يجري النقاش هذه المدّة حول اصلاح أنظمة التقاعد وتطويرها ونظرا لأهمية الموضوع بالنسبة للشغالين، فإنّنا نساهم في هذا النقاش من خلال عرض عدد من وجهات النظر. المهندس عزالدين مبارك الذي سبق له أن كتب في مجالات عديدة خصّنابالمقال التالي الذي يعرض فيه جملة من الحلول الكفيلة برفع العجز عن نظام التقاعد. الدعوة مفتوحة لمزيد من النقاش وتبادل الآراء. يعتبر نظام الضمان الاجتماعي من أهم الروافد الأساسية للسياسة الاجتماعية في بلادنا وقد تطورت الخدمات والتغطية فشملت جميع الفئات من أجراء وفلاحين ومستقلين وغيرهم. كما انّ نظام التقاعد هو حجر الأساس لما له من وزن وأهمية لدى الأجراء وهو المعين وقت شيخوختهم. ويمكن للمرء أن يلاحظ بأنّ هذا النظام قد وصل إلى مرحلة النضج والاستقرار بعد تجاوزه لمراحل من التعديلات جاءت حينا لتحسين مستوى الخدمات وسحب التغطية على فئات جديدة وأحيانا أخرى للبحث عن التوازنات المالية وذلك بالرفع من المساهمات. وفي ظلّ التحولات الاقتصادية المتعاقبة ظهرت بوادر العجز في الميزانية مهدّدة ديمومة نظام الضمان الاجتماعي. والعوامل التي أدّت إلى هذه الوضعية تعود إلى عدّة أسباب من أهمها: 1 الارتفاع في عدد المحالين على التقاعد مقارنة بعدد المنتدبين الجدد: فبعد الاستقلال سنة 1956 دخل إلى سوق العمل عدد كبير من الناس وخاصة بعد السياسة الحكيمة في نشر التعليم والقضاء على الفقر. فقد تميّزت تلك الفترة بتوسّع اقتصادي كبير جعل من التشغيل سياسة الدولة الأولى. وبداية من السبعينات عرفت تونس صعوبات جمة في الرفع من وتيرة التطور الاقتصادي وصل إلى حدّ الركود سنة 1986. وهذه الأزمات الاجتماعية والاقتصادية ذات الأبعاد الخارجية والداخلية أدّت إلى ما يسمّى بالاصلاح الهيكلي واعتناق اقتصاد السّوق وتخلّي الدولة عن وظيفتها التشغيلية بحيث أرست سياسة عمادها التحفيز والتشجيع على المبادرة الخاصة. فتقلّص عدد المنتدبين في الوظائف الحكومية كما وقع التفويت في عدد من المؤسسات التي عرفت صعوبات في التأقلم الى القطاع الخاص. هذه التحولات الهيكلية للاقتصاد التونسي مع ظهور شبح البطالة طويلة الأمد والتي استقطبت خريجي التعليم العالي. كما تطوّر الاقتصاد الهامشي والموازي والخفي وأصبح في ظرف وجيز يعجّ بالعمالة التي لم تجد حظّا في السوق الرسمية. دليل صحة إذن وبما أنّ النظام المتبع هو نظام توزيعي بحيث تموّل المساهمات المتأتية من النشيطين الحاليين مجموع المتقاعدين، فإنّ النسبة المعتبرة بين عدد الفئتين يصبح مؤشرا على صحة النظام وديمومته.