رغم مرور 55 سنة على اعدامه، مازالت عائلة المقاوم وأحد أبرز القيادات الوطنية ضد المستعمر الفرنسي لزهر الشرايطي، تناشد السلطات التونسية وعلى رأسها وزارة الدفاع الوطني، للكشف عن رفاته الذي بقي لغزا حبيس أرشيف الدولة منذ أن تم اعدامه في 24 جانفي 1963. الأزهر الشرايطي الذي كان يكنى ب"أسد جبل عرباطة"، ولد سنة 1920 وأعدم في 24 جانفي 1963 وهو ينحدر من أولاد شريّط أحد عروش قبيلة الهمامة ،امتهن الفلاحة ثم الرعي ثم التحق كعامل بمنجم المظيلة. اللقاء الأول مع بورقيبة.. تقول ابنة لزهر الشراطي ربح الشرايطي، إن والدها وعلى غرار مشاركته في تحرير تونس من ربقة الاستعمار، انتقل مشيا الى فلسطين للجهاد كمتطوع لمقاومة الاحتلال الصهيوني خلال حرب سنة 1948، ليلتقي خلال نفس السنة بالرئيس الحبيب بورقيبة في مصر، حيث دعاه للعودة الى تونس من أجل "الجهاد لتحرير تونس" من الاستعمار الفرنسي. تؤكد ربح الشرايطي في تصريح لحقائق اون لاين، ان والدها كان محل تتبع من المخابرات الصهيونية وذلك منذ عودته الى تونس، بسبب تنفيذه لعملية فدائية ناجحة استهدف خلالها الجيش الصهيوني، مرجحة أن جهاز "الموساد كان يخطط لتصفيته". بداية الخلاف مع بورقيبة والتفكير في الانقلاب.. عن بدايات وتراكم الخلاف بين الشرايطي والرئيس السابق الحبيب بورقيبة، أوضحت ربح الشرايطي، أنها أنطلقت منذ سنة 1959، حينما ذهب للقاء بورقيبة لطلب تخصيص منحة للمجاهدين بصفته مسؤولا عن "جيش التحرير الذي ضم حوالي 3000 مقاوم". وأكدت أن بورقيبة لم يرفض طلب الشرايطي، إلا أن الوزير الأول آنذاك الباهي الأدغم قال للشرايطي حرفيا "اسمع يا سي الأزهر تحب تونس تملك نصفها لا حرج اما الكمشة متاع سراح المعيز (المقاومين)، تحب تعمللهم منصب فهذا مرفوض"، مشددة على ان تفاعل الباهي الأدغم كان من بين الأسباب الأولى للتفكير في الانقلاب وعدم العودة الى قصر قرطاج. وذكرت في سياق متصل أن والدها كان يُكن حبا شديدا للرئيس بورقيبة، وهو الذي كان متوجسا من إمكانية اغتياله من طرف "اليد الحمراء" بعد اغتيال الزعيم النقابي فرحات حشاد سنة 1952. عن الأسباب الأخرى للتفكير في الانقلاب تفيد ربح الشرايطي، بأن حرب بنزرت كانت من بين بوادر الأزمة بين الطرفين، قائلة" إن والدها نبه بورقيبة من محرقة لاختلال موازين القوى بين الجيش الفرنسي المهيكل والمدرب وشباب تونسي متطوع"، لافتة إلى أن لزهر الشرايطي أراد المشاركة في المعركة إلا ان بورقيبة رفض ذلك. وتابعت أن من بين الأسباب الأخرى، تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد في ذلك الوقت بينما سعى العديد من الشخصيات البارزة الى تشييد القصور بدل الاهتمام بأحوال الشعب والمقاومين. وكشفت في السياق ذاته أن والدها طلب تخصيص مكتب بوزارة الدفاع للاستماع لمشاغل المقاومين وشكواهم، إلا أنه تلقى ردا غير مقبول من السلطات التي ادعت ان "الوضع الاقتصادي والمالي للبلاد لا يتحمل هذا المقترح". بزوغ فكرة إزاحة وعزل بورقيبة... تقول ربح: "أحس والدي في ذلك الوقت بأن البلاد تتجه نحو الهاوية خاصة بعد زواج بورقيبة فقرر وضع حد لحكمه واقترح عزله في قصر بضاحية المرسى، ثم اعداد قائمة انتخابية تضم عددا من الشخصيات الوطنية على غرار المنجي سليم". وتشدد ابنة لزهر الشرايطي على أن والدها فكر في ازاحته وليس تصفيته. حقيقة التوجه نحو تصفية بورقيبة... عما راج حول دعم الشرايطي فكرة قتل الحبيب بورقيبة، بينت أن عسكريا يدعى "البنبلي" الذي كان قد التقاه في سوريا خلال تحوله الى فلسطين، طرح فكرة تصفية بورقيبة بدعم من مجموعة من العسكريين، إلا ان الشرايطي رفض ذلك بشدة، قائلا "لا سبيل لقتل بورقيبة". في سياق متصل تحدثت ربح الشرايطي عن احدى خصال والدها موضحة أنه كان يوزع مناشير على المقاومين "لعدم قتل الأطفال والنساء الفرنسيات، مذكرا "المجاهدين" بأن المعركة كانت موجهة أساسا ضد عناصر الجيش الفرنسي. الاعدام وضياع الأثر.. لم تتوصل ربح الشرايطي الى تفاصيل مستفيضة بخصوص الايام الأخيرة التي عاشها والدها وخاصة يوم اعدامه إلا أنها ذكرت أن المؤرخ خالد عبيد أعلمها أنه كان يردد "سلمولي على السيد الرئيس" قبيل تنفيذ حكم الإعدام. مازال رفات لزهر الشرايطي الى حد الساعة لغزا يحير عائلته، وذكرت ابنته أن عائلتها اتصلت بوزير الدفاع الوطني عبد الكريم الزبيدي سنة 2012، لمدها بمعلومات حول الرفات ومكان الاعدام، واستجاب لذلك عبر تعيين فريق من الضباط للبحث. وتابعت أن المحكمة العسكرية، أعلمتهم سنة 2014 عن طريق فريق من الضباط، أنه تم العثور على رفات 5 جثث فقط من أصل عشرة، دفنوا في نفس احدى الثكنات في منطقة بئر بورقبة التابعة لولاية نابل. وأشارت الى أن المحكمة العسكرية أعلمتهم كذلك بأنه من المرجح أن تكون رفات الشرايطي قد جرفتها مياه الأمطار مع رفات بقية الجثث.