مع عودة التحكيم الأجنبي.. تعيينات حكام الجولة 5 "بلاي أوف" الرابطة الاولى    استقالة متحدثة من الخارجية الأميركية احتجاجا على حرب غزة    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    ماذا في لقاء سعيد برئيسة اللجنة الوطنية الصلح الجزائي..؟    أخبار المال والأعمال    سليانة .. رئس الاتحاد الجهوي للفلاحة ...الثروة الغابية تقضي على البطالة وتجلب العملة الصعبة    وزير السّياحة: تشجيع الاستثمار و دفع نسق إحداث المشاريع الكبرى في المجال السّياحي    «الشروق» ترصد فاجعة قُبالة سواحل المنستير والمهدية انتشال 5 جُثث، إنقاذ 5 بحّارة والبحث عن مفقود    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    زيتونة.. لهذه الاسباب تم التحري مع الممثل القانوني لإذاعة ومقدمة برنامج    لدى لقائه فتحي النوري.. سعيد يؤكد ان معاملاتنا مع المؤسسات المالية العالمية لابد ان يتنزل في اختياراتنا الوطنية    اليابان تُجْهِزُ على حلم قطر في بلوغ أولمبياد باريس    سوسة.. دعوة المتضررين من عمليات "براكاجات" الى التوجه لإقليم الأمن للتعرّف على المعتدين    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    حركة النهضة تصدر بيان هام..    بالثقافة والفن والرياضة والجامعة...التطبيع... استعمار ناعم    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    تراجع الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    منوبة.. الإطاحة بمجرم خطير حَوّلَ وجهة انثى بالقوة    برنامج الجولة الأولى إياب لبطولة الرابطة الاولى لمحموعة التتويج    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    البطلة التونسية أميمة البديوي تحرز الذهب في مصر    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    وزارة التعليم العالي: تونس تحتل المرتبة الثانية عربيًّا من حيث عدد الباحثين    سليانة: أسعار الأضاحي بين 800 دينار إلى 1100 دينار    الرئيس الفرنسي : '' أوروبا اليوم فانية و قد تموت ''    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    باجة: تهاطل الامطار وانخفاض درجات الحرارة سيحسن وضع 30 بالمائة من مساحات الحبوب    وزير الشباب والرياضة يستقبل اعضاء فريق مولدية بوسالم    الڨصرين: حجز كمية من المخدرات والإحتفاظ ب 4 أشخاص    قيس سعيّد يتسلّم أوراق اعتماد عبد العزيز محمد عبد الله العيد، سفير البحرين    الحمامات: وفاة شخص في اصطدام سيّارة بدرّاجة ناريّة    التونسي يُبذّر يوميا 12بالمئة من ميزانية غذائه..خبير يوضح    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 25 أفريل 2024    سفينة حربية يونانية تعترض سبيل طائرتين مسيرتين للحوثيين في البحر الأحمر..#خبر_عاجل    بطولة مدريد للماسترز: اليابانية أوساكا تحقق فوزها الأول على الملاعب الترابية منذ 2022    كاس رابطة ابطال افريقيا (اياب نصف النهائي- صان داونز -الترجي الرياضي) : الترجي على مرمى 90 دقيقة من النهائي    هام/ بشرى سارة للمواطنين..    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنا سلفي ... ما ذا يعني ذلك ؟وكيف يكون ذلك ؟
نشر في الحوار نت يوم 26 - 10 - 2015


مقدمة عامة
طلب إلي صديق كريم الكتابة في هذا الموضوع ولم أكن أنوي الكتابة في موضوع السلفية بعد كراسي الأخير المنشور في صفحات التواصل الإجتماعي ممهورا بجريدة الإصلاح الإلكترونية www.alislah.mag وهو بعنوان ( السلفية بين الجمود وبين الجحود). ولم أشأ إلا أن ألبي طلبه ولم أشأ أن يكون ذلك في مقال قصير إذ أني أكره الإبتسار والإعتجاز وإن كنت متهما بالإسهاب والإطناب فإني أحرص الحرص كله في هذا الكراس أن أكون مقلا سوى أن مثل هذه المواضيع تأبى الإقلال أو أن قلمي جشع نهم أكول لا يقنع. أكتب في الموضوع أملا لا ينقطع في الحوار الذي سماه القرآن الكريم جدلا وجدالا بل سماه حوارا كذلك بلحم الكلمة وشحمها أن يكون سبيلنا ونحن نمتطي صهوة سفينة واحدة ولا يحسن بركاب سفينة واحدة إلا التوافق والتفاهم والتواضع والإشتراك فإن تخاصموا غرقت السفينة بهم وبمن معهم ولست أنا ولا أنت ولا أي مفكر أو فيلسوف هو من أخبر أن البشرية جمعاء قاطبة على ظهر سفنية واحدة ولكنه معلم البشرية الخير وهاديها بإذن ربها إلى الحق محمد عليه الصلاة والسلام وإذا قال هذا قولا فالقول ما قاله عندما يثبت قوله سندا وتثبت دلالة قطعا لا جدال فيه. ولكن بضاعة الجدال اليوم فينا هي الأنفق سوقا إذ يقول كل واحد فينا قالته في كل موضوع وفي أي موضوع وفي كل وقت وحين وفي كل حال وعرف وأوان لا يبالي بشيء ولا يلوي على شيء ولا سبيل لنا والحال تلك سوى تبين الغث من السمين والنافع من الفاسد إذ فتحت ثورة الإتصالات الهادرة الماردة النوافذ كلها وشرعت الأبواب بأسرها على مصارعها وهي منحة تحمل محنة أو محنة في رحمها منحة وعادة ما تجتمع المحن والمنح في الدنيا. وقديما قال إبن تيمية قولته الحق ( ليس العاقل من يعرف الخير من الشر ولكن العاقل من يعرف خير الخيرين وشر الشرين). أين العقلاء الذين يميزون بين أدنى الخيرين إلينا دينا وزمانا وبين ما ينبغي أن يكون أبعد الشرين عنا دينا وزمانا؟ مبنى التدين هو التمييز بين الأشياء لأن الدين هو دين الموافقات كما قال الشاطبي بلسان حاله في سفره المقاصدي اليتيم والعظيم. أما نظر العوّر والحوّل فلا يغني عنا شيئا. ذلك هو منهاج الأصحاب عليهم الرضوان أي منهج القياس والإجتهاد والإجماع الذي يخضع لتشاور وتوافق وتصويت وأغلبية وأقلية وترجيحات وأدلة وغير ذلك وهو منهج الإستصلاح والإستحسان والإستصحاب وإعتبار العرف والمآل والموازين والعوائد والتقاليد وغير ذلك وكل ذلك مؤذن بأن الدين هو دين التوافقات في الحياة العامة عدا العقائد والعبادات وشيئا من الأسرة. يعني أنه دين تجد فيه الشيء وغيره وعندما تكتظ الحياة بمثل إكتظاظها فينا اليوم وتشعب المنافع وكثرة المفاسد وأحوال أخرى أكثر .. عندها لا يغنيك حق لا نفاذ له كما قال الفاروق لقاضيه أبي موسى ولا يغنيك حق لا ميزان له ينزله وفق مقتضيات العدل والقسط المفروض فرضا عجيبا .. ولا يغنيك حق تهدى به أنت على فرض وجود ذلك ويضل الناس عنه من حولك فهل تأخذك الشماتة حينها والتشفي ثم يكون غرورا وعجبا ومهلكة أم تستقل عنهم لتقبع في دير وهذا محال عليك أم تذهب إليهم قتالا أم داعية بحكمة وموعظة بالتي هي أحسن وجدال بمثل ذلك. هل تكون عندها لهم طبيبا حتى لو آلمهم فلنفعهم أم صاحب مكس لا يهمه سوى جمع المال لا يميز بين فقير وغني وموسر ومعتر. أيسرك أن تكون قاضيا بينهم لتساق يوم القيامة مغلول الأيدي فيفرج عنك عدلك أو تظل كذلك مع القاضي الثالث ( لم يعرف الحق فلم يقض به ) حتى ولوج النار أم يسرك أن تكون بينهم داعية خير قال فيه علي عليه الرضوان ( الفقيه كل الفقيه هو من لا يوئس الناس من رحمة الله ولا يؤمنهم من مكره ) أي متوخيا التوازن والإعتدال والوسطية في تدينك تفكيرا ومسلكا ودعوة ومعاملة.
السلفية موضوع طويل ومركب وهو كذلك تاريخي قديم جديد. هو مركب لأنه يتعلق بالدين أولا أو بالتدين بالأحرى والأوفق.و رغم أن السلفية ليست مقصورة على الإسلام بل هناك سلفيات في كل دين وفي كل ملة ونحلة بل حتى في كل نظرية أرضية إنسانية فالأرتودوكس مثلا هم سلفية المسيحية مقارنة مع الكاتوليك والحزب النازي الهتلري الممنوع في ألمانيا هو سلفية القومية الألمانية الجرمانية المعاصرة. متعلق السلفية الأول هو الدين أو التدين من حيث منهاج فهمه وفقهه ومن ثم تنزيله. ومتعلقها الثاني هو التاريخ الإسلامي بدءا من الجمل وحطين والنهراوين وعام الجماعة وظلت مصاحبة للتاريخ حتى يومنا هذا بإختلاف مقادير الإستصحاب وإتجاهاته بل كانت أعرق من ذلك ولكن لا شأن لي بذلك الآن لأنه يستدر مدادا أكثر. ومتعلقها الثالث الأخير هو زماننا وما يؤثر فيه من مثل الغزو الفكري المعاصر ومختلف رود الفعل لمقاومته أو لإستيعابه ومن مثل سقوط الخلافة التركية وآثارها ومن مثل أحداث قريبة ( غزو العراق الأول 1991 والموقف السعودي الديني الغزو الأفغاني والتأثير الخليجي فيه الثورة 2011 إلخ .. ).
هي متعلقات ثلاثة لا أمل لمن لم يدرسها دراسة فكرية وتاريخية تحليلية جامعة ومجدية بروح نقدية صارمة .. لا أمل لمن لم يفعل ذلك بصبر وروية وتشاور وإتساع إطلاع في حسن فقه السلفية. أما من يريد تغذية عقله بمثل تغذية بطنه أي سد جوعتها بأكلات خفيفة مصنوعة خارج البيت بمكونات الله وحده أعلم بصلاحيتها ونفعها .. من يفعل ذلك مع عقله فقد يشفى بطنه ولكن يعسر جدا أن يشفى عقله لأن آفة الفكر ليست كآفة البطن. آفة الفكر الببغاوية القرودية التقليدية الإجترارية سواء إنبطاحا تحت أقدام من سلف حاشا النبي عليه السلام أو تحت أقدام من خلف. إذا لم تتعلم من الإسلام إستقلال الشخصية بلا غرور فما فهمت منه شيئا. ومقلد أصلح الصالحين ليس بأدنى ببغاوية من مقلد أخبث الخبثاء. التقليد محل حرب في الإسلام أبدا. ناهيك أننا لم نؤمر بتقليد أصلح الصلحاء وأصلح المصلحين محمد عليه السلام وإنما أمرنا بالإتباع وشتان بين إتباع وبين تقليد. وما قلده الأصحاب بل خالفوه في مواضع كثيرة معروفة في الدنيا لا في الدين قادها أبوبكر نفسه والفاروق وذو النورين وعلي وغيرهم كثير . هل أنت أتقى منهم أو تفقه أكثر منهم؟
مشكلتك أنت تقلد ولا تحاول الفهم مستقلا.
مشكلتك أنك تقصر إطلاعك على هذا دون ذاك.
مشكلتك أنك تتلقى دينك من غير مظانه. مظانه بطون الكتب وليس كل الكتب إلا كتابا كان للقرآن أوفى وللسنة أدنى.
مشكلتك أنك تركل تراث أمة عريقة ثرية خصبة ثرة لها من المذاهب الفقهية الأصولية اليوم فحسب ثمانية متبوعة دون مذاهب أخرى كلامية وأخرى أصولية وغير ذلك
مشكلتك أنك تريد أن تكون طبيبا دون قضاء سنوات طويلة في طلب العلم فيها الغربة وفيها الجوع والظمأ والتعب والنصب. أي تريد أن تكون عالما في الدين ومفتيا وداعية إليه أي طبيبا دينيا فكريا دعويا وأنت لم يبلغ عمرك العشرين أو الثلاثين وما قضيت في طلب العلم سوى سويعات أو أيام أو أسابيع أو شهور أو سنوات معدودات ..
مشكلتك أنك تتبع القائل وليس دليل القائل أي الفاعل وليس المفعول ولا دليل المفعول.. الفاعل يخطئ ويصيب ولكن المفعول يركن إلى دليل فهل وعيت الدليل وهل تضلعت في علم الدليل أي أصول الفقه ومقاصد الشريعة ومقامات التشريع والقواعد الفقهية وغير ذلك
مشكلتك أنك تكفر بأكبر قيمة دينية إسلامية حباها كتابك وهي سنة التعدد وقانون التنوع وناموس الإختلاف الألهي الرحماني الرباني ثم تظن أن مثل هذا كلام مفكرين وليس هم كلام رب العالمين
مشكلتك أنك تسارع بالإنتماء وأنت غض طري وإنما ينتمي إلى أي شيء من أتاح لنفسه فرصة العلم والمعرفة أولا ثم فرصة التمييز بين مواضع الإنتماء على أسس كثيرة وكبيرة. قدم العلم والمعرفة على الإنتماء وعندما يستد عودك العقلي لا حرج عليك في الإنتماء لأنه إنتماء واع وإنتماء مسؤول وإنتماء راشد محنك خبير بالدورب والسبل.
أهديك هذا الكراس
1 لا ليكون لك منهاجا ولكن ليكون لك موضع حوار فحسب.
2 لا لتقبله بالكلية ولا لتركله بالكلية ولكن لتكون معتدلا فيه فتقبل منه وتضع.
3 لا لتكون منتميا إلى هنا أو هناك ولكن لتعرف من تنتمي إليه قبل الإنتماء إليه.
4 لا ليزيدك علما ومعرفة ولكن لعلك تتواضع معه على معالم منهاج فكري إلى الإسلام أدنى وبالميزان أوفى فلا كتاب بلا ميزان ولا ميزان بلا كتاب بل هما صنوان.
5 لا ليجعلك أكثر تدينا أو تقوى وورع ولكن ليجعل تدينك أرشد على قلته وأعدل وأقسط وأبصر بما يجتاح زمانك ويكتظ به مكانك ويشغل بالك حدبا على منهاج حبر الأمة القائل وهو من هو ( بلغت الفقه بلسان سؤول وفؤاد عقول ).
6 لا ليجعلك بالدين أعلم منك بالدنيا فذلك سبيل لا يرتضيه لك ربك ولا ليجعلك بالدنيا أعلم منك بالدين فذاك سبيل لا يرضى كذلك ولكن لتكون أو لعله يجعلك كذلك بالدين عالما بقدر ما في دنياك من مشكلات عليك المساهمة في علاجها ولتكون أو لعله يجعلك كذلك بالدنيا عالما بقدر ما في دينك من معالم صحيحة لمعالجة تلك المشكلات.
7 لا ليعمق فرديتك على ما فيك من صلاح وورع ولكن ليعمق جماعيتك وتكافلك مع غيرك غيرك كله لأن التدين الفردي صلاح وأنت مطالب بالإصلاح من بعد الصلاح ومن نجى نفسه فحسب ما نجا ومن نجى واحدا فحسب فقد نجا حتى لو كانت نجاته هو بالحد الأدنى المطلوب ( لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم).
8 لا ليجعلك بأمارات الساعة أشغل منك وأهم بها بل بها هي نفسها أو بما ينفعك فيها يوم تأتي بغتة أو فجأة لأنها حق مقطوع به ولكن أماراتها ظنية ولا يقدم العاقل ظنيا على قطعي ولو صح أن كذا من أماراتها أشراطها فما ينفعك؟ لا ينفعك سوى العمل لها وليس رصد أماراتها الظنية في نفسها من جهة وفي محال تنزلها من جهة أخرى. لم تشق نفسك فيما لا ينفعك إذن؟
9 لا ليجعلك بالسنة والحديث أشغل وأهم منك بالقرآن فهذا حاكم وتلك محكومة وهذا متبوع وتلك تابعة وهذا مبين إسم مفعول وتلك مبينة إسم فاعل فكيف تكون أعلم منك بالمبين إسم فاعل من المبين إسم معفول ؟ أفلا تراجع مكونات مرجعيتك الدستورية لأجل إعادة ضبط أولوياتها؟ كم من حديث موضوع أو ضعيف أو ليس هو محل عمل أو هو غير موجه إليك أنت لخصوصيته أو فيه مقالات ومقالات من أهل الحديث أنفسهم قبل أهل الفقه .. وأنت تجعل منك عنوان معركة فاصلة؟
10 لا ليجعلك أعلم بالأشاعرة والماتريدية واليونانيين زمان المعركة العقدية والغنوصية الشرقية والجبرية والقدرية والجهمية والشيعة والصوفية والباطنية والخوارج وبمعارك أخرى كثيرة في تاريخنا منها الكلامي ومنها الفقهي ومنها السياسي بل كلها سياسية بثوب ديني مثل العباسيين الذين يحكمون بمرجعية دينية معتزلية إلخ .. ولكن لعله يكون مساعدا لك على معرفة تحديات زمانك ومكانك فمن تشمر لهم الساعد لمقاومتهم أنت اليوم (هذا مجسم وهذا مشبه وهذا مؤول وهذا مفوض وهذا معطل إلخ ..) .. أولئك رحلوا ورحلت بضاعتهم ولكن أمامك تحديات عقدية جدية كبيرة وكثيرة وخطيرة.. فهل تظن أن الزمان مثلنا نحن يستنسخ تحديات زمان سلفه أي سبقه ليعيد طحنها؟ لا. الزمان ليس كسولا مثلي ومثلك. الزمان ينحت له تحدياته الخاصة به ويستخرج الرجال لها لمقاومتها.
11 لا ليشغلك الماضي عن حاضرك المؤلم. الماضي خذ منه العبرة بسرعة وأمض في سبيل حالك. الماضي في كتابك هو قصة الأولين الذين عصوا ربهم فأخذهم. ألا يكفيك ذلك الماضي الذي سطره ربك لتقضي عمرك في ماض إندثر وإندثرت تحدياته؟
12 لا لتكون بمظهرك أشغل منك وأهم من حقيقتك. مظهرك مهم ولكن حقيقتك علما ومعرفة وعقلا أهم. سقف بيتك أي الأمة ينذر بالسقوط بل هو ساقط وأنت مشغول بمظهرك. أرضك المقدسة وليس أي أرض محتلة وأنت مهتم بما دون ذلك؟ ألا تعلم أنه كان عليه السلام يرتدي ملابس المشركين نفسها فلم يجترح له ثوبا له أي علامة خاصة به منفردا بذلك عن ثوب المشركين حتى يأتي الرجل الذي لا يعرفه فيقول في حضرة رجال يلبسون الثياب نفسه أيكم محمد؟ ألا يهزك ذلك لتخفف من وطأة إهتمامك بمظهرك منتبها إلى حقيقتك وروحك .وروحك هي العلم والمعرفة ورشد العقل ودقة الفقه وتعلم أصول الدين ومقاصده ومبادئه وكلياته ومحكماته قبل تعلم فروعه وجزئياته فهو قصر شامخ منظم مرتب ترتيبا عجيبا مدهشا له أبواب كبرى وأخرى صغرى وأقسام عظمى وأخرى دنيا وهكذا. ليس هو كومة تبن مشوشة مضطربة لا تعرف منها شيئا من شيء.
13 لا لتكون مجاهدا بسيفك وعصاك وبنيتك في سبيل الله قبل خوض معركة الجهاد الأول أي الجهاد بالقرآن ( وجاهدهم به جهادا كبيرا ). الجهاد بالسيف في سبيل الله هو جهاد إستثنائي إضطراري ساعاته قليلة وهو من قبل ذلك ينبني على الجهاد الأول والأكبر والذي هو فرض عين عليك أي الجهاد بالقرآن وهو يعني العلم به علما صحيحا عميقا شاملا وذاك العلم به هو الذي يجعلك به مجاهدا. ألا ترى أن من يجاهد بسيفه يقتل أخاه وكلاهما يكبر؟ القاتل يكبر وهو يقتل أخاه لأنه إختلف معه في حكم لحية أو سروال أو فرع عقدي من مثل المهدي المنتظر والمقتول يكبر وهو يقتل ( مبني للمجهول) وكلاهما يعتقد أن صاحبه كافر. هل ذاك هو جهاد الصحابة؟ هل بذاك تقدم الإسلام وإنداح ليصلك أنت؟
لو قام كل واحد منا بإعلان الجهاد زاعما أنه في سبيل الله وكون له مجموعة وتأمر عليها فهل نحقق أكبر فريضة في الدين أي وحدة الصف الإسلامي رغم تعدده؟ أم نقدم لأعداء الدين أجل خدمة أي تفريق صفنا بأنفسنا ليلقمنا هو لقمة سائغة؟
14 إسمع مني هذه فحسب ولا عليك فيما قلت ولا فيما سأقول :
إعمل على تحصين وحدة الأمة كلها لا فرق بين مذهب وآخر وبين مدرسة وأخرى وبين لون وآخر وبين قطر وآخر ولسان وآخر .. تعاون مع من يعمل لتحصين صف الأمة ليظل صفا واحدا بنيانا مرصوصا. تلك هي فريضة العصر وواجب الوقت. لأن لك في الكتاب سورة إسمها سورة الصف وهي تقول لك : ليكن عملك في إتجاه إعادة الصف الواحد مهما كان ذلك الصف مخروما لأن خرمه يغري العدو الخارجي وعندما يحتلك العدو الخارجي يضع هويتك في الميزان وليس يضع مذهبا فحسب أو إتجاه فكريا فحسب في الميزان. نحن مختلفون وسنظل وكان الأصحاب مختلفين وظلوا كذلك ولكن عليك بتقوية عناصر القوة في أمتك وأحرص على شحذ صفها مهما كان مخروما. فإن عملت في الإتجاه المعاكس بإسم الإصلاح والدعوة ومقاومة هذا المذهب وتلك المدرسة وهذا الإتجاه فقد مكنت للعدو. عندما يكون سقف بيتك منذرا بالسقوط هل تهتم بالمطبخ أو قاعة الأكل أو موضع الحنفية؟ طبعا لا؟ لم ؟ لأن سقوط السقف يلتهم كل شيء.
أمتك الآن هي في ذلك الموضع بالضبط. السقف مخروم ويوشك أن ينقض علينا. فلنتعاون على إعادة بنائه بل نساهم فيه فهو معرض للسقوط وإعادة البناء منذ قرون وسأموت أنا وتموت أنت وهو كذلك لأن العملية مهمة قرون وليس مهمة عقود ولا سنوات..
إلق ربك وأنت كذلك : عاملا على توحيد صف أمة أخرجت لتكون خير أمة فإن لقيته وأنت داع إلى أن هؤلاء منها فحسب هم الفرقة الناجية وما بقي منها في النار وهم الأغلبية فقد لقيته ورب الكعبة وفي علمك ثلمة وفي تدينك مائة ثلمة..
الأمة كلها ناجية بحوله سبحانه وإن كانت غير ذلك فكن من الناجين بسبب الحدب على هذه الأمة أن ينخرم صفها فيحتلها العدو وهو محتلها أو قاومه.
نجاتك بأمرين : مساهمة لوصل صف أمة وهي متعددة متنوعة إرادة منه مرادة أو مقاومة لعدو محتل إحتلالا عسكريا أو إقتصاديا أو سياسيا .. ودون ذلك عبث معبوث إلا قياما بأمر دينك الفردي والأسري وما يليك. دون ذلك يلهيك به الشيطان بعد ما ئيس من جرك إلى الكفر أن تنال شرف أعظم العبادات : توحيد صف أمة أو مقاومة عدو.
ذلك هو ما أهديكه.
هل لا بد أن أكون سلفيا ؟
السلفية بين الإسم والمسمى
1 أما من حيث الإسم فلا حظ لهذا الإسم مطلقا لا في القرآن الكريم ولا في السنة كلها حديثا قوليا وعملا فعليا وإقرارا بل لم يرد الإسم على لسان أي صحابي ولا في الخلافة الراشدة المهدية الأولى.
2 ورد الجذر اللغوي الثلاثي الصحيح ( س ل ف ) في القرآن الكريم بمعنى الماضي المنقضي من مثل قوله سبحانه في تحريم النساء في سورة النساء ( وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف ) وهو المعنى نفسه الوارد في أول تلك الأيات ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف ). سلف لسانا عربي يعني : مضى وإنقضى وفات. ولذا سمي الناس الذين يسبقون أناسا آخرين في التاريخ سلفا لأنهم يسلفونهم في التاريخ أي يسبقونهم فيه لأنهم مضوا وإنقضوا ورحلوا ويسمى عقبهم خلف لأنهم يخلفون أسلافهم على الأرض. ومنه أسلف ( الفعل المزيد بحرف على وزن أفعل ) وهو يعني أقرضه منفعة أو مالا أو عينا وسمي كذلك لأنه المسلف يسبق المسلف إليه الذي لا يعالج سلفته إلا من بعد ما عالجها مسلفه بمدها أو إعطائها. ولذا يتجه السلف جذرا ثلاثيا صحيحا في اللسان العربي دوما إلى الماضي المنقضي.
3 ولا يعرف على وجه التحديد أول من أطلق هذا المصدر الصناعي ( السلفية ) ولا متى كان ذلك وبأي مناسبة ولكن الأرجح هو ترجيح فحسب بحسب التدوين الذي لا يفيد منه المرء شيئا قطعيا ثابتا لا يعارض أن بدايات التسمية كانت في المعركة الكلامية الشهيرة الدائرة بين مجموعة من الفرق الإسلامية في أيام حكم العباسيين إذ سمى بعضهم إتجاه أحمد إبن حنبل في معارضة المعتزلة في قضية خلق القرآن بأنه سلفي أي ينحو منحى الماضي والمقصود به من قبله إما من القرون أي الأجيال الثلاثة الماضية التي لنا فيها حديث صحيح أو حتى ربما الخلافة الراشدة نفسها. وهي تسمية إيجابية لإتجاه الإمام أحمد من لدن مطلقها لأنها تضع معارضيه في صف ليس بعيدا عن الإبتداع أو المخالفة أو غير ذلك من المعاني السلبية. ولم يكن المصطلح يومها مستخدما حتى لو صح أنه أطلق في تلك المعركة.
4 ثم هدأت المعركة الكلامية ونامت الأمة على منهاجين في الفهم والتفسير والتأويل : منهاج أثري له بصماته في الأصول والفروع من فقه وتفسير وحديث وغير ذلك وينسب دوما إلى إبن حنبل ومنهاج رأي يكاد يتفرد به أبو حنيفة فقها وله عند المالكية خاصة أثر كبير. ثم جاء إبن تيمية ليكون أول من شغل الناس بفكره من بعد تلك المعركة الكلامية الطاحنة وأسس فعلا لمذهب جديد رغم أنه حنبلي إذ قارع مدارس كلامية كثيرة وخاصة منها الباطنية والصوفية والشيعة وغيرها وتجند لها في بعض كتبه تجندا حقيقيا وأصطلح من جاء بعده في جزء كبير منهم على تسميته مؤسس السلفية وهي حقيقة تحتاج لحوار ولكن لا نتفرغ له الآن لأنه يخرج بنا عن مقصدنا في هذا الكراس. ولكن المؤكد قطعا أن إبن تيمية مجتهد إجتهادا مطلقا فهو بحر من العلم والفقه ولا علاقة له بالسلفية الناقلة لآراء غيرها دون نظر وإجتهاد إذ خالف الرجل الأئمة الأربعة أنفسهم في أكثر من مسألة ومات لأجل إجتهاداته التي خرقت ما يسمى بالإجماع يومها سجينا في قلعة دمشق. ولكن ترجح به ذلك اللقب الأب المؤسس للسلفية لا بسبب كفره بالإجتهاد أو التجديد والتحديث ولكن بسبب أنه إنحاز إلى مقارعة المتكلمين والحقيقة أنه فعل ذلك ضمن مدرسة إحيائية كما فعل الغزالي نفسه من قبله عنوانها : تحرير عقائد الإسلام من شغبات علم الكلام وخاصة الإتجاه الباطني منه من مثل الشيعة الباطنية المتطرفة وغيرها. لذلك عد كذلك الرجل سيما أنه جاء في فترة موات فكري وقحط إجتهادي فظيع.
5 وآلت الأمة مجددا من بعده ومن بعد تلميذه إبن القيم وثلة صغيرة إلى الجمود حتى ظهرت إرهاصات وبوادر الصحوة الإسلامية الجديدة قبل زهاء ثلاثة قرون كانت المنطقة فيها على وشك معركة سياسية كبرى لميراث الخلافة العثمانية فكانت الحركة السلفية الأولى المعاصرة حركة مقاومة إما بالسلاح لطرد المستعمر أو بالتوعية الدينية من مثل السنوسي في ليبيا والمهدي في السودان وفي المغرب العربي في أقصاه خاصة مثل ذلك على يد المهدي إبن تومرت ثما جاءت حركة العصاميين من مثل رشيد رضا والأفغاني وعبده والكواكبي ممن سموا برواد الصحوة الإسلامية المعاصرة أو رواد النهضة وهؤلاء سموا سلفيين بمعنى أنهم لا يتساوقون مع بدايات الغزو الفكري ويختارون الحل الإسلامي الخالص وفي هذه الأثناء كذلك برزت لأول مرة فكرة تطبيق الشريعة الإسلامية لمقاومة الغزو الفكري المنادي بأهله لتجاوز ذلك أو لتلقيحه ببعض التشريعات الغربية أو غير ذلك ثم جاءت شخصيات أخرى مشهورة من مثل محمد عبد الوهاب صاحب الدعوة السلفية العقدية المعروفة والمتحالفة مع العائلة السعودية والتي على أيديها تأسست المملكة العربية السعودية فدعوة عبد الوهاب هي دعوة سلفية قحة ولكنها مقصورة على الحقل العقدي بمعنى تجريد العبادات ذات الطابع العقدي المباشر من الآثار الشركية وبمعنى أنها لم تلتفت للقضايا الجدلية العقيدة الكلامية القديمة .ورجل آخر متخصص في الحديث مثل الشيخ الألباني ولسبب ما يعد المشتغل بالحديث سلفيا وهي فكرة لا أرب لنا الآن كذلك في نقاشها لأجل خروجها عن سياق هذا الكراس ومطلبه.
6 الخلاصة من هنا هي إذن أن التيار السلفي نشأ مقاوما إما للمد الكلامي الأول وآثاره التاريخية عملا بمقتضيات مدرسة الآثر أو لبدايات التدخل الخارجي غزوا فكريا أو إحتلالا عسكريا أو مقاومة لإتجاهات إسلامية فكرية ظنت من لدنه أنها مغالية متطرفة من مثل الإتجاه الصوفي سيما الفلسفي منه وكذا العملي الطروقي الذي كان له حضور كبير في التاريخ بل كان جزء كبير منه مقاوما للإحتلال وقائدا لعمليات إحيائية كبيرة من مثل الإرث النقشبندي في تركيا فهي المؤسس الحقيقي الأول للحركة الإسلامية التركية المعاصرة ومنه خرج المصلح الكبير النورسي ثم المهندس أربكان ..
كان المد السلفي يقطن تلك المساحات تقريبا وهي علاقة معروفة في تاريخ كل أمة إذ كلما إنعرجت أمة ذات اليمين قيض الله لها من يقوم لتصحيح مسيرتها ولكن ذلك التصحيح نفسه قد ينعرج بها ذات الشمال وذلك هو مضمون قانون التدافع السماوي.
7 ولما قامت الدولة السعودية الحديثة تبين لها أن هناك مدارس أصولية وفقهية وتفسيرية مغايرة فعملت على أن تأخذ مكانها بينهم سيما أنها تحضن الحرمين الشريفين فكانت خصومات فكرية وفقهية بين عدد من علمائها وبين المؤسسة الأزهرية العريقة التي أسسها الفاطميون الشيعة الذين أسسوا العاصمة المصرية نفسها أي القاهرة ذلك أن المملكة قامت بتحالف سلفي وهابي فكريا على مذهب الحنابلة ولكن الأزهر يدرس المذاهب الأربعة كلها ويصدر علماؤه ومشايخه فتاوى لا تروق كثيرا لآل سعود الذين يملكون القيمة الرمزية الإسلامية بوجود الحرمين ويملكون الأموال البترولية الهائلة جدا ومساحة واسعة وموقعا إستراتيجيا كبيرا ولما جاءت ثورة الخميني برزت الشيعة قوة شعبية وإقتصادية وسياسية وإستراتيجية وعسكرية كبيرة فكان لا بد لها أن تدخل السباق السعودي الخليجي الأزهري وتكونت لدينا رؤوس ثلاثة متنازعة : الشيعة بزعامة إيران والسنة الحنابلة بزعامة السعودية التي إستطاعت أن تجلب إليها المنطقة الخليجية كلها تقريبا عدا عمان ذات الإتجاه الأباضي المدستر قانونا مثل إيران والأزهر الذي كان يقود لعقود بل لقرون الإتجاه الإسلامي فكريا وخاصة في الفتوى. وهنا لم تتخلص المعركة من وقودها السياسي والمالي فجندت السعودية أموالها لإحراز النصر في المعركة الفكرية.
8 ولما جاءت حرب الخليج الأولى وغزو العراق عام 1991 تميز المد السلفي بفتوى جواز إحتضان الأرض السعودية للقوات الأمريكية التي تريد تحرير الكويت وإشتعلت حرب أريد لها أن تكون حربا عقدية بين شيعة الخميني وبين سنية صدام حسين عليه الرحمة وجاءت حرب أفغانستان ثم البلقان ومعارك أخرى خيضت بالسلاح العقدي الفكري وكان للسلفية المعاصرة هنا دورها الكبير ماليا من لدن السعودية وجهاديا من لدن الشباب الذين نزحوا إلى هناك ثم جاء المرحوم بن لادن ليكون تقريبا صاحب أول مدرسة سلفية جهادية عنيفة تستهدف الوجود الغربي أولا في الجزيرة العربية ثم تستهدف ذلك الوجود نفسه في أي أرض يمكن له أن يصل إليها وهو صاحب أول مدرسة سلفية تقريبا تنزع الرداء الشرعي من الحكام لتعلن كفرهم وضرورة الإشتباك معهم أمنيا وعسكريا وكانت أغلب التيارات السلفية المعاصرة من قبله لا تجرؤ على ذلك تقية أو إختيارا. وسبقت قبل ذلك إشتباكات بين المدرسة الإخوانية ومن في حكمها فكرا ينحو نحو الإجتهاد والتجديد وبين بعض التيارات السلفية التي فضلت الجمود على مدرسة الأثر ونهج إبن حنبل المحدث رغم تغير كثير من الزمان والمكان وغير ذلك وبذلك نشأت في الأمة تقريبا لأول مرة بعد علم الكلام العباسي ومرحلة إبن تيمية حالة فكرية جديدة فيها تياران متنازعان : التيار الإخواني الذي يزعم جمعه بين الأصالة والتجديد ولكنه إلى الإحتفاظ أقرب فكريا وسياسيا والذي خضدت شوكته الضربات القاسية المتلاحقة والتيار السلفي الذي يدعم من دوائر خليجية لأغراض سياسية ودينية في الآن نفسه ( معركة الشيعة ومعركة الأزهر ) ويقدم الجمود على الإجتهاد والحديث على القرآن والماضي على الحاضر والولاء في الأعم الأغلب ربما عدا تجربة بن لادن عليه الرحمة للحكام على مفاصلتهم كما يحتفظ بنزعة عربية ما قبل إسلامية في قضية المرأة ويرفض رفضا شبه تام التجربة الغربية بغثها وسمينها معا كما يتفرد هذا التيار بالعداء المتأصل جدا للتيار الصوفي حتى في منزعه المسلكي العملي وليس الصوفية الفلسفية على طريقة العلاج وإبن عربي.
9 وكانت آخر محطة من محطات المعركة الإسلامية الداخلية هي الموقف من الربيع العربي بثوراته المعروفة أي بدء من عام 2011 إذ تجندت السلفية كلها عدا ما بقي من تيار القاعدة بزعامة المرحوم بن لادن تقريبا للإصطفاف خلف النظام العربي القديم معارضة للثورة التي أتت أو يخشى أن تأتي بالإسلاميين من ذوي التوجه الإخواني وكان حزب النور المصري السلفي أبرز عنوان على ذلك الموقف ثم نشأت داعش ( الدولة الإسلامية في العراق والشام ) لتكون آخر سلفية ولتحتدم المعركة السلفية نفسها داخليا والأيام الحبلى ستعلمنا يوما بمن وراء داعش نفسها التي أطلقت رصاصة الرحمة كما قال أحدهم بصدق وعدل على التيار السلفي والحقيقة أنها تقاسمت ذلك مع حزب النور السلفي المصري المصطف وراء سفاح العصر بإمتياز رهيب ربما بعد شارون مباشرة أي السيسي.
ذلك هو السرد التاريخي المقتضب لقضية السلفية في الغابر وفي الحاضر.

السلفية من حيث أنها عنوان إسلامي بدعة
1 إذا إدعت السلفية التي صنفت في السنوات الأخيرة أنها علمية وأخرى جهادية وثالثة حركية سياسية ولكنها تشترك كثيرا في الجذر الباعث فكريا أنها تتقمص الرداء السلفي إتباعا لنهج الإسلام كما فصله نبيه عليه السلام وكما حيي به الخلفاء الراشدون الأربعة المهديون فإن تلك الدعوى ساقطة لسبب واحد هو أن رداء السلفية لم يتقمصه عليه السلام ولا تقمصه أحد من أصحابه لا أفرادا ولا حكاما في الخلافة الراشدة المهدية الأولى. فالإسم إذن بالمعيار الشرعي بدعة مبتدعة شأنه شأن العقيدة. والسلفية بمختلف مدارسها متمترسة وراء أمرين : العقيدة مصطلحا. والإسلام لم يستخدمه ولكن إستخدمه علم الكلام الذي تهاجمه السلفية هجومات عنيفة جدا لأسباب مختلفة لا شأن لنا بها الآن وما إستخدم الإسلام في مصدريه الأوليين الناطقين بإسمه سوى الإيمان والإسلام والعبادة وغير ذلك. الأمر الثاني الذي تتمترس وراءه السلفية تمترسا عجيبا حتى غدا لها عنوانا هو : البدعة التي توسعت فيها توسعا مسيئا في أثر ربما عند العلماء منهم وهم قليل من آلية سد الذريعة التي حفل بها نسبيا المذهب الحنبلي. ولذلك عندما تتركز السلفية في : الجمود على القديم أي قديم الناس وليس قديم النبوة فلا قديم في النبوة و المبالغة في التبديع حتى خارج الدائرة العقدية أي دائرة المعاملات التي أصلها الإباحة وليس المنع والمبالغة في سد الذرائع والشح في فتحها خشية الفتنة وخاصة الفتنة النسوية التي عدتها السلفية شر الشرور ولا شر بعدها ولا شر قبلها ورفض الآخر كله دون حوار ولا مناقشة والإختلاف فيها بين سلفية علمية تنتصر للحاكم الجائر الظالم وتضفي عليه أردية الشرعية الإسلامية بل تكفر مقاتله ومحاربه والخارج عليه لأسباب مالية وسياسية لم تعد تخفى وبين سلفية جهادية تحارب الأبيض والأسود ومعتصمة بالحقل العقدي في تشريحات وتفصيلات ما أنزل بها الله من سلطان ولا علمها عليه السلام لصحابته يوما من مثل توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات وغير ذلك من التمطيطات والتقعرات وهي في الآن نفسه تقود هجوما كاسحا ضد علم الكلام الذي تفرغ لهذه القضية .. أفلا يعد عملها العقدي ذاك محاولة أخرى مثل محاولة علم الكلام ولكن في إتجاه آخر وبلسان آخر وفي حقل آخر ؟؟ .. عندما تتركز السلفية في مثل تلك الأمور فإنها أدنى إلى البدعة التي تحارب بها غيرها.
2 الإسلام إختار لأهله وأتباعه عنوانين فحسب : الإسلام والوسطية. ( هو سماكم المسلمين ) هو : الله أو إبراهيم عليه السلام. وذلك في آخر سورة الحج المدنية. ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ). أي وسطية الأمة بين اليهود والنصارى بحسب سياق تبديل القبلة الواردة فيه الوسطية في سورة البقرة. وأوصاف أخرى من مثل خير أمة أخرجت للناس وأمة العدل والقسط والعلم والقوة والشورى والحديد والإعتصام والصف والتواصي بالحق والصبر والمرحمة وغيره ذلك .. ولا نجد إسم السلفية من بينها جميعا وكان يمكن له سبحانه أن يستخدمها لوصف الأمة أو فصيل منها ممن أعتبرته السلفية من الفرقة الناجية الوحيدة وهي تقصد نفسها طبعا وكان يمكن لنبيه عليه السلام أن يستخدم ذلك كذلك. فلم أعرضا عنه بالكلية؟ فإما أن يتسمى المسلم ويسمي أمته بالإسلام أي أنا مسلم وأمتي إسلامية وهذا كاف كاف كاف وإما أن يقول مضيفا إلى الإسلام صفة الوسطية أو العدل أو الدعوة أو غير ذلك من الأوصاف الواردة في القرآن أو في السنة أو يعتبر صاحب أي كلمة جديدة مبتدعا من حيث الرداء والتسمية على الأقل.
3 ولكن ليس مكروها أن يتخذ المرء له صفة أخرى غير واردة لأن العبرة بالمقاصد والمعاني والمضامين وليس بالأردية والشعارات والأسماء ولكن السلفية لا تؤمن بهذا الأصل الآصل الكبير من قواعد الفقه. ولا مانع أن ينسب إمرئ مسلم لنفسه لقب السلفية من بعد بيان مضمونه وسياقه ومن يعارض به خاصة. لا مانع من ذلك كمن يقول أنا مالكي أو شافعي ولكن السلفية حرب محروبة على من يقول أنا أشعري مثلا أو ماتريدي أو شيعي أو صوفي. يعني يجترحون لأنفسهم ما يشأؤون من أوسمة وأسماء وصفات وألقاب لا أساس لها في الوحي الكريم ولا في السنة ولا في الخلافة الراشدة المهدية الأولى بل لا أساس لها في القرون الثلاثة الأولى الخيرية بالحديث الصحيح .. وعندما ينسب غيرهم لنفسه صفة الأشعرية كلاما أو غير ذلك ينكرون عليه ذلك بإسم الإبتداع؟؟؟؟
أي منطق هذا.
الخلاصة من هذا هي :
1 لا مانع لا شرعا ولا عقلا أن أرتدي صفة السلفية لنفسي أو من هو مثلي دون المجازفة بخلع ذلك على الأمة كلها لأنه لا أحد يتحدث بإسم الأمة إلا الأمة نفسها .. ولكن بشرط بيان المضمون الفكري لهذا الشعار وحسن فقهه وحسن فهم ملابساته التاريخية وخاصة بحسن فهم مقابله لأن كل تسمية في الأعم الأغلب تقوم لمعارضة شيء أو التميز عنه. وذلك حتى يكون للسلفي المتمترس وراء ذلك هوية علنية واضحية جلية يحاكم إليها ويقاس بها.
2 ولكن المانع الأكبر هو أن يزعم زاعم لجهله أو لأي سبب أن السلفية من حيث أنها رداء أو إتجاه أو إسم هي أمر شرعي ديني أصيل إذ لا دليل على ذلك بل إن الدليل على مقابله من مثل الوسطية والخيرية بل الإسلامية وكفى أكبر وأكثر ولا ينازع في هذا عاقل حتى من غير المسلمين أو من غير المتعلمين.
3 أما عندما ينسب لنفسه السلفية وهو من الفرقة الناجية وأن الأسماء من غير السلفية مبتدعة أو حاملة لما تحمل وأن إرث الأمة كله من قبل ذلك هراء في هراء من مثل علم الكلام ومخرجاته والتيارات الإسلامية المعاصرة والمذاهب الفقهية التي لا يرحب بها السلفيون في الأعم الأغلب كثيرا بل يشنون عليها الذي يشنون .. عندها تكون السلفية هراء وغثاء ولعب أطفال ولهو صبيان.
السلفية والسلف الصالح
لكل خلف سلف في الأمم كلها وسلف البشرية جمعاء قاطبة هو أبوهم آدم عليه السلام وأمهم حواء. وكل سلف عدا آدم وذريته هم سلف لخلف وهم في الآن نفسه خلف لسلف. ذلك معنى من معاني قانون الإستبدال المذكور في القرآن الكريم مرات.
من هم سلفنا نحن وهل هم فعلا سلف صالح؟
1 هذا التعبير مثله مثل السلفية ( أي تعبير سلف صالح ) لم يرد كذلك لا في الوحي من قرآن ولا سنة ولا في الخطاب الصحابي مطلقا ويرجح أنه تعبير حديث جدا سيما من حيث الإستعمال المخصوص أي أنه منتوج معاصر في بدايات أو بين يدي عصر النهضة الحالي الذي تعيشه الأمة أي بدء من الحركة السلفية المعاصرة التي قاومت الإحتلال الأجنبي العسكري وإنخرطت في مشروع الذب عن عقيدة الأمة ودينها مثلها مثل الصوفية ( المهدية والسنوسية وغيرهما ) ومثلها مثل رواد النهضة المعاصرة بدء من رشيد رضا والكواكبي وعبده والأفغاني وغيرهم ..
السلف الصالح إذن هي من القالات التي إستند عليها حديثا لترسيخ مشروعية المشروع النهضوي المعاصر ولسان الحال يقول : نعود إلى ماضي هذه الأمة عملا بقالة أطلقها بعضهم ( منسوبة إلى الإمام مالك ) قوامها أن آخر هذه الأمة لا يصلح إلا بما صلح به أولها بل أوغلت بعض الفرق التقليدية إيغالا لا يرضاه الإسلام عندما أطلقوا قالة غير بريئة قوامها أنه ليس بالإمكان أحسن مما كان وأن الأولين ما تركوا شيئا للآخرين وهي قالات إنحطاطية بالمعيار الإسلامي الذي يجعل من الإجتهاد والتجديد والتحديث والإبداع فرائض إسلامية محكمة ناهيك قوله عليه السلام الصحيح ( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها ).
2 ثم تلقف الناس هذه القالة وهذا المصطلح ( السلف الصالح ) تبركا وتيمنا وتلقفا تلقائيا طبيعيا غير مشحون بفكرة جديدة سوى أن السلف الصالح أي الصحابة وغيرهم كانوا على المنهج الأقوم قولا وعملا ونحن على خطاهم. تلك هي طبيعة الناس بصفة عامة عند معالجتهم بل عند تلقيهم لأنهم لا يعالجون لمثل تلك القالات. ووجدت القالة لها قبولا بطبيعة الحال ولكن الذين يقفون خلفها وقفة ( فكرية إيديولوجية ) يريدون من خلالها أنهم هم بمنهجهم على طريق السلف الصالح وغيرهم من فئات أخرى من الأمة على غير منهج السلف الصالح أي بمفهوم المخالفة كما هو عند قراءة الأصوليين للخطاب على منهج خطى سلف غير صالح. وشتان بين من يتلقى القالات تلقيا عاديا طبيعيا تلقائيا أي تلقيا عاميا قاصرا عن التحليل والفهم الدقيق وبين من يتلقاها أو يصنعها صنعا لإخراج طوائف من الأمة منها.
3 وعندما نشأت السلفية المعاصرة غير السلفية الإصلاحية الأدنى إلى المنهج الإسلامي أي سلفية النهضة الإسلامية المعاصرة على أيدي الرجال الذين ذكرتهم هنا مرات أو السلفية الأولى التي قاومت الإحتلال وأنشأت الكتاتيب وغير ذلك .. عندما نشأت السلفية المعاصرة المتسمة بالأدلجة والمدفوعة ماليا وسياسيا وإداريا من بعض البلدان الخليجية وخاصة ( محمد إبن عبد الوهاب وإلى حد ما المرحوم بن لادن رغم الإختلاف الكبير بين التجربتين ولكنهما يشتركان ورموز أخرى معروفة ) .. عندما نشأت السلفية المعاصرة أي السلفية التي إنقسمت بين جناح يحمي الحكام ويسلب الشرعية عمن خرج عنهم حتى عندما يقترفون بما لدينا فيه برهان القهر والظلم والولاء لغير الأمة وبين جناح ينظم الخروج عنهم خروجا مسلحا .. عندما نشأت هذه السلفية بشقيها ألفت في هذه القالة السلف الصالح خير رداء تحتمي به لأنها بحاجة إلى مشروعية دينية.
وبذلك ظلت قالة السلف الصالح مترددة بين فهم عامي تلقائي لا يعالج الأشياء ولا يدقق فيها بل يتلقاها على عواهنها وبين تجهيز إيديولوجي وتسليح فكري يصنعه السلفيون المعاصرون سواء كانوا علميين أو جهاديين أو حركيين بل سواء كانوا يغطون عورة الحكم العربي الخليجي حتى عندما هيأ أرضه للقوات الأميريكية عام 1991 أو كانوا ينظمون الحرب ضد تلك النظم كما ظهر عند المرحوم بن لادن والظواهري خلفه إلخ..
السلف الصالح هم على وجه التحديد :
1 كما قلت آنفا رغم أن الكلمة لم نجد لها ركزا لا في الوحي حتى الموضوع منه أي المكذوب ولا إستخدمها تاريخنا بدء من الصحابة حتى سقوط العثمانيين تقريبا أو قبل ذلك بقليل فإن السلف الصالح حقيقة تستمد مشروعيتها من الحديث النبوي الصحيح الذي يقول فيه عليه السلام ( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ). القرن هنا هو الجيل إذ كلمة القرن إستخدمت في القرآن الكريم مرات كثيرات بمعنى الزمان الطويل الواسع أو بمعنى الأمة الكثيرة وكثيرا ما يعبر عن الأمة بالزمان جمعا على عادة النظم القرآني البديع بين الزمان و بين المكان وبين الإنسان. ولم تكن تعني كلمة القرن في اللسان العربي سوى المدة الزمنية الطويلة وليس معناها المحدث أي مائة عام سيما أن القرن نفسه ليس هو هو بين الأمم الحاضرة اليوم نفسها فمن الأقوام من يكون قرنهم ثمانون عاما ومنهم من يكون قرنهم مائة عام وهكذا .. القرن إذن من الكلمات التي تغير مدلولها وهذا خطأ يقع فيه المتدينون الجدد عندما يهجمون على الخطاب الديني الشرعي بأدوات لسانية مزجاة فيستصحبون المعنى المعاصر ويسحبونه على ذلك الخطاب ثم يقعون في إضلال أنفسهم وإضلال غيرهم ولهم في كلمات التصوير والصلاة وكلمات أخرى خير دليل ولكن لا يسعفنا الزمن الآن للتفرغ لهذا الموضوع. هم ظنوا أن القرن هو بمعنى مائة عام وهو معنى تحديدي معاصر لا تجد له أثرا في تاريخنا قبل زهاء ثلاثة قرون ربما وليس أكثر فظنوا تبعا لذلك أن الخيرية التي في الحديث تمتد حتى القرن الثالث الهجري بتقويمنا نحن. نحن اليوم عندما نقول فلان عاش أو مات أو ولد في القرن الفلاني إنما نعني به بتقويمنا نحن الحديث المعاصر وليس هناك أي علاقة بين قرننا نحن المحدد بمائة عام وبين القرن بالمعنى اللغوي الذي إستخدمه القرآن الكريم وبالمعنى الذي عناه عليه السلام في حديثه وهو يعني به : الجيل. قرن الرجل هم أبناء جيله وليس من العقل بله اللسان العربي القح السليق أن يكون قرنك مائة عام. قرنك هم الناس الذين عاشوا معك في الفترة نفسها أي تقدموك قليلا أو تأخروا عنك قليلا وليس معناها مائة عام الذي يكاد يضم إليه جيلين بل أكثر. قرن الرجل هم الذين قارنوه أي أصبحوا له أقرانا.
2 ليس لنا أي معيار إسلامي آخر يمكن لنا أن نحدد به السلف الصالح في الجملة والعموم سوى ما أشار إليه هذا الحديث الصحيح. والخيرية هنا نفسها لا تعني أن كل مؤمن عاش في تلك الفترة أي تقريبا بعد موته عليه السلام بضعفي ما عاش هو حتى يكون قرنه هو عليه السلام من ولادته حتى موته مع التنسيب والتقريب فحسب والقرنان اللذان يليانه بمثل ذلك ضعفين أي في حدود مائة عام من بعد موته كأقصى تقدير 100 هجرية إذ يمكن لنا أن نعتبر القرن قرنا نبويا وليس قرنا بشريا أي قرنه نبيا وليس قرنه إنسانا لنخصم من ذلك زهاء النصف ولكن لا شغل لنا بمثل هذا إلا بغرض بيان الخطإ الذي يقع فيه أكثر الناس والمتدينين اليوم بحسبانهم القرن بمعناه المعاصر الحديث وليس بمعناه لا القرآني والمعنى القرآني هنا لا يصح لأنه يعني أجيالا وأجيالا سحيقة طويلة ولذا يصح المعنى النبوي أي جيل النبي عليه السلام وجيلان من بعده ...
الخيرية لا تعني أن كل من عاش في تلك المدة مدة الخيرية هو خيري بالضرورة ولكن معناها أن أكثر من عاشوا في تلك الفترة هم أهل خير. هي خيرية زمان كما قيل فيها وخيرية الزمان من خيرية الإنسان بطبيعة الحال.
3 أصلح الصلحاء طرا مطلقا وبدون منازع هو محمد عليه السلام ويليه إخوانه الأربعة من أولي العزم والله أعلم بترتيبهم ( نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ) ثم بقية الرسل أي زهاء 320 رسول ثم بقية الأنبياء أي زهاء 124 ألف نبي ثم الصديقون ثم الشهداء ثم الصالحون. وأغلب الظن أن كل الصحابة عدا من إرتد منهم وعددهم قليل جدا بل لا يكاد يذكر لندرته بين صديق وشهيد ومحسن إذ كلهم مبشرون بالجنة في سورة التوبة حيث خلت من ( من ) أي أن الجنات تجري تحتها الأنهار وليس تجري من تحتها الأنهار.. ولك أن تقول أن أفضل طبقة بعد الأنبياء هم الصحابة والمؤكد أن معهم ومنهم من ليس منهم من الأمم السابقة من مثل لقمان إن لم يكن نبيا ومريم البتول من باب أولى وأحرى إن لم تكن نبية وغيرهما .. ثم أغلب الذين عاشوا في القرنين اللذين تلياه أي في حدود ثمانية عقود أخرى ومعلوم أن تلك المدة تحتضن الخلافة الراشدة كلها التي تنتهي في زهاء نصفها ويظل النصف الآخر ضمن الدولة الأموية حيث مازال للصحابة أثر بل كثير منهم أحياء وفاعلون في تربية التابعين ..
4 سلفنا الصالح إذن بالحديث النبوي الصحيح سندا ودلالة هم محمد عليه السلام والصحابة في مجموعهم العام وسيرتهم العامة لأنهم غير معصومين وخاصة التجربة الراشدية المهدية الأولى من أبي بكر حتى علي عليهم الرضوان ثم نمضي زهاء نصف قرن آخر بقرننا نحن اليوم في الدولة الأموية التي إمتدت خمسين عام ومائة كاملة شهدت ما شهدت من أمرين كبيرين أولهما الإنقلاب ضد إرث محمد عليه السلام وإرث الخلافة الراشدة المهدية الأولى أي في إستبدال الشورى بالحكم الفردي الملكي الوراثي ( ملكا عضوضا ثم ملكا جبريا ) وهي أكبر بدعة في الأمة طرا مطلقا والأمر الثاني هو إستهداف تلك الدولة من لدن فرق إسلامية كثيرة أهمها الخوارج والشيعة بالسلاح أي مباشرة الخروج المسلح الذي ربما أنهكها ولكنه لم يسقطها.
5 كل ذلك عند من يريد أن يجعل له سلفا صالحا يتبعه. ولكن السلف الصالح عندي أنا كاتب هذا الكراس هو القرآن الكريم في محكماته التي هي أم الكتاب والتي أمرنا بأن نعض عليها بالنواجذ فهي العصمة وهي الحبل المتين وهي العروة الوثقى وليس متشابهاته التي لا يتبعها إلا من في قلبه زيغ إبتغاء تفريق صف الأمة المتنوع وتلك هي الفتنة الكبرى أو إبتغاء التأويل البعيد. ومن بعد القرآن المحكم وليس المتشابه ولا قبله سنة محمد عليه السلام بما هي منهاج جامع صحيح لحسن فقه القرآن الكريم نفسه فهي المبينة وتلك هي وظيفتها التي أعلن عنها في الكتاب نفسه مرات ومرات ( لتبين للناس ما نزل إليهم ). السنة هي قبل الخوض في تفاصيلها منهاج في الفهم ومنهاج في التنزيل والمعالجة وهو منهاج يستمد مشروعية الأولى العظمى من الكتاب نفسه الذي أمرنا بإتباع السنة ومن جماعه العام المنضبط المغري لكل ذي عقل سليم بالإتباع فليس هو تقليد وليس هو إتباع أعمى بل إتباع من بعد حسن فهم الدليل وهي حمالة للدليل لمن يريد البحث والإستقراء والعلم. السنة إذن منهاج جامع عام وفي داخلها وليس من خارجها كما يفعل الناس اليوم ثلاثة أقسام كبرى هي القول والعمل والإقرار وليست الصفة جزء من السنة. هنا تفصيل لا أريد الولوج إليه لأنه يخرج عن مقصد هذا الكراس. ولكن السنة هي ذلك المنهاج الجامع فهما وتنزيلا ومركباتها ثلاثة كبرى : ما قاله أي ما ثبت أنه قاله عليه السلام وليس كل ما نسب إليه إذ من بين زهاء مليون حديث 865 ألف حديث لا يتعدى ما إعتبره أهل الصنعة صحيحا سوى زهاء 33 ألف منها زهاء 2000 متفق عليه بين البخاري ومسلم . وما فعله عليه السلام وفي هذا قاعدة أصولية كبيرة عنون لها أهل الصنعة بقولهم أن عمله عليه السلام لا يفيد لا وجوبا ولا فرضية سوى إباحة وجوازا ومشروعية إلا ما إقترن بدليل أو بقادحة بتعبيرهم يرفعه من الإباحة إلى الوجوب وهذا مبحث أصولي عظيم النفع والفائدة . أو ما أقره وهو كثير كذلك. والسنة من حيث أنها منهاج جامع للفهم وللتنزيل ومن حيث أنها متركبة من تلك الأقسام الثلاثة غابة واسعة شاسعة لا يمكن لأي بشر أن يطوف بها طوافا كاملا ويشتم منها كل زهرة ويستمتع بكل وردة نظرا لشساعتها وكبرها وإتساعها ونظرا كذلك لأنها خاضعة لعلم الرجال أي علم الجرح والتعديل فرب حديث تحدث به وتعمل به ولا أساس له وأحسن ما قيل في الحديث والفقه أن الحديث صيدلية فيها زهاء مليون قارورة من الأدوية المناسبة لكل مرض كبير وصغير ولكن لا بد لتلك الصيدلية من طبيب حاذق شاطر ماهر تعرض عليه نفسك أولا ليحدد المرض والوصفة الخاصة بك أنت ثم يدلك إلى القارورة المناسبة لمرضك أنت وحالك أنت فتذهب إلى الصيدلية لتأخذه وليس كل مريض مثلك يأخذ الدواء نفسه ولذلك قال أحدهم بحق : لا حديث بلا فقه ولا فقه بلا حديث فهما مرتبطان متلازمان متكافلان ولذلك تجد إختلاف الفقهاء فهذا يروي الحديث في مسنده ولا يعمل به. ما معنى ذلك؟ كيف يرويه ولا يعمل به؟ والحديث أي السنة في الحقيقة غابة شاسعة واسعة ( خطيرة ) لمن أراد أن يأخذ منها بنفسه الدواء فيطبقه على نفسه وعلى الناس. ليس ذلك هو منهج العلماء ولا ا لفقهاء. هناك مشكلة السند وهناك مشكلة المتن وهناك مقامات التشريع وغير ذلك مما لا نكمل منه الآن لو إستطردنا.
لذلك يكون سلفي الصالح : القرآن الكريم بمحكماته وليس بمتشابهاته ثم السنة بصفة إجمالية عامة على تفصيل لا يتسع له المجال هنا لأنه لأهل التخصص ويطول الحديث فيه فلا يستوى ما بينته السنة من القرآن مع ما إستقلت به وكيف إستقلت به وما معنى إستقلالها به ولا يستوى الترغيب والترهيب هنا فيها مع ما ثبتته حكما شرعيا ماضيا ولا يستوي مقام النبوة فيها والبلاغ بمقام القضاء مثلا أو الإشارة ولا مقام الإمامة السياسية والحربية مع مقام النصح أو مقام البشرية .. وغير ذلك من المقامات التي فصل فيها رغم أن الحقل بقي يتيما يحتاج لرواحل وعدول المرحوم إبن عاشور في مقاصده ..
ومن بعد القرآن والسنة يكون سلفي الصالح هم الصحابة في مجموعهم وليس في أفرادهم لأنهم غير معصومين فالصحابي الذي قبل إمرأة لا تحل له رضي الله عنه وعنهم أجمعين بل قيل إنه أصاب منها كل شيء سوى الإيلاج ليس قدوة لي في عمله هذا وفيه نزلت آية قرآنية .. وكذا حاطب عليه الرضوان على علو قدره العظيم عندي في عمله في فتح مكة ونزلت فيه سورة الممتنحة ... الصحابة بمجموعهم العام وليس بأعيانهم ربما إلا بعضهم ممن قلت سيئاتهم جدا من مثل الصديق والفاروق وحبر الأمة وغيرهم ربما بالعشرات أو المئات ممن حملت إلينا سيرهم شبه مفصلة .. فإذا أجمع الصحابة على شيئ كان أقوى إجماع وهو ملزم بالإتباع وقد أجمعوا على أمور معروفة لطلبة العلم .. والذي يهمني من الصحابة أكثر من غيره هو منهاجهم الإداري والسياسي والمالي والعسكري في أثناء حكمهم في الخلافة الراشدة المهدية الأولى أي من الصديق حتى علي عليهم الرضوان فتلك مرحلة حرية بحسن الفهم لأجل حسن الإتباع حتى أقول أنهم غير معصومين فرادى ولكن تجربتهم تلك تكاد تكون معصومة لأنهم جماعة ولأنهم أعلم الناس بالقرآن وبالسنة والحديث وكيف يعالج عليه السلام المشاكل والتحديات .. ولنا فيها حديث ولكنه ضعيف سندا رغم أن متنه مهم ومفيد ..
وعند هذا الحد يموت سلفي الصالح الذي أتبعه ولكن بحسن فقه وفهم قدر المستطاع وليس تقليدا فأنا لا أقلد حتى خير الناس محمد عليه السلام ولكني أتبعه بالبحث عن الدليل والعلة والمقصد فيما هو محل لذلك ( المعاملات كلها تقريبا ) وأتبعه فيما لا أعلم العلة والمقصد أي العبادات وغيرها .. لا أقلده ولكن أتبعه .
عند هذا الحد ينتهي سلفي الصالح الذي أتبعه : القرآن الكريم بمحكماته وليس بمتشابهاته أولا ومفتاحه اللغة العربية التي سحر بها ربانها وأبهرهم ثم السنة منهاجا جامعا لبيان القرآن الكريم نفسه وحسن تنزيله قولا وعملا وإقرارا مع عدم إدخار أي جهد لبيان تفاصيل السنة الكثيرة والتي بدونها يضل الإنسان وهو يحسب أنه يحسن صنعا ثم عمل الصحابة سيما عند إجتماعهم أو إجماعهم وليس فرادى إلا قليلا من مثل الفاروق الذي أحبه حبا جما لفتوحاته الفكرية العظيمة غير المسبوقة ولا حتى الملحوقة في الفقه والمقاصد وفتوحاته الأرضية والإدارية كذلك وخاصة تجربتهم الراشدة الرائدة المهدية الأولى فهي نموذج الحكم الإسلامي عندي ونموذج الدولة الإسلامية عندي.
ذلك هو سلفي الصالح ولا سلف لي غيره سوى تتبع سير رجال آخرين مفرقين بين تاريخنا وتاريخ غيرنا فهي تجارب فردية وليست تجارب جماعية وهي تجارب مفرقة وليست جامعة إذ الخير لا ينقطع بالكلية ولكنه ينحسر ويضعف أثره على الجماعة ..
وهذا من السلف الطالح.
1 أومن بالسلف الصالح إيماني بالسلف الطالح. هناك سلف طالح بالمعنى السلفي العام فمن أحدث أكبر بدعة في الإسلام فألغى الخلافة الراشدة ومبناها الشورى والإنتخاب فعلا كما حدث في إنتخاب عثمان من بعد موت الفاروق ( هو إنتخاب فعلا مثل إنتخابنا نحن اليوم إذ روى الرواة أن الناس كلهم إستشيروا فيمن يخلف الفاروق ضمن الستة الذين رشحهم هو عليه الرضوان مقترحا على الأمة ونصحا وليس فرضا حتى العذراء في خدرها .. عندما تقرأ ذلك تقول أن العملية كانت إنتخابية قحة والفرق بيننا وبينهم أن إنتخابنا بالأوراق وإنتخابهم مرتجل بسبب ضمور الكتابة فحسب .. ) .. من أحدث تلك البدعة الناشزة الخبيثة أي إلغاء الخلافة الراشدة التي مبناها رضى الأمة في إختيار من يخدمها وإستبدال الملكية الوراثية بها .. من فعل ذلك وتحت أي دعوى العصبية أو الفتنة أو الزعم بإعادة وحدة صف الأمة إلخ .. هو صاحب أكبر بدعة في الإسلام عندي لأني أومن بأن الشورى التي لنا فيها سورة مكية خاصة هي عماد الإسلام وليست نافلة ولا مستحبة ولا رغيبة مثل صلاة الفجر أو الضحى .. الشورى في الجماعة مثل الصلاة في الفرد. تلك هي عقيدتي وذلك هو إيماني. أقول ذلك على مسؤوليتي وهو سبحانه من يحاسبني عنه يوم القيامة وهو من يعلم سري ونجواي ويعلم الحرقة التي أكتب بها سيما عندما أكتب عن محكمات الإسلام وخاصة الجماعية منها التي تعم بها البلوى بالتعبير القديم من مثل الشورى الكفيلة برص الصف الواحد وتحقيق فريضة التعدد والقوة والحديد والعلم والتواصي بالحق والصبر والمرحمة والإعتصام إلخ ..
2 الذين قتلوا الحسين عليه الرضوان ليسوا من سلفي الصالح بل هم عندي أطلح سلف. لك أن تقول أن الحسين عليه الرضوان تجشم ما لا قبل له به فهو ضعيف بأشياعه إلا قوة لا تضاهى يستمدها من ربه ومن جده عليه السلام والموازين كانت منخرمة لغير صالحه ولكن قتله وليس بتلك الطريقة الشيطانية البشعة فحسب حيث حمل رأسه إلى يزيد وأسرت نساء آل البيت .. أي الذين قتلوه هم عندي ( سلف ) طالح بل هم أطلح سلف.
3 السفاح الذي لم يقتل التابعي إبن جبير فحسب بل قتل عشرات وربما مئات من مثله أي الحجاج إبن يوسف أحد أمراء بني أمية هو عضو من أعضاء السلف الطالح بل أطلح سلف.
أريد أن أقول أن السلفية عندما تريد إكتساب مشروعية تاريخية أو دينية من قالة السلف الصالح إنما عليها تحديد الفترة الزمنية والعمل والعمال فإن كانت السلفية تستخدم القالة لتعزيز موقعها فحسب فيا خيبة المسعى وإن كانت لا تفهم ما معنى السلف الصالح وما هو الصلاح وما هي مصادر الصلاح الأولى التي هي حجة علينا ولسنا نحن حجة عليها فأي سلفية؟
أريد أن أقول أن السلفية بمعنى السلف الصالح لمن أراد ذلك عليها أن تحدد كل ذلك فلا تعتبر السفاحين في تاريخنا حتى القريب منه إلى عهد النبوة سلفا صالحا ولا الذين إرتدوا عن المنهاج الشوروي الإسلامي سياسيا هم سلف صالح .. أي سلفية هذه وأي سلف صالح هؤلاء.
أريد أن أ قول أن أصل السلفية والسلف الصالح لمن أرد الدقة والموضوعية والصلاح والإصلاح هي الكتاب والسنة والخلافة الراشدة وما بعد ذلك فكل أحد يحاكم إليها وليس له أن يأتي بأي شيء إلا محكوما بذلك الثلاثي : الكتاب بمحكماته وليس بمتشابهاته كما أمرنا في أول سورة آل عمران والسنة كما أنف الذكر فيها والخلافة الراشدة في منهاجها العام.
تلك هي سلفيتي إذا أردت أن أكون سلفيا ولكن الإسم لا يغريني لأني لا أجده لا في كتاب ولا في سنة ولا في خلافة راشدة. إلا سلفيا بمعنى إبتاع السلف الصالح والسلف الصالح عندي : القرآن والسنة والخلافة الراشدة فحسب فحسب فحسب.
أما إتباع أي كان بدعوى السلفية أو السلف الصالح فلا يجدي شيئا إلا إتباعا فقهيا بالدليل سيما للمتعلمين إلا عامة الناس من المقلدين للمذاهب الفقهية وهي مذاهب أصولية في الأصل لأنه لا فروع بدون أصول التي تتعبد الأمة اليوم ربها بها وهي ثمانية لا إنكار على واحد منا أن يتبع أي واحدة منها والخلاف موجود والحوار هو سبيل التقارب وليس إلغاء الخلاف الفروعي الذي هو مقصود منه هو نفسه سبحانه فينا.
خلاصات وحصائل
1 لا أنصحك بالتسرع في الإنتماء لسوى الإسلام الذي رضيته دينا وشرعة ومنهاجا وذلك حتى يستد عودك الفكري لفرط الإطلاع الواسع وإعمال التفكير النقدي في التراث كله وبأسره عدا الوحي الذي ليس هو تراث بل هاديا معصوما وعاصما ومن بعد ما يكون ذلك الإطلاع الواسع تاريخا ودليلا وحاضرا إلخ .. من بعد ذلك لا ضير عليك إن قررت الإنتماء إلى أي مدرسة فكرية أو كلامية أو أصولية أو فقهية أو أدبية أو فنية فهي كثيرة ضج بها تراثنا الثر الخصيب سيما في العهد العباسي. كلها مدارس إسلامية في العموم الأغلب ولكن تختلف في إقترابها من الحقيقة الإسلامية والمطلوب منك إن كنت صاحب ولع بالفكر والتفكير والدراسة والبحث هو مد عمر البحث والدراسة والعلم والمعرفة وعندها تكون في موقع فكري أنضج ييسر لك حسن إختيار مدرستك.
2 ولا تظنن أن غالب الأمة بالتأكيد أكثر من 90 بالمائة منها ممن لا إنتماء لهم سوى الإنتماء الإسلامي المعروف قرآنا وسنة وتاريخا وتراثا .. لا تظنن أنهم على غير صواب أو على خطإ أو أقل تدينا أو أضمر تقوى أو صلاحا أو غير ذلك من التقويمات السلبية. هم مسلمون مؤمنون إبتداء صحيحا ولكن يختلفون في التقوى والورع والعلم وفيهم الذي فيهم من البدع الصغيرة غير المخرجة من الملة والعادة أن البدعة التي تخرج من الملة تخرج من طور البدعة إلى طور الكفر والعياذ بالله وهم كذلك غير منتمين ولا منتسبين إلى أي شيء سوى ما يقال لهم أنهم أتباع المذهب الفقهي الفلاني وهم في الحقيقة مقلدون والمقلد لا مذهب له بل مذهبه مذهب من يفتيه والمتبع هو من يعرف الشيء فيقرر إتباعه أما من يجهل شيئا فلا يزعمن أنه يتبعه.
3 كن سلفيا إن شئت بأي معنى ( المعنى الفكري الأدنى إلى التأدلج أي المعنى المقاوم لمذاهب أخرى من مثل الصوفية والإتجاه الكلامي وإتجاه الإستيراد من الآخر ما يراه المستوردون بضاعة صالحة إلخ .. أو المعنى التلقائي البسيط أي بمعنى إتباع السلف الصالح ) .. كن سلفيا إن شئت بأي معنى ولكن من بعد علم راسخ ومعرفة عريقة وقدرة على النقد الفكري لأي تجربة تراثية تاريخية حتى تكون فارسا في حقلك وليس إمعة تقول قال فلان بل كن مؤهلا لتقول : قال الدليل الفلاني وليس قال فلان فليس في الدين حجة لأحد بعده عليه السلام ولكن من بعد موته إنتقلت الحجة إلى الدليل ولذلك قام علم أصول الفقه. ذلك أحفظ لشخصيتك بين الناس في مجالس العلم وليس في مجالس إحتساء القهوة والدردشات المنزلية التي ( نقتل ) بها الوقت وهو يقتلنا.
4 كن سلفيا إن شئت وليكن سلفك الصالح علما غزيرا يفضي إلى الفقه بالكتاب العزيز مبتدئا بمحكماته التي هم أم الكتاب معرضا عن المتشابهات التي يختلف فيها العلماء من أهل النظر في مجالسهم وليس لها على حياة الناس لا دينية ولا دنيوية أثر كبير وليكن سلفك الصالح ما صح وثبت من أقواله وأفعاله وتقريراته عليه السلام وليس تقبل على غابة السنة الواسعة الشاسعة وأنت لا تقدر على قراءة نص عربي قراءة صحيحة ومن بعد تثبتك في السند أقبل على المتن لحسن فقهه ودقة فهمه وهذا عمل يتطلب منك سنوات تطلب فيها العلم بمثابرة وجد وليس عيادات للفايس بوك وغيره من الصفحات الإلكترونية فإن طلبت العلم من هذه المظان فقد حكمت على نفسك بالتيه والضياع والهلاك والله. ليست هذه مظان العلم يا صديقي. طلب العلم مشروع يتطلب تفرغا وجدا ومثابرة ومالا وإيثارا وتضحية وبناء لملكة النقد حتى لا تقبل كل شيء يكتب أو يقال ولا تركل كل شيء .. وليكن سلفك الصالح تجربة الصحابة وخاصة الخلافة الراشدة المهدية الأولى .. إعلم ما تيسر لك من تلك المصادر الثلاثة ( القرآن بمحكماته والسنة بمنهاجها الجامع وتفاصيلها ثم الخلافة الراشدة) ثم أنزل الميدان برفق وتؤدة وكن طالب علم لا يفتر ولا يسألم وأخلص النية لله سبحانه أن تصاب لا قدر الله بأخطر مرض وأعضل داء في الحقل العلمي أي التعالم والكبر والغررو وإدعاء ما ليس لك به علم ( ولا تقف ما ليس لك به علم ).
5 كن سلفيا أي صاحب إتجاه فكري في الفكر الإسلامي ولكن إذا أردت أن تلج فقه الحلال والحرام وما يجوز وما لا يجوز فهنا هناك علم آخر هو علم أصول الفقه ولم ينقسم من قبلنا إلى إتجاه سلفي وآخر غير سلفي. السلفية إتجاه فكري منه العملي ومنه الفكري مثل الصوفية. ولكن السلفية ليست مذهبا فقهيا لا أصوليا ولا فرعيا ولا مقاصديا ولا كلاميا. إعرف هذا حتى لا يختلط حابلك بنابلك. وأحرص أول ما تحرص على أن تكون بيتا يستقبل كل أحد وكل شيء لتأخذ من كل قوم أحسن ما عندهم فلا تتعصب لشيء إلا لما كان قاطعا من الوحي ورودا ودلالة معا وهذا قليل قليل.
6 كن سلفيا إن شئت ولكن لا تغلق نوافذ بيتك عن الحوار والنقاش والجدال بالتي هي أحسن. كن متدينا تدينا مؤصلا صحيحا قبل أن تكون سلفيا. لا تجعل من السلفية حزبا فكريا أو حزبا سياسيا ولا تعمل أبدا على تفريق الأمة حتى لو إعتقدت فعلا أنك أنت عضو في الفرقة الناجية ( في الحديث قالات وقالات لأهل الذكر والصنعة في سنده وفي متنه خلافات أصحها : ما عليه أنا وأصحابي وهو دليل من الأدلة التي أعتمدها رغم إيماني بأن الحديث ليس صحيحا سندا ورواية صحة يجعلني أهتم به لأقول أن سلفي الصالح هم الكتاب والسنة والأصحاب ) .. لا تعمل على تمزيق صف الأمة أبدا .. إذا كنت تعتقد أنك عضو في الفرقة الناجية فإن مسؤوليتك أكبر لأن مسؤوليتك عندها هي لملمة ذلك الصف وإفساح باب التعدد فيه لأن التعدد فريضة إسلامية محكمة بل إرادة إلهية عظمى إذ هو يريد ذلك بل أراد أكبر من ذلك عندما قال سبحانه في سورة التغابن ( هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن).
7 كن سلفيا إن شئت بالإخلاص في طلب الحق وإصابة الحقيقة ورصد الصواب إذ لا ينجيك يوم القيامة سوى الإخلاص لأن ( الأعمال بالنيات ). كن سلفيا إن شئت بالعلم المؤصل المحقق إذ إختلف الأصحاب أنفسهم حتى إقتتلوا بالأسياف وهم مبشرون بالجنة كما وقع في الجمل مثلا وفي صفين وغيرهما. يعني أن الإختلاف مشروع وقد يؤدي إلى التقاتل ولكن هل كفر الأصحاب بعضهم وهم يتقاتلون بالأسياف وهم مبشرون بالجنة؟ أبدا. لم؟ لأنهم يعلمون قبل إختلافهم أن إختلافهم ذاك مهما كبر هو إختلاف تأويل أي إختلاف في إعمال الدليل في مكانه وأن كل واحد منهم مقدر ومجتهد وكل واحد منهم ناصح لله ولرسوله ولكتابه وأمته . خذ إليك مشهدا واحدا من خلافهم لتكون سلفيا إن شئت على حق وبحق وهو مشهد صلاة العصر في الطريق إلى بني قريظة إذ إختلفوا في فهم قوله عليه السلام ( من كان منكم يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة ) فلما أوشكت الشمس على المغيب إختلفوا فمنهم من صلى ومنهم من لم يصل حتى غابت الشمس وغاب الشفق الأحمر وغاب هزيع كبير من الليل. صلى الذين فهموا الحديث بطريقتهم وربض الذين فهموا الحديث بطريقتهم الأخرى يحرسونهم وإنطلقوا جميعا إلى العدو اليهودي الإسرائليي وكانوا صفا واحدا هناك ولم يكونوا صفا واحدا في صلاة العصر بسبب إختلافهم في فهم حديث صحيح سمعوه جميعا بآذانهم منه هو مباشرة عليه السلام ولما جاءهم عليه السلام أقرهم جميعا. لك من هذه العبرة الصحيحة أبلغ درس قبل أن تكون سلفيا إن شئت وعندما تكون سلفيا إن شئت وبعدما تكون سلفيا إن شئت. تدبرها يرحمك الله تدبرا جميلا جيدا عميقا.
8 كن سلفيا إن شئت ولكن إعلم أن العقيدة التي تقيم لها ألف معركة واضحة صحيحة في أركانها الستة وأن فروعها هي التي إختلف فيها أصحاب الكلام قديما لمواجهة المد العقدي اليوناني والغنوصي وغيرهما. يعني أن الأمة جمعاء قاطبة مجمعة على الأركان الستة فهما تلقائيا عفويا ليس فيه تعمق نهينا عنه أي تعمق التقعر فهل جمع عليه السلام يوما أصحابه في موضوع خطير مثل العقيدة وقال لهم هذا توحيد إلهية وهذا توحيد ربوبية إلخ .. لم يفعل لم؟ لأن القرآن الكريم كفاه ذلك وما أمرنا سوى بالإيمان بتلك الأركان الستة التي جاء بها القرآن الكريم وتنتهي القضية هناك ثم نجدد ذلك الإيمان بالعبادة والطاعة قدر الإمكان .. كن سلفيا ولكن لا عليك بعلم الكلام إلا أن تدرسه دراسة طالب علم جدي مثابر وليس لتهجم عليه وأنت لم تسمع عنه ولم تقرأ سوى أقراص مسموعة مضغوطة أو كراسات من هناك وهناك .. العقيدة نفسها مصطلح مبتدع حديث ولكن تلقته الأمة بالقبول ولكن الإيمان أولى .. لا تفسد على نفسك دينك وإيمانك ببحث قضايا عقدية عميقة هي فروع عقدية وليست أصول عقدية. هذا تخصص علمي معرفي كلامي فلسفي يتطلب ردحا طويلا من عمرك فإما أن تأخذه بجد لتكون فيه علامة أو أتركه وإيمانك أصح من الصحة وعقيدتك أرسخ من الرسوخ. كن مثل الصحابة : آمنوا بالأركان ولم يناقشوا الفروع ثم صبروا وهاجروا وجاهدوا وطلبوا العلم وبثوا العلم .. لم تعصف بنفسك بمعارك تاريخية تراثية والإسلام اليوم يتعرض لتحديات أخرى ليست هي كيف يسمع الله أو كيف يبصر أو هل ينزل عيسى عليه السلام أم لا ينزل وكيف توفاه ولم يمته وكيف رفعه إليه وأين هو الآن وإعف نفسك من السؤال الذي لم يطرحه الصحابة : أين الله؟ كف عن هذا فهذه أسئلة بدعية أحسن من قال فيها هو مالك عليه الرحمة ( الإستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤل عنه بدعة ). كل قضية عقدية فرعية يصح عليها كلمة مالك عليه الرحمة.
9 كن سلفيا ولا عليك بالخلافات التاريخية السياسية التي وقعت بين الصحابة فإنهم كانوا متأولين مجتهدين وكلهم مبشرون بالجنة. لم تحشر نفسك مع هذا ضد ذاك في قضية تجاوزها الزمان. مشكلاتك اليوم غير تلك المشكلات. أمتك معرضة للتفتيت حقا وصدقا وعدلا ورب الكعبة. أنظر إلى حاضرك وعندك كتاب يهديك لا يضل ولا ينسى وقد أحاط بكل شيء وعندك سنة فيها الغث وفيها السمين وعليك بما صح عند البخاري ومسلم وغيرهما ولا تلهث وراء مرويات منخولات أو ضعيفات ..
10 كن سلفيا ولا تهتم بأمارات الساعة بل إهتم بالساعة وليكن دليلك هو حديثه الصحيح لما سئل عن الساعة ( ماذا أعددت لها ). أو ( عندما تضيع الأمانة وفسر إضاعتها بتوسيد الأمر لغير أهله ). ألست في زمن وسد فيه الأمر لغير أهله؟ كيف نتجاوز ذلك. كن إيجابيا حتى لو كنت سلفيا. هل سأل صحابي واحد عن أماراتها وقد قال لهم ( بعثت أنا والساعة كهاتين أي جامعا بين سبابته ووسطاه ). الوحيد الذي سأل هو جبريل في الحديث المتواتر إبتغاء التعليم ومن بعد ذلك لم يسأل صحابي واحد عن الساعة سوى أسئلة ثلاثة أجاب في الثالث فيها من بعد ما أنف ذكره هنا ( تبدأ ساعتك عند موتك ) أي أن الأجوبة كلها عن الساعة كانت أجوبة إجابية تسعى للفت نظر الناس إلى الإعداد لها وليس إلى العكوف حول أماراتها. لم تشغل نفسك بما لم يشغلك به ربك.
11 كن سلفيا وقدم ما قدم الدين وأخر ما أخر الدين. أي قدم الروح على البدن وقدم الإيمان على العمل وقدم الإخلاص على الكثرة وقدم العلم على الكسب وأعرف أولويات دينك حتى لا تختلط عليك السبل لأن الشيطان عند عجزه عن تكفيرك يلجأ إلى جعلك صاحب حسنات قليلات صغيرات ضعيفات بأثر من إهتمامك بالسنة قبل القرآن وبالعمل قبل العلم وبالناس قبل نفسك وببدنك وثيابك قبل عقلك الذي يقود ثيابك. ميز بين الواجب وبين السنة وبين السنة العملية وبين السنة القولية وبين السنة التشريعية وبين السنة غير التشريعية وبين ما يعمل به وبين ما لا يعمل به وبين الصحيح وبين الغث وبين القطعي وبين الظني وبين المحكم وبين المتاشبه وبين التاريخ وبين الحاضر وبين الفوري وبين المؤجل وبين الخاص بالسلطان مثلا وبين العام لكل الناس وبين مستويات الأمر والنهي وإحرص على تجنب الكبائر فحسب بدرجة أولى وعلى إتيان الفرائض بدرجة أولى فإن هذا الدين له أولويات وأقسام ومقدمات وليس هو كومة تبن ..
12 كن سلفيا إن شئت ولكن لا تورط نفسك أبدا في حشر نفسك في مشهد ظلم أبدا أبدا أبدا ولو بإسم إتباع فتوى عدم إباحة الخروج على السلطان لأنها قضية كبيرة وعميقة ومشعبة ومعقدة وفيها أبحاث وكلام طويل. لا تورط نفسك مع ربك أن تكون خصيما لحاكم ظالم أبدا ولا لأي ظالم أبدا. لا تكن ظالما قدر الإمكان وكن ( عبد الله المظلوم ولا تكن عبد الله الظالم ) إذا كان لا بد من ذلك. لا تكن ظالما ولا تكن لأي ظالم خصيما بل كن عليه خصيما بل خصما عنيدا إن كانت عقيدتك قوية راسخة أو قف فوق الربوة أو كن مظلوما أما الموقف الرابع أي أن تكون معه ظالما أو مناصرا له تدافع عنه ولو بغمزة من عين خائنة فهذا يوشك أن يوقعك في النار والله على ما كان منك من إعتقاد وعبادة وغيرهما. دعك من الإفتاء في أي أمر لأنه يتطلب فقها وإجتهادا وليس علما فحسب. المفتي والقاضي سيان ويأتيان يوم القيامة مكبلين فإما أن يشفع فيهما عدلهما أو يغرقهما جهلهما. المفتي مثل القاضي : مفت بحق يعلمه فهو في الجنة ومفت عن جهل فهو في النار. ليس معنى ذلك أني أدفعك إلى قتال الحاكم الجائر الظالم ولكني أشفق عليك أولا أن تكون له خصيما ومن بعد ذلك خذ الموقف الأنسب لك وما تقدر عليه : وقوفا فوق الربوة أو مقاومة له بأي وسيلة تقدرها بالتشاور الجماعي الموسع قدر الإمكان وليس بأن تحمل بنفسك سلاحك الناري فهذا طيش وحدة وهذه أمور لا بد فيها من العلم وقراءة التاريخ والتشاور والتراضي والتوافق لأن القتل يولد القتل ثم تكون الفتنة العمياء .. إبدأ بالجهاد بالقرآن أولا كما قال ربك سبحانه ثم بعد ذلك تتهيأ الأمور لشيء آخر فلا تستعجل. هل علمت القرآن حتى تجاهد به؟
13 كن سلفيا إن شئت ولكن لا تتسرع لتركل كل مفيد وحكمة حتى لو كان أصحابها كفارا وهي في حقل دنيوي لا ديني مثل حسن الإدارة مثلا ولا تتسرع لركل كل تراث بدا لك أنه يتيم مثل كثير من تراث إبن تيمية فقد كان يتيما في عصره ومات صاحبه محبوسا ثم ظهر وأخذ به فقهاء كثر. لا تتسرع في قضايا كبيرة وخطيرة لأنك تسمع فيها بأذن واحدة وتبصر فيها بعين واحدة وتتعلم فيها من مصدر واحد من مثل المرأة والغرب والتراث والإدارة ونظام الحكم والعلاقة بين الحاكم والمحكوم وقضايا أخرى كثيرة مستحدثة ومستجدة.. لا تتسرع فتكفر بها هذا لأنك تعلم أن من كفر إنسانا هو عند الله مؤمن دخل النار حتى لو كان جاهلا ( من قال لصاحبه يا كافر فقد باء بها أحدهما ). أمران والله أشفق عليك فيهما : تكفير الناس فهذه ليست مهمتنا نحن هذه مهمة القضاة وليست هي حتى مهمة المفتين. القاضي هو الوحيد ا لمخول له شرعا أن يقول هذا كافر. لأن من ثبت كفره بالقضاء الصحيح العادل له مقتضيات مالية وقيمية كثيرة .. وكذلك الحكم عليهم بالتفسيق والتبديع وفساد العقيدة.. كن داعية خير إن إستطعت أو أمسك عليك لسانك وقلمك ودعك من دين الناس أن تلقى ربك ظالما تتهم عباده بالكفر فمن يشفع لك. والله العظيم لن يشفع فيك مشفع حتى لو كان محمد نفسه عليه السلام لأنه أمرك بالإبتعاد عن تكفير الناس. أشفق عليك في أمرين والله : تكفير الناس والإصابة من دمائهم أو أموالهم وأعراضهم بغير حق. والله الذي لا إله إلا هو سبحانه ليس هناك شيء يغضبه كأكثر ما يغضبه سبحانه ويسخطه مثل تكفير الناس وهو عدوان عليهم في أعراضهم أو قتلهم أو إصابة أي محرم منهم ولو كان فلسا زهيدا لا يأتي بحبة حلوى .. ألم تر غضبه عليه السلام عندما قتل أسامة أو غيره بحسب إختلاف في الروايات رجلا مشركا قال لا إله إلا الله والسيف على مرمى ملمتر واحد بقياسنا نحن اليوم من عنقه.. ألا يكون لك في ذلك درس بليغ؟
14 كن سلفيا ولكن تعلم قضية البدعة في الدين فليست كل بدعة تراها هي فعلا بدعة والبدعة لا تكون إلا في الدين ولا تكون في الدنيا والإسلام يضم إلى جناحيه الدين والدنيا معا فالدين فيه مغلق لا إجتهاد فيه إلا إجتهاد تعميق فهم وتعميق ممارسة وترسيخها والدين المغلق هو الإعتقاد والعبادة والمعلوم من الدين بالضرورة فهو العاصم ولكنه قليل العدد كثير الأثر وما عدا ذلك فمبناه البدعة والإبتداع وليس الإتباع وذلك هو دأب الصحابة الذين إتبعوه دون نقاش ولا جدال في الدين ولكن بحسن فهم وفقه ولكنهم خالفوه في أكثر من أمر من أمور الدنيا ويكفيك مثالا على ذلك أنه كان يؤذن لصلاة الجمعة مرة واحدة فما جاء الفاروق وقيل عثمان أجمع الصحابة على رفع الأذان ثلاثا وذلك لأنهم علموا أن علة الأذان ومقصده هو إبلاغ الناس بالصلاة وتذكيرهم بها فلما كثروا كان لا بد من أكثر من إعلام وإبلاغ فهل هم مبتدعون. ولم يصل هو التراويح إلا ليلة أو ليلتين أي جماعة في المسجد فلما مات وجاء الفاروق جمع الناس عليها وهي بدعة حسنة مجمع عليها إلى يوم الناس هذا فهل الفاروق ومن معه من الأصحاب مبتدعة؟ وأمثلة أخرى كثيرة منها أنه قال في شأن الإبل الضوال ( عليها خطامها وترعى في ملك ربها حتى يأتي ربها فيلتقطها ) ولما جعل لها عثمان دارا خاصة وقدم لها الأكل والشرب حتى يأتي ربها فيدفع الذي عليه مقابل حفظها ثم يذهب بها .. قال ( فعلت الأحسن في زماني كما فعل هو أي هو عليه السلام الأحسن في زمانه ) إلخ .. ولو أطنبت في مخالفات الصحابة لسنن تتغير بتغير الزمان والمكان والحال و العرف لكتبت كراسا آخر ثخينا .. ولكنها أمثلة أذكرك بها بأن البدعة ليست هي ما ترى أنت أو تسمع من أكثر الخطباء والوعاظ وغيرهم بل هي علم ألف فيه الإمام الشاطبي سفرا سماه ( الإعتصام ). فلا تتسرع في فهم البدعة ولا تتسرع بقذف أي عمل أو قول بالبدعة والبدعة لا تخرج من الإسلام أبدا لأنها إن أخرجت من الإسلام أصبحت ردة والردة كفر وليس بدعة. البدعة عندك هي ما إختلف فيه الفقهاء قديما وهذا خطأ شنيع بسبب ضيق علمك وعدم إتساع إطلاعك فليس كل مختلف فيه هو بدعة ولكن البدعة هي إضافة أي شيء في الدين وليس في الدنيا التي هي نفسها من الإسلام أو زيادة. الدين هنا هو عادة ما يكون موقوفا بلسان الأصوليين أي شيئا معدودا أو مهيئا أي على صورة هيئة أو مقولا أو مكيلا أو موزونا .. هنا تدخل البدعة زيادة أو نقصانا لأنه دين مدين موقوف لا إجتهاد فيه وما عدا ذلك يجب علينا إلتقاط الحكمة والعلة والمقصد حتى نعلم تغير الزمان والمكان والحال والعرف فنغير كما غير الصحابة ..
لاتتسرع .. لا تتسرع .. تعلم قبل أن تتكلم وإفتح نوافذك على العالم من حولك أن تختنق.
15 لا تتسرع كذلك في موضوع الشيعة. لا تخلط بين الشيعة المذهبية الأولى التي عدها علماء الأزهر وغيرهم كثير من مثل محمد أبو زهرة عليه الرحمة مثلها مثل أي مذهب سني من المذاهب الأربعة وترجموا لصاحبها جعفر الصادق عليه الرحمة سيما الشيعة الإثنا عشرية أي الجعفرية أو الإمامية والشيعة الزيدية التي منها رجال فطاحل ممن مثل الشوكاني والصنعاني .. لا تخلط بين الشيعة المذهبية الأولى وبين الشيعية المعاصرة أي الشيعة الطائفية السياسية إذ فيها هذا وذاك .. فيها أئمة يعملون على محو السنة وغزو بلادهم وتغيير مذهبهم سيما بعد تحالفهم الأمريكي النووي الأخير وحتى قبل ذلك وفيها أتباع كثيرون مثلنا نحن لا يكادون يفقهون من هذه الأمور شيئا .. لا تجعل الشيعة كلها في كيس واحد بالجملة وميز بين المذهب الفقهي الشيعي وبين التشيع الطائفي الحزبي الفئوي ولك أن تأخذ أي موقف سياسي منها فهذا شأنك .. ولكن ميز فإن مبنى العلم التمييز ومبنى الفقه التمييز .. لا تفرح عندما تتمحض الشيعة اليوم لحربنا لأن ذلك مخطط غربي وعندما يقاتلك أخوك مهما كان أخوك ظالما أو ضالا أو مبتدعا بدافع وإستقواء من غيرك فأنت الخاسر وهو الخاسر وكلاكما خاسر .. الرابح الوحيد هو العدو لكما.
هناك قضايا معقدة فعلا ومتشابكة في التاريخ والتراث والسياسة .. تحتاج إلى فهم وهو فهم قد تحتاج لطلبه سنوات وترفق بنفسك حتى ترشد وتنضج وعامل السن والتجربة أكيد في كسب الفهم والفقه فهو فقه الحياة وليس فقه الدين فحسب ..
كلمة الختام
هكذا أظن أني وصلت إلى إنهاء هذا الكراس الذي ربما يختلف عن كراسي الأسبق عن الموضوع نفسه ( السلفية بين الجمود وبين الجحود ). تلبية لرغبة صديقي العزيز. كراس قلت فيه ما أراه أدنى إلى الصواب عن السلفية إذ لست سلفيا بأي معنى لا بمعنى إتباع السلف الصالح وقد بينت أن سلفي الصالح هو محكمات القرآن والسنة والخلافة الراشدة فحسب فحسب فحسب .. ولا بالمعنى الإيديولوجي الذي جعل من السلفية اليوم مذهبا فقهيا وما هي كذلك أو تيارا معاديا للصوفية أو الكلامية أو الحكمة في الحضارة الغربية أو كل مفيد نانع أسعى إليه لا يعنيني من أي وطاب جاء ولا من أي وعاء نضح. ليس لي أي شعار في تديني سوى أني مسلم مؤمن بحمده وفضله سبحانه وإن كنت لأتقمص شيئا من ذاك لقلت أني وسطي ولكني حتى مع الوسطية لست على حماس كبير. صفة الإسلام كافية شافية ضافية معترفا بفنون التدين داخله وفطرة التعدد عند الناس وأن التدين فرق ومذاهب وإتجاهات ومدارس في حقول شتى .. ولكني بعض من كل ذلك ساعيا إلى الأخذ من كل أولئك بما هو أدنى إلى الإسلام في رأيي ولست متعصبا لأي شيء منها أبدا. همي هو طلب العلم وبثه والدعوة إلى الخير وليس لي من رسالة في جيلي سوى رسالة المساهمة في رص الصف الواحد لهذه الأمة الخيرية قدر الإمكان رصا فيه مبدأ التعدد وحق الإختلاف لأجل الخروج من وهدات التخلف والإحتلال والإنحطاط ..
ليست السلفية عندي عارا ولا مسبة ولا مقبحة ومثلها الصوفية والأشعرية وغيرها جميعا تقريبا والحق في كل واحدة منها موجود والباطل في كل واحدة منها موجود كذلك والحق المطلق في الكتاب والسنة ولكن لا يصابان من كل أحد فردا أو جماعة بالكلية ولكنها المقاربة والسعي والمهم في صحة الإعتقاد صحة أصولية لا فروعية وصحة العبادة صحة طاعة وسنية لا عصيانا ولا إبتداعا وفي حسن الخلق ( الحلم والأناة ) مع الناس كلهم وفي العلم وتقديمه وتقديسه لأنه مظنه التقوى والهداية ..
لا أدعوك إلى قبول هذا الكراس بالكلية ولا رفضه بالكلية ولكن الموقف الأرشد هو فهمه بدون صورة مسبقة ولا حكم مسبق ولا يعنيك فيّ من أكون ولكن يعنيك ما أقول هنا فإن وجدت فيه خيرا فهو منك وإليك وإن وجدت فيه شرا فهو مني وإلي .. المهم هو حسن الفهم وإخلاص الفهم .. والحوار يجمعنا فليس الحق المطلق معي ولا معك ولا مع أحد طرا مطلقا إلا المعصوم عليه السلام.
والسلام
الهادي بريك مدين تونس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.