تضاربت التأويلات حول الوضع الاقتصادي العام في البلاد بين متفائل ومتشائم في الوقت الذي تشهد فيه الساحة السياسية تجاذبات حادة. حقائق اون لاين ارتأت ان تسلط الضوء على هذا الموضوع وحطت الرحال بمقر الهيئة الوطنية للخبراء المحاسبين للبلاد التونسية والتقت صالح الذهيبي الرئيس السابق للهيئة وفي مايلي ما جاء في هذا الحوار. *اصبح للهيئة الوطنية للخبراء المحاسبين ظهور محتشم. لو توضح لنا اسباب هذا وخلفياته؟ الهيئة الوطنية للخبراء المحاسبين من الهيئات الوطنية التي لعبت دورا رياديا علي الساحة الوطنية ابان الثورة وبعدها ولا زالت. اما في ما يخص ظهورها واتمنى انك تعني ما فهمته وهو عبر وسائل الاعلام فهذا امر بديهي فالهيئة لا تتطفل وكلما اقتضت الضرورة ودعت الحاجة لحضورها الا وتكون حاضرة وممثلة وتدلي بدلوها في الشأن الذي هو من اختصاصها . *ما هو الدور الذي لعبته الهيئة في جرد الممتلكات والاموال المنهوبة من طرف الرئيس السابق وعائلته واصهاره؟ في هذا الاطار واثناء جرد ممتلكات العائلة المالكة السابقة وبامر قضائي وضعت الهيئة ما يقارب 200 خبير محاسب لمساعدة القضاء لان عمليات الجرد والمصادرة تتطلب كفاءات عالية في الجوانب القانونية والاقتصادية والادارية في المحاسبة وكنا قدمنا هذه القائمة الى القضاء الذي قام بدوره بتوزيعها حسب الملفات القضائية وملفات الادانة للتثبت واجراء اللازم وتقديم تقارير مفصلة الى القضاء لاعتمادها في احكامه. كما قامت الهيئة الوطنية للخبراء المحاسبين بدورات تكوينية لمساعدي القضاء من الخبراء المحاسبين الذين تم اختيارهم من طرف الهيئة والحمد لله توفق هذا الكم الهائل من الخبراء المحاسبين في ما انيط بعهدتهم علما وان مهام الخبير المحتسب لم تقف عند حدود جرد وحصر ممتلكات العائلة المالكة السابقة واصهارها بل تعدت ذلك الى حدود البيع وارجاع تلك الممتلكات الى سيولة تم ايداعها بخزينة الدولة.. *ما هي الظروف التي احاطت بمهامكم وكيف تعاملتم مع الهيئات القضائية؟ كان لزاما على كل الاطراف القضائية والمحاسبية ان يكون عملها في كنف الاحترام المتبادل حتى تنجح المهمة الموكولة الى كلا الطرفين وتكتشف بطرق علمية كل عمليات الاستيلاء والتلاعب باموال المجموعة الوطنية وتنير بها القضاء ليقول فيها كلمته الفصل. الا أن هذا لا يمنع أنه تطرأ من حين لآخر بعض الاشكاليات التي تعترض مهام المحاسب فيتم حسمها من طرف رؤساء المحاكم وفي المجمل العام علاقتنا بالقضاء علاقة احترام وكل طرف يتحمل مسؤوليته التاريخية. *كهيئة خبراء محاسبين هل طلب منكم رسميا مساعدة القضاء؟ لم يطلب منا بعد انما الواجب الوطني اقتضى ان نتقدم بطلب للسلط المختصة حتى نساعد القضاء على اداء مهامه وننير له السبيل في حدود اختصاصنا لان الكم الهائل من الشركات والعقارات له فقه قضائي خاص وهذا من اختصاصنا ويدخل في صميم عملنا علما وان كل الخبراء كانوا متطوعين لهذه المهمة النبيلة والسامية وهي اعادة اموال الشعب التونسي المنهوبة والتي تم الاستبلاء عليها طيلة عقدين من الزمن. *لو نتعرف على العقارات والمؤسسات التي تم حصرها ومصادرتها؟ تقريبا ما يقارب 400 شركة بمختلف اختصاصاتها وكم هائل من العقارات المترامية الأطراف هنا وهناك من ضيعات.. وفيلات وقصور وغيرها ووسائل نقل برية وبحرية وجوية ولحد الآن لم نُنْهِ عملية الحصر النهائي لكل الممتلكات لكن يمكن ان نقدم ارقاما تقريبية في ما تم حصره وجرده والذي يقدر ب 1,2 مليون دينار ممّا حصل وتم ايداعه بخزينة الدولة وهناك أشياء اخرى لم يتم حصرها بعد. *هناك مساع كبيرة لاستعادة الاموال المنهوبة والمتواجدة ارصدتها في العديد من دول العالم حيث تسعى العديد من الهيئات والجمعيات لاعادتها. أين الهيئة الوطنية للخبراء المحاسبين من هذا الحراك؟ الهيئة لم يكن لها دور في هذه المساعي لكن اذا طلب منها كخبيرة في مجال المحاسبة والاستعانة بنا فنحن على اتم الاستعداد لمد يد العون علما وان هناك هيئة مقننة للغرض يرأسها محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري تسهر على متابعة الاموال المنهوبة وباتصال مستمر مع الدول التي اعلن عن تهريب ارصدة واموال بها. * لو تقيم لنا الوضع الاقتصادي الحالي الذي يتأرجح بين متفائل و متشائم وهل هناك انفراج في الافق القريب؟ *الحقيقة ان الوضع الاقتصادي الحالي متردّ ويمر بصعوبة كبيرة والاسباب عديدة وغير خافية على الرأي العام. والذي زاد الأمر تأزما التجاذبات السياسية العقيمة التي لا تُسمن ولا تغني من جوع فقد وقعت الاطراف السياسية في مطبّ الجدل غير المجدي وتركت الجانب الاقتصادي كالسفينة التائهة في البحر تتلاطمها الامواج هنا وهناك مما ولد ضرورة اللجوء الى الاقتراض وبفوائض مجحفة. و هذا امر جد خطير ومؤلم لان الوضع الاقتصادي لا يتحمل هذه الاعباء سواء كانت على المدى القريب او البعيد وكل الدول العربية منها او الغربية والتي اقتربت منا ابان الثورة واعلنت مساعدتها لنا لم توف بتعهداتها وحتى ان اوفت ببعض تعهداتها راعت مصالحها أولا ناهيك ان العجز التجاري بلغ نسبة لا يستهان بها وهي 8 % تقريبا مقارنة بسنة 2010 التي بلغ فيها العجز التجاري ما بين 1 و2 بالمائة. واذا ما اردنا الخروج من هذا النفق المظلم علينا التسريع في البرنامج الذي انطلق منذ مدة وهو اعادة هيكلة المنظومة الجبائية والسعي الى التشجيع على الاستثمار خاصة الاستثمار الاجنبي وايجاد حلول لبعث المشاريع الصغرى والمتوسطة بالمناطق النّائية لتوفير اليد العاملة حتى تكون هناك مداخيل كافية لننأى بميزاننا التجاري عن انعدام التوازن في ميزانية الدولة. و هذا العمل كله مرتبط اساسا بعامل وحيد اذا ما توفر سنخرج من هذه البوتقة بحول الله وهو توفير الأمن والاستقرار والتصدي الى مظاهر التجارة الموازية والفوضوية والتي لم تخضع الى قوانين تنظمها. كذلك بتفعيل قانون المصالحة مع رجال الاعمال المعطلين حاليا عن نشاطهم وايجاد حلول سريعة حتى نضفي حركية جديدة على المنظومة الاقتصادية للبلاد لانه كلما تأخرت هذه الحلول كلما تعقدت الاوضاع وتأزمت اكثر والقيام بآلية توافقية للحد من مظاهر الاعتصامات والاضرابات عن العمل التي ادت الي خسائر فادحة في العديد من المؤسسات كشركة فسفاط قفصة وغيرها من المؤسسات الاخرى. *ما رأيكم في المبادرات التي قامت بها بعض المنظمات قصد الوئام ورأب الصدع بين الاخوة الفرقاء؟ جاءت متأخرة لكنني متفائل واتمنى ان تُوُتي اكلها. *لازالت ظاهرة التهرب الضريبي متواصلة بعد الثورة والخبير المحاسب هو المتهم الرئيسي في هذا الجانب . ما تعليقكم على هذا؟ الشاذ يحفظ ولا يقاس عليه. نحن كهيئة نرفض رفضا قاطعا كل هذه الممارسات المشينة ونعتبر ها جرما فادحا في حق البلاد والعباد لكن حتى نعطي لكل ذي حق حقه الخبير المحاسب في حدّ ذاته يقع في بعض الحالات تحت ضغوطات وذلك نزولا عند رغبة صاحب المؤسسة لكن عليه ان لا يقبل بذلك.