفاق الرؤى وهو مطمح لابد ان يتجسم ليصبح التفاؤل مباحا.