على هامش الدورة الأخيرة لأيام قرطاج المسرحيّة التي تزامنت مع مائوية المسرح التونسي ... وماحدث فيها من حيف تجاه رجال المسرح بحجب الدعوات عنهم وتنفيل الدخلاء بها ... وهو الأمر نفسه الذي أصاب حفل التكريم ... إذ غيبت عنه العشرات من الوجوه المسرحية الفاعلة في مسار نهوضه عبر الإنتاج... أو المسرح المدرسي الذي مثل ثورة ثقافية آبداعية بدّلت من بنية هذا القطاع ورفعت من المستوى المعرفي الفني للعاملين فيه... وعلى حافة هذه التظاهرة التي أفل نجمها تناكب عدد من المسرحيين على درب تلميع الذات و النرجسية الفنية بصيغة صبيانية مضحكة : فهذا يّدعي أنه قاطرة المسرح وآخر يفيد بأنه »حنطوره« وبين الجار والمجروربه تصحر وتشرد و تموقع في خصائلية آبداعّية وطوائف فنية عائلية داخل كيانات الشركات المسرحية الخاصة ... هي حسب »الباتيندا« دكاكين للسلعة المسرحية ... وحرفتها »السينوغرافية «المستوردة من البلاد الغربية بلكنتها التغريبية ورفضها للثقافة الوطنية وجلدها للهوية ونبذها للغة العربية وحلت بين ظهرانينا كالبلية... إذا تقتات من الأموال العمومية، ونتيجة لهذه الأيام المسرحية كانت أحسن مسرحية سورية تتحدث عن القضية الفلسطنية تليها مسرحية تونسية وأخرى المانية .. أمّا مسرحية »حب ستوري « فهي فضيحة فنية في سردها لتفاصيل جنسية .. ممّا أجبر أحد المسرحييّن العرب على الإنسحاب من العرض أمّا معرض تاريخ الحركة المسرحية عبر الصورة و الوثائق فرغم أهميته، شابته نواقص عدة ... نذكر منها : تقزيم الحركة المسرحية ورموزها داخل البلاد وتشويه حقائقها وخاصة بجهة الساحل التي كانت رائدة عند تأسيس المسرح التونسي، وأن وثّقت تجارب المسرحي الرائد محمد بورقيبة فقد أسدل الستار على الرائد الثاني ابراهيم الأكودي وهو المدير الفني لجمعية الأداب العربية التي بقيت سنة 1912 بعد جمعية النجمة وفي زمن لصيق مع جمعية الشهامة العربية .. وعهدت خطة الكتابة العامة للثعالبي .. هذا ما رواه لنا الأستاذ محمد الحبيب حين تتلمذنا على يديه في معهد الفن المسرحي وأكد هذا الرجل الحافظ لتاريخ الحركة المسرحية الوطنية أنه انخرط في جوق الآداب سنة 1919 ووصف رحلتها التاريخية الى القطر الجزائري وعرضها لمسرحيتها الناجحة صلاح الدين الأيوبي بلغة الضاد بالفتح المبين ... ومحمد الحبيب يعترف بأنه من الساحل : من »لمطة « بالتحديد قبل انتقال عائلته التركية الجذور الى الحاضرة ومزاولة تعليميه بجامع الزيتونة المعمور ..كما لمسنا عند هذا المعرض وفي الجناح المخصص لتاريخ الفرق القارة .. قلبا للحقيقة في حق الفرقة القارة للتمثيل بسوسة والتي تزامن بعثها مع فرقة صفاقس التي أدارها في أول أيامها الفلسطيني أكرم الدباغ .. وهي لعمري التجربة الوحيدة القارة التي أسندت إدارتها الى الأستاذ محمد الزرقاطي المسرحي المعروف بكفائته .. واعترفت بها وموّلتها اللجنة الثقافية الجهوية بسوسة الساحل .. قبل تقسيمها إداريا الى ثلاثة ولايات .. فأخرج لها المسرحي القدير محمد الزرقاطي ثلاثة مسرحيات : »السلطان الحائر« و»شمس النهار« لتوفيق الحكيم و»موتى بلا قبور« لجان بول سارنز : فيلسوف الوجودية .. كما عمد المشرف على جناح هذا المعرض المنجي بن ابراهيم بانتحال صفة الباعث للفرقة القارة للتمثيل بالمهدية والحال أنني أنا الذي بعثت نواتها الأولى عندما بعثت ولاية المهدية وأخرجت لها مسرحيتي المعروفة »وجوه الى البحر« التي سبق أن أخرجها الجودي في الفرقة القارة للتمثيل بصفاقس .. كما قفز هذا المعرض وسكت على تجارب مسرحية هامة بالساحل نذكر منها على سبيل العد لا الحصر .. »البعث المسرحي بالمنستير « و»المسرح التجريبي« الذي قمت ببعثه في سوسة وأنتجت معه المسرحية الرائعة والناجحة »طريق السلامة « وكذلك تجارب هامة أخرى في »الاتحاد المسرحي بسوسة« بين محمد الزرقاطي ومراد كروت، فانتاجات هذه الفرق المذكورة كانت أعمق من ناحية النص وأرفع على مستوى الآداء والإخراج من التجارب شبه القارة التي وجدت بعد تجربة محمد الزرقاطي والتي كانت دون المستوى الثقافي والمسرحي لأبناء الجهة .. فسقطت وحُلت في مدة وجيزة .