أيام قليلة فقط مازالت تفصلنا عن بداية فعاليات كأس أمم إفريقيا والتي ستُقام وكماهو معلوم على أراضي أنغولا، وستة عشر فريقا سيكونون كالعادة عند خط بداية هذا السباق من أجل كسب ودّ الأميرة الافريقية في حفل زفافها ال27 إذن مهرجان كروي إفريقي هام سيهتل وطيلة 20 يوما قبلة للجماهير الرياضية الإفريقية وحتي العالمية من مختلف أصقاع الدنيا وأرجائها كما سيكون فرصة مواتية للمسؤولين من أجل إلقاء نظرة تقييمية وعن كثب على واقع الكرة الافريقية عامة ومدى فعالية هذا العرس الافريقي خاصة.... مما يمكّن من تعديل الاوتار وضبط ايقاع كرة القارة السمراء في ظلّ تطور ملحوظ لسمفونيات الكرة الاسيوية والامريكية اللاتينية وحتى الشمالية! لا يختلف عاقلان في قيمة كرة القدم الافريقية والتي استطاعت وعلى مرّ العقدين الآخرين أن تنير سماء أوروبا بنجومها الساطعة والتي حفظها التاريخ للابد ودون نسيان ولعلّ هذا يدفع بنا لنتساءل عن حال كرة القدم على أراض القارة وبالقرب من أكبر مناجم المواهب الرياضية وعن واقع المسابقات المحلية الضعيفة كما يظلّ السؤال المركزي متعلق بمدى استقلالية الكأس الافريقية التي هيمنت عليها الايادي الاوروبية وأرجلها سواء أكان ذلك إداريا وتنظيميا أو كرويا وفنيا! كلّنا يعلم أن العرس الافريقي الكروي يُشرف على تنظيمه الاتحاد الافريقي لكرة القدم والذي يقبع بدورهتحت راية الاتحاد الدولي هذا الهيكل الذي تُشرف على تسييره بصفة عامة كتيبة أوروبية لها تأثيرها الكبير على تسيير الكرة السمراء وتحديد توجهاتها بما يتماشى مع مصالحها طبعا ولعلّ ما يؤكد ذلك، تلك النداءات المتصاعدة من أجل جعل الكأس الافريقية تنظم كلّ أربع سنوات بدل السنتين خدمة طبعا للكرة الاوروبية دورياتها كما أن عملية التنظيم ملتقى كروي في حجم نهائيات كأس إفريقيا أمر مكلف وبل ويكاد يكون مستحيل في دول افريقية تعاني ولاسباب يطول شرحها الفقر والخصاصة لذلك نجد الايادي الاوروبية تتولى هذه العملية مما يدرّ عليها المليارات في إطار ما يسمّى عمليات الاستثمار وهو أمر يجعلها تفرض الطابع الاوروبي على هذا الملتقى الافريقي البحت. إن الكرة الافريقية في حقيقة أمر محكوم عليها أن تظلّ في تبعية أوروبية دائمة تحدُّ من فعليتها ومن الافادة التي يمكن ان تعود على سكّان القارة السمراء، فحتى الاعبين وللاسف والذين يشاركون مع منتخباتهم في أكبر محافل الرياضة الافريقية لا يعدوا أن يكونوا إلاّ أقدام أوروبية تلعب على أراضي إفريقية وأمام جماهير سمراء فأجسادهم في إفريقيا تصبح رخوة بعد ان كانت صلبة في الذود عن راية »تشلسي« و»مارساي« أو »الإنتر«... ونظرتهم لمنتخباتهم لا تتخطى تلك النظرة المادية المتكبرة على الجماهير التي أحبتهم وشجعتهم فأجسامهم في إفريقيا وعقولهم في رابطة الابطال الأوروبية و»الكالشيو« و»الليغا«... حيث تصرف المليارات في اليوروهات بل وتمدّ الصكوك على البياض، وهو ما يجعل اللعب من أجل رفع الراية الوطنية لدى البعض حتى لا نُعمّم امرا شكليا والمشاركة مع منتخباتهم الوطنيةضربا من ظروف »العلاقات العامة« لتحسين صورهم وتلميعها لدى الجماهير العاشقة. إذن نجوم كروية إفريقية ترعرت بين ملاعب القارة العجوز ستؤثث بداية من يوم 10 جانفي الجاري الكرن الاكبر من فعاليات كأس أمم افريقيا، حيث سيكون الرهان على أشدّه بين منتخبات تُعوّل بنسبة كبيرة على هاته الاسماء فكتيبة المنتخب الافواري مثلا أحد أبرز المتراهنين على اللقب تضمّ كلها عناصر محترفة في أوروبا إذا ما استثنينا حارسيْ المرمى ونُدرج على سبيل الذكر لا للحصر »دروغبا« و»سالمون كالو« (تشلسي) ويايا توري (برشلونة)... كما أن المنتخب الغاني منظم الدورة السابقة سيخوض »كان« أنغولا بنجومه في الدو ريْ الانقليزي والألماني على غرار »إسْيان« (تشلسي) و»هانس آدي سارباي« (بايرن ليفركون)... هذا وسيكون المنتخب الكامروني حاضرا بقيادة »اينو« (الانتر) »وتجيناب« (نيوكاستل) »وانْبيا« (نبفيكا) في رحلة البحث عن لقب غاب عنهم منذ سنوات كما ستشهد هذه النسخة عودة الخضر الجزائريين بنجومه المتألقة في الدوريات الأوروبية على غرار »بوقرة« (رينجرز) و»عنتر يحي« (بوخوم). وبالرغم من هذه الترسانة الكبيرة من النجوم الافريقية التي أنبتت علوّ كعبها على ميادين أوروبا وجب التذكير بأنّ لقب الدورتين السابقتين كان من نصيب المنتخب المصري والذي لعب بلاعبيه المحليين وبإطار فني مصري بحت وهو أمر يطرح نقطة إستفهام كبيرة بشأن مردود المحترفين عند مشاركتهم في كأس إفريقيا ويضع نجوميتهم في الميزان. وما يزيد الطين بلّة هو تحول هذا العرس الافريقي في الدورات الاخيرة الى سوق كبيرة للسماسرة ووكلاء اللاعبين يبرمون من خلالها الصفقات المالية المشطة ويضمنون العقود، لمن برق نجمه مع أعتى الفرق الاوروبية. وإذن هكذا تظلّ كأس إفريقيا رغم أهميتها تشكو عديد الصعوبات، خاصة مع عجز واضح لاهل الديار في توجيه القافلة، وسوء تسيير في صلب الاتحاد الافريقي لكرة القدم قد يُفسّر هجرة المواهب الى أوروبا بلا ثمن، كما يُبيّن ضعف مستوى دوري الابطال الافريقي بل حتى كأس افريقيا المنارة الكبرى والتي زُيّنت وللاسف بغير حلّيها ولُعبت بأقدام أوروبية؟!