بداية من هذا التاريخ: لا مجال للفواتير الورقية... والغرامات تصل إلى آلاف الدنانير    تحذير صحي عاجل: ''لا تستهلكوا الأسماك النافقة بسواحل المنستير''    الهيئة الوطنية للسلامة الصحية تدعو سكان المناطق الساحلية الى عدم استهلاك الأسماك النافقة    ضخ كميات إضافية من مادة الفارينة المدعمة لمجابهة الطلب في الصيف    مضيق هرمز يُغلق: من المتضرر؟ وهل تشمل الأضرار تونس؟    صفاقس الأولى وطنياً في باكالوريا 2025: نسبة نجاح تتجاوز 55%    معبر رأس جدير: احباط تهريب 22440 حبة "إكستازي" و2200 غرام من الكوكايين    مدينة قليبية تعيش على وقع الدورة 38 لفيلم الهواة من 16 إلى 23 أوت 2025    من منوبة: توأم يحصد المجد في باكالوريا 2025    في مسابقة دولية بلشبونة: تتويج التونسية ملاك العبيدي بجائزة أفضل مؤلف عن الطبخ في العالم    دعوة سُكّان المناطق الساحلية إلى عدم استهلاك الأسماك النافقة لخطورتها على الصحة    تقدّم موسم الحصاد بنسبة 26% وتجميع 4.5 ملايين قنطار إلى حدود 19 جوان 2025    بنزرت: اختتام الدورة الأولى لمعرض الورود ومنتجات النحل بمعتمدية تينجة    الهجوم الأمريكي على مواقع نووية إيرانية: غوتيريش يحذر من "تصعيد خطير" و"تهديد مباشر للسلم والأمن الدوليين"    تحذيرات من موجة حرّ شديدة تسبق مواجهة تشيلسي والترجي في كأس العالم للأندية    الحرس الديواني يحجز بضائع مهربة بقيمة تتجاوز 900 ألف دينار    مبابي يغيب مجددًا عن ريال مدريد    قرى الأطفال "أس و أس": 21 ناجحا في الدورة الرئيسية للبكالوريا..    لقاءات للشراكات التضامنية بين ناشرين مستقلين من العالم العربي والفضاء الفرنكفوني يوم الإثنين بتونس العاصمة    تركيز رادارات جديدة في النقاط السوداء بولاية تونس للحد من الحوادث    مدنين: من أرض عطشى شابة تقطر زيوت الأعشاب لتروي بشرة الإنسان    أوفيدو يعود إلى "الليغا" بعد 24 عاماً من الغياب    عاجل: دليل التوجيه الجامعي 2025 متاح الآن.. وكلمة العبور بداية من هذا التاريخ    باكالوريا 2025: 104 مترشّحًا فرديًا ينجحون في الدورة الرئيسية وشعبة الآداب تتصدّر    توقعات بصمود الصين أمام الصدمات التجارية العالمية    إيران تستخدم صاروخ "خيبر" لأول مرة في ضرب إسرائيل    الرقبي 7 – كأس الأمم الإفريقية بموريشيوس 2025: فوز لتونس في الدور الثاني    بلدية مدينة تونس: تواصل اشغال الصيانة بعديد المناطق التابعة لها    المعهد الوطني للتراث:انجاز نشاط ميداني حول مشروع بحث عن موقع تابسيس الاثري    عاجل: ترامب يعلن ضرب 3 منشآت نووية إيرانية ويهدد بالمزيد    القيروان: وفاة أب بعد سماعه خبر نجاح ابنته في الباكالوريا    إيران: لا تلوث إشعاعي بعد القصف الأمريكي على منشآت نووية    كأس العالم للاندية.. فلومينينسي البرازيلي ينتصر على أولسان الكوري الجنوبي    ترامب يوجه خطابا للأمة والعالم بعد قصف منشآت إيران النووية    التلفزيون الإيراني: تم إخلاء المنشآت النووية الثلاث في نطنز وفوردو وأصفهان منذ فترة    بعد إطلاق سراحه من سجن أمريكي.. الناشط محمود خليل يتعهد باستئناف تأييده للفلسطينيين    قصور الساف .. «حكايات القهوة» بدار الثقافة البشير بن سلامة .. سحر البُن.. وعبق الإبداع والفن    صيحة فزع    رانيا التوكابري تتوّج بجائزة ''النجاح النسائي'' في مجلس الشيوخ الفرنسي    أنس جابر تغادر بطولة برلين في الزوجي والفردي    عاجل/ نفوق أسماك بشواطئ المنستير.. ووزارة الفلاحة تدعو إلى الحذر..    النادي الافريقي: انتخاب محسن الطرابلسي رئيسا جديدا    مدنين: 56 مريضا ينتفعون من عمليات استئصال الماء الابيض من العيون في اليوم الاول لصحة العيون    الزيت البيولوجي التونسي ينفذ إلى السوق الأمريكية والفرنسية بعلامة محلية من جرجيس    قبلي: اجراء 37 عملية جراحية مجانية لازالة الماء الابيض في اطار اليوم الوطني الاول لصحة العيون    تعمّيم منصة التسجيل عن بعد في 41 مكتبا للتشغيل بكامل تراب الجمهورية    الكاف: لأول مرة.. 20 عملية جراحية لمرضى العيون مجانا    وزير السياحة: التكوين في المهن السياحية يشهد إقبالاً متزايداً    فيديو من ميناء صيادة: نفوق كميات هامة من الأسماك بسبب التلوث    اليوم: أطول نهار وأقصر ليل في السنة    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الفنان أحمد سعد يتعرض لحادث سير برفقة أولاده وزوجته    اليوم: الإنقلاب الصيفي...ماذا يعني ذلك في تونس؟    الانقلاب الصيفي يحل اليوم السبت 21 جوان 2025 في النصف الشمالي للكرة الأرضية    بعد فوزه على لوس أنجلوس... الترجي الرياضي يدخل تاريخ كأس العالم    الأحد: فتح المتاحف العسكرية الأربعة مجانا للعموم بمناسبة الذكرى 69 لانبعاث الجيش الوطني    السبت 21 جوان تاريخ الانقلاب الصيفي بالنصف الشمالي للكرة الأرضية    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التطور في المشهد السياسي الليبي وانعكاساته الجيوستراتيجية على تونس
نشر في حقائق أون لاين يوم 26 - 11 - 2016

تعيش ليبيا منذ بداية عملية القوات المنضوية تحت حكومة...
تعيش ليبيا منذ بداية عملية القوات المنضوية تحت حكومة الوفاق الليبية على تنظيم "داعش" في ليبيا على وقع سيناريوهات "ما بعد سرت" وما "بعد بعد سرت".
الا أن نهايات معركة سرت أسست لواقع جديد لجيوسياسة الصراع في ليبيا عكسه تغيير في تخوم الصراع المرسومة سياسيا بين القوتين السياسيتين المتنافرتين في الشرق والغرب، خاصة مع سيطرة قوات تابعة للقائد العسكري خليفة حفتر في الشرق ومنضوية مع مجلس النواب في طبرق وكذلك ضمن الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الله الثني، على الموانئ النفطية التي كانت تحت سيطرة قوات حماية الموانئ النفطية بقيادة الأخوين الجضران الذين خيروا تغيير تحالفهم مع قوات حفتر لصالح قوات التابعة للمجلس الرئاسي الجديد في العاصمة الليبية طرابلس.
1-التطورات السياسية في ليبيا بعد الصخيرات
ولعل هذا التطور السياسي في الساحة الليبية والذي كان له نتيجة مباشرة على واقع الصراع على الأرض ساهم في تسخين "الصراع البارد" بين القوتين الرئيسيتين من جهة مع محاولات لجس نبض كل منهما في نقاط عديدة سواء سياسية او عسكرية وهو ما ساهم في توتر بين جانبين واستقبل في الخطاب السياسي من مختلف الجهات بحذر شديد، مثال ذلك تصريحات رئيس المجلس العسكري لمصراتة الذي اشار فيه الى أنهم سيحاربون إذا فرضت عليهم الحرب، وهو ما قوبل في الاتجاه الآخر بأن الجيش الليبي لن يحارب قوة ليبية تقوم بمحاربة ارهاب "داعش" ومثلهم في ذلك انهم عانوا من محاربة هذا التنظيم في درنة وكذلك في بنغازي.
ولعل هذا الاتفاق المضمن سمح لسلطة المجلس الرئاسي ان تتشجع اكثر وتعلن عن انها تسعى لاستكمال المسار السياسي المتفق عليه ضمنيا في الصخيرات وهو ما عجل بظهور قوى معارضة لهذه الخطوة في كل من الفريقين، وما سمح بظهور "اتجاه ثالث"، خاصة في الغرب، رفع من جديد شعار "الجهاد" و"استكمال الثورة" ضد "أزلام النظام السابق".
أ-بروز "اتجاه ثالث" في ليبيا
هذا "الاتجاه الثالث" كان من أول المعلنين حوله مفتي ليبيا السابق الصادق الغرياني الذي وصل به الأمر بالمطالبة بالتوقف عن دعم المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني الذي تدعمه مدينة مصراتة، متوعدا الليبيين ب"عذاب من الله"، خاصة بعد بيان المجلس الرئاسي حول أحداث أجدابيا (طرد الجيش الليبي بمليشيات جهادية من المدينة) والذي رأى فيه الغرياني أنه دعم للجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر، في وقت تقول فيه قوات "سرايا الدفاع عن بنغازي" ومجلس شورى و"غرفة ثوار أجدابيا" بأن مرجعيتهم هي دار الافتاء بقيادة الصادق الغرياني.
هذا التطور حمل طابعا سياسيا اخر وهو عودة رئيس حكومة الانقاذ المتخلية في طرابلس خليفة غويل التي تتكون أساسا ومدعومة من الاسلاميين على أنها سوف تقوم بالقبض على اعضاء مجلس الرئاسي الليبي وحكومة الوفاق، مما ساهم في اعادة التوتر في العاصمة الليبية واعادة التوتر الأمني الذي صوحب بعدة جرائم، واعلان المليشيا ذات الانتماء الاسلامي للعودة من جديد واعلانها أنها تقف الى جانب حكومة الانقاذ والاصطفاف وراء الغرياني.
ولعل هذا التطور هو الذي جعل زعيم تنظيم المرابطين التابع لتنظيم القاعدة مختار بلمختار يثني على موقف الصادق الغرياني في تسجيل صوتي بتاريخ 24 جويلية 2016.
ويبدو أن مثل هذه التطورات تشير إلى أن تيارا جديدا بدا يظهر في ليبيا وقد يبدأ في التأثر على مسار الأحداث، وهو بروز التيار اسلامي مترسب من بقايا عملية "فجر ليبيا" التي انتهت بموجب الاتفاق السياسي، وكذلك بموجب خروج مصراتة من هذه التحالف مبدئيا واللعب على حبال سياسية أخرى أبرزها الاتفاق السياسي في حد ذاته وتوصلها لكسب الاعتراف الدولي بها من خلال حكومة الوفاق الليبية، وكذلك لانقاذ صورتها من مدينة تدعم تيارات جهادية ثبت تورطها دوليا في التعامل مع تيارات جهادية (داعش في صبراتة) (كتيبة الفاروق في مصراتة والقريبة من انصار الشريعة ومن ثم تنظيم القاعدة) (مجلس شورى بنغازي الذي سيطر عليه تنظيم انصار الشريعة ومن ثم تنظيم "داعش" وكان مدعوما عسكريا من مليشيات اسلامية محسوبة على مصراتة).
ولعل هذا الفرز الجديد خلق على الساحة السياسية تقسيما جديدا يتميز بالتالي:
- تيار تمثله حكومة الوفاق والقوات المنضوية تحته وهي أساسا من الدروع مدينة مصراتة والتي يبدو أنها تريد أن تسوّق نفسها في صورة مغايرة لما ظهرت عليه في عملية فجر ليبيا أي الصورة الليبرالية البعيدة عن الالتزام بالإسلام السياسي.
- تيار اسلامي يمثله الصادق الغرياني وبعض ممن يتبعون الاسلام السياسي (حكومة خليفة غويل والمؤتمر الوطني وغيره) وخاصة من بقايا الجماعة الليبية المقاتلة وغيرها والمكونين لمجالس الشورى في عدة مدن ليبية كما الحال بالنسبة لمجلس شورى أجدابيا ومجلس شورى درنة وبنغازي وغيرها من المدن (فكرها قريب من تنظيم القاعدة)، والذي قد يشترك معهم بعض مليشيات "أمراء الحرب" الموجودين في العاصمة طرابلس كمليشيات غنيوة الككلي وزياد بلعم وصلاح بادي والتي لها أجندات ارتزاقية أكثر منها وطنية.
- تيار ثالث موجود وهو الجيش الليبي التابع لمجلس النواب بطبرق الذي يقوده الفريق خليفة حفتر، ويرى أنه لا يمكن لليبيا أن تقوم إلا بفعل "ما فعل المشير عبد الفتاح السيسي.. يجب اقتلاعهم (حكومة الشرق وفجر ليبيا سابقا) من جذورهم عسكريا والقضاء عليهم بالسلاح"، على حسب ما قاله النائب في البرلمان الليبي المدافع عن الجيش الليبي صلاح المرغني في نقاش طويل جمعني به.
إذن هي حالة اصطفاف وفرز سياسي جديدة بدأت تلوح برأسها في ليبيا، قد تبدأ بافراز خارطة جيوسياسية جديدة للصراع بثلاث رؤوس بارزة.
ب- تمركز جديد لتنظيم "داعش"
هذه الحالة قد تشكل معضلة جديدة في ليبيا خاصة مع ما هو مطروح بعد معركة سرت، فهذه المعركة تسببت بخروج الدواعش من المدينة واستقرارهم في مناطق جديدة في ليبيا، وهو ما سيلعب دورا جديدا خاصة في توزيع التحالفات بين هذا التنظيم والتنظيمات التي تقاربه في الطرح الجهادي وفق منطق "المجاورة بين المسلمين"، وهو نفس الطرح الذي تأسست من خلاله "داعش" بخروج بعض المنتمين لأنصار الشريعة ولمجالس الشورى وتكوينهم لنواة تنظيم "داعش" في درنة وبنغازي قبل أن تظهر في سرت بعد تحالف أنصار الشريعة وقياديين أجانب لتنظيم "داعش" عائدون من تركيا أو هاربين من دولهم الأصلية إلى ليبيا.
ولعل مثل هذا التوزيع سوف يعيد خلط الأوراق من جديد في ليبيا، وسيطيح بمسار الصخيرات السياسي الذي أخذت أرواقه تسقط منذ أن دخلت حكومة الوفاق الليبية لطرابلس على متن بارجة بحرية.
إلا أن هذا الفرز قد لا يتسبب بسقوط أسس جيوسياسة الصراع التي كانت تحكم ليبيا قبل سرت، وبروز جيوسياسة جديدة قد تقود إلى حروب أهلية في المدن على شاكلة ما حصل في أجدابيا أو بنغازي وقد ينتقل إلى حالة من الصدام الكبير في المنطقة الوسطى في ليبيا.
ولعل مثل هذا السيناريو قد يكون مطروحا خاصة مع ظهور مؤشراته في وسط ليبيا وتحديدا بجنوب الجفرة وكذلك في جنوب غرب ليبيا على امتداد المثلث الحدودي بين ليبيا والجزائر والنيجر، خاصة مع خروج الدواعش من مركزهم الأساسي في سرت وتوجههم الى الاصطفاف في مناطق مختلفة.
فالباقون من التنظيم "داعش" سيسعون إلى إعادة التموقع في مناطق تتوزع في 3 اتجاهات ممكنة في ليبيا:
*في اتجاه وسط الجنوب، اي انطلاقا من سرت نحو الجفرة أو نحو الأراضي الصحراوية المتاخمة للحدود بين تشاد والنيجر حيث يمكن أن يشكل ذلك الموقع مكانا جديدا للنشاط، خاصة وأن هذه المنطقة مكنت التنظيم الارهابي من التضخم بسبب تيارات الهجرة الوافدة اليها من افريقيا، وكذلك من التعاون الكبير الذي له علاقة تحالف كبيرة قائمة على المجاورة بين "داعش" ليبيا بمختلف فروعها وكذلك جماعة بوكوحرام والتي وصل نشاطها إلى تشاد والنيجر وشمال مالي، وهي مناطق متاخمة لليبيا.
**في اتجاه اقصى جنوب غرب ليبيا، أي نحو مثلث الحدود الليبية الجزائرية النيجرية، أو ما يصطلح على تسميته بمثلث كولومبيا، وهي منطقة سميت كذلك لصعوبة مراقبة تضاريسها الجبلية الصخرية والصحراوية والتي تنشط فيها مختلف الجماعات والمافيات في تهريب المخدرات والأسلحة، بل وتعتبر هذه المنطقة بمثابة مفترق طرق بين مختلف مروجي البضائع، وهو ما قد يمكن هذا التنظيم من مكان يمكنه من اعادة تأسيس نفسه والاندماج مع جماعات ارهابية أخرى على غرار المرابطين بزعامة مختار بلمختار وكذلك قاعدة المغرب في الصحراء، في عمليات التهريب مما يدر عليه دخلا كبيرا قد يمكنه من اعادة بناء تنظيمه، كما يمكن أن يدخل في صراع كبير مع تلك الجماعات في اطار مادي وكذلك في اطار فكري (في وقت تكفر فيه القاعدة الدواعش.. فان الدواعش يكفرون القاعدة).
***المنطقة الممتدة بين جنوب الزنتان إلى حدود الجزائر والنيجر، في المناطق التي ينشط فيها الطوارق، والتي تعتبر منطقة قاحلة، ويصعب مراقبتها، لقلة كثافتها السكانية.
كذلك قد يتجه الدواعش لإعادة رسم علاقات جديدة مع جماعات متطرفة أخرى في شمال مالي (أنصار الدين التنظيم المتطرف للطوارق) وكذلك إلى النيجر.
فيما قد يقصد البعض إلى شمال السودان وكذلك إلى التشاد وهذه مناطق ينشط فيها تنظيم بوكوحرام المتطرف والذي كان سابقا قد تعامل مع الدواعش في ليبيا من خلال امداده بالمقاتلين وامداد الأخير الجماعة الناشطة في منطقة جنوب الصحراء والساحل والصحراء بالأسلحة والذخيرة الموجودة بكثرة في ليبيا.
وبالمثل يمكن لبعض الدواعش أن يتجهوا للعودة الى تونس من جديد، ومحاولة إعادة النشاط ضمن خلايا نائمة أو ضمن مجموعات تنشط في الجبال.
ورغم ذلك فإن هذه الاتجاهات التي يمكن أن يتجه اليها الدواعش في ليبيا تبقى الا قواعد لإعادة تجميع القوى وإعادة تجنيد قوى جديدة، للعمل على إعادة احياء مشروعهم في المنطقة والبحث عن مناطق "رخوة" في شمال افريقيا، وخاصة مناطق يمكنه من خلالها التمدد أولا وثانيا احداث "تشقق" جغرافي في التوازنات الجيوسياسية في المنطقة (وهذا ما يعطيها الطابع جيواستراتيجي) والتي يمكن أن تكون في تونس، خاصة وأن هذا التنظيم مازال ينشط سريا ويجند قسريا ويقتل علنيا.
ولعل هذا التنظيم وغيره من التنظيمات الإرهابية الأخرى التي تنشط في ليبيا هو الذي يشكل الخطر الحقيقي جيواسترتيجيا على تونس.
2- الانعكاسات الجيواستراتيجية للوضع الليبي على تونس:
أ- الارهاب والحدود
تنحصر أبرز التداعيات في الخطر الاستراتيجي الأكبر يكمن في الحدود المشتركة بين تونس وليبيا وهي حدود شاسعة وقد تمكن كثير من الإرهابيين من العودة بعد التدرب في معسكرات في ليبيا ومنها العمليات الإرهابية الكبيرة التي حصلت في تونس، وهذا الخطر يمكن أن نلاحظه في النقاط الأساسية التالية:
- الهجرة الإرهابية الراجعة من بؤر التوتر ومنها ليبيا أو عبر ليبيا والتي قد تضم أكثر الارهابيين تدربا والتي تميل الى قلب المعطيات الجيوسياسية للمنطقة وهذا ما يجعل خطره كبيرا على تونس وخاصة جنوب البلاد، خاصة وأن الأهداف الاستراتجية لهذه الجماعة هي احتلال أراضي واعلانها امارات مستقلة.
- مخازن الأسلحة المهربة والتي قام ارهابيون بتخزينها في الجنوب وتم مؤخرا تم الإطاحة بأمير من جند الخلافة الموالية لتنظيم "داعش" طلال السعيدي وعثر لديه على إحداثيات جغرافية مكنت من العثور على عدد كبير من الأسلحة الحربية والذخيرة والمتفجرات في 18 موقعا في بن قردان أبرزها مخزن عثر فيه على 27 صاروخ ستينغر حرارية مضادة للطائرات، وأحدها مخزن وجد تحت الأرض على ملك أحد الإرهابيين المنتمين لتنظيم "داعش" والذي نشط في سرت.
ب- مخازن الأسلحة
تلك المخازن حتى ولو كانت قديمة إلا أن وجودها واكتشافها بالتواتر، قد يحيلنا إلى وجودها مخزنة في انتظار أن تستعمل من جديد، وهذا ما يكشف أن تونس مازالت أمام تحدي كبير في محاربة الارهاب، ومراقبة الحدود.
ورغم ما تحقق من تقدم كبير في محاربة الارهاب فإن هوامش تحرك هذه التنظيمات ما زال موجودة فعلا، وأثر تحركاتهم موجود وزادت أكثر في حراكها في الفترة الأخيرة حتى ولو كانت تنشط أكثر في السرية وهذا ما يزيد من خطورتها (مؤخرا تم كشف مخطط لتسفير أطفال الى ليبيا للتدرب ضمن تنظيم "داعش" هناك رغم أن التنظيم خسر مواقعه المعلومة وهو ما يعني أن له مواطئ قدم متقدمة في ليبيا).
ج- خيارات "داعش"
بالرغم من أن تنظيم "داعش" خسر مواقعه في سرت ودرنة إلا أن عمليات التجنيد والتسفير مازالت موجودة واكتشافات الأمن متواصلة في هذا الشأن وهو ما يمكن من خلاله استنتاج أن التنظيم استطاع أن يحدد خيارات جديدة في بلد شاسع و"ضائع" مثل ليبيا تعوضه عن مناطقه التي خسرها، وهذا يحيلنا لسؤالك الأول حول مخازن الأسلحة والذخيرة التي وجدت في بنقردان، ويمكن من هذا بناء سيناريو أن حتى المناطق الجديدة في ليبيا ستكون أماكن للحشد والتدريب اكثر منها أماكن للسيطرة، أي انها قواعد انطلاق لأهداف معينة قد يكون الجنوب التونسي أحدها.
ان مرونة التي أبداها التنظيم في التجنيد هو الذي سمح له بالانتشار سريعا في أماكن عدة في العالم وصلت حتى الى الفليبين في اقصى الشرق، وهو ما سيسمح له بالوجود دائما لكن وفق صيغ نسبية.
ولعل العقيدة الهجومية التي يتميز بها تنظيم "داعش" عن غيره من التنظيمات الارهابية هو الذي يجعله الأكثر خطر على أمن تونس وخاصة على حدودها مع ليبيا.
د- خطر تنظيم القاعدة في المغرب وخاصة تنظيم المرابطين الذي ينشط على طول الصحراء الكبرى بداية من شمال النيجر واقصى الجنوب الغربي الجزائري وصولا إلى الصحراء التونسية في الجنوب الغربي (طريق القوافل الطوارق الرحل وهي نفس الطرق التي يقوم من خلالها تنظيم مختار بلمختار بتهريب السجائر والمخدرات والأسلحة) ويبدو أن هذا التنظيم استطاع أن يبدي مرونة سياسية كبيرة في استمالة بعض المليشيات الليبية ذات الايديولوجية الاسلامية (اعترافات لزوجة بلمختار التي تم القبض عليها مؤخرا بجنوب الجفرة والتي اشارت ان زياد بلعم قام بفتح معسكراته في جنوب البلاد لبالمختار وكذلك لإرهابيي تنظيم انصار الشريعة في تونس ومنهم سيف الله بن حسين، وكذلك العملية الأخيرة التي استهدفت منزلا للارهابيين من تنظيم القاعدة في مدينة سبها والذي أطاح بارهابيين كبار ومنهم أبو طلحة الليبي.
*امكانية التحاق الدواعش بالتنظيمات الارهابية الاخرى في ليبيا على شاكلة تنظيم المرابطين وكذلك تنظيم القاعدة في إطار ما يطلق عليه المجاورة.
ج- رصد جيوسياسي للحدود التونسية:
أولا/ من أكثر المناطق التي يمكن أن تساهم في كبر خطر هذا التنظيم على تونس هي منطقة المثلث الحدودي الجنوبي بين تونس والجزائر وليبيا، تلك المنطقة التي تعتبر تضاريسيا صعبة خاصة وأن فيها نوعين من أكثر التضاريس صعوبة: الجبال الصحراوية والصحراء القاحلة وهو ما يسمح بالتخفي وكذلك بمرور الأسلحة الى الجزائر.
ثانيا/ الطريق الصحراوية التي تمر من خلال الحدود الصحراوية، وهي الطريق التي يستعملها في العادة الارهابيون لتسفير المقاتلين (نفس الطريق التي سافر من خلالها بعض مقاتلي التنظيم من رمادة الى ليبيا) والتي تمر من صحراء جنوب رمادة الى نالوت.
ثالثا/ الخطر المطروح في المنطقة الممتدة من بنقردان الى معبر الذهيبة رغم أن هذه المنطقة تم حفرها بجدار رملي ونفق مائي الا أن فاعليته تبقى غير مجدية خاصة مع تواصل التهريب من والى ليبيا من خلالها.
3- تونس والكلفة السياسية والاقتصادية والديبلوماسية للارهاب:
قد تختلف أهداف الجماعات الإرهابية باختلاف الأهداف التي ترنو اليها وهو ما يحيلنا إلى اختلاف الاستراتيجيات المتبعة لكل جماعة من تلك الجماعات، وكذلك باختلاف التكتيكات المتبعة في كل الحروب التي تسعى اليها.
ولا يخفى على أحد أن كل ما يحدث في ليبيا يحيلنا انعكاسا الى ما سيحدث في تونس، وكان هذا جليا في كل العمليات الكبرى التي حصلت في البلاد، وهذا بالطبع يحيلنا الى شيئين اذا ما اردنا ان نقارب الحاصل في تونس مقاربة عسكرية، أولهما ان الحرب تحتاج الى زاد بشري وثانيهما يحيلنا الى السلاح المستعمل لتحقيق الأهداف المرسومة.
وزاوية نظرنا في المطروح هو مخازن الأسلحة التي وجدت مؤخرا في مدينة بنقردان الحدودية مع ليبيا والتي وجدت فيها أسلحة نوعية أبرزها صواريخ "ستينغر" الموجهة ضد الطيران الحربي أو المدني، إضافة الى أسلحة ثقيلة أخرى وأسلحة ضد المدرعات.
ولا يخفى أن انعكاسات ما يجري في ليبيا وخاصة المعركة في سرت وكذلك ما يحصل في سوريا والعراق من تراجع للتنظيم في عديد الجبهات قد يعجل بعودة الدواعش الى مصادرهم الأصلية، رغم أن "هجرة العودة" لهذه الجماعات بدأت منذ ظهور "داعش" في درنة وبنغازي وأجزاء من جنوب ليبيا وأخيرا في سرت اين أعلنت امارة تابعة للتنظيم حوربت من قبل قوات متكونة أساسا من مدينة مصراتة.
ان هؤلاء سوف يسعون لإعادة فرض تفكيرهم وإعادة توزيع مجهودهم في منطقة جديدة، قد تكون في جنوب ليبيا وكذلك في تونس، التي للأسف خسرت معركة حماية الحدود، خاصة مع البطء الشديد في تنفيذ مشاريع المراقبة للحدود الكترونيا او عن طريق الطائرات دون طيار الأمريكية، والتي بدأت مؤخرا.
ولعل ما سبق ذكره من استنتاجات سوف تكون له عديد الانعكاسات المباشرة على سياسة تونس وخاصة على سيادتها وقد يحملها ذلك كلفة سياسية باهضة للحفاظ على الأمن وفق مقاربة ديمقراطية وحقوقية وكذلك كلفة اقتصادية متصاعدة منذ سنة 2012، مع بداية ظهور العمليات العسكرية للتنظيمات الجهادية، وكلفة ديبلوماسية تدفع بالبلاد للخروج من سياسة الحياد الإيجابي الى توجس إقليمي خاصة مع ما طرح من وجود لطائرات الاستطلاع الأمريكية دون طيار.
ولعل هذه النقطة الأخيرة هي التي ستؤثر على مركز تونس في المنطقة خاصة من قبل جيرانها ومنها الجزائر، فيما سيمكن هذا المركز الولايات المتحدة على الأقل من مراقبة العنق الليبي وخاصة بمنطقة المثلث الحدودي الليبي الجزائري النيجري المنطقة التي يمكن أن تشكل مركز الثقل الإرهابي في المنطقة وهي في نفس الوقت منطقة واعدة من حيث الخيرات المنجمية والطاقية.
4- خاتمة:
يمكن لتونس أن تفوز بكل الرهانات المطروحة من تطور جيوسياسة الصراع في ليبيا أن تقوم بحماية جبهتها الداخلية وكذلك التعاون مع دول أخرى ل"تجفيف منابعه المحتملة في ليبيا":
أولا/ يجب عدم التسامح مع العائدين من بؤر القتال الذين بينت التحقيقات والأحداث التي شهدها العالم أنهم أتوا لتنفيذ أجندة معينة معينة ومخطط لها من قبل قيادة التنظيم.
ثانيا/ مراقبة أكثر لمواقع الأنترنيت وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي والتي تمثل اللبنة الأولى لتجنيد المقاتلين وتوجيههم.
ثالثا/يجب العمل على ضرب الإرهاب في جحره أي فيما وراء الحدود وعدم الاقتصار على انتظاره في الجبهة الداخلية داخل الوطن.
رابعا/ يجب العمل على تطوير العمل الاستخباري والدفع باستراتيجية للأمن القومي تلتزم بسياسة الدوائر لحماية الجبهة الداخلية في هذه الحرب على الإرهاب وخاصة منها تأسيس وكالة أمن تقوم بتنظيم العمل الاستخباري وفق معطيات علمية.
خامسا/ يجب الضرب بيد من حديد على ظاهرة الإرهاب والتسريع بحلول عاجلة لمحاربة الفقر الذي يبقى أول سبب اجتماعي يتسلل من خلال الإرهاب إلى المجتمع.

* محاضرة ضمن الندوة العلمية حول "الحدود أمام اختبار الحرب" التي ينظمها مرصد الأمن الشامل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.