الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
الإعلان
التونسية
الجريدة التونسية
الحوار نت
الخبير
الزمن التونسي
السياسية
الشاهد
الشروق
الشعب
الصباح
الصباح نيوز
الصريح
الفجر نيوز
المراسل
المصدر
الوسط التونسية
أخبار تونس
أنفو بليس
أوتار
باب نات
تونس الرقمية
تونسكوب
حقائق أون لاين
ديما أونلاين
صحفيو صفاقس
كلمة تونس
كوورة
وات
وكالة بناء للأنباء
موضوع
كاتب
منطقة
Turess
منوبة: احتراق حافلة نقل دون تسجيل أضرار بشرية
تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي في هذه الولاية..
عاجل/ مسؤول يؤكد تراجع أسعار الأضاحي ب200 و300 دينار..ما القصة..؟!
تونس تستقبل أكثر من 2.3 مليون سائح إلى غاية 20 أفريل 2025
مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس
الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء
حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"
في مظاهرة أمام منزله.. دروز إسرائيل يتهمون نتنياهو ب"الخيانة"
جندوبة: سكان منطقة التوايتية عبد الجبار يستغيثون
فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية
جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي
فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة
عاجل/ هذه البلدية تصدر بلاغ هام وتدعو المواطنين الى الحذر..
البرلمان : مقترح لتنقيح وإتمام فصلين من قانون آداء الخدمة الوطنية في إطار التعيينات الفردية
استقرار نسبة الفائدة في السوق النقدية عند 7.5 %..
عاجل/ قضية التسفير..تطورات جديدة…
عمدا إلى الإعتداء على شقيقين بآلة حادة ... جريمة شنيعة في أكودة
عاجل : ما تحيّنش مطلبك قبل 15 ماي؟ تنسى الحصول على مقسم فرديّ معدّ للسكن!
الرابطة المحترفة الاولى: صافرة مغربية لمباراة الملعب التونسي والاتحاد المنستيري
بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات
الإفريقي: الزمزمي يغيب واليفرني يعود لحراسة المرمى ضد النادي البنزرتي
خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!
إلى الأمهات الجدد... إليكِ أبرز أسباب بكاء الرضيع
ارتفاع تكلفة الترفيه للتونسيين بنسبة 30%
صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ
في سابقة خطيرة/ ينتحلون صفة أمنيين ويقومون بعملية سرقة..وهذه التفاصيل..
إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر
القضية الفلسطينية تتصدر مظاهرات عيد الشغل في باريس
عاجل/ هلاك ستيني في حريق بمنزل..
أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل
الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء
التوقعات الجوية لهذا اليوم..
عاجل/ أمطار أعلى من المعدلات العادية متوقعة في شهر ماي..وهذا موعد عودة التقلبات الجوية..
الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين
نهائيات ماي: مواجهات نارية وأول نهائي لمرموش في مانشستر سيتى
الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة
الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"
لي جو هو يتولى منصب الرئيس المؤقت لكوريا الجنوبية
سعر ''بلاطو العظم'' بين 6000 و 7000 مليم
عيد الاضحى 2025: الأضاحي متوفرة للتونسيين والأسعار تُحدد قريبًا
سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة
رئيس الجمهورية: تونس تزخر بالوطنيين القادرين على خلق الثّروة والتّوزيع العادل لثمارها
صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة
وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند
"نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة
توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي بالفوز 3-1 على بودو/جليمت
بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك
ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم
خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام
الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي
أولا وأخيرا: أم القضايا
انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة
ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025
يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة
نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة
توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب
محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان
اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
"معراج إلى دِمَشْق" ل"هادي دانيال" : حُلْمٌ كانَ بانْتِصارِ سُوريّة ، وانْتِصارٌ وَشِيكٌ الآن!
حقائق أون لاين
نشر في
حقائق أون لاين
يوم 23 - 12 - 2016
يُقارِبُ الشِّعْرُ التاريخَ في "مِعْراج إلى دِمَشْق" لِهادي دانيال (*) ، بَلْ يَتَماهى مَعهُ حِينَما تُسْفِرُ الحالُ الشِّعْريَّة ُ عَنْ مَوْقِفٍ تِجاه الذي يَحْدُثُ لِلعالَمِ بِسَبَبِ
أمريكا
تَحْدِيداً . فهذا البَلَدُ الذي كانَ مُدافِعاً عَن الحُرّيّةِ وَحَقِّ الشُّعُوب في الاسْتِقلالِ خِلالَ أربَعيناتِ القَرْنِ الماضي وَخَمْسِيناتِهِ أَضْحى مُنْتِجاً لِلحُرُوبِ ، مُقَسِّماً لِلْبُلْدان ، مُحَرِّضاً على الفِتَنِ الطّائفيَّةِ وَغَيْرِها ، مُراهِناً على الفوضى ، مُسْتَثْمِراً لِلقَتْلِ والدَّمار.
فَلا اطْمِئنانٌ لِلشِّعْرِ ولا اسْتِراحَةٌ لِلشاعِرِ مادامَ "حَمْقى التّاريخ" يُصَدِّقُونَ
أمريكا
وَيَلْهَثُونَ وَراءَ مَطامِعِهِم بِها وَلِأجْلِها كَي يُصبِحُوا "رَعايا" لَها :
"فَما الذي يَنْتَظِرُ الحَمْقى (فَراسَةً ، كِياسَةً ، سِياسَةً ؟) (ص6).
مُنْذُ أنْ تَعَرَّضَ وَطَنُ الشاعِرِ (سُوريّةُ) ليُحارِبُ ِالْعُدْوَانِ الأمْريكيِّ وَمُجْرِمِيِّ الإنسانِيَّةِ باسْمِ الدِّين ، والشّاعِرُ مُتَحَفِّزٌ قَلِقٌ يُحارِبُ بالحَرْفِ مَنْ يُرِيدُونَ إلحاقَ الأذى بِسُوريَّةَ وَشَعْبِ سُوريّةَ ، وَيَنْتَصِرُ مُطْلَقاً لِلمُقاوَمَةِ ، غَيْرُ مُفَرِّطٍ في جَمالِيَّةِ الشِّعْرِ واسْتِعاراتِهِ وَإيقاعاتِهِ بالنَّبْرِ والصَّوْتِ والصُّورَةِ وَدَلالَةِ العِشْقِ الذي اسْتَحالَ إلى رَمْزٍ ناطِقٍ بالفَرْدِ ُ والمَجْمُوعةِ المُنْتَمِي إليها.
كَذا يَبْتَدئُ عِشقُ سُورِيَّةَ ، عِشْقُ دِمَشْقَ :
" إنَّما عِشْق دِمَشْق مَرَضٌ مِن فَرَحٍ وَتَرَحٍ"(ص7)، عِشْقٌ لَهُ دَلالَةُ الحالِ المُرَكَّبَة بِفائضِ الإحساسِ وَنَقيضِهِ ، كالذي ينكشِفُ في المَواقِفِ الإنسانيّةِ ، بالحُزْنِ الفَرِحِ أو الفَرَح الحزين.
وحينما يَزُورُ العاشِقُ حَبيبَتَهُ (دِمَشْقَ) بَعْدَ غِيابٍ يَرْتَمِي في أَحْضانِها وَيَسْتَنْشِقُ طَويلاً أنْفاسَها بَيْنَ أحْيائها :"الصّالِحِيّة والمالكي والقلعة الحجريّة والجامع الأمويّ وبابَيْ توما و شرقي..." ، فَيَتَطَهَّرُ ثُمَّ يَتَطَهَّرُ لِيُولَدَ مِن جديدٍ وَيَرقُّ وَيَشفُّ وَيَرْقى بالرُّوحِ عالياً كي يَبْقى ، وَيَنْتَقِلُ بِهَوَسِ العاشِقِ الوَلْهان بينَ مَقْهى وآخَر ، ك "مَقهى ركوة قَهْوَة ومقهى فندق الشام ومقهى سيلينا..." مُسْتَعِيداً عَدَدَاً مِن ذكرياتِ الأصدقاءِ ، هُناكَ في حَرَمِ الأمِّ الواحِدَة المُشْتَرَكَة بِما يَعنُّ لَهُ مِن وَهْجِ رُوحِ "الدكتور عَنان شَعْبُو..." وَ "طُفُولَة الذاتِ" و"كَفَرْيَة" وَ"بَردَى"...
- 2 – بالخُيلاء ، خُيلاء الشاعِر العاشِقِ ، وخُيلاءِ المَعْشُوقَةِ دِمَشْق ، وَخُيلاءِ سُوريّة يَحْلُمُ هادي دانيال يَقَظَةً ، فَيَتَحَدّى بِذلكَ أعْداءَ سُوريّةَ وَعَجْزَ الُّلغةِ ، وَيُكَرِّرُ عِشْقَهُ وَيَتَكَرَّرُ بِهِ ، وَيُغَنِّي وَيَتَغَنّى بالقُدُودِ الحَلَبيَّةِ التي أمْسَتْ قُدُودَاً لِلكِفاحِ ، لِصَباحٍ جديدٍ قادِمٍ يُوقِفُ زَحْفَ الخَرابِ وَيُعِيدُ لِلوَطَنِ فَرْحَتَهُ الأولى وَيُنْهِي حِكايَةَ الخَلاءِ ، الصَّحْراء ، سَرابِ الماء ، زَمَنِ القَتَلَةِ ، وَيَحْتَفِي بِرَمْزِيَّةِ الدِّماء مُتَمِثِّلاً بِذلكَ وِلادَةَ حَياةٍ جديدةٍ تَخرجُ مِن بَيْن الحرائقِ والخَرائبِ والمَوْتى شَجَراً آخَرَ يَنْمُو بَعْدَ احْتِراق ، "حَدائق مُزْهِرَة " ، سَماءً زَرْقاء مُشْرِقَة ، فَرَحاً عَمِيماً بِحَجْمِ الكُونِ رُغْمَ العَرَب البائدَة حِسَّاً وَمَعْنى وَما دَبَّرُوهُ لِسُوريَّةَ وَما فَعَلُوه فيها ...
إنَّ لِلعِشْقِ تَجَلِّياته ، وَلِلُّغَةِ بُعْدها ، بَل أبعادها الأخرى الماثِلَة في كَثيفِ الاسْتِعارَة تَلْميحاً واسْتِعارَةِ الغَضَبِ تَصْريحاً عِنْدَ كِتابة الجّرْحِ النّازف انتِصاراً لِلحياةِ :
" عَلى ضِفافِ الرَّدى الحَياةُ عارِيَةٌ وَمُغْرِيَةٌ وَغاوِيَةٌ كأنَّها بَرَدَى في صَحاري العَرَبْ" (ص30).
فالحياةُ رغبة ٌ، عِشْقٌ مُتَجَدِّدٌ ، ألَمٌ بأقْصَى حالاتِ الانْتِشاءِ حينما يَفْعَلُ النَّبيذُ فِعْلَهُ وَتُضْحِي الذّاتُ العاشِقَةُ شَتاتاً (شَظايا) ، والعالَمُ شَبيهاً بِحانَةٍ ولا "نديم" ، والعالَمُ خَلاءٌ أيْضاً ، بالأنا يُشَبَّهُ "بكأسٍ فارِغَةٍ " على مائدة ِ شَرابٍ "مَهْجُورَة" ، وَ "شَظايا" المُنْكَسِرِ "جارِحَة" (ص32).
وَمِن حَقِّ الذّاتِ الشّاعِرَةِ ، وَهِيَ تَنْظرُ في ما حَدَثَ لِلحبيبةِ سوريّة أنْ تَغْضَبَ حَدَّ الكُفْر بالعُرُوبَةِ وَبِكُلِّ المَعاني المُسْتَهْلَكَةِ الهالِكَةِ تَوْرِيثاً وَتَدَاوُلاً إلى اليوم ، وبالأفْكارِ أيْضاً ، حتّى الماركسيّة مِنْها التي اعْتَقَدَ فيها الشّاعِرُ لِعُدَّةِ عُقُود بَعْدَ المُؤامَرَة الدّنيئة التي حِيكَتْ ضِدَّ سوريّةَ لإلحاقِ الأذى بِها ، تَقْسِيمِها ، تَدْميرِها ، إنْهاء مَجْدِها السَّالِفِ والحادِثِ.
فَلا تَكُونُ هُوِيَّةُ الشَّاعِرِ إلّا بالوَطَنِ وَلِأجْلِهِ . أمّا العالَمُ فَلا مَعْنى لَهُ وَلَن يَكُونَ لَهُ مَعْنى فِي مَنْظُورِ الشَّاعِرِ إنْ أصابَ سُوريَّةَ أذَى ما خَطَّطَهُ الأعْداءُ لَها.
كَذا جَدِيدُ الشَّاعِرِ في قَصائدِ "مِعْراج إلى دِمَشق" هُوَ مُراجَعَةُ مَفْهُومِ الهُوِيَّةِ لَهُ بأفكارٍ جديدَةٍ بَعْدَ الأفكارِ المُهْتَرئةِ ، إذْ ما قِيمَة الأفكار ، كُلّ الأفكار التي كانت ، بَعْدَ ضَياعِ الوَطَن؟ وَما قِيمَة المَرْء بِلا وَطَن؟ غَيْر أنّ هُويّةَ الشّاعِرِ بَدْءاً وَمَرْجعاً بِسُوريّةَ وعِشْقِ سُوريَّةَ لا تَتَعارَضُ وَمَحَبَّة
فلسطين
الاستثناء ، أو ما يُشْبِهُ الاستِثناء فِي سَوْرَةِ الغَضَبِ عَلى كُلِّ العَرَب ، تقريباً ، إذْ عِشْقُ فِلسطين هُوَ بَعْضٌ مِن عِشْقِ سُوريّةَ تبْعاً لِهُويَّةِ المَكانِ والكِيانِ اشْتِراكاً ، وَلَيْسَ بِمُطْلَقِ الأفكارِ وَمُسْبَقِ الأيديولوجيا.
وإذا المَعْنى العِشْقِيّ يَتَكَرَّرُ وَإن اخْتَلَفَتْ اللحظاتُ بِمُخْتَلَفِ التَّواريخِ المُذَيَّلَةِ في نِهاياتِ القصائدِ ، إذْ الحَالُ المَرْجِعِيَّةُ واحِدَةٌ ، كما أسْلَفْنا ، والجُّرْحُ هُوَ ذاتُهُ لم يَنْدَمِلْ ، والألَمُ أيْضاً ، وَالغَضَبُ مِمّا حَدَثَ وَيَحْدثُ لِسُوريّةَ وَفِلَسطينَ مَعاً . فَقَبْل السَّفَر إلى سُوريّةَ وَبَعْدَ السَّفَرِ أغْنِيَةٌ واحِدَةٌ تَرِدُ بأصْواتٍ مُخْتَلِفَةٍ في أداءِ النَّصْرِ الوَشيكِ بِفائضِ الأمَل :
" يا حبيبتي انْهَضِي وارْكُضِي
وَجَاوِزِي الحَواجِزَ العَشْرَةَ
كَغَزَالٍ مُطْمَئنٍّ إلى أنَّ الفِخاخَ التي نُصِبَتْ في النَّهاراتِ
خُرِّبَتْ في الليالي"(ص54).
فَيَقِينُ الشّاعِرِ ثابِتٌ بأنَّ ما حَدَثَ لِسُوريَّةَ قَدْ حَدَثَ لَها مِراراً في الماضي البعيدِ والماضي القريبِ . هِيَ الباقِيَةُ المُنْتَصِرَةُ دائماً في الأخيرِ على أعْدائها ، وتاريخُها دَمَوِيٌّ وَجراحاتُها نازِفَةٌ بينَ مُحاوَلَةِ قَتْلٍ وأُخْرى . إلّا أنَّها تَظَلُّ الأقْوى مِنْ كُلِّ الغُزاةِ والأبْقى وُجُوداً .
يَقِينٌ ثُمَّ يَقِينٌ ، وَلا نَفْيَ ولا اسْتِفْهام في جُلِّ قَصائد "مِعْراج إلى دِمَشْقَ" ثُمَّ طَمْأنينةٌ وَقَلَقٌ عارِضٌ ، ولا يأسٌ ، كالماثِلِ في عِدَّةِ قَصائد سابِقِة .
يَقِينٌ مَفادُهُ الشُّعُورُ العميقُ بأنَّ سُوريّةَ ستكُونُ المُنْتَصِرَةَ حَتْماً كما كانت في سالِفِ الأزْمِنَةِ .
يَقِينٌ تَوَلَّدَ عَن رغْبَةٍ جَمُوحٍ في الحياةِ وَثِقَةٍ بأنَّ نِهايَةَ ما يَحْدثُ لِسُوريّةَ اليوم ستكون أفْضَلَ بكثيرٍ مِن كُلِّ النِّهاياتِ الماضية ، إذْ سَيَتَغَيَّرُ تاريخُها بانْتِصارِ "جَيْشِ زَنُّوبيا" السّاحِقِ في هذه المرَّة وَيُبْعَثُ مِن جَديدٍ ، شُهَداء الأمْس وَشُهَداء اليَوم (برصاصِ الإرهابيين وبِرصاصِ المَرَض) ، كَ "قُصَيّ مَعْرُوف" تُرَفْرِفُ رُوحُهُ عالياً بالذّكرياتِ وَأحْلامِ الزَّمَنِ الجميلِ وَرُبُوعِ الفرَحِ في دير الزور وَدِمَشْق ، وَبَيْنَ حُلْمٍ وَآخَر ، وَبَيْنَ رُكْنٍ وَرُكْنٍ ، وَبَيْنَ سَماءٍ وَسَماء...
-4- لِلغَضَبِ مثل الفَرَحِ ، وَلِلأمَلِ مثل الحزْنِ دَلالَةٌ خاصَّةٌ في "مِعراج إلى دِمَشْق" ، إنَّ لِلرُّؤيَةِ مَعنى وللرُّؤيَا ألْف مَعْنى ، بَيْنَ ما يُدْرَكُ بالحَواسّ ، بالجَّسَدِ المُتْعَبِ ، بالذاكرةِ المُنْهَكَة ، بالصَّيْحَةِ تلْوَ الصَّيْحَةِ وَبَيْنَ ما يُدْرَكُ بالقَلْبِ ، بالرُّوحِ المُتَعَطِّشَةِ إلى المَزيدِ مِنَ الارتِغاب.
كَذا الرُّؤيا تَنْبَثِقُ ، هُنا ، مِن رَحِمِ الفاجِعَةِ وَتَتَشَكَّلُ عرْساً بالطّبيعَةِ تَغْتَسِلُ بِماءِ الحَياةِ لِتَتَطَهَّرَ ، كَسُوريَّةَ المُغْتَسِلَةِ بالدَّم بَعْدَ صَلْبِها ، بَعْدَ الجِّراح العميقة النّازِفَة تَمْحُو "آثامَ البَشَرِيَّةِ مُذْ كانتْ أرْوَاحاً في الجَّنَّةِ"(ص87).
إنَّ للاسْتِشْهادِ ، بِمُخْتَلَفِ مَرَاجِعِهِ الواقِعِيَّةِ والتّاريخيّةِ عَوْدَاً إلى صَلْبِ المَسيح وَمَقْتَلِ الحُسَيْن ، حُضُورهُ المُعْلَن والخَفِيّ في عَدَدٍ مِن قَصائدِ "مِعْراج إلى دِمَشْق" ، كالبادِي فَرَحاً حَزيناً وَحُزْناً فَرِحاً يَتَجاذَبه الألَم والأمَل ، إذ الدّم ، هُنا، حِكايَة ، والحِكايَة دَم ، وَمِن حَقِّ ابْنِ الشَّهيدَةِ ، سَليل المَذابِحِ ، أنْ يَغْضَبَ وَيَصْرَخَ باللعْنَةِ في وُجُوهِ القَتَلَةِ :
"ألْعَنُكُمْ أَمْسَخُكُمْ أُمَرَاءَ ، مُلُوكاً ، وَسَلاطِينَ
بِلا نَفْطٍ وَبِلا ذَهَبٍ وَبِلا حَجَرٍ أسْوَد
تَقْضُونَ العُمْرَ عُراةً وَحُفاةً
في الرّبْعِ الخالِي
تَحْدُونَ نِياقاً جَرْباء
تَتُوهُ بِكُمْ خَلْفَ سَرابِ الأمَلِ الضّائعْ!"(ص88).
هذا الدُّعاءُ لا يَتَجَرَّأُ عليهِ إلّا الأنبياء ، والشُّعَراء - لا المُتَشاعِرُون – هُم مِن قَبيلِ الأنبياء ، لا يَيْأسُونَ ، وَإنْ اشْتَدَّ بِهِم الحُزْنُ أدْرَكُوا الأمَلَ ، وَإنْ غَمَرَتْهُم تَفاصِيلُ المَعيشِ اليَومِيّ أنْتَجُوا الحُلْمَ الجميلَ.
-5- فَيُخْتَصَرُ بِقصائدِ "مِعراج إلى دِمَشْق " تاريخُ العَرَبِ العارِبَة والعَرَب المُسْتَعْرِبَة والعَرَب البائدَة بِمَدْلُولِ هذا الزَّمان.
يُخْتَصَرُ تاريخُ سُوريّةَ السّالِف والحادِث ، "بِكأسٍ مِن دَمِ الإنسان"(ص89).
يُخْتَصَرُ الغَدْرُ والخِيانَةُ .
تُخْتَصَرُ الهَزائمُ.
تُخْتَصَرُ المَآسِي :"دُمُوعُ الطِّفْلِ يَضْحَكُ (...) دُمُوعُ الأمِّ تَبْكِي".
تُخْتَصَرُ حِكايةُ "الحَجّاجِ والحَلّاج" ، القَتَلَة والشُّهَداء، جُنُود المَوْتِ وَجُنُود الحياة لِيَنْتَصِرَ الوَطَنُ في الأخيرِ على أعْدائهِ ، وَجَيْشُ سُوريّةَ على المُرْتَزَقَةِ ، وَتَنْتَصِرُ الموسيقى على الحَجَر ، والحَرْفُ على السَّيْف...
نُبُوءَةُ الشّاعِرِ صادِقَةٌ في ما مَضى ، وَنُبُوءَتُهُ اليومَ هِيَ ذاتُها : حُلْمٌ كانَ بالانْتِصارِ وَوَاقِع الآنَ لانْتِصارٍ وَشيك.
*هادي دانيال ، "مِعْراجٌ إلى دِمَشْق" ،
تونس
–
صفاقس
: دار صامِد للنشرِ والتوزيع ، ط1،2017.
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
مصطفى الكيلاني يكتب لكم : "يأتي الذي كان" لِهادي دانيال.. "شاهِدٌ أمْ شَهيد"؟
صَرْخَةُ الوَجَعِ الأمَضّ: مَن يَفْتَدِي سوريّا؟ في "الرُّخام يبتَسِمُ لِأصابِعي" ل"هادي دانيال"
الطريق أو سارد أحواله شعراً: في "وضح الردى أراقص الجبال" لهادي دانيال
فن التوقيع في الشعر العربي الفلسطيني المحلي: الدكتور حبيب بولس
"عندما البلاد في الضباب و الذئاب" لهادي دانيال: شاعريّة الارتغاب والارتعاب
أبلغ عن إشهار غير لائق