نواب ينتقدون مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026: "استنساخ للسابقة واعتماد مفرط على الجباية"    استعمال'' الدرون'' في تونس : وزارة الدفاع تكشف مستجدات المشروع الجديد    مدنين: قريبا تركيز وحدة الاساليب الحسية لتذوق حليب الابل بمعهد المناطق القاحلة    الهند: ارتفاع حصيلة انفجار السيارة إلى 12 قتيلا    أطباء بلا حدود تكشف: الأوضاع الإنسانية بغزة ما تزال مروعة..    الترجي الرياضي: توغاي يعود إلى تونس.. ورحة بأيام ل"بن سعيد"    لا تفوتوا مباراة تونس وموريتانيا اليوم..تفاصيل البث التلفزي..#خبر_عاجل    محاولة سطو ثانية على لاعب تشلسي... واللاعب وأطفاله ينجون بأعجوبة    عاجل : مداخيل'' البروموسبور'' تحقق قفزة وقانون جديد على قريب    انطلاق معرض الموبيليا بمركز المعارض بالشرقية الجمعة 14 نوفمبر 2025    عاجل: هزة أرضية بقوة 5.36 ريختر تُحسّ بها عاصمة بلد عربي    ائتلاف السوداني يحقق "فوزاً كبيراً" في الانتخابات التشريعية العراقية    فنزويلا: مادورو يوقّع قانون الدفاع الشامل عن الوطن    يوم مفتوح لتقصي مرض الانسداد الرئوي المزمن يوم الجمعة 14 نوفمبر بمركز الوسيط المطار بصفاقس    تحطم طائرة شحن تركية يودي بحياة 20 جندياً...شنيا الحكاية؟    وزارة المالية: أكثر من 1770 انتدابا جديدا ضمن ميزانية 2026    النجم الساحلي: زبير بية يكشف عن أسباب الإستقالة.. ويتوجه برسالة إلى الأحباء    تونس تشارك في بطولة العالم للكاراتي بمصر من 27 الى 30 نوفمبر بخمسة عناصر    الرابطة الأولى: الأولمبي الباجي يلتحق بركب المحتجين على التحكيم    تعاون ثقافي جديد بين المملكة المتحدة وتونس في شنني    أحمد بن ركاض العامري : برنامج العامين المقبلين جاهز ومعرض الشارقة للكتاب أثر في مسيرة بعض صناع المحتوى    "ضعي روحك على يدك وامشي" فيلم وثائقي للمخرجة زبيدة فارسي يفتتح الدورة العاشرة للمهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان بتونس    ليوما الفجر.. قمر التربيع الأخير ضوي السما!...شوفوا حكايتوا    قفصة: وفاة مساعد سائق في حادث جنوح قطار لنقل الفسفاط بالمتلوي    معهد باستور بتونس العاصمة ينظم يوما علميا تحسيسيا حول مرض السكري يوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    تحب تسهّل معاملاتك مع الديوانة؟ شوف الحل    سباق التسّلح يعود مجددًا: العالم على أعتاب حرب عالمية اقتصادية نووية..    عاجل/ هذه حقيقة الأرقام المتداولة حول نسبة الزيادة في الأجور…    اسباب ''الشرقة'' المتكررة..حاجات ماكش باش تتوقعها    خطير: تقارير تكشف عن آثار جانبية لهذا العصير..يضر النساء    الجبل الأحمر: 8 سنوات سجن وغرامة ب10 آلاف دينار لفتاة روّجت المخدرات بالوسط المدرسي    حادث مؤلم أمام مدرسة.. تلميذ يفارق الحياة في لحظة    عاجل/ بعد وفاة مساعد السائق: فتح تحقيق في حادث انقلاب قطار تابع لفسفاط قفصة..    أحكام بالسجن والإعدام في قضية الهجوم الإرهابي بأكودة استشهد خلالها عون حرس    بش تغيّر العمليات الديوانية: شنوّا هي منظومة ''سندة2''    تحذير عاجل: الولايات المتحدة تسحب حليب أطفال بعد رصد بكتيريا خطيرة في المنتج    عاجل: امكانية وقوع أزمة في القهوة في تونس..هذه الأسباب    فريق تونسي آخر يحتج رسميًا على التحكيم ويطالب بفتح تحقيق عاجل    طقس الاربعاء كيفاش باش يكون؟    تقديرا لإسهاماته في تطوير البحث العلمي العربي : تكريم المؤرخ التونسي عبد الجليل التميمي في الإمارات بحضور كوكبة من أهل الفكر والثقافة    محمد علي النفطي يوضّح التوجهات الكبرى لسياسة تونس الخارجية: دبلوماسية اقتصادية وانفتاح متعدد المحاور    الديوانة تُحبط محاولتين لتهريب العملة بأكثر من 5 ملايين دينار    عاجل/ الرصد الجوي يصدر نشرة استثنائية..    الكتاب تحت وطأة العشوائية والإقصاء    الحمامات وجهة السياحة البديلة ... موسم استثنائي ونموّ في المؤشرات ب5 %    3 آلاف قضية    وزارة الثقافة تنعى الأديب والمفكر الشاذلي الساكر    عاجل/ غلق هذه الطريق بالعاصمة لمدّة 6 أشهر    عاجل/ تونس تُبرم إتفاقا جديدا مع البنك الدولي (تفاصيل)    فريق من المعهد الوطني للتراث يستكشف مسار "الكابل البحري للاتصالات ميدوزا"    تصريحات صادمة لمؤثرة عربية حول زواجها بداعية مصري    عاجل/ وزارة الصناعة والمناجم والطاقة تنتدب..    مؤلم: وفاة توأم يبلغان 34 سنة في حادث مرور    عاجل/ وزير الداخلية يفجرها ويكشف عن عملية أمنية هامة..    الدكتور صالح باجية (نفطة) .. باحث ومفكر حمل مشعل الفكر والمعرفة    صدور العدد الجديد لنشرية "فتاوي تونسية" عن ديوان الإفتاء    شنيا الحاجات الي لازمك تعملهم بعد ال 40    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإعلامُ الغرْبيُّ لم يَعُدْ بُوصَلةَ الضَّميرِ المِهَني
نشر في حقائق أون لاين يوم 15 - 00 - 2017

في الشَّهْر الأخيرِ مِن سنة 2010 أي قَبْلَ خمسة أشهُر مِنْ تنفيذِ المُؤامَرة المُدَبَّرَة لِتدمير الدّولة السّوريّةِ وبمُشارَكةٍ مَسْعُورة مِن الدّولة الفرنسيّةِ برئاسة "نيقولاي ساركوزي" إلى جانبِ حكّام واشنطن ولندن وتل أبيب والكيانات الخليجيّة وتركيا وتونس والأردن وغيرها ، كان الرئيس السّوريّ بشّار الأسد ضَيفاً مُبَجّلاً على الرئيس الفرنسيّ نيقولاي ساركوزي عيْنه إيّاه وكانَ الإعلامُ الفرنسيّ لا يقلّ حَفاوَةً بالضّيف السوريّ الكبير عن الدبلوماسيّة الفرنسيّة ، بَل إنَّ هذه الحَفاوَة شَمَلَتْني وأنا السوريّ المُقيم في تونس . فَقَدْ اتَّصَلَ بي إعلاميٌّ عَرَبيٌّ مِن إذاعةِ "مونتي كارلو" التي تبثّ مِن فرنسا ، وَطَلَبَ مِنّي أن أتَحَدَّثَ إلى الإذاعةِ المَذكُورة (على الهاتف ) عن كتابٍ نقديٍّ لي كانَ قد صَدَرَ في تونس بعنوان " أسئلة الأدب التونسي " .
في البدايةِ سَرَّتْني اللفتة ، ولكن ما أن أنْهَيْتُ الحديثَ عن كتابيَ ذاكَ ، حتى كانت المُفاجأة ، فقدْ طَلَبَ مِنّي مُحاوِري أنْ أختُمَ "بكلماتٍ طيّبة عن فرنس والإذاعة " ، قُلْتُ لهُ : أنتمُ سَعَيْتُم إلى هذا الحديث ...ثُمَّ أردَفْتُ ضاحِكاً : أَيُعْقَل أن تطلبَ مِنّي ذلكَ غير آبِهٍ بصداه وتداعياته عندَ مُستمعيكم؟ . فأجابني بنبرةِ الظَّفَر: هذا حديث مُسَجَّل . وَنَحْنُ يا أستاذ سعينا إليهِ في سياقِ تقديم السوريين مِن ذويّ الإشعاعِ خارِجَ بلادِهِم ، فاخترناكَ أنت والكاتبة " السوريّة سلوى النعيمي " المقيمة في باريس والتي صدرَ لها مؤخّراً رواية في القاهرة لتكونا ضَيفيّ الفقرة الثقافيّة في بثّنا الاحتفائي بسوريّة لمُناسبة قُدُوم الرئيس بشار الأسد إلى باريسفي زيارةٍ رسميّة. فقلتُ له : حسناً ، ولكن نحنُ نتحدَّث في الشأن الثقافيّ لا السياسي. قالَ لي : ولكن مِن اللياقةِ الدبلوماسيّة أن تختمَ الحديثَ بتحيّةٍ إلى فرنسا ، فقلتُ له : أنا لستُ دبلوماسيّاً , فقال : على الأقلّ وجِّهْ تَحيَّةَ شُكْرٍ إلى إذاعة مونتي كارلو. فكتَمْتُ غَيْظِي وسألتُهُ : لماذا هذا الإلحاح ، ما علاقة توجيه التحايا إلى فرنسا أو إلى إذاعتكم في سياقِ حديث قصير عن كتاب في النقد الأدبي أنجَزَهُ سوري عن الأدب التونسي ؟. فأدهَشَني جوابُه بنبرةٍ هادئة وبجملٍ يُرددها عن ظَهْر قلب : نَحنُ إذاعة تُشْرِفُ عليها وزارة الخارجيّة الفرنسيّة وما أطلبُه مِن ضمْن توجيهات الوزارة والإدارة التقليديّة . فختمتُ الحديثَة مُعْتَذِراً عن تلبيةِ طلبه .
ولا أدري إنْ كانَ قد بثَّ الحديثَ عن الكتاب أم لا. ولكن ليس هذا هُوَ بيت القصيد" مِن سَرْدِ هذه الحادثة ، إنّما المُناسَبَةُ هِيَ هذا الحديثُ الغربيّ الكاذب عن مُطالبةِ بلداننا بحريّةِ التّعبير والارتقاء إلى مِهنيّة نزيهة في إعلامِنا . وَأنا َطبْعاً لَسْتُ بِصَدَدِ الدّفاعِ عَن الإعلامِ "المُوَجَّه" في بلداننا وغيرها مِن بلدانِ العالم فأنا أُعارِضُ هذا النّمَط الأحْمَق وَأمْقُتُهُ في حالات السّلْم، لكنَّ المُفارَقَة هِيَ أنَّ الإعلامَ الغَرْبيّ في مُعْظَمهِ ليسَ فقط مُوَجَّهاً مِن حُكُوماتِهِ "الوطنيّة" ، بل وأيْضاً مِن مُمَوِّليهِ ليس الغربيينَ فقط بل و حتى مِن الحكومات الأوليغارشيّة في الكيانات النفطيّة الغازيّة في الجزْءِ الجنوبي مِن هذا الكوكبِ الحزين.
وإذا كانت إذاعة مونتي كارلو شَفَّتْ في تَعامُلِها مَعي عن جانبها البروباغندي "البَنّاء" بمعنى الاسهام في تمتين الجسور والعلاقات بينَ فرنسا والدُّوَل العربيّة فإنَّ هذه الإذاعة ذاتها وأكثر منها قناة فرانس24 التي تُشْرِفُ عليها وزارةُ الخارجيّة الفرنسيّة أيضاً كانتا في السّنواتِ السَّبْعِ الأخيرة مِن أبواقِ التحريض وإثارة الفِتَن والنّعرات والتسويق للجماعاتِ التكفيريّة الإرهابيّة والإيحاء بأنّهم "ثوّار مُعتدلون حملوا السلاح لحماية الشعب السوري الأعزَل مِن بَطْشِ النظام الدكتاتوري " وَوسيلتا الإعلام الفرنسيّتان وسواهما مِن وسائل الإعلام الغربيّة والإعرابيّة والتركيّة كانوا يَرُومونَ وَ يَرْمونَ مِن وراء ذلكَ إلى تمزيق المجتمع السوري وتدمير الدولة السوريّة وإزالتها عن الخارطة الجغراسياسيّة خدمةً لأهدافٍ صهيو – غربيّة اقتصاديّة وسياسيّة وَ"حَضاريّة" أخطَرَها على المَدى القريب والأبعَد تصفية القضيّة الفلسطينيّة وحماية أمْن "إسرائيل" الاستراتيجيّ وَفتْح الآفاق أوسع أمام المشروع الصهيوني الذي يبثّ سُمُومَه في البشريّةِ منذ قرنٍ، لينجِزَ أقْصى أهدافه .
وكما تَزْعَمُ الكيانات الخليجيّة مَثلاً (قَطَر ، السعوديّة، الإمارات ، البحرين ) أنّها تدعم في سوريا الجماعات الإرهابيّة التكفيريّة بالمال والسلاح وكذلكَ سياسيّاً وإعلاميّاً لإنقاذِ الشعب السوري مِن "قبضةِ الدكتور الدكتاتور؟" وَتمتيعِ الشعب السوري بالديمقراطيّة والعلمانيّة وحريّة التعبير واحترام حقوق الإنسان التي تفيض عن عروش آل سعود وآل ثاني وآل نهيان وآل خليفة و يَتَزَحْلَق التَّمَدُّنُ على قَشْر مَوزِها وَبَوْلِ بَعيرِها ، ويكتوي الجّارُ اليَمَنيّ بنيرانِ أحقادِها البَدَويّة ويسيلُ دَمُهُ على نُيُوبِ وُحُوشِها وفي جُيُوبِ سماسرتِها و ذات المصير يَلقاهُ رعايا آل خليفة في البحرين ورعايا آل سعود في "المنطقة الشرقيّة" خاصّةً .
وكما تَتَبَجَّحُ الكياناتُ الأوليغارشيّة القروسطيّة حاضنة الإرهاب التكفيريّ وراعيته عبْرَ العالم بأنّها تُسيلُ الدّمَ السوريّ كي يستنير بأبجديّةِ الدّم "الحضاريّ" ويلحقَ بركبِ "الحضيرة الوهابيّة" ، فإنّ الغَرْبَ الذي لا يقلّ فُجُوراُ وإجراماً عن أتباعِهِ الأدوات في الشرق ، لا يجد حَرَجاً – بِدَوْرِهِ - في رَفْعِ شَمّاعَة "حريّة التّعبير" والإعلام المُوَجَّه" ومُحاوَلَة استِخدامها للتدَخُّلِ في الشؤونِ الدّاخليّةِ للبلدانِ التي يستهدفُها . وَواقِعُ الحالّ أنّ بلداناً في حالةِ حَرْبٍ وجُوديّة مَفروضَةٍ عليها يجبُ أن يكونَ إعلامُها مُوَجَّها لِمُقاوَمَةِ وَفَضْحِ أعداء الخارج والدّاخل وتفكيكِ مكائدِهِم وتفنيد أكاذيبِهِم والحُؤول دُون تحقيق أهدافهم التضليليّة التخريبيّة وَمُحاصَرَة "الطابور الخامس" و"حصان طروادة" .
وَأنا مِن الذين يَتأفَّفُونَ في صَمْتٍ ما أمْكَن ، مِن تقصيرنا نحن وبَعْض حلفاء دولتِنا وَشَعْبِنا على هذا الصعيد وكأنّ بعضنا على الرّغْمِ مِن كُلِّ هذا الكيّ لم يَشْفَ بَعْدُ مِن عقَد النَّقص المُرَكَّبة و"المُزْمِنَة" إزاء الغَرْب فيبحث عن شهادةِ حسْنِ سلوكٍ مِن أعدائنا في جَعْلِ إعلامنا مُخْتَرَقاً بذريعةِ عرْضِ الرأي والرأي الآخَر لأنَّ بَعْض إعلامنا يَضَعُ الآخَرينَ جميعاً في سلّةٍ واحدة طالما اختلفوا معه فلا يُفَرِّقُ بين الآخَر الوَطنيّ والآخَر العدوّ أو الآخَر الخائن العميل للعدوّ، فإمّا أنْ يُقصيهم مَعاً وإمّا أنْ يحتفي بِهِم مَعاً ، في حين بات الإعلامُ الغربيّ ذاته غير عابئ بتطبيقِ هذا الشِّعار(حريّة التّعبير) الذي جَعَلَتْهُ المُمارساتُ اليوميّة كاذبا فارغاً مِن المَضمون الذي يَدّعيه ، ليسَ الآنَ فقط ، بل منذ الحربَ الكونيّة على العراق في تسعينات القرن الماضي عندما عبّأَ الرأيَ العام بتقارير كاذبة عن أسلحة دمار شامل مزعومة مُدَشِّناً فضائحه المهنيّة آنذاكَ بترويج شهادة الفتاة الكويتيّة "نيرة" الكاذبة عن إقدام الجيش العراقي على قتل الأطفال الخُدَّج في حاضناتهم الزجاجيّة ، ليتبيّن لاحِقا أنّ نيرة" هذه ليست إلاّ ابنة سعود الناصر الصباح سفير الكويت لدى واشنطن عندما قدّمت هذه "النيرة" شهادتها المُفْتَرية في 10اكتوبر1990 في حملة الحكومة الكويتيّة ضدّ العراق التي كانت تديرُها شركةُ العلاقاتِ العامّة الأمريكيّة "هيل ونولتون" .
وَقَد نُشِرَتْ شهادةُ نيرة على نطاقٍ واسع، حيثُ قامتْ "هيل ونولتون" بتصويرِ جلسةِ الاستماعِ وإرْسَالِ بَيانٍ صحفيٍّ بالفيديو إلى مديالينك وهي شركة تخدم حوالي 700 محطة تلفزيونية في الولايات المتحدة.
و"في تلك الليلة تمَّ بثُّ أجزاءٍ من الشهادة في برنامج نايت لاين على قناة هيئة الإذاعة الأمريكية وفي الأخبارِ المسائيّة على قناة هيئة الإذاعة الوطنية وتمَّ تقديرُ عَدَد المُشاهدين للشهادة ما بين 35 و 53 مليون أمريكي. وَأشارَ سبعةٌ من أعضاءِ مجلس الشيوخ إلى شهادة نيّرة في خطاباتهم التي دَعَمتْ استخدامَ القوّة ضدَّ العراق وكرّر الرئيسُ جورج بوش الأب القِصَّةَ عشرَ مرات على الأقل في الأسابيع التالية. وهكذا ساعدتْ روايتُها للفظائع المَزعومَةِ في إثارة الرأي الأمريكي لصالح المُشاركة في حرْب الخليج الثانية."
وكما بَدَأَ الغَرْبُ يَتَذوق من صُحون الإرهاب الطافِحَة بالدّمِ واللحمِ البَشَريَّيْن بَعْدَ أنْ خرجتْ تنظيماتُ كالقاعدة وداعش من مُختبرات أجهزةِ هذا الغَرْب الاستخباراتية كالسي آي إي ، التي بدَورها تُوَجِّهُ الإعلامَ الأمريكي ، فقد َطَفَحَ كيلُ نشْر الأخبار الكاذبة أو التحدث باسْم جماعة إرهابية كتنظيم القاعدة مثلا، عبر وسائل الإعلام الأمريكية ، لدرجة أثارتْ حفيظةَ وزير العدل الأمريكي "جيف سيشنز" الذي اتهم الاعلامَ الأمريكي بنشْر تسريبات المخابرات الأمريكية فيعرِّضُ الإعلامُ الأمريكي "حياةَ الآخرين للخَطَر بدون عقاب"، وهدَّدَ يومَ 04/08/2017بأنَّ " أحدَ الأمور التي نقومُ بها هو مُراجعة السياسات الخاصة بمذكرات استدعاء وسائل الإعلام بشأن تسريبات المخابرات".
بَلْ وَصَلَتْ "مِهنيّةُ " وَ "نَزَاهةُ" الإعلام الغربي والأمريكي خاصّةً إلى أنْ تدْفَعَ مَشْيَخَةُ قَطَر 15مليون دولار أمريكي كمنحة لمركز بروكنجزعلى أربع سنوات تحتَ غطاء إنشاء "مركز بروكنجز الدّوحة" مُقابل إبرام اتّفاقيّة ضمنيّة تقضي بأنْ لا تتضمَّن التقارير التي تصدر عن المركز المَذكور أيّ انتقادات للحكومة القطريّة المانحة .
كما لم يَعُدْ خافياً شراء الدّوحة صحيفة "الغارديان" بما في ذلك "نزاهَتَها " و "ضميرها المهني" البريطاني الذي أفرزَ للإعلام العربي تَقَيُّحاتهِ مِن أمثال "فيصل القاسم" وَزُمَلائه مُرتَزَقةِ قناة "الجزيرة" الحاليين و السابقين والمُحالين على غيرها مِنَ القنوات.
ومصداقيّةُ الإعلامِ الغربيّ لم تسقطْ في وَحْلِ الارتزاق والمال السياسيّ فقط ، بل انهارتْ أيضاً أمامَ تحوّله إلى منصّات للفبركات والأكاذيب والحملات الإعلاميّة التي تخوضُها الأجهزةُ الاستخباريّة الأمريكيّة في سِياق حُروبِ الهيمنة التي تشنّها واشنطن عبْر العالم وخاصّةً ضدّ الدوَل التي قررتْ تدميرَها وإذلال شُعوبها ونهْب ثرواتها كالعراق وليبيا واليمن وسوريا وفنزويلا وإيران وغيرها إضافةً إلى الدُّوَل التي تسعى إلى حمايةِ الشرعيّة والقانون الدوليين والسّعي الناجح والمحمود إلى فرض تعدّديّة قطبيّة على المَشْهَدِ السياسيّ الدولي، كروسيا والصين وجنوب أفريقيا والهند وغيرها.
وباتَ مَلموساً لأيّ مُتابع أنّ الإعلام الغربي والأمريكي خاصّة ينقل وجهة نظر السياسة الخارجيّة حتى ازاء المناطق التي تُبادُ شعوبُها بالقتل والتجويع يوميّاً كفلسطين واليمن وليبيا وسوريا والعراق ، كما أنّه لم يَعُدْ ثمّة مكان في وسائل الإعلام الغربيّة للخبر الدقيق الصحيح ولا للتحليل الموضوعي ناهيكَ عن الرّأي الآخَر ، وبالتالي فإنّ حيّز "حريّة التعبير" أخذَ يضيق تدريجيّاً إلى أن باتَ الجمهورُ يدير ظهره تدريجيّاً عن وسائل الإعلام "التقليديّة" كالصحافة الورقيّة والإذاعة والتلفزيون ، التي باتتْ تُقدِّمُ أخباراً بائتة قياساً إلى الأخبار التي تقدّمُها وسائل الاتصال الاجتماعي كالفيسبوك وتويتر ذات الجمهور الواسع جداً ، الأمر الذي يجعل صفحةَ "تويتر" مثلاً هي المنبر الذي يتوجّه منه الرئيس ترامب والرئيس ماكرون بمواقفهما الرسميّة المتعلقة بقضايا داخليّة وخارجيّة وليس من خلال السي إن إن أو القنوات الفرنسيّة العديدة. بل إنّ وسائل الاتّصال الاجتماعيّة باتت مصدرا لا يُسْتَغْنى عنه مِن قِبَلِ "وسائل إعلام الإمبراطوريّات الإعلاميّة الغربيّة" التي تتفسّخ وتفوحُ منها روائحُ الفَساد المِهَني مِمّا أوْدى بِها إلى حالةٍ مِنَ الوَهن جَعَلَها عاجِزَة عن مُنافَسَة وسائل الإعلام الرّوسيّة مَثَلاً التي غَدَتْ تستقطبُ الجماهيرَ عبْرَ العالم بمهنيّة عالية وبمصداقيّة تستمدّها مِن النزاهة والضمير المِهنيّ الحيّ ، الأمر الذي جَعَلَها مَحلّ انزعاج وشكوى الأوساط السياسيّة والاستخباراتيّة الأمريكيّة والغربيّة التي وَصَلَ بها الارتِباكُ إلى حَدّ اتّهام وسائل الإعلام الرّوسيّة بالتأثير على مَصائر السياسات الداخليّة والخارجيّة الغربيّة والأمريكيّة خاصّة مُحاوِلينَ مُواجَهَتها ليس بإصلاح الإعلام الغربي عساه يستعيد مصداقيّته بل بمحاولة حَجْب الإعلام المُناهض للتضليل الغربي وللسياسةِ الإعلاميّةِ الغربيّة التي تستعيد "أمجاد" وزير الدعاية النازيّة "غوبلز" وشعاراته مِن طراز :"العَبْ على جَهْلِهِم" و"كُلّما كبُرَتْ الكذبة كُلّما سَهُلَ تَصديقُها" ، فإذا كانَ هذا الغرْب يَخشى قناةَ فصيل مُقاوَمَة كقناة "المنار اللبنانيّة فيلجأَ إلى حَجْبِها ، في عاصمةِ النُّور أوّلاً ، فَما الذي يُمْكِنُ أنْ يلجأ إليهِ بَعْدَ ممارسةِ هذا التّوجيه الأخْرَق لإعلامه؟ مَنْع القنوات الفضائيّة وإغلاق فضاء الأنترنت مثلاً؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.