كتب المفكر العالمي «تودوروف» منذ سنوات قليلة كتابا صغيرا في حجمه عميقا في تناوله بعنوان : »الأدب في خطر«، انتقد فيه مناهج التدريس الحديثة التي خسفت من شأن المواد الادبية لحساب المواد العلمية في فضاءات التعليم في الغرب. واذا كان تودوروف قد اطلق صيحة فزعه هذه للعالم المسمى متقدما الذي مازال ينتج اليوم الفن والفلسفة والسينما بمعدلات قياسية مقارنة بما ينتجه العالم العربي، فما ترى يكون بحجم صيحة الفزع التي يمكن ان نطلقها نحن العرب الذين لا تنتج اقطارنا مجتمعة من الكتب في سنة مقدار ما نتتجه اسبانيا منفردة وحتى ما تنتجه من الكتب لا يجد له قراء، وما معضلات التوزيع التي يعاني منها الكتاب العربي الا خير شاهد، وسيزداد الفزع عندما نلاحظ ان لغتنا العربية نفسها قد باتت مهددة بأمية مستعمليها الذين إمّا يستعيضون عنها باللغة الاجنبية أو بأجنبية هجينة والتونسيون مثلا يتكلمون اللهجة المحلية وفي اعتقادهم أنها اللغة العربية اما إن كتبوا فأغلبهم لا يفرق بين جمع ومثنى وبين منصوب ومرفوع. بل ان الجيل الجديد صارت حاله أشد عسرا باعتبار عزوفه شبه التام عن الكتابة أصلا، فلا القراءة والكتابة باتت تستهويه، ولا رسائل الحب بقيت ملاذا لانفعالات مراهقته ولا الهاتف ترك له مجالا للكتابة.. هذا الهاتف المحمول الذي أنشأ لغة تخاطب خاصة عبر رسائل »الس ام آس« هي مزيج بين حروف وأرقام تمازج في الفاظ لا يفك شفراتها الا عبقري، وقد انتقلت لغة الهواتف هذه الى لغة للكتابة والتخاطب عبر الانترنيت، حتى صار الحديث بين اثنين عبر الحاسوب يتم بفرنسية تكتب كما تنطق ولا تخضع لأي قواعد واضحة، هي عربية مفرنسة وفرنسية تنضح اخطاء وانليزية مقحمة قسرا... لتكون النتيجة هي الجهل بأبسط قواعد الكتابة بكل اللغات، ولتكون اللغة فعلا في خطر خاصة وكل المربين في مختلف مراحل التعليم (ابتدائي وثانوي وجامعي) يشتكون ضعف التلاميذ في التعبير وبكل اللغات، أضف الى كل هذه الهجنة تردي اللغة المستعملة في الاشهار (مثلا وقتاش تعلّس) وانحطاط بعض مقاطع الحوار في لغة المسلسلات التلفزية المحلية اما لغة المسرحيات التي تعرض هذه الايام فالأمر بها أخطر من زاوية البذاءة والايحاءات المشينة. على الجميع ان يتفطن لخطورة الامر، فإستعمال العربية اليوم كتابة أو كلاما بات أمرا مثيرا للاستغراب والدهشة عند سكان تونس الجميلة ومستعملها اللغة العربية أضحى عرضة للسخرية... (حدثني الشاعر ذات يوم عن حوار جمعه عبر »الفايس بوك« مع فتاة تدعى شهرزاد كانت تكتب بالفرنسية ويجيبها بالعربية حتى سألته فجأة ألست تونسيا؟ قال نعم قالت لما لا تكتب بالفرنسية اذن) هذه شهرزاد الحكاية والقول في مخيالنا العربي فما بالك بالاخريات. إن الشعب الفرنسي لما تفطن لما يحيق بلغته من خطر حوّل حصص الالعاب التلفزية في قنواته الى حصص تعلي من شأن اللغة وترعاها وحوّل المسابقات الى مسابقات يتنافس فيها المشاركون حول الالمام بالقواعد اللغوية والحفاظ على المخزون المعجمي... فماذا نحن فاعلون...؟ هل تتفطن تلفزاتنا الوطنية للأمر فتبث مثلا مقاطع شعرية منشدة بلغة عربية سليمة لتعويد أذن الملتقي على اللغة الصحيحة فالشعر هو حارس اللغة بامتياز وهو حاميها الذي وصل بها من عصور ما قبل الدولة...؟ وهل تقرأ مقاطع من قصص وروايات المبدعين على الجمهور المشاهد لتخلق ألفته مع النص المكتوب بعربية صحيحة... بغاية تجاوز اعاقة عدم الاقبال على القراءة الذي بات ميزة هذا العصر التكنولوجي... فهل ستكون سنتنا الجديدة هذه سنة الرعاية الموصولة للغتنا العربية.