أخيرا استبشر المعنيون بالإعلام التونسي و المصرون على إنجاح المسار الانتقالي في بلادنا بإعلان رئاسة الجمهورية يوم 03 ماي الجاري عن التشكيل النهائي للهيئة المستقلة للإعلام السمعي البصري. وإن عبّرت نقابة القضاة وبعض مديري المؤسسات الإعلامية عن رفض أو تبرّم من هذه الهيئة، فإنّ هناك شبه إجماع حاصلا بكون الهيئة كانت وفيّة لتفاصيل المرسوم 116 وبتمتّع جلّ أعضائها بصفات المهنيّة والإستقلاليّة والتجربة وعدم إسناد الديكتاتورية التي تمّ الاتفاق على كونها أهم شروط الالتحاق بها. وقد بعث هذا الإعلان برسالة طمأنة هامة للتونسيين قطعت مع الشكوك الكبيرة بعدم ظهور الهيئة أصلا، و تجاوزت إرادة البعض في إشاعة الفوضى في القطاع السمعي البصري و حسم تعديل القطاع سياسيا . غير أّنّ أعضاء الهيئة أنفسهم مدركون تمام الإدراك أنّ الصعوبات التي ستلفّ عملهم طيلة المدّة المقدرة لمهمتهم ستفوق بكثير المخاوف التي سبقت إعلان الهيئة . و ستستبطن هذه الصعوبات بعض الشكوك التي سادت نقاشات إعلان الهيئة من قبيل غياب إرادة سياسية جادة في بعث هيئة مستقلة، ومحاولة فرض أسماء بعينها في إطار محاصصة حزبيّة تكرس سياسة الهيمنة والإقصاء. وهذا الاستبطان لن ينقشع إلا بامحاء أيّ عوائق مصطنعة لعرقلة عمل الهيئة التنظيمي والتعديلي بما يعنيه من توفير المقاربة اللائقة و الضروريّة، و الأجور العادلة و طواقم العمل الكافية و كلّ المستلزمات اللّوجستيكية لنشاط مضن ومتواصل، إضافة إلى القبول الطوعي والواعي بقرارات الهيئة و مقترحاتها. إنّ المناخ السياسي العام الذي ستشتغل فيه الهيئة يلفه كثير من الغموض و التعقيد و تتقاطع فيه المصالح و النفوذ، وتُفتقد فيه المعرفة بماهية الهيئة و مجال عملها، كما أنّ المواضيع التي ستُدرس على غرار وضع المؤسسات الإعلامية الناشئة و طرق دعمها، و أساليب التعامل مع الإشهار السياسي، و موقع تلفزيونات القرصنة في العملية الإنتخابية، و نسبة الترخيص للإعلام الجمعياتي، و مآل التعيينات على رأس الإعلام العمومي و غيرها ستخلق إشكاليات عويصة سيُتّجه في بعضها للقضاء، إلّا أنّ التوافقات السياسيّة التي قد تحصل في بلادنا، و التي قد نشاهد بعضها في الشوط الثاني من لقاء الحوار الوطني الذي دعا له اتحاد الشغل، سيعجّل بحلّ كثير من العوائق المفترضة. لكن الإعلام سيلعب مرّة اخرى دورا هاما في الدفاع عن عمل الهيئة باعتبار أنّها تُقدم كضامن للحريات الإعلاميّة وكمدافع عن حقّ النفاذ إلى المعلومة، وسيُساعدها في تقريب مهامها وأنشطتها إلى أكثر ما يمكن من المهتمين بالموضوع و سيفتح لها مساحات كافية لمناقشة القضايا الشائكة التي ستدرسها. لكن سيبقى احترام الهيئة لحرية التعبير في مقترحاتها و إجراءاتها هو المحدّد في طبيعة التعاطي الإعلامي مع الهيئة بمعزل عن موقف الإسناد المبدئي، لأنّ تبنّي أسس العمل العالمية والمواثيق الدوليّة في الصدّد هو الذي سيكون الضامن الوحيد لسدّ الباب أمام النفاذ الحزبي والمالي لأعضاء الهيئة وإستراتيجية عملهم. __________________________________________________________ **الفاهم بوكدوس،صحفي ورئيس وحدة رصد توثيق الانتهاكات بمركز تونس لحرية الصحافة