الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
الإعلان
التونسية
الجريدة التونسية
الحوار نت
الخبير
الزمن التونسي
السياسية
الشاهد
الشروق
الشعب
الصباح
الصباح نيوز
الصريح
الفجر نيوز
المراسل
المصدر
الوسط التونسية
أخبار تونس
أنفو بليس
أوتار
باب نات
تونس الرقمية
تونسكوب
حقائق أون لاين
ديما أونلاين
صحفيو صفاقس
كلمة تونس
كوورة
وات
وكالة بناء للأنباء
موضوع
كاتب
منطقة
Turess
على متنها 3000 سائح...سفينة كوستا كروازيار ترسو بميناء حلق الوادي
عاجل/ تعليق الدروس في هذه الولاية..
جسر الملك حسين.. دولة الاحتلال تغلق "بوابة الفلسطينيين الوحيدة"
ماتنساوش: مباراة إياب دوري أبطال إفريقيا بين الاتحاد المنستيري والأسود السيراليوني في هذا التاريخ
عاجل : هذا هو موعد شهر رمضان 2026 فلكيا
عاجل – الباراسيتامول مضر للحوامل و يسبب التوحد؟: وكالة الأدوية الأوروبية توضح
في بالك ... فما اختبار دم يقيس قداش كل عضو في بدنك تقدم في العمر؟
أوت 2025: شهر قريب من المعدلات العادية على مستوى درجات الحرارة
بالفيديو.. ماكرون "علق" بشوارع نيويورك فاتصل بترامب.. لماذا؟
الحضانة المشتركة من اجل تعزيز المصلحة الفضلى للأبناء بعد الطلاق
الترجي الرياضي: اصابة عضلية لنجم الفريق
قبلي: انطلاق دورات تكوينية في الابتكار في النسيج والصباغة الطبيعية لفائدة حرفيات الشركة الاهلية "رائدات"
عاجل - يهم التونسيين : شوف اخر مستجدات الطقس ...برشا مطر
عاجل/ "كوكا، زطلة وأقراص مخدرة": أرقام مفزعة عن حجم المخدرات المحجوزة في تونس..
عاجل: ظهور سريع للسحب الرعدية يفرض الحذر في كل مكان!
جندوبة: المطالبة بصيانة شبكة مياه الري لتامين حاجيات القطيع والاعداد للموسم الجديد
يا توانسة.. هلّ هلال ربيع الثاني 1447، شوفوا معانا دعاء الخير والبركة الى تدعيوا بيه
"DONGFENG" تمر للسرعة القصوى في تونس…! "DONGFENG" تُقدّم مجموعتها الجديدة من السيارات التي تشتغل بالطاقة المتجددة
تولي مواطن قيادة حافلة: شركة النقل بين المدن توضّح.
مواطن يقوم بقيادة حافلة..وشركة النقل بين المدن توضّح وتكشف.. #خبر_عاجل
تحب قرض شخصي من ال CNSS؟ هاو الشروط والمبلغ الأقصى!
عاجل/ لأوّل مرّة: مسؤول أميركي يعترف ب"هجوم إسرائيلي على تونس"..
إصدار طابع بريدي إحياء للذكرى 80 لتأسيس منظمة الأمم المتّحدة
الحماية المدنية :594 تدخلا خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية
جريمة مروعة: يقتل ابنتيه طعنا بالسكين ثم ينتحر..!!
بطولة العالم للكرة الطائرة : المنتخب الوطني ينهزم امام نظيره التشيكي
إنتقالات: مراد الهذلي يعود من جديد إلى نادي أهلي طرابلس الليبي
الكرة الذهبية : لاعب باريس سان جيرمان عثمان ديمبلي يتوج بجائزة افضل لاعب في العالم
البطولة الفرنسية : فوز مرسيليا على باريس سان جيرمان بهدف دون رد
الشيبس كل يوم.. تعرف شنوّة اللي يصير لبدنك
وزير الاقتصاد يتباحث مع المدير الإقليمي للمنطقة المغاربية بمؤسسة التمويل الدولية، سبل تعزيز التعاون.
السيول تداهم الأودية.. وخبير طقس يحذّر من مخاطر الطرقات
محرز الغنوشي يُحذّر من تواصل الأمطار هذه الليلة
عاجل/ انفجار قرب سفينة قبالة اليمن..
وزارة الصحة تطلق أول عيادة رقمية في طب الأعصاب بالمستشفى المحلي بالشبيكة بولاية القيروان
ذعر جوي في كوبنهاغن وأوسلو بعد تحليق طائرات مسيّرة قرب المدارج: ماذا حدث؟
أمطار قياسية في مناطق من تونس.. الأرقام كبيرة
عاجل: هذا هو المدرب الجديد لاتحاد بن قردان!
عاجل/ يهم المخدرات والاحتكار: رئيس الجمهورية يسدي هذه التعليمات لوزير الداخلية وكاتب الدولة للأمن وآمر الحرس..
عاجل/ النّائب محمد علي يكشف آخر مستجدات "أسطول الصمود"..
رئيس الجمهورية يدعو إلى تأمين محيط المعاهد ومقاومة تجّار المخدرات
قيس سعيد: كلّ المؤسّسات المُنتخبة منبعها الشّعب التونسي صاحب السيادة
التوقعات الجوية لهذا اليوم..
أهم كميات الأمطار ال 24 ساعة الفارطة
رئاسة مؤتمر حل الدولتين: إنهاء الحرب في غزة أولوية قصوى
نجاة من كارثة محققة في مطار نيس: طائرتان تفلتان من اصطدام مروع
زاده الشيب جمالاً... تيم حسن يلفت الأنظار بوسامته
المدرسة الابتدائية الشابية بتوزر .. «نقص فادح في العملة»
الإعلامي محمد الكيلاني في أمسية أدبيّة بسوسة...غادرت التلفزة واتجهت إلى الكتابة لغياب التحفيز والإنتاج
زياد غرسة يضيء سهرة افتتاح مهرجان المالوف الدولي بقسنطينة
إنتبه لها.. 10 علامات مُبكّرة للزهايمر
مشاركة تونسية مكثفة في مهرجان بوسان الدولي للفن البيئي
دور الثقافة والفضاءات الثقافية تفتح أبوابها لاستقبال الراغبين في المشاركة في مختلف أنشطتها
المفتي هشام بن محمود يعلن الرزنامة الدينية للشهر الجديد
انطلاق حملات نظافة كبرى في دور الثقافة والمكتبات العمومية والجهوية
السينما التونسية تتألّق في مهرجان بغداد السينمائي... التتويج
غدا الأحد: هذه المناطق من العالم على موعد مع كسوف جزئي للشمس
استراحة «الويكاند»
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
"معراج إلى دِمَشْق" ل"هادي دانيال" : حُلْمٌ كانَ بانْتِصارِ سُوريّة ، وانْتِصارٌ وَشِيكٌ الآن!
حقائق أون لاين
نشر في
حقائق أون لاين
يوم 23 - 12 - 2016
يُقارِبُ الشِّعْرُ التاريخَ في "مِعْراج إلى دِمَشْق" لِهادي دانيال (*) ، بَلْ يَتَماهى مَعهُ حِينَما تُسْفِرُ الحالُ الشِّعْريَّة ُ عَنْ مَوْقِفٍ تِجاه الذي يَحْدُثُ لِلعالَمِ بِسَبَبِ
أمريكا
تَحْدِيداً . فهذا البَلَدُ الذي كانَ مُدافِعاً عَن الحُرّيّةِ وَحَقِّ الشُّعُوب في الاسْتِقلالِ خِلالَ أربَعيناتِ القَرْنِ الماضي وَخَمْسِيناتِهِ أَضْحى مُنْتِجاً لِلحُرُوبِ ، مُقَسِّماً لِلْبُلْدان ، مُحَرِّضاً على الفِتَنِ الطّائفيَّةِ وَغَيْرِها ، مُراهِناً على الفوضى ، مُسْتَثْمِراً لِلقَتْلِ والدَّمار.
فَلا اطْمِئنانٌ لِلشِّعْرِ ولا اسْتِراحَةٌ لِلشاعِرِ مادامَ "حَمْقى التّاريخ" يُصَدِّقُونَ
أمريكا
وَيَلْهَثُونَ وَراءَ مَطامِعِهِم بِها وَلِأجْلِها كَي يُصبِحُوا "رَعايا" لَها :
"فَما الذي يَنْتَظِرُ الحَمْقى (فَراسَةً ، كِياسَةً ، سِياسَةً ؟) (ص6).
مُنْذُ أنْ تَعَرَّضَ وَطَنُ الشاعِرِ (سُوريّةُ) ليُحارِبُ ِالْعُدْوَانِ الأمْريكيِّ وَمُجْرِمِيِّ الإنسانِيَّةِ باسْمِ الدِّين ، والشّاعِرُ مُتَحَفِّزٌ قَلِقٌ يُحارِبُ بالحَرْفِ مَنْ يُرِيدُونَ إلحاقَ الأذى بِسُوريَّةَ وَشَعْبِ سُوريّةَ ، وَيَنْتَصِرُ مُطْلَقاً لِلمُقاوَمَةِ ، غَيْرُ مُفَرِّطٍ في جَمالِيَّةِ الشِّعْرِ واسْتِعاراتِهِ وَإيقاعاتِهِ بالنَّبْرِ والصَّوْتِ والصُّورَةِ وَدَلالَةِ العِشْقِ الذي اسْتَحالَ إلى رَمْزٍ ناطِقٍ بالفَرْدِ ُ والمَجْمُوعةِ المُنْتَمِي إليها.
كَذا يَبْتَدئُ عِشقُ سُورِيَّةَ ، عِشْقُ دِمَشْقَ :
" إنَّما عِشْق دِمَشْق مَرَضٌ مِن فَرَحٍ وَتَرَحٍ"(ص7)، عِشْقٌ لَهُ دَلالَةُ الحالِ المُرَكَّبَة بِفائضِ الإحساسِ وَنَقيضِهِ ، كالذي ينكشِفُ في المَواقِفِ الإنسانيّةِ ، بالحُزْنِ الفَرِحِ أو الفَرَح الحزين.
وحينما يَزُورُ العاشِقُ حَبيبَتَهُ (دِمَشْقَ) بَعْدَ غِيابٍ يَرْتَمِي في أَحْضانِها وَيَسْتَنْشِقُ طَويلاً أنْفاسَها بَيْنَ أحْيائها :"الصّالِحِيّة والمالكي والقلعة الحجريّة والجامع الأمويّ وبابَيْ توما و شرقي..." ، فَيَتَطَهَّرُ ثُمَّ يَتَطَهَّرُ لِيُولَدَ مِن جديدٍ وَيَرقُّ وَيَشفُّ وَيَرْقى بالرُّوحِ عالياً كي يَبْقى ، وَيَنْتَقِلُ بِهَوَسِ العاشِقِ الوَلْهان بينَ مَقْهى وآخَر ، ك "مَقهى ركوة قَهْوَة ومقهى فندق الشام ومقهى سيلينا..." مُسْتَعِيداً عَدَدَاً مِن ذكرياتِ الأصدقاءِ ، هُناكَ في حَرَمِ الأمِّ الواحِدَة المُشْتَرَكَة بِما يَعنُّ لَهُ مِن وَهْجِ رُوحِ "الدكتور عَنان شَعْبُو..." وَ "طُفُولَة الذاتِ" و"كَفَرْيَة" وَ"بَردَى"...
- 2 – بالخُيلاء ، خُيلاء الشاعِر العاشِقِ ، وخُيلاءِ المَعْشُوقَةِ دِمَشْق ، وَخُيلاءِ سُوريّة يَحْلُمُ هادي دانيال يَقَظَةً ، فَيَتَحَدّى بِذلكَ أعْداءَ سُوريّةَ وَعَجْزَ الُّلغةِ ، وَيُكَرِّرُ عِشْقَهُ وَيَتَكَرَّرُ بِهِ ، وَيُغَنِّي وَيَتَغَنّى بالقُدُودِ الحَلَبيَّةِ التي أمْسَتْ قُدُودَاً لِلكِفاحِ ، لِصَباحٍ جديدٍ قادِمٍ يُوقِفُ زَحْفَ الخَرابِ وَيُعِيدُ لِلوَطَنِ فَرْحَتَهُ الأولى وَيُنْهِي حِكايَةَ الخَلاءِ ، الصَّحْراء ، سَرابِ الماء ، زَمَنِ القَتَلَةِ ، وَيَحْتَفِي بِرَمْزِيَّةِ الدِّماء مُتَمِثِّلاً بِذلكَ وِلادَةَ حَياةٍ جديدةٍ تَخرجُ مِن بَيْن الحرائقِ والخَرائبِ والمَوْتى شَجَراً آخَرَ يَنْمُو بَعْدَ احْتِراق ، "حَدائق مُزْهِرَة " ، سَماءً زَرْقاء مُشْرِقَة ، فَرَحاً عَمِيماً بِحَجْمِ الكُونِ رُغْمَ العَرَب البائدَة حِسَّاً وَمَعْنى وَما دَبَّرُوهُ لِسُوريَّةَ وَما فَعَلُوه فيها ...
إنَّ لِلعِشْقِ تَجَلِّياته ، وَلِلُّغَةِ بُعْدها ، بَل أبعادها الأخرى الماثِلَة في كَثيفِ الاسْتِعارَة تَلْميحاً واسْتِعارَةِ الغَضَبِ تَصْريحاً عِنْدَ كِتابة الجّرْحِ النّازف انتِصاراً لِلحياةِ :
" عَلى ضِفافِ الرَّدى الحَياةُ عارِيَةٌ وَمُغْرِيَةٌ وَغاوِيَةٌ كأنَّها بَرَدَى في صَحاري العَرَبْ" (ص30).
فالحياةُ رغبة ٌ، عِشْقٌ مُتَجَدِّدٌ ، ألَمٌ بأقْصَى حالاتِ الانْتِشاءِ حينما يَفْعَلُ النَّبيذُ فِعْلَهُ وَتُضْحِي الذّاتُ العاشِقَةُ شَتاتاً (شَظايا) ، والعالَمُ شَبيهاً بِحانَةٍ ولا "نديم" ، والعالَمُ خَلاءٌ أيْضاً ، بالأنا يُشَبَّهُ "بكأسٍ فارِغَةٍ " على مائدة ِ شَرابٍ "مَهْجُورَة" ، وَ "شَظايا" المُنْكَسِرِ "جارِحَة" (ص32).
وَمِن حَقِّ الذّاتِ الشّاعِرَةِ ، وَهِيَ تَنْظرُ في ما حَدَثَ لِلحبيبةِ سوريّة أنْ تَغْضَبَ حَدَّ الكُفْر بالعُرُوبَةِ وَبِكُلِّ المَعاني المُسْتَهْلَكَةِ الهالِكَةِ تَوْرِيثاً وَتَدَاوُلاً إلى اليوم ، وبالأفْكارِ أيْضاً ، حتّى الماركسيّة مِنْها التي اعْتَقَدَ فيها الشّاعِرُ لِعُدَّةِ عُقُود بَعْدَ المُؤامَرَة الدّنيئة التي حِيكَتْ ضِدَّ سوريّةَ لإلحاقِ الأذى بِها ، تَقْسِيمِها ، تَدْميرِها ، إنْهاء مَجْدِها السَّالِفِ والحادِثِ.
فَلا تَكُونُ هُوِيَّةُ الشَّاعِرِ إلّا بالوَطَنِ وَلِأجْلِهِ . أمّا العالَمُ فَلا مَعْنى لَهُ وَلَن يَكُونَ لَهُ مَعْنى فِي مَنْظُورِ الشَّاعِرِ إنْ أصابَ سُوريَّةَ أذَى ما خَطَّطَهُ الأعْداءُ لَها.
كَذا جَدِيدُ الشَّاعِرِ في قَصائدِ "مِعْراج إلى دِمَشق" هُوَ مُراجَعَةُ مَفْهُومِ الهُوِيَّةِ لَهُ بأفكارٍ جديدَةٍ بَعْدَ الأفكارِ المُهْتَرئةِ ، إذْ ما قِيمَة الأفكار ، كُلّ الأفكار التي كانت ، بَعْدَ ضَياعِ الوَطَن؟ وَما قِيمَة المَرْء بِلا وَطَن؟ غَيْر أنّ هُويّةَ الشّاعِرِ بَدْءاً وَمَرْجعاً بِسُوريّةَ وعِشْقِ سُوريَّةَ لا تَتَعارَضُ وَمَحَبَّة
فلسطين
الاستثناء ، أو ما يُشْبِهُ الاستِثناء فِي سَوْرَةِ الغَضَبِ عَلى كُلِّ العَرَب ، تقريباً ، إذْ عِشْقُ فِلسطين هُوَ بَعْضٌ مِن عِشْقِ سُوريّةَ تبْعاً لِهُويَّةِ المَكانِ والكِيانِ اشْتِراكاً ، وَلَيْسَ بِمُطْلَقِ الأفكارِ وَمُسْبَقِ الأيديولوجيا.
وإذا المَعْنى العِشْقِيّ يَتَكَرَّرُ وَإن اخْتَلَفَتْ اللحظاتُ بِمُخْتَلَفِ التَّواريخِ المُذَيَّلَةِ في نِهاياتِ القصائدِ ، إذْ الحَالُ المَرْجِعِيَّةُ واحِدَةٌ ، كما أسْلَفْنا ، والجُّرْحُ هُوَ ذاتُهُ لم يَنْدَمِلْ ، والألَمُ أيْضاً ، وَالغَضَبُ مِمّا حَدَثَ وَيَحْدثُ لِسُوريّةَ وَفِلَسطينَ مَعاً . فَقَبْل السَّفَر إلى سُوريّةَ وَبَعْدَ السَّفَرِ أغْنِيَةٌ واحِدَةٌ تَرِدُ بأصْواتٍ مُخْتَلِفَةٍ في أداءِ النَّصْرِ الوَشيكِ بِفائضِ الأمَل :
" يا حبيبتي انْهَضِي وارْكُضِي
وَجَاوِزِي الحَواجِزَ العَشْرَةَ
كَغَزَالٍ مُطْمَئنٍّ إلى أنَّ الفِخاخَ التي نُصِبَتْ في النَّهاراتِ
خُرِّبَتْ في الليالي"(ص54).
فَيَقِينُ الشّاعِرِ ثابِتٌ بأنَّ ما حَدَثَ لِسُوريَّةَ قَدْ حَدَثَ لَها مِراراً في الماضي البعيدِ والماضي القريبِ . هِيَ الباقِيَةُ المُنْتَصِرَةُ دائماً في الأخيرِ على أعْدائها ، وتاريخُها دَمَوِيٌّ وَجراحاتُها نازِفَةٌ بينَ مُحاوَلَةِ قَتْلٍ وأُخْرى . إلّا أنَّها تَظَلُّ الأقْوى مِنْ كُلِّ الغُزاةِ والأبْقى وُجُوداً .
يَقِينٌ ثُمَّ يَقِينٌ ، وَلا نَفْيَ ولا اسْتِفْهام في جُلِّ قَصائد "مِعْراج إلى دِمَشْقَ" ثُمَّ طَمْأنينةٌ وَقَلَقٌ عارِضٌ ، ولا يأسٌ ، كالماثِلِ في عِدَّةِ قَصائد سابِقِة .
يَقِينٌ مَفادُهُ الشُّعُورُ العميقُ بأنَّ سُوريّةَ ستكُونُ المُنْتَصِرَةَ حَتْماً كما كانت في سالِفِ الأزْمِنَةِ .
يَقِينٌ تَوَلَّدَ عَن رغْبَةٍ جَمُوحٍ في الحياةِ وَثِقَةٍ بأنَّ نِهايَةَ ما يَحْدثُ لِسُوريّةَ اليوم ستكون أفْضَلَ بكثيرٍ مِن كُلِّ النِّهاياتِ الماضية ، إذْ سَيَتَغَيَّرُ تاريخُها بانْتِصارِ "جَيْشِ زَنُّوبيا" السّاحِقِ في هذه المرَّة وَيُبْعَثُ مِن جَديدٍ ، شُهَداء الأمْس وَشُهَداء اليَوم (برصاصِ الإرهابيين وبِرصاصِ المَرَض) ، كَ "قُصَيّ مَعْرُوف" تُرَفْرِفُ رُوحُهُ عالياً بالذّكرياتِ وَأحْلامِ الزَّمَنِ الجميلِ وَرُبُوعِ الفرَحِ في دير الزور وَدِمَشْق ، وَبَيْنَ حُلْمٍ وَآخَر ، وَبَيْنَ رُكْنٍ وَرُكْنٍ ، وَبَيْنَ سَماءٍ وَسَماء...
-4- لِلغَضَبِ مثل الفَرَحِ ، وَلِلأمَلِ مثل الحزْنِ دَلالَةٌ خاصَّةٌ في "مِعراج إلى دِمَشْق" ، إنَّ لِلرُّؤيَةِ مَعنى وللرُّؤيَا ألْف مَعْنى ، بَيْنَ ما يُدْرَكُ بالحَواسّ ، بالجَّسَدِ المُتْعَبِ ، بالذاكرةِ المُنْهَكَة ، بالصَّيْحَةِ تلْوَ الصَّيْحَةِ وَبَيْنَ ما يُدْرَكُ بالقَلْبِ ، بالرُّوحِ المُتَعَطِّشَةِ إلى المَزيدِ مِنَ الارتِغاب.
كَذا الرُّؤيا تَنْبَثِقُ ، هُنا ، مِن رَحِمِ الفاجِعَةِ وَتَتَشَكَّلُ عرْساً بالطّبيعَةِ تَغْتَسِلُ بِماءِ الحَياةِ لِتَتَطَهَّرَ ، كَسُوريَّةَ المُغْتَسِلَةِ بالدَّم بَعْدَ صَلْبِها ، بَعْدَ الجِّراح العميقة النّازِفَة تَمْحُو "آثامَ البَشَرِيَّةِ مُذْ كانتْ أرْوَاحاً في الجَّنَّةِ"(ص87).
إنَّ للاسْتِشْهادِ ، بِمُخْتَلَفِ مَرَاجِعِهِ الواقِعِيَّةِ والتّاريخيّةِ عَوْدَاً إلى صَلْبِ المَسيح وَمَقْتَلِ الحُسَيْن ، حُضُورهُ المُعْلَن والخَفِيّ في عَدَدٍ مِن قَصائدِ "مِعْراج إلى دِمَشْق" ، كالبادِي فَرَحاً حَزيناً وَحُزْناً فَرِحاً يَتَجاذَبه الألَم والأمَل ، إذ الدّم ، هُنا، حِكايَة ، والحِكايَة دَم ، وَمِن حَقِّ ابْنِ الشَّهيدَةِ ، سَليل المَذابِحِ ، أنْ يَغْضَبَ وَيَصْرَخَ باللعْنَةِ في وُجُوهِ القَتَلَةِ :
"ألْعَنُكُمْ أَمْسَخُكُمْ أُمَرَاءَ ، مُلُوكاً ، وَسَلاطِينَ
بِلا نَفْطٍ وَبِلا ذَهَبٍ وَبِلا حَجَرٍ أسْوَد
تَقْضُونَ العُمْرَ عُراةً وَحُفاةً
في الرّبْعِ الخالِي
تَحْدُونَ نِياقاً جَرْباء
تَتُوهُ بِكُمْ خَلْفَ سَرابِ الأمَلِ الضّائعْ!"(ص88).
هذا الدُّعاءُ لا يَتَجَرَّأُ عليهِ إلّا الأنبياء ، والشُّعَراء - لا المُتَشاعِرُون – هُم مِن قَبيلِ الأنبياء ، لا يَيْأسُونَ ، وَإنْ اشْتَدَّ بِهِم الحُزْنُ أدْرَكُوا الأمَلَ ، وَإنْ غَمَرَتْهُم تَفاصِيلُ المَعيشِ اليَومِيّ أنْتَجُوا الحُلْمَ الجميلَ.
-5- فَيُخْتَصَرُ بِقصائدِ "مِعراج إلى دِمَشْق " تاريخُ العَرَبِ العارِبَة والعَرَب المُسْتَعْرِبَة والعَرَب البائدَة بِمَدْلُولِ هذا الزَّمان.
يُخْتَصَرُ تاريخُ سُوريّةَ السّالِف والحادِث ، "بِكأسٍ مِن دَمِ الإنسان"(ص89).
يُخْتَصَرُ الغَدْرُ والخِيانَةُ .
تُخْتَصَرُ الهَزائمُ.
تُخْتَصَرُ المَآسِي :"دُمُوعُ الطِّفْلِ يَضْحَكُ (...) دُمُوعُ الأمِّ تَبْكِي".
تُخْتَصَرُ حِكايةُ "الحَجّاجِ والحَلّاج" ، القَتَلَة والشُّهَداء، جُنُود المَوْتِ وَجُنُود الحياة لِيَنْتَصِرَ الوَطَنُ في الأخيرِ على أعْدائهِ ، وَجَيْشُ سُوريّةَ على المُرْتَزَقَةِ ، وَتَنْتَصِرُ الموسيقى على الحَجَر ، والحَرْفُ على السَّيْف...
نُبُوءَةُ الشّاعِرِ صادِقَةٌ في ما مَضى ، وَنُبُوءَتُهُ اليومَ هِيَ ذاتُها : حُلْمٌ كانَ بالانْتِصارِ وَوَاقِع الآنَ لانْتِصارٍ وَشيك.
*هادي دانيال ، "مِعْراجٌ إلى دِمَشْق" ،
تونس
–
صفاقس
: دار صامِد للنشرِ والتوزيع ، ط1،2017.
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
مصطفى الكيلاني يكتب لكم : "يأتي الذي كان" لِهادي دانيال.. "شاهِدٌ أمْ شَهيد"؟
صَرْخَةُ الوَجَعِ الأمَضّ: مَن يَفْتَدِي سوريّا؟ في "الرُّخام يبتَسِمُ لِأصابِعي" ل"هادي دانيال"
الطريق أو سارد أحواله شعراً: في "وضح الردى أراقص الجبال" لهادي دانيال
فن التوقيع في الشعر العربي الفلسطيني المحلي: الدكتور حبيب بولس
"عندما البلاد في الضباب و الذئاب" لهادي دانيال: شاعريّة الارتغاب والارتعاب
أبلغ عن إشهار غير لائق