سفيرة فرنسا بتونس: أكثر من 100 ألف تأشيرة للتونسيين في 2024    كندا وبريطانيا وأستراليا تعلن الاعتراف بالدولة الفلسطينية    بطولة افريقيا لكرة اليد للصغريات (الدور النهائي): المنتخب التونسي ينهزم امام نظيره المصري 21-33    الولايات المتحدة: مصرع شخصين وإصابة 5 آخرين بإطلاق نار قرب ملهى ليلي    عاجل: التونسي معز الشرقي يفوز ببطولة Saint Tropez الفرنسية للتحدي    الملعب التونسي سنيم الموريتاني (2 0) انتصار هام ل«البقلاوة»    هذا ما تقرر في حق الارهابيان يحي الغزالي وعادل الغندري    مطار بروكسل يطلب من شركات الطيران إلغاء نصف الرحلات المغادرة غدا: الأسباب    في اليوم عالمي للزهايمر: هذه توصيات وزارة الصحة    قابس: انطلاق الاستعدادات للموسم السياحي الصحراوي والواحي الجديد    الرابطة الثانية.. نتائج الدفعة الثانية من مواجهات الجولة الأولى    الدورة السادسة من تظاهرة "الخروج إلى المسرح" من 26 سبتمبر إلى 2 أكتوبر 2025    من بينها 5 عربية.. ترامب يدعو قادة 5 دول إلى اجتماع بشأن الحرب على القطاع    عاجل: حارس الإفريقي ينقل للمستشفى بعد تدخل عنيف    الشمال والوسط تحت الرعد: أمطار قوية تجي الليلة!    محرز الغنوشي: ''درجات حرارة ليلية مقبولة...والمليح يبطى''    الحوت الميت خطر على صحتك – الهيئة الوطنية تحذر    عاجل: ثلاثية نظيفة للترجي على القوات المسلحة وتقدم كبير نحو الدور الثاني!    عاجل/ هيئة السلامة الصحية للمنتجات الغذائية تحذر من خطورة استهلاك هذه الأسماك..    الكيني ساوي يفوز بماراطون برلين ويحافظ على سجله المثالي    وزير الخارجية يترأس الوفد التونسي في أشغال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة    وزير البيئة في زيارة غير معلنة لمعاينة الوضع البيئي بالشريط الساحلي بسليمان    الكاف: تزامنا مع زيارة والي الكاف إلى السوق الأسبوعية تسجيل مخالفات وحجز مواد متعفنة    كأس الكنفدرالية الإفريقية: النتائج الجزئية لذهاب الدور التمهيدي الأول    المراقبة الاقتصادية تحجز 55 طنا من الخضر والغلال ببرج شاكير والحرايرية    أسطول الصمود :هيئة التسيير تكشف اخر المستجّدات    قلة النوم تهدد قلبك.. تعرف شنو يصير لضغط الدم!    بحسب التوقعات: تونس الكبرى وزغوان تحت الخطر...أمطار بين 60 و90 ملم!    تونس تشارك في مؤتمر التعاون الثقافي والسياحي الصيني العربي    أمطار الخريف ''غسالة النوادر''.. شنية أهميتها للزرع الكبير؟    عاجل- تذكير: آخر أجل لإيداع التصريح بالقسط الاحتياطي الثاني للأشخاص الطبيعيين يوم 25 سبتمبر 2025    الجمعية التونسية للطب الباطني تنظم لقاء افتراضيا حول متلازمة "شوغرن"    تونس ممكن على موعد مع 45 ألف حالة زهايمر قبل 2030!    انتشال جثتي طفلين توفيا غرقا في قنال مجردة الوطن القبلي    سوسة: جلسة عمل لمتابعة وضعية شركة الألبان الصناعية بسيدي بوعلي    المؤتمر الدولي للمعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر،"الاستقلال، نضالات ، مفاوضات والبحث عن السيادة" ايام 26و27،و28 مارس 2026    عاجل/ حجز مئات الكيلوغرامات من المخدرات داخل حاوية بميناء رادس والنيابة تفتح تحقيق..    بوعرقوب: انتهاء موسم جني الكروم بنسبة 100%    محمد علي: ''الأسطول يقترب كل دقيقة من غزة.. أما أنتم؟ مجرد أصابع ملوثة على لوحة مفاتيح''    ميلوني: نحن بحاجة إلى مزيد من الحكومات المحافظة في أوروبا    قريبا انطلاق أشغال مشروعي تهيئة الملعب البلدي بمنزل فارسي وصيانة المحولات الكهربائية بالملعب الاولمبي مصطفى بن جنات بالمنستير    الموساد تسلّل إلى معقلهه: الكشف عن تفاصيل اغتيال نصر الله    الأستاذ خليل النغموشي رئيسا للفرع الجهوي للمحامين بجندوبة    فيتنام بالمركز الأول في مسابقة إنترفيجن وقرغيزستان وقطر في المركزين الثاني والثالث    أولا وأخيرا... سعادتنا على ظهور الأمّهات    تونس ضيف شرف مهرجان بورسعيد السينمائي الدولي: درة زروق تهدي تكريمها إلى فلسطين    عاجل: إيقاف اكثر من 20 ''هبّاط'' في تونس    عاجل: شيرين عبد الوهاب أمام القضاء    اليوم العالمي للزهايمر: التأكيد على أهمية حماية المُعين من العائلة ومن الإطار شبه الطبي للمصابين بالزهايمر من الانهيار النفسي    غدا الأحد: هذه المناطق من العالم على موعد مع كسوف جزئي للشمس    عاجل/ بشائر الأمطار بداية من هذا الموعد..    تكريم درة زروق في مهرجان بورسعيد السينمائي    السبت: أمطار متفرقة بالجنوب الشرقي وسحب عابرة    القيروان.. 7 مصابين في حادث مرور    استراحة «الويكاند»    ما تفوتهاش: فضائل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة!    وخالق الناس بخلق حسن    يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوارات مع العفيف الاخضر (4 من 8) : الخميني له نص في مفاخذة الرضيعة اجمع عليه البخاري ومسلم !
نشر في حقائق أون لاين يوم 10 - 06 - 2013

تواصل حقائق اون لاين اليوم نشر الجزء الرابع من الحوار المطول للمفكر التونسي المقيم بباريس العفيف الاخضر. في هذا الفصل الجديد يحفر العفيف الاخضر في النصوص الاسلامية القديمة فنكتشف ان الكثير من مسلماتنا جاءت من اجتهادات فقهاء و لم تكن من اصول الاسلام.
باذن من العفيف الاخضر نفسه ننشر هذه المقالات الثمانية حول اصلاح الاسلام تليها دراسة تاسعة حول اصلاح اللغة العربية. و نحن نعتقد ان كل هذا الجهد من العفيف لخضر لم يلق حظه بعد لدى الجمهور التونسي العريض. الحوار الذي هو عبارة عن ثمانية فصول انجزه كل من ناصر بن رجب و لحسن وريغ.
سبق لي ان التقيت بالعفيف الاخضر في العاصمة الفرنسية وتهاتفنا طويلا للحديث عن افكاره و طروحاته في ما أطلق عليه اصلاح الاسلام. للاسف الشديد فان الكثير من أفكار العفيف الاخضر و بصرف النظر عن توافقنا أو اختلافنا معها غير معروفة للجمهور التونسي . من هنا جاء اقتراحي للعفيف الاخضر لاعادة نشر مقالاته عندنا.
أعلم ان الكثير من افكار العفيف الاخضر صادمة للجمهور الاسلامي التقليدي و العديد منها مستفزة فكريا و لكنها في كل الحالات افكار للنقاش العام و دفع للجمهور التونسي للتعرف عليها و مناقشتها و تقديم نقد او دعم لها.
كنت دائما مقتنعا ان من له ثقة في قناعاته و افكاره و معتقداته يجب ألا يخاف من الافكار و طرحها.
في فترة ما بعد الثورة التي نعيشها اليوم من الواضح ان هم اصلاح الفكر الاسلامي او اصلاح الاسلام ذاته كما يقول العفيف الاخضر بات أحد الرهانات الملحة في واقعنا العربي. بوصول الاسلاميين الى السلطة وانتشارهم في الشارع التونسي من المهم تقديم افكار نقدية للطرح الاسلامي من اجل دعوة جمهور الحركة الاسلامية والجمهور التونسي العام الى التفكير. لهذه الغاية نحن سعداء بتقديم هذه المقالات المتتابعة للعفيف الاخضر.
هذه دعوة ايضا الى جمهور الاسلاميين ومثقفيهم الى الرد ومحاججة الفكرة بالفكرة.
ولمن لا يعرف العفيف الاخضر نكتفي بالقول انه أحد ابرز المثقفين التونسيين في قضايا الاسلام وهو مقيم في باريس منذ عشريات عدة ولم يعد الى تونس. العفيف الاخضر ونحن ننشر مقالاته في حقائق اون لاين ربما يعيش اخر سنة له بيننا في هذه الدنيا ومن المؤكد انه بمثل هذا الجهد سوف يترك افكارا جديدة للمناقشة للمهتمين بالفكر الاسلامي وتطوير العالمين العربي والاسلامي.
في ما يلي الجزء الرابع من الحوار المطول للعفيف الاخضر
الفصل الرابع
4 كيف لفّق ابن إسحاق حدّ الرجم؟
* ناصر بن رجب : يقول الخميني في "تحرير الوسيلة" ج 2، كتاب النكاح، مسألة 12، ص 221 : "لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين، دواما كان النكاح أو مُنقطعا، وأما سائر الإستمتاعات كاللمس بشهوة والضمّ والتفخيذ فلا بأس بها حتى في الرضيعة، ولو وطأها قبل التسع ولم يفضّها لم يترتب عليه شيء غير الإثم على الأقوى…". فكيف تقرأ هذه الفتوى؟
** للتاريخ، فتوى خميني هذه هي حديث متفق عليه.
*ما معنى متفق عليه ؟
** أي اتفق على روايته الشيخان البخاري ومسلم. وعندئذ يصبح لا جدال فيه.إذا صدقنا البخاري، فنبي الإسلام أباح ملاعبة الراشدين جنسياً للصبيان؛كما أباح اغتصاب الطفل،فقط،كعقاب للغاصب، حرم علىه الزواج من أم الطفل المُغتصَب!.
فتوى خميني بهذا الحديث، في القرن العشرين، هي في حد ذاتها شاهد إدانة على تأخّر إصلاح الإسلام بحقوق الإنسان، وعلوم الأديان، والفكر الفلسفي النقدي، وبكل مكاسب الحداثة. تأخر الإصلاح يُنتج الأهوال، وفي مقدمتها طغيان اللامعقول الديني على نحو هاذي[هنا أيضاً لم أحذف الحرف الصوتي لحاجة الأبجدية العربية للصوتيات]، الإستمتاع الجنسي "حتى في الرضيعة" تعبير عن رغبة جامحة في اغتصاب الأطفال، الشائع اليوم في أرض الإسلام، التي مازالت دولها لم تحدد بعد سنّ الزواج بثمانية عشر عاما كما فعلت تونس والمغرب مثلا. القوانين في العالم الذي نعيش فيه،الوضعية العقلانية، تعتبر نكاح الأطفال قبل ستة عشر عاما إغتصابا، إذن جريمة مستوجبة للعقاب. أما في كثير من البلدان الإسلامية فتعتبره الشريعة زواجا "على سنة الله ورسوله"؛ وكأحد المؤشّرات على بداية نُضج إصلاح الإسلام في وعي النخب الإسلامية، فرضُ السعودية مؤخرا ضرورة كتابة سنّ الزوجة في عقد النكاح ربّما – في السيناريو المتفائل – كتمهيد لوضع حدّ لاغتصاب الأطفال فيها.
رغم كذبة شائعة،لم يكن محمد نفسه بيدوفيل؛زوجاته عدى عائشة كن ثيّبات وغالباً مسنات.
مريض البيدوفيليا لا ينكح إلا الأطفال ويجد نفسه عاجزاً أمام الراشدات. والجدير بالملاحظة أن باحثا مصريّا أثبت بالعودة إلى وقائع التاريخ، أن سنّ أم المؤمنين عائشة كان ثمانية عشر عاما، لمّا بنى بها النبي وليس تسعة أعوام كما يذكر البخاري. وهذا ينسف "سنّة الله ورسوله" التي برّر بها المحدّثون الرغبة في اغتصاب الأطفال أي ، البيدوفيليا ، الراسخة في النفسية، خاصة لمن كانوا في طفولتهم ضحيتها.
لا ينبغي أن ننسى أن في إيران اليوم نخبة إصلاحية عقلانية ذات جماهيرية جارفة لا تعتبر خميني مرجعيّة لها . ومطلبها المركزي فصل الدين عن الدولة، والقطع النهائي مع تطبيق الشريعة ، وخاصة إيقاف جريمة الرجم التي تطبقها الآن إيران ، التي عاد حكامها للقرون الوسطى، لكن نخبها وشعبها يعيشون،بفكرهم، في قلب القرن الحادي والعشرين، ويدفعون ثمن ذلك من حريتهم وحياتهم. حداثتهم الدينية جديرة بأن تكون قدوة حسنة لكل المسلمين في العالم حيث مازال تيّار الجمود الديني، بالرغم من أنه في موقع دفاعي، هو الأعلى صوتا والأشد أذى للاسلام والمسلمين وباقي البشرية.
* ناصر بن رجب : ترجمتُ بحثا مهمّا للمستشرق الفرنسي دي بريمار سأنشره قريبا جدّا عنوانه : "نبوّة وزنا" فكّك فيه كيف فبرك المحدّثون والفقهاء حد الزنا في الإسلام. اتّضح لي من ذلك أن ابن إسحاق، الذي قال عنه مالك بن أنس أنّه دهري متّهما إياه بالكذب، لفّق سيناريو امتحان اليهود للنّبي في حد الزنا وذلك لهدفين : الأول إثبات أن نبوّة محمد جاءت في التوراة ولكن اليهود كتموها، والثاني نقل حد الرجم من الشريعة اليهودية إلى الشريعة الإسلامية، زاعما أن أحبار اليهود تآمروا في المدرسة التوراتية لاختبار نبوّة محمد فقالوا : "لنبعث بهذا الزاني والزانية إلى محمد، ونسأله عن الحكم الشرعي فيهما، فإن قضى بالجلد فهو ملِك فاتّبعوه، وإن قضى بالرجم فهو نبيّ فاحذروه" ويجعله ابن إسحاق طبعا يقضي بالرجم لإثبات نبوّته بشهادة اليهود وإضفاء الشرعية الإسلامية على حد الرجم التوراتي…
** استنتاجك صحيح تماما. فقصد ابن إسحاق هو إثبات أن اليهود تأكدوا من نبوّة محمد فكتموها وناصبوه العداء، ممّا يبرّر حروبه عليهم. وسواس تآمر اليهود على النبي نلتقي به في كل منعطف. مثلا زعم ابن اسحاق أنه لما مر أبو طالب، مرفوقا بالفتى محمد بقافلته، على الراهب بحيراء أنبأه هذا الاخير بأن ابن أخيه سيكون نبيا وحذره من اغتيال اليهود له. ذات الهاجس نجده في فبركة سبب نزول آية تغيير الإتجاه من القدس إلى الكعبة. فقد زعم واضعو أسباب النزول أن اليهود قالوا : لماذا يشاركنا محمد في الإتجاه في صلاته إلى القدس بينما التوراة تقول أن «نبيّ آخر الزمان» يستقبل في صلاته القبلة… طبعا هذا النص لم يوجد وما كان بإمكانه أن يوجد، لأن النرجسية الدينية في اليهودية، التي حصرت النبوّة في ذرّية إسحاق، ينافيها.هاجس ابن اسحاق وفقهاء عصره،كان الإيهام بأن اليهود اعترفوا سراً بنبوة محمد،التي كان ينقصها شرط المعجزة الشارط في النبوة التوحيدية! وبالمناسبة يقول المستشرق ميشيل كويبرس في كتابه "القرآن" أنّه عُثر على تسعمائة آية من مصحف يُرجِّح الباحث المعروف في القرآنيات، أمير معزّي ،أنه إمّا أنها تعود إلى مصحف ابن مسعود أو إلى مصحف أُبي بن كعب، ويلاحظ المستشرق ،الذي اطّلع على هذا الجزء من المصحف، أن الحديث والقرآن مازالا لم ينفصلا عن بعضهما البعض، ضارباً مثلا باحتوائه لحديث-آية الرجم. وهذا يشير إلى أن الآيات تعود على الأرجح إلى مصحف أُبيّ؛ فالسجستاني يُخبرنا بأن آية الرجم موجودة فيه. ولكن نفورًا من هذا الحدّ الفظيع ، فإن لجنة جمع القرآن ، التي كان فيها أبيّ ، أبت إدراج حديث-آية الرجم في مصحف عثمان مما يدل على سوء سمعة الحدود الشرعية عند عثمان وباقي أعضاء اللجنة.
* هل كانت سمعة الحدود سيئة إلى هذه الدرجة ؟
** نعم، شريعة العقوبات البدنية لم تكن لها سمعة حسنة في تاريخ الإسلام. مؤسّس الإسلام كان يوصي أصحابه في المدينة بالتصالح فيما بينهم، تفاديا لتطبيق الحدود عليهم قائلا : "تعافَوْا الحدود فيما بينكم، فما بلغني منها نفّذته". وحتى ما يبلغه منها فإنه بحث له عن مخرج لعدم تنفيذه قائلا : "ادرؤوا الحدود بالشبهات"، أي أنّ على القاضي أن يبحث عن شبهة براءة ليتجنب بها تطبيق الحد وباختصار،لم يقم نبي الإسلام لشريعته وزناً:فلم يطبقها على نفسه،إذ جمع بين 11 زوجة وترك 9 أرامل ونكح زوجاته،انتهاكاً لشريعته،أثناء الحيض… وعُمر أوقف حدّ السرقة عام الرمادة أي المجاعة. وعثمان، رفض إقامة الحد الشرعي على سالم بن عمر بن الخطاب لقتله قاتل أبيه "لؤلؤة" وابنته، رغم مطالبة علي بن أبي طالب بإقامة حد القصاص عليه. وكان رد عثمان برغماتي : "لن أفعل؛ بالأمس يُقتل عمر واليوم يُقتل ابنه!" ودفع من مال بيت المسلمين دية القتيلين. وقبل ذلك، رفض أبو بكر القصاص من خالد بن الوليد لقتله مالك بن نويرة، بالرغم من إلحاح عمر على ضرورة الإقتصاص منه. حتى حماس التي جعلت من تطبيق الحدود الشرعية سبب وجودها بدأت، تحت ضغط مبدأ الواقع، تبتعد عنها؛ فاتهمتها السلفية الجهادية "بالتخاذل في تطبيق الشريعة الإسلامية، لصالح علاقات مع دول غربية كافرة"، في مقدمتها امريكا كما تقول السلفية الجهادية. حتى لو أخذت السلفية الجهادية مكان حماس، فإنها هي نفسها قد "تتخاذل في تطبيق الشريعة الإسلامية…" لأن ثقافة حقوق الإنسان نزعت عنها كل شرعية.
قيم الحداثة الإنسانية تتقدم حتى الآن بخطى ثابتة،على حساب القيم التقليدية التي لا تقيم وزناً لحقوق الإنسان.
* ناصر بن رجب : يقول ابن إسحاق، في مختصر ابن هشام، أن عمر خطب في الناس مذكّرا لهم بأن آية الرجم غير منسوخة، وهدّد بإقحامها في المصحف مُستدركا : "لولا أن يقول الناس أنّ عمر زاد آية لزدت آية الرجم"…
** نحن دائما في مسرحية تلفيق الأحاديث، وإدخالُ عمر في لعبة إثبات أن حد الرجم من الإسلام هو، في نظري، ردّ ضمني على اتّهام الشيعة له بنسخ آية الرجم من ألواح حفصة قائلين:"لقد وضع إبهامه على لسانه ثم فسخ آية الرجم بلعابه"، فكان رد ابن إسحاق، وفي الحقيقة الخليفة المنصور عَبْره الذي كلفه بكتابة تاريخ البشرية من آدم إلى المنصور نفسه، هو الإلحاح على تمسّك عمر بحدّ الرجم، والتأكيد بأنه غير منسوخ كما قال في الخطبة المنسوبة إليه. وقال الفقهاء، الذين لا ينقصهم التناقض، أن آية الرجم نُسخت لفظًا وبقيت حكمًا. أي أنه لم تعد لها قداسة القرآن، ولا يمكن الصلاة بها، ويمكن مسّها دون طهارة… إلخ، لكنها مع ذلك تظلّ صالحة لقتل الزاني والزانية رجمًا. وحدهم المعتزلة ادركوا عبثية نسخ التلاوة وبقاء الحكم، كما يقول السنة؛لكنهم لم يجرأوا على التنكر لحد الرجم الهمجي!.
* ناصر بن رجب : من أين أخَذَت الشريعة اليهودية حد الرجم الوحشي؟
** لا أعلم. كراهية المرأة كانت – وفي أرض الإسلام مازالت – قاسما مشتركا بين غالبية الرجال. قد تكون ترجمة للحقد الدفين على المرأة، الكامن في الشخصية النفسية للذّكور. شريعة حامورابي قضت بقتل الزانية غرقا في دجلة والفرات. وقد أحيت هذه السنّة الحامورابية الجماعة الإسلامية في كردستان العراق في التسعينات، عندما قتلت فتاة اتهمتها بالزنا بإغراقها في أحد الأودية. أما الهندوس فيرمون الزانية للكلاب المُجوَّعة لتنهشها…
فضيحة الفضائح،في عصر حقوق الإنسان والاتفاقية الدولية لمنع التمييز ضد المرأة،مازالت المرأة في إيران،والسعودية وأفغانستان طالبان وسودان عمر البشير ترجم حتى الموت؛وزيادة في الوقاحة الأخلاقية،يشارك ابنها ابتداء من سن ال 7 في رجمها!.
*ولماذا هذه القسوة اللامتناهية ضدّ المرأة الزانية؟
**من وجهة نظر نفسانية قد يعود ذلك إلى فانتازم الأم المفترسة الذي كوّنه الرضيع عن الأم التي لا تقدّم له ثديها في الوقت المناسب. علما بأن جوع وعطش الرضيع لمدّة ربع ساعة يعادل جوع وعطش الراشد لمدة ثلاثة أيام. ويُعيده بعض المحلّلين النفسانيين إلى قلق الخصاء حيث يرقد، في لاشعور الذّكر، الخوف من ابتلاع فرج المرأة العضو الذكري. أما السيكولوجي الألماني، كنول، فيفسره بالخوف من المقارنة مع رجل آخر، الذي يعود في نهاية التحليل إلى قلق الخصاء. وهي في نظري فرضية وجيهة تدعمها شواهد انثروبولوجية عديدة لا مجال لذكرها هنا.
من هنا أهمية تدريس التربية الجنسية العلمية، لتبديد هذه المخاوف اللامعقولة كما بدّدتها في أوروبا التي مرت هي أيضا في عصور ظلامها بهذا العداء الدفين للمرأة.[انظر الحلقة 8 المنشورة هنا] مثلا أحرقت الكنيسة الكاثوليكية مائة ألف "ساحرة" يهودية!.
في هذا المناخ تبدو الحكومات التي تُطبق العقوبات البدنية المتقادمة، وكأنها قد نامت نومة أهل الكهف، وتتعامل بعُمْلتهم التي لم تعد قابلة للتداول. بالمناسبة، أسطورة أهل الكهف، يُعلّمنا تاريخ الأديان المقارَن أنها مأخوذة من أسطورة "السبعة النيام" في إفسُس؛ وهم مسيحيون فرّوا من اضطهاد الإمبراطور ديسيوس(حكم من 249 إلى 251) ولم يستيقظوا إلا في عهد الإمبراطور ثيودوس الثاني (حكم من 408 إلى عام 450).
مصداقا لهذه الحقيقة الأنثروبولوجية، أي تقادم الشريعة؛ الشريعة،كما صرّح مفتي مصر، لم تُطبَّق في مصر منذ ألف عام، بسبب زوال الظروف والذهنيات التي ظهرت فيها. ونفس هذه الحالة الأنثروبولوجبية تنطبق على آيات أحاديث الإسلام المدني السّجالية ضد اليهود والنصارى والمشركين.والمشركون هم الوثنيون، أي مثلا الصين والهند واليابان؛ وقد تساءل رشيد رضا مستغربا التّمسك بجهاد الطلب لإدخال البشرية كافة في الإسلام : هل علينا أن نجرّد جيشا لإدخال اليابان في الإسلام؟ تساؤله يكشف عبثيّة التمسك بنصوص زالت مُبرّراتها الأنثروبولوجية. نفس الحقيقة الأنثروبولوجية تنطبق على إسلام الولاء والبراء ،الذي جعل منه أقصى اليمين الإسلامي السياسي كلَّ الإسلام. والحال أن الولاء والبراء لم يكن إلا قانونا عرفيّا؛ربما كان صالحا لزمن حروب النبيّ مع المشركين. وما إن وضعت الحرب أوزارها لا يعود ساري المفعول، تماما كما تفعل الحكومات المعاصرة. لكن أقصى اليمين الإسلامي المريض بالأوطيزم، أي الإنطواء على الذات، جعل الولاء والبراء عابرا للتاريخ. الإخوان المسلمون في مصر وسوريا يطالبون بإلغاء قانون الطوارئ الذي عمره 30 عاما. لكنهم، يا للمفارقة، متمسكون بقانون طوارئ الولاء والبراء الذي عمره 14 قرنا. انه الجمود الديني اللامبالي بحقائق الزمان والمكان،و الذي افترس كل نواة معقولية في رؤوس ضحاياه.
ومن مؤشرات نضج الإنتقال من الفقه القديم إلى فقه جديد متصالح مع عصره، انعقاد مؤتمر إسلامي، في مارس الماضي، بمدينة ماردين (تركيا) ،حضره علماء، من عدة بلدان إسلامية،أكدوا أن تقسيم العالم إلى دار إسلام ودار حرب، وتكفير المسلمين باسم عقيدة الولاء والبراء قد تجاوزه الزمن، فلم يعد صالحا لعصرنا. وهو ما كنت أتمناه بكل جوارحي. وأَقترحُ على شيخ الأزهر أن يعقد مؤتمرا موسّعا، تحت إشرافه، لتأييد هذه الفتوى الشجاعة، وتوسيعها؛ بل وأقترح على كل بلد مسلم عقد مثل هذه المؤتمرات للتعجيل بميلاد فقه إسلامي جديد متصالح مع عصره، دشن الصديق جمال البنا بسملاته الأولى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.