نشر المدون سامي بن عبد الله تدوينة فايسبوكية جاء فيها ما يلي: " هناك فيديو منشورة للإرهابي الذي قام بالعمليّة الإرهابيّة في ألمانيا وكرّر فيها 2 مرّات " جئتكم بالذّبح" . ما معنى ذلك؟ إنّه يستند لحديث منسوب للرّسول موجود في مسند أحمد بن حنبل منشأ المذهب الحنبلي (هناك 4 مذاهب لفرقة أهل الجماعة والسنة وهي المالكية؛ الحنفية، الشافعية والحنبليّة) ويقول هذا الحديث (الرّسول مخاطبا قريش) : "لقد جئتكم بالذبح". فأيّها التونسيون، كفانا نفاقا ! إنّ أغلب جماعة "داعش" يستندون لهذا الحديث وأحاديث أخرى في عمليّاتهم الإرهابيّة، فإن صدّقتم كلّ هاته الأحاديث ، فكفاكم نفاقا وترهدين وتسكبين من قبيل " هذا الإرهابي موش متاعنا وخاطينا..إلخ"؛ إن صدّقتم كلّ الأحاديث فهذا الإرهابي يطبّق ما قيل له هو "سنّة الرّسول" ، وهو ليس إرهابي بل " شهيد". أو تفكّرون بعقولكم في كلّ هاته الأكاذيب والمغالطات التي يقولها شيوخ بول البعير وقياديو فرع داعش بتونس فأغلب هاته الأحاديث تمّ تدليسها ونسبتها للرّسول بهدف تشويه الإسلام. ماهو المعنى الحقيقي لعبارة "حديث صحيح" ؟ هناك مثلا فرق كبير بين المعنى الحقيقي لعبارة "حديث صحيح" والمعنى الذي تفهمه أغلبيّة النّاس. ومن يسمّون أنفسهم فقهاء يغالطون النّاس ويخدعونهم لأنهم لا يفسّرون لهم المعنى الحقيقي لعبارة "حديث صحيح". معنى عبارة "حديث صحيح" هو "صحيح ظنّيا" يعني " نظنّ أنه صحيح" يعني "لسنا متأكّدين 100% أنّ الرّسول قال هاته الأحاديث"، لذلك لا يُعمل بأحاديث الرّسول في العقائد (أصول الدّين) لأنّه لا أحد متأكّد 100% أنّ الرّسول قال هاته الأحاديث" وأغلب الأحاديت تمّت كتابتها أكثر من 100 سنة بعد وفاة الرّسول ...إلخ.
ماهو المعنى الحقيقي لعبارة "السنة" ؟ نفس المغالطة موجودة في مفهوم "السّنّة" فمن يسمّون أنفسهم فقهاء يغالطون النّاس ويخدعونهم لأنهم لا يفسّرون لهم المعنى الحقيقي لعبارة "سنّة" ، لأنّ هناك "السنّة القوليّة" و"السنّة الفعلية". فأمّا "السنّة القوليّة" (من قال يقول قولا ) فهي ترتكز بالأساس على الأحاديث المنسوبة للرّسول ؛ وبما أنه لا أحد متأكّد 100% ( بمن فيهم فقهاء بول البعير) من أنّ الرّسول قال هاته الأحاديث، وبما أنّه لا يُعمل بها في العقائد (أصول الدّين)، فإنّ كثيرين ينكرون هاته الأحاديث. وليس في هذا جريمة. لو توجد أحاديث متأكّدين 100% أنّ الرّسول قالها فستصدّقها النّاس، ولكنّ أغلب الأحاديث المتدولة هي " أحاديث مضروبة " بما فيها الأحاديث التي يقال أنها صحيحة. وأمّا "السنّة الفعليّة" (من فعل يفعل فعلا ) فهي الأفعال التي قام بها الرسول مثل طريقة تأدية الصلاة فكان يقول للصحابة " إفعلوا مثلي ...إلخ" ووصلت لنا اليوم ؛ وليس هناك إختلاف حول السنّة الفعليّة ؛ لذلك الذين ينكرون "السنّة القوليّة" لا ينكرون "السّنة الفعليّة". بعض الإشكاليّات التي تطرحها الأحاديث المنسوبة للرّسول حديث الرّسول مكوّن من "سند" (وهي سلسة العنعنة، عن فلان، عن علان، قال الرّسول ...) ومن "متن" (وهو محتوى الحديث).و لم تُكتب هاته الأحاديث في عهد الرّسول بل أكثر من 100 سنة بعد وفاته، وأساسا تمّ الإعتماد على كتاب دوّنه إبن إسحاق (مولود سنة 85 هجري ولقد توفّي الرسول في السّنة 11 للهجرة) وعنوانه "سيرة رسول الله" ، و يُعتبر إبن إسحاق أول مؤرخ عربي كتب سيرة الرّسول، وهناك أسئلة مطروحة حول هذا الكتاب و شكوك كثيرة وأسئلة مشروعة حول "شخصيّة إبن إسحاق" ومدى مصداقيّة كتابه بما أنّه كتبه بطلب من الخليفة العبّاسي. وأغلب علماء الحديث بعد ذلك إرتكزوا على كتاب إبن إسحاق. في الإسلام هناك مدارس عقائد كثيرة ولكلّ فرقة مدارس فقهها. والمذهب الطّاغي في العالم العربي هو مذهب ما يُسمّى "بأهل الجماعة والسنّة". ولهذا المذهب 6 كتب مركزيّة يسمّونها "كتب الصحاح الستّة"، وهي "صحيح البخاري" و "صحيح مسلم" و "سنن النسائي" و "سنن أبو داود" و "سنن الترمذي" و"سنن ابن ماجه". ولقد حوّل ما ما يُسمّى "أهل الجماعة والسنّة" هاته الكتب إلى "كتب مقدّسة" حتّى قيل عن كتاب البخاري وعنوانه الأصلي "الجامع المسند الصحيح المختصر من أُمور رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسننه وأيامه"، ومشهور بعنوان "صحيح البخاري"، قيل هو "أصحّ كتاب بعد القرآن" ! فبما أنّهم حوّلوه لكتاب مقدّس فيجب تطبيق محتواه دون إعمال العقل من وجهة نظر أهل الجماعة والسنّة. ولقد توفّي الرسول في السّنة 11 للهجرة، وولد البخاري في السنة 194 للهجرة (810 ميلادي)؛ أي بعد 183 سنة من وفاة الرّسول، ومات البخاري في سنة 256 للهجرة. والأحاديث المرويّة عن الرسول تطرح إشكاليّات التثبّت منها (يعني هل قالها الرّسول حقّا؟) وإخترع الفقهاء علما إسمه "التعديل والتجريح" وقالوا، تثبّتنا بواسطته من صحّة كلّ الأحاديث، وفي هكذا كلام نجد دائما مغالطات، لأنّ هناك دائما فرق كبير بين مفهوم العبارة الأصلي وبين المفهوم الشّائع عند أغلبيّة النّاس؛ فمثلا عندما يقال "الصحابة " فتظنّ النّاس أنّ المقصود هم 20 أو 30 شخص، في حين أنّ الفقهاء يقصدون بالعبارة "كلّ من رأى النبيّ" فإذا المفهوم يقصد عشرات الآلاف من الأشخاص ؛ وعندما يقال "حديث صحيح" فتفهم النّاس "حديث صحيح 100%" وأمّا الفقهاء فيقصدون " نظنّ أنّه صحيح" (يعني لسنا متأكّدين 100%) ولذلك لا يُعمل بالأحاديث المنسوبة للرّسول في العقائد (لأنّه لا أحد متأكّد 100% أنّ الرّسول قالها) وأصلا، الإنسان العادي لا يُفرّق بين الحديث الصحيح والضعيف فهو يتوقّف عند "قال الرّسول" ويظنّ أنّ الرّسول قال حقّا ذلك. وإشكاليّة الأحاديث أنّها من جهة لا يمكن التثبّت من صحّتها وتمّ إضافة آلاف الأحاديث "المضروبة" (عندما تحارب عليّ ومعاوية، إخترع كلّ فريق أحاديث وكانوا ينسبونها للرّسول وأصبحت تلك العادة في الدّولة الأمويّة والعبّاسيّة، إضافة لذلك هناك ما يسمّى "بالإسرائيليّات" وهي الأحاديث التي يبدو أنّ مسلمين مطّلعين على التراث اليهودي أضافوها للأحاديث، وأغلب هاته الأحاديث تتنبّأ بالغيب ، بالمستقبل ، وهي "أحاديث مضروبة" ) فإذا من جهة لا يمكن التثبّت من صحّة الأحاديث المنسوبة للرسول وتمّت إضافة آلاف الأحاديث "المضروبة"،؛ ومن جهة أخرى، حوّلها ما يُسمّى "بأهل الجماعة والسنّة" لنصوص بمثل قوّة القرآن؛ وقالوا بما معناه "الأحاديث ليست مجرّد إجتهادات للرّسول؛ بل هي وحي"، فإذا هي "مقدّسة ". وحتّى شخص الرّسول فقدّسوه ثمّ قدّسوا كلّ الصحابة (وهم آلاف) وقدّسوا كتب الصحاح الستّة (البخاري ومسلم...إلخ) وقدّسوا الفقهاء الأربعة "مالك والشّافعي وإبن حنبل ومالك " وقدّسوا كتب الفقهاء وإنتشرت نصوص موازية كثيرة وأصبحت في الواقع أكثر قداسة من القرآن، ثمّ أصبحت العادة هي تقديس الماضي وأصبح توظيف هاته القداسة للنصوص الموازية لتبرير ظلم السّلطان هو القاعدة، وأصبحت الثقافة الإسلاميّة " ثقافة نقل" (حفظ وتطبيق ما نحفظه ،إذا، ليس هناك إجتهاد، يجب أن نحفظ النصوص ونطبّقها فقط. قبل الأكل، قُل هذا الحديث، قبل النوم قُل هذا الحديث...إلخ، لا تُفكّر، بل إحفظ الأحاديث وردّدها ) وليس "ثقافة إعمال العقل" (لذلك، كلّ من يفكّر بعقله ويحاول أن يجتهد يتمّ تكفيره أو يتّهمونه بالزندقة وبالتشيّع وبالصهيونيّة...إلخ). وهذه الإشكاليّات النظريّة تطرح مشاكل حقيقيّة في الواقع، فلو نأخذ جماعة داعش كمثال، فمن وجهة نظر جماعة داعش، هم يطبّقون أحاديث الرّسول ويستندون للحديث "لقد جئتكم بالذبح" وهو حديث "صحيح" بالمعنى في الأعلى لعبارة "صحيح" ورواه البخاري...إلخ. يعني إضاعة للوقت وسذاجة أن يبقى الإنسان "يُنظّرْ" حول داعش صناعة صهيونيّة و ...إلخ. إنّ أمير داعش، أبو بكر البغدادي، ليس غبيّا ولا جاهلا معرفيّا، إنّه مطّلع جدّا على النصوص وهو وجماعته يطبّقون "حرفيّا" أحاديث موجودة و يعتبرها أغلب الفقهاء أحاديث "صحيحة" ويعتبرون هاته الأحاديث "وحيا" فهو إذا مُقدّس ويجب تطبيقه. فمن وجهة نظرهم، هم يطبّقون ما وجدوه. يعني تماما كمواطن؛ قيل له "عندما يشتعل الضوء الأحمر فيجب أن تتوقّف وتنتظر الضوء الأخضر"؛ فهو يطبّق ما قيل له "هذا هو القانون"؛ وفقط. فأن تبقى تقول له "الإسلام دين الرحمة وهذا ليس الإسلام و...إلخ"، فهذا عبث وسذاجة! والمفاهيم المركزيّة التي يستند لها جماعة داعش هي المفاهيم السّائدة في الثقافة العربيّة الإسلاميّة ونجدها في المجتمع، فلذلك سهل جدّا أن يتحوّل الإنسان العادّي لداعشي؛ لأنّ المفاهيم المركزيّة التي يستند لها جماعة داعش هي نفس المفاهيم المركزيّة التي يستند لها المسلم العادي وهي نفس المفاهيم المركزيّة التي يستند لها فقه "فرقة أهل الجماعة والسّنة" ، فقط المسلم العادي ليس واعيا بذلك ؛ يظنّ أنّه يستند لمفاهيم مختلفة عن المفاهيم التي يستند لها داعشي، في حين أنّها نفس المفاهيم، ولذلك يتحوّل المسلم العادي بسهولة لداعشي. وأغلبيّة النّاس مثلا تظنّ أنّها تطبّق "الإسلام" (بالألف واللّام) وهذا غير صحيح، فماهو مطبّق غالبا في سلوكيّات النّاس هو "الفهم الأشعري والمذهب الحنبلي" و(أكثر من حلّل هاته الأطروحة هو المفكّر المصري علي مبروك). وفي تونس مثلا، رسميّا المذهب المتّبع هو المذهب المالكي، هذا نظريّا، أمّا في فهم أغلب التّونسيّين للإسلام وفي سلوكهم اليومي فسنجد أنّهم يطبّقون "الفهم الأشعري والمذهب الحنبلي" وأنّهم يفكّرون كالأشاعرة والحنابلة ويستندون لنفس مفاهيمهم المركزيّة وهم غير واعين بذلك و يظنّون أنّهم يطبّقون "الإسلام" (بالألف واللّام). وبالطّبع، طالما لم تتمّ مراجعات كبرى وتنوير دينيّ وتفكيك لهاته المفاهيم المركزيّة فسيتواصل التطرّف والإرهاب في المجتمعات العربيّة وسبقى النجاحات الأمنيّة تخريفا. وسيتواصل الإنفصام في الشخصيّة : المجتمع ينتج التطرّف، ونفس المجتمع يتسائل : من أين أتى التطرّف ؟ أكيد من السّويد !".