رئيس فرع كرة القدم بالنادي الإفريقي يعلن انسحاب المدرب فوزي البنزرتي    مدير "بي بي سي" يقدم استقالته على خلفية فضيحة تزوير خطاب ترامب    سيدي بوزيد: وفاة شاب وإصابة آخرين جراء حريق في ورشة لتصليح الدراجات بجلمة    حجز أكثر من 14 طنًا من المواد الغذائية الفاسدة خلال الأسبوع الأول من نوفمبر    توزر: العمل الفلاحي في الواحات.. مخاطر بالجملة في ظلّ غياب وسائل الحماية ومواصلة الاعتماد على العمل اليدوي    بنزرت ...مؤثرون وناشطون وروّاد أعمال .. وفد سياحي متعدّد الجنسيات... في بنزرت    صفاقس : نحو منع مرور الشاحنات الثقيلة بالمنطقة البلدية    نبض الصحافة العربية والدولية ... مخطّط خبيث لاستهداف الجزائر    تونس تُحرز بطولة إفريقيا للبيسبول 5    "التكوين في ميكانيك السيارات الكهربائية والهجينة، التحديات والآفاق" موضوع ندوة إقليمية بمركز التكوين والتدريب المهني بالوردانين    ساحة العملة بالعاصمة .. بؤرة للإهمال والتلوث ... وملاذ للمهمشين    بساحة برشلونة بالعاصمة...يوم مفتوح للتقصّي عن مرض السكري    الليلة: أمطار متفرقة ورعود بأقصى الشمال الغربي والسواحل الشمالية    العاب التضامن الاسلامي (الرياض 2025): التونسية اريج عقاب تحرز برونزية منافسات الجيدو    أيام قرطاج المسرحية 2025: تنظيم منتدى مسرحي دولي لمناقشة "الفنان المسرحي: زمنه وأعماله"    أندا تمويل توفر قروضا فلاحية بقيمة 40 مليون دينار لتمويل مشاريع فلاحية    بنزرت: ماراطون "تحدي الرمال" بمنزل جميل يكسب الرهان بمشاركة حوالي من 3000 رياضي ورياضية    كاس العالم لاقل من 17 سنة:المنتخب المغربي يحقق أكبر انتصار في تاريخ المسابقة    الانتدابات فى قطاع الصحة لن تمكن من تجاوز اشكالية نقص مهنيي الصحة بتونس ويجب توفر استراتيجية واضحة للقطاع (امين عام التنسيقية الوطنية لاطارات واعوان الصحة)    نهاية دربي العاصمة بالتعادل السلبي    الجولة 14 من الرابطة الأولى: الترجي يحافظ على الصدارة والهزيمة الأولى للبقلاوة    شنيا يصير كان توقفت عن ''الترميش'' لدقيقة؟    عاجل: دولة أوروبية تعلن حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال دون 15 عامًا    احباط تهريب مبلغ من العملة الاجنبية يعادل 3 ملايين دينار..#خبر_عاجل    عاجل : فرنسا تُعلّق منصة ''شي إن''    هذا هو المهندس على بن حمود الذي كلّفه الرئيس بالموضوع البيئي بقابس    جندوبة: الحماية المدنية تصدر بلاغا تحذيريا بسبب التقلّبات المناخية    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    حريق بحافلة تقل مشجعي النادي الإفريقي قبل الدربي    تونس ستطلق مشروع''الحزام الأخضر..شنيا هو؟''    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    أعلاها 60 مم: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    الديربي التونسي اليوم: البث المباشر على هذه القنوات    عاجل: النادي الافريقي يصدر هذا البلاغ قبل الدربي بسويعات    أول تعليق من القاهرة بعد اختطاف 3 مصريين في مالي    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    خطير: النوم بعد الحادية عشرة ليلاََ يزيد خطر النوبات القلبية بنسبة 60٪    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    الدورة 44 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب: 10أجنحة تمثل قطاع النشر التونسي    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    الطقس اليوم..أمطار مؤقتا رعدية بهذه المناطق..#خبر_عاجل    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا شيءَ عَدا سوريّة : هادي دانيال عاشِقاً
نشر في حقائق أون لاين يوم 12 - 05 - 2017


1-مُسَمّىً واحِداً بالتَّثْنِيَة
لِكُلِّ اسْمٍ مُسَمّى ، وَما التّسمِيَةُ إلّا مُشْتَرَكٌ قائمٌ بينَ الاسْمِ والمُسَمَّى ، كالأيقُونَةِ والإشارةِ والمَرْجِع في بنْيَةِ العَلامَةِ ، أيّ علامة، وكالرّمْز المُحايِثِ للعلامَةِ ذاتِها عنْدَ التَّلَفُّظِ بِها لُغَةً وآنَ اسْتِقْبالها : سوريّةُ-هادي دانيال أوْ هادي دانيال-سوريّة.
الاسْمُ هُنا ، مُثَنّى ، ولا إمْكانَ في تَمَثُّلِنا الخاصّ لِلتَّفْريقِ دَلالَةً وَرَمْزاً لِدَلالَةٍ بينَ هادي دانيال وسوريّة .
هذا هُوَ مُحَصَّل انْطِباعنا عنْدَ النّطْقِ بالاسْمَيْنِ مَعاً في إسْمِيَّةٍ واحِدَةٍ . مُحَصَّلٌ ناتِجٌ عَن قِراءتِنا لِمُجْمَلِ أعمالِ هادي دانيال الشِّعْريّة (الأعمال الشعريّة الكامِلَة وتَقديمُنا لها ، تلكَ الصّادِرَة عن دار صامد 2016، وَقِراءة كُلّ ما أصدره الشاعرُ منذ هذا التاريخ إلى اليوم).
2-حِلٌّ في الكيان وَتِرْحالٌ في المكان
ازْدِواجُ سوريّة وهادي دانيال يَفْتَحُ على ازْدواجِ دَلاليّ هُوَ الحِلّ والتّرحال في تجربةِ الشّاعِر . وسوريّةُ هِيَ الدّلالة الوالدة المرجعيّة في مُجْمَلِ ما كَتَبَ هادي دانيال مِن شِعْرٍ وَمَقالٍ صِحافيّ وَفِكْر سياسيّ.
وَهِيَ الرَّحِمُ ، الأمّ – الرّمز، وهي العشْق الأوّل ، السّالِفُ والحادِثُ ، وهيَ الفَرَحُ ، وهيَ الوَجَعُ ، وَهِيَ الارْتِغابُ المُتَوَلِّدُ المُتَجَدِّدُ ، وَهِي الارْتِعابُ عليها وليسَ مِنْها . سوريّةُ هي التي علّمْتْ الابْنَ مَحَبَّةَ الآخَرين وَفَتَّحَتْ بصيرَتَهُ على ما هُوَ أبْعَدُ مَكاناً مِنْها ، فكانَ أنْ عَشِقَ فلسطينَ ولا يَزال ، وَأحَبَّ العِراقَ وَبِلادَ العَرَبِ كافَّة ، وانْتَصَرَ بِها للكادِحين ، لِلعُمّالِ والفَلّاحين.
حُبُّ سوريّة هَوَسٌ جَميلٌ ، وَسُوريَّةُ هِيَ الحُلمُ المُتَدَفِّقُ باسْتمْرار ، هِيَ الماضي ، ماضي الطُّفُولةِ ، ماضي "كفريَة اللاذِقيّة" وَهِيَ الحاضِرُ بأوْجاعِهِ وَعَذَاباتِهِ ، وَهِيَ المُسْتَقْبَلُ ، لأنَّ سُوريّةَ سَتَظَلُّ قَوِيَّةً أبيَّةً رغْمَ الدَّمار الحادِث لَها الآن.
حِلٌّ ،إذَنْ ، في الكيان لا يبرح سوريّةَ الماثِلةَ باستِمرار في وَعْيِ الكِتابةِ الشِّعْريّةِ وَلا وَعْيِها.
وَ ترحال في المكان بِحِلٍّ شِبْهِ مُؤَقَّت يَتَحَدَّدُ مكاناً بتونس اسْتِقراراً ولا اسْتِقرار.
3-الكتابة بأقصى الحياة
كانتْ سوريّةُ في سابقِ التّجربةِ الشِّعريّةِ وَقَيْلَ الأخْطارِ الدّاهِمةِ دَلالةَ إيحاءٍ تنكشِفُ حيناً بعلاماتِ استِذْكارٍ مِنْ ماضي طُفُولةِ الاسْمِ الفَرْدِيّ وَتَحْتَجِبُ أحياناً بِفِعْلِيَّةٍ مُضْمَرَةٍ فأضْحَتْ في حادِثِ هذهِ التجربةِ دَلالَةً مُعْلَنَةً بالانْتِقالِ مِنَ المَوْطِنِ (كَفَرْيَةَ اللاذِقيّة) إلى الوطن ، وَطَن الجميع ، وبِلا استثناء ، إلّا أنّ الأعداءَ مِن أبنائهِ الخَوَنَةِ المُتآمِرينَ عليه لِثاراتٍ غير مُبَرَّرَة أو لِمكاسب فرديّة يُريدونَ تحصيلها بدمارِهِ . وإذا حِلُّ الكِيانِ هُو ذاته لم يَتَغَيَّرْ ، ثابِتٌ في مُجْمَلِ ما كَتَبَ هادي دانيال عَكْسَ ترحال المكان الذي هُوَ مِن وَعْيِ الوُجُودِ وإليهِ : قَلَقٌ شَبيهٌ في الدّلالةِ المرجعيّةِ بالقَلَقِ الكيركغارديّ اسْتَلْزَمَ الكِتابةَ واسْتَوْجَبَ الانتِقالَ مِن مَوْقِعٍ إلى آخَرَ ، وَمِنْ حالٍ إلى حالٍ .
والواصِلُ هُنا ، بينَ حِلِّ الكِيانِ وترحالِ المكانِ ، هُوَ إدراكُ هادي دانيال حالاً لا يُدْرِكُها إلّا كِبار المُبْدِعين ، وَمُخْتَصَرُها بالتّسمِيَةِ النِّيتشَهيّة : "أقصى الحياة" أو "الاعتياد على محبّة الحياة" بدلاً عن "الاعتياد على الحياة" ، هذا الوَعْيُ الأدنى الذي يَصِلُ بين عامّةِ النّاسِ ولا تَفَرُّدُ ولا اختِلاف ، إذْ وَعْيُ أقصى الحياةِ ، كالذي تَمَثَّلَهُ زرادشت – نيتشة هُوَ إدراكُ مَعْنى الخَطَرِ والمُخاطَرَةِ ، بإكسابِ المَوْتِ مَعْنى الحياةِ والانطِلاق بالحياةِ إلى تُخُومِها القُصْوى حَدَّ المَوْت بتجربةِ الكِفاحِ وتجربةِ الكِتابةِ مَعاً ، بالالتِزامِ في الاتِّجاهَيْن كي تستثري تجربةُ الكِفاحِ مِن تجربةِ الكِتابةِ مِثلما تستثري تجربةُ الكتابةِ مِن تجربةِ الكِفاح على نَهْجِ بابلو نيرودا أو غارسيا لوركا وناظم حكمت ومحمود درويش...
4-"معراج إلى دمشق" : فائضُ الأمل تحدّياً للألم:
تَنَبّأ الشاعرُ بما سيحدثُ للأمِّ والحبيبة سوريّة في مجموعتهِ الشعريّة "ربيع متأخِّر"(2011) و"خريف مِن أجلِ حَطّابيّ السّماء" (2012). وَما تَحَسَّبَ الشاعِرُ حُدُوثَهُ كانَ (بدلالةِ الفِعْلِ التّامّ) لِيَنْقَلِبَ الحُلْمُ إلى كابوس ، و الارْتِغابُ إلى ارْتِعاب ، والقَلَقُ المُضْمَر إلى قَلَقٍ مُعْلَنٍ ، والاغْتِباطُ إلى تَفَجُّعٍ بحالاتٍ مُخْتَلِفَةٍ مُتَداخِلة : خَوْف وغَضب وألَم وَأَمَل وَتَحَدٍّ ، كالواردِ في " عندما البلاد في الضبابِ والذّئاب" (2013) و "في وَضَحِ الرَّدى أراقِصُ الجِّبال" (2014) و" الرُّخام يبتسمُ لأصابعي" (2015) و "مِعراج إلى دمشق" (2017) و "أكونُ بِها وَلَها" (2017).
"إنّما عشْقُ سُوريّةَ مَرَضٌ مِن فَرَحٍ وَتَرَحٍ"("معراج إلى دمشق"،دار صامد للنشر ، ص7).
هذا الإثباتُ لِما تُمَثِّلُهُ سوريّةُ مِن دلالةٍ في الطَّوْرِ الذي نحيا اليوم الذي يذهبُ بعيداً في التّصريح ، إذْ ما عادَ هُناكَ مُبَرِّرٌ للتّضمينِ والإيحاءِ كالمُتَّبَعِ في سابِقِ الكِتابةِ الشِّعريّة ، فأضحَتْ القصيدَةُ سِلاحاً في الدّفاعِ عن سوريّةَ ضدَّ أعدائها الألدّاء مِن أبناءٍ عاقِّين وإخوَةٍ غادِرين وأعْراب حاقِدِين .
مُخْتَصَرُ المؤامَرَة ضدّ سوريّةَ في صريحِ الخطاب الذي يعتمِدُ بَلاغَةَ الإفْهامِ مُحَدَّدٌ "بأمريكا" وَحُلَفائها مِن عَرَبٍ بائدَة وَتُجّار نَفْطٍ وَغاز وسِلاح وَدُعاةِ عَوْلَمَة تُوَحِّد بأحكامِ اقتِصاد السُّوق والرّأسماليّة الجديدة المُتَوَحِّشة وَتُقَسِّمُ بِقَصْدٍ آخِرَ البلدانِ وتستهدفُ أمْنَ الشُّعُوب واستِقرارَ الأوطان وَتُذْكي نيرانَ الفِتَن الطائفيّة والقوميّة والقِبليّة والجّهويّة وَغَيْرها .
وَإذا سوريّة هيَ مَطْمَع غُزاة العَوْلَمَةِ بَعْدَ أفغانستان والعِراق وتزامُناً مع ما يحدثُ اليوم لليمَن كي تَتَّسِعَ رقْعَةُ الخراب استثماراً بالحرب ل "إعادَةِ الإعمار" والذّهاب بعيداً في تفقيرِ الشُّعُوبِ حسّاً وَمَعْنى ، كالذي حَدَثَ للعمارةِ والبَشَر مِن تدمير وتهجير وتشريد ، وللأثارِ مِن خرابٍ هائل...
إيديولوجيا النّفْعِ العاجل وإيديولوجيا الدّين المُتَعَصِّب تَتَعالقانِ في أداءِ قَصْدٍ واحِد : تدمير آخر ما تَبَقّى للعَرَب مِن قِلاع والتّغطية على قضيّةِ فلسطين وتلهيَةِ الشُّعوبِ العربيّةِ بديموقراطيّةٍ مَغشُوشَةٍ انتِخابَوِيَّةٍ يُديرُ خُيُوطَ لُعْبَتِها أصحابُ الرَّساميل الكُبرى ، تُجّار السُّوق المُوازِيَة ، سماسِرَة الأوطان ، وُكَلاء سادَة العَوْلَمَةِ الكِبار...
"أمريكا" في "مِعراج إلى دِمَشْق" لهادي دانيال هي مُخْتَصَرُ ما يُخَطَّطُ لهُ مِن دَمارٍ يشمَلُ المنطقةَ العربيّةَ بأسْرِها ، وَسُوريَّةُ هي المُخْتَصَرُ الدّالُّ غلى المُقاوَمَة.
وَإذا الصِّراعُ على أشُدِّهِ برمزيّةِ الشِّعْرِ بينَ أمريكا وَحُلفائها وَبَيْنَ سوريّا وعاشِقيها يلهَجُ بهم وبذاتهِ هادي دانيال.
حالٌ مِنَ التَّوَتُّر الأقصى تَصِلُ إليها القصيدةُ في "معراج إلى دمشق" و" أكونُ بِها
وَلَها " (ديار للنشر والتوزيع 2017) ، كأنْ تَدَّاخَلُ الأزمِنَةُ بالماضي والحاضر ، بِمُخْتَلَفِ الذّكريات ، سالِفِها وَحادِثِها وَبِما هُوَ حِينِيّ.
وَبهذهِ الحالِ الاستثنائيّةِ تبدو الحياةُ رغْبَةً ، فائضَ عشْقٍ ، وألَماً بأقصى حالاتِ الانتِشاء، تَواجُداً كَتَواجُدِ المُتَصَوِّفِ ، تَمَرُّداً على كُلِّ المَعاني القديمةِ المُهترئة بما في ذلك البعض الكثير مِن الأفكار التي كانت شبْهَ ثابِتَة في تَمَثُّلِ هادي دانيال الأيديولوجي ، إذْ ما قيمة الإيديولوجيا ، أيّ أيديولوجيا بَعْدَ ضَياعِ الأمِّ – الرَّمْز، ضَياع سوريّةَ – الوَطَن؟.
5-الأمَل ، ثُمَّ الأمَل في انْتِصار سُوريّة القادِم:
كَذا التَّمَرُّدُ على أشَدُّه ، والرّفْضُ والارتيابُ نتيجةَ الخَوْفِ على سوريّةَ.
إلّا أنّ وُثُوقَاً ما قَضى أن يظلَّ الشاعِرُ مَدْفُوعاً إلى الحياةِ بالأمَل ، هُوَ نَصْرُ سُوريّةَ القادِم ، بل الوشيك :
" يا حبيبتي انْهَضِي وارْكُضي
وَجاوِزي الحَواجِزَ العشرَةَ
كَغَزالٍ مُطمئنٍّ إلى أنَّ الفِخاخَ التي نُصِبَتْ في النَّهاراتِ
خُرِّبَتْ في الليالي" (ص54).
وَمُحَفِّز الشّاعِر على هذا الأمَل هُوَ تاريخُ سُوريّةَ وَما حَدَثَ لها في مُخْتَلَفِ العُصُورِ مِن نكباتٍ لِتَظَلَّ هِيَ الأقوى والأبْقى مِنْ كُلِّ الغُزاةِ .
وَإذا الأسلُوب المُتَّبَعُ في قصائد "مِعراج إلى دمشق" هُوَ الإثباتُ ثُمَّ الإثبات تدليلاً على الوُثُوقِ بانتِصارِ سُوريّةَ القادِم ، بل سيكونُ لهذا الانتِصار الوشيك شأنٌ وأيُّ شأنٍ بَعْدَ أن خاضَتْ سُوريّةُ أعْتى الحُرُوبِ وَتكدَّسَ عليها الأعداءُ ، إذْ سَيَتَغَيَّرُ تاريخُها بانتِصارِ جَيْشِ "زنُّوبيا" ، وَ سَتُضيئُ أرواحُ الشُّهَداءِ طريقَ المُستقبل وسَتَغْتَسِلُ سوريّةُ بالدّم ، سَتَتَطَهَّرُ ، سَتُضْحِي رَمْزاً آخَر في مَجْمُوعِ رُمُوزِ الإنسانيّةِ الخالدةِ ، كَصَلْبِ المسيحِ وَمَقْتَلِ الحُسَيْنِ والحَلّاج ،وَسَتُلاحِقُ لَعْنَةُ سُوريّةَ ، كالوارِدِ على لسانِ الشاعِرِ، حُكّامَ العَرَبِ الخَوَنَةَ:
"ألْعَنُكُمْ
أمْسَخُكُمْ أُمَرَاءَ ، مُلُوكاً ، وَسَلاطِينَ
بِلا نَفْطٍ وَبِلا ذَهَبٍ وَبِلا حَجَرٍ أسْوَدَ
تَقْضُونَ العُمْرَ عُراةً وَحُفاةً
في الرّبْعِ الخالي
تَحْدُونَ نِياقاً جَرْباءَ
تَتُوهُ بِكُمْ خَلْفَ سَرَابِ الأمَلِ الضّائع" (ص75).
يَصْرُخُ الشاعِرُ ، يُرْعِدُ ، يُزْبِدُ في وُجُوهِ الخَوَنَةِ والقَتَلَةِ باسْمِ الدُّولار وَدُوغما الدِّين .يَتَمَثَّلُ صُوَرَ اليتامى والثّكالى والمُشَرَّدِينَ والشُّهَداء . يَتَمَثَّلُ تاريخَ "الحجّاجِ والحَلّاج " السّالِفَ والحادِثَ وَيَتألَّمُ مِن غَيْرِ أن يَيْأسَ ، وَيحلمُ ثُمَّ يَحْلمُ ثُمَّ يَحْلمُ بِغَدٍ مُشْرِقٍ قَريبٍ لِسُوريّةَ ، بِفائضِ الأمَلِ ، بِصَريحِ الّلفْظِ.
6-"أكُونُ بِها وَلَها":
قَصائدُ هذهِ المجموعةِ الشِّعريّةِ الجديدة هي استمرارٌ في نَهجِ " مِعراج إلى دمشق" بِعِشْقِ سوريّةَ وَمُحاكَمَةِ أعدائها بالشِّعْرِ الذي يَنْزَعُ إلى صَريحِ العِبارَةِ بِلا إضْمارٍ لِلمَعاني.
وإذا بَلاغَةُ الشِّعْرِ في هذا المقامِ النّضاليّ تَتَماهى وَبَلاغَة الخطابةِ لِحرْصِ الشاعِرِ على الإفصاحِ عَن غَضَبِهِ مُتَجاوِزاً الخَوْفَ والقَلَقَ صَارِخاً في وُجُوهِ أعداءِ سُوريّةَ ، فاضِحاً لِجَرائمِهِم ، مُسْتَعيناً بِحكمةِ التاريخِ على "أوباما" المُنْتَهِي ، فَرِحاً "بِزَبَدِ الفُولغا وَخَريرِ بَرَدى" ("أكونُ بِها وَلَها" ، ص 19).
وَتعْرضُ صُوَر مِن "حَلَبَ" الغارقةِ في دَمِ جِراحِها لِيَنْشَأَ في الأثناءِ الحُلمُ بِ "حَلَبَ" جديدةٍ في قادِمِ الأيّام...
يُعاتِبُ هادي دانيال وَجَعَهُ ، يستَعينُ رَمْزاً بِلوركا، يَتَماهى عشْقاً وَسُوريّةَ ، يَتَماهى رَمْزاً بُطُولِيّاً مَع "ناهض حتّر" :
"أنْتَ تَنْهَضُ مِن دَمِكَ الآنَ
تُودِعُهُ قَطْرَةً قَطْرَةً
أرْضَ سُوريّةَ كًلَّها
وَمِنْهُ سَتَنْهَضُ نَجْمَتُكَ الآنَ خَضْراءَ خَضْراءَ
تُومِضُ فَوْقَ الذُّرى
وَتَجُوبُ الأقاصِي !" (ص51).
وَيَفْضَحُ مُثَقَّفِين تَدَافَعُوا وَتَنافَسُوا في غَدْرِ سُوريّةَ ، كالوارِدِ بأسلُوبٍ ساخِرٍ فاضِحٍ في قصيدةِ "سلّة الأوباش"...
كذا الشاعِر في زحمةِ الجرائمِ والخيانات مُكْتَفٍ بِحُبِّ سوريّةَ ، ولِهاً بِها ، غَيْرَ عابِئٍ بِكُلِّ الدَّسائسِ ، لأنَّ سُوريّةَ هِيَ الأبْقى ، وَهِيَ الأجْمَل، وَهِيَ الأقوى: حالٌ عشْقيَّةٌ لا يُدْرِكُها إلّا المُتَصَوِّفَة ، وَإذِ المَوْجُود والوُجُود والمُوجد هُنا مُتَعَالِقة في اسمٍ واحِدٍ هُوَ سُوريّة :
"كُنْتُ وَحْدي
وَحبيبتي
-أعْني دِمَشْقَ-
دِمَشق في قلبي..."(ص94).
هذا الرَّقص بالكلمات في حضرةِ سوريّة ، هذا الترجيع في معزوفةٍ لا تُفارِقُ بينَ الفرَحِ والتَّرَح ، بين الغبطةِ والألم ، هذا الحنين المُتَدَفِّق إلى كُلِّ الأزمِنة السّالِفة والحادِثة تَخْتَصِرُها بَلاغَةُ القَوْلِ الشِّعريّ ، بَلاغة الشِّعْر والخطابةِ مَعاً ، بِحرْصِ
الشّاعِر ، هادي دانيال، على إسماعِ صَوْتِهِ ، إعلانِ شهادتِهِ على ما حَدَثَ ويحدثُ لسُوريّة ، إعْلاءِ صَوْت سوريّةَ للجميع أوْفِياءَ خُلَّصاً وأعْداءَ أَلِدّاءَ.
مُخْتَصَرُ القَوْلِ، مُخْتَصَرُ المَعْنى في هذا السِّياقِ المُعْتَم ، هُوَ سُوريّة ، وَلا شَيءَ عَدَا سُوريّةَ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.