إنّ المبادئ الانسانية مهما كان نوعها ومهما كانت قيمتها الحضارية هي التي نجتمع حولها، هي العقد الذي ننخرط فيه جميعا ليمسك بنا ويشد أزرنا، هي مع العرف والتقاليد والقوانين التي نشرعها، القاعدة الأساسية التي يتكوّن المجتمع بها ويتعامل بعضه مع بعض على هديها »لايلاف قريش ايلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا ربّ هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف« هذه الرحلة هكذا هي المناسبة الفضلى للتقارب والتفاهم بين أهل قريش بما يجعلهم يشتركون فيها من عادات وتقاليد ومعارف وقيم يتعاملون بها في ما بينهم فتؤكد وجودهم وتصنع لهم وجدانهم الجمعي الذي سيؤلف بينهم كما كانت من قبل سوق عكاض التي يتبادلون فيها إلى جانب ما يتبادلونه من البضائع أفكارهم ومشاعرهم وطموحاتهم والأهم من كل ذلك مبادئهم لأنّ المبادئ هي العملة الصعبة الحقيقية التي لا يستطيع الناس التفريط فيها أبدا مهما اختلفت مصالحهم وتنوعت فيها مذاهبهم ومشاربهم وأنّه اذا ما ضاعت هذه المبادئ أو اختلفت كثيرا في أصولها وجذورها ضاع مجتمعهم واختلفوا وتخالفوا وذهبت ريحهم على حدّ تعبير شوقي. إنّما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا وإنّ شعبا لا ينخرط في منظومة أخلاقية ما ويتحمّس لها ويدافع عنها لهو شعب في حالة فوضوية، متذبذب ومضطرب تتصارع فيه الأهواء وينتشر فيه الظلم والطغيان وتتلاعب به الأطماع ولا يهتدي أبدا الى الطريق الصحيح ولا يتطوّر. ناهيك بهذه المبادئ والقيم المطلوبة اذا ما تخلّى عنها ما يعرف عنهم بصا نعيها والساهرين على بقائها ومنشطيها المثقفون من المعلمين والأساتذة في الثانوي أو في الجامعة والمعروفون عادة بالمربين لأبنائنا وهم المكونون أيضا لأجيالنا السابقة واللاحقة. ومن أهم هذه المبادئ التي نحرس عادة على الإلتزام بها هي تلك التي تعرف بشروط البحث العلمي التي على كل باحث في العلم أو معلم له أن يلتزم بها الصدق والأمانة والنزاهة والموضوعية الكاملة لكنّه للأسف ربّما بتأثير من أخلاق العولمة الزاحفة علينا من كل مضرب قد صار المربون أنفسهم يتخلّون تدريجيا عن هذه المبادئ وإلاّ فماذا يعني انتشار التشكّي بين الطلاب وحتى بين الأساتذة أنفسهم من عدم المصداقية في اصلاح الامتحانات وتقديرها ووضع العلامات الحقيقية التي تستحقها؟ إذا كانت هذه القضية صحيحة فيا ويلنا ويا ويل تلاميذنا وطلبتنا ومجتمعنا كلّه من سوء العاقبة، قد يختلط الحابل بالنابل وتكون نتائجنا كلّها مغلوطة في المستقبل يسقط الذي يستحق النجاح وينجح الذي لا يستحقه ونفقد بالتالي ثقتنا في ما بيننا ونفقد مع ذلك كل مرجعية لنا. أمّا ما يعرف عندنا بدروس التدارك أو »الليتيد« وما تبعها من دروس خصوصيّة فإنّه لخطأ بيداغوجي واضح أيضا قد وقعنا فيه منذ زمان أضعف المقدرة التعلمية لدى الطالب بدلا من تقويتها كما قلّل من الاحترام المتبادل بين التلامذة والمعلمين وزاد من نفورهم من التعليم كما أنّ هناك نتائج أخرى خطيرة يسهل على الجميع ادراكها دون الحاجة إلى الاشارة إليها أو تحليلها.