أصدر الكاتب والصحفي الصافي سعيد مؤخرا كتابا جديدا بعنوان "الكيتش 2011" مؤلف من أكثر من 500 صفحة ويتناول بطريقة شيّقة قصصا لعدّة شخصيات من جنسيات ودول مختلفة يلتقون بصورة أو بأخرى في سياق أحداث مليئة بالتشويق برع الكاتب في سردها إلى درجة أن القارئ يشعر أنه يتابع أحداثا حقيقية. ولعلّ هذا التقارب مع الواقع مردّه أن الأحداث التي يرويها الصافي سعيد مبنية على آخر المستجدات التي تعيش على وقعها دول ما يسمّى ب"الربيع العربي" وخاصة تونس، حتى إنه يتطرّق إلى اغتيال الشهيد شكري بلعيد وما راج عن علاقة أرملته بأحد المخرجين، ولكن بطريقة مبطّنة واستعمال أسماء غير حقيقية. وينقل الكاتب والمترشح الرئاسي السابق عبر شخصيات روايته انطباعات وقراءات مختلفة للثورة التونسية و"ثورات" ليبيا واليمن وسوريا، ولكن جلّ هذه الشخصيات تكاد تجمع على أن ما حصل في تونس لا يعدو أن يكون خطة معدّة من الخارج وقع تنفيذها بواسطة ما أسماه سعيد ب"العين الثالثة"، وذلك من خلال توظيف شباب ومنظمات تتجنّد للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات خدمة ل"الرأسمالية". ولم ينس الكاتب أيضا أن يمرّ إلى من يعتبرهم الفاعلين الحقيقيين في ما يسمى ب"الثورات"، بل وحتى وراء خلق تنظيم "داعش" الإرهابي، واللاعبين الفعليين بجميع الأوراق منها تغيير ما يعرف ب"خليفة المسلمين"، وذلك أيضا في إطار إشارة مبطّنة ل"أبو بكر البغدادي". ويتكوّن هؤلاء اللاعبون بالأساس من شخصية سعودية وأخرى قطرية يتمّ تعويضها في النهاية والأهم منهما شخصية إسرائيلية يبدو أنها تدير كل مفاصل اللعبة. ولئن أبدع الصافي سعيد في سرد كلّ هذه الأحداث وفي جعل مجموعة من الشخوص التي تأتي من خلفيات ايديولوجية وجنسيات متعددة ولا قاسم مشترك يجمعها وتعيش قصصا مختلفة، ترتبط ببعضها البعض بل وحتى تلتقي حول مجموعة من المصالح والأعمال وأحيانا الحب، وذلك دون أن يقع في الحشو الذي لا حاجة له بل بجمالية وانسيابية رافقت التشويق المصاحب للرواية بأكملها، إلا أنه غرق في نظرية المؤامرة وجعل الثورة أو الانتفاضة التونسية وغيرها مجرّد تخطيط من كبار رؤوس الأموال يهدف إلى تقسيم جديد للعالم العربي وتنفّذه أدوات خليجية خدمة لمصالحها الشخصية. كما ان الكتاب طغت عليه النزعة الذكورية للصافي سعيد والتي تجلّت في عدة مواقف من خلال نظرة شخصياته الذكورية للنساء الحاضرات في روايته، هذا علاوة عن سقوطه في فخ العنصرية من خلال استعمال وصف غير لائق لأصحاب البشرة السوداء والأحكام المسبقة عليهم. لا يمكن إنكار أن الكتاب في مجمله شيّق جدا لدرجة تجعل من الصعب على القارئ أن يتوقف عن قراءته باسترسال، إلا أن الصافي سعيد الذي أراد التشهير بالرداءة التي احتلّت الدول العربية على جميع الاصعدة، الثقافية والسياسية والاجتماعية والفكرية، وقع من حيث يدري أو لا يدري في بعض من الرداءة حين كرّس النظرة الذكورية المتعفنة والعنصرية التي يعاني منها الكثيرون في تونس، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى نخب مثقفة حقيقية تقاوم هذا "الكيتش" المسيطر على مجتمعنا.