بقلم عادل السمعلي سيتم صبيحة اليوم الخميس 24 يناير 2013 دفن الجثامين الطاهرة لثلة من رجال تونس الأبرار الذين حكم عليهم النظام البورقيبي بالأعدام في محاكمة عسكرية جائرة منذ نصف قرن بتهمة التخطيط لإنقلاب على النظام ورمى بجثثهم في أماكن مجهولة ولم يسلمها لعائلاتهم نكالة بهم وبأهلهم وبكل من يفكر في معارضته سرا أو جهرا فقد تمكنت اللجنة العسكرية المكلفة بالبحث عن رفات عشرة أشخاص أعدموا يوم 24 يناير 1963، بعد محاولة انقلابية في ديسمبر 1962 بزعامة المجاهد الأزهر الشرايطي، من العثور والتعرف على بقايا خمس رفات تعود إلى كل من صالح الحشان وكبير المحرزي والهادي القفصي وأحمد الرحموني وعبد العزيز العكرمي، فيما تعذر العثور على بقية الرفات الخمسة إذ لم يتم العثور بعد على مكان دفن الشهداء الخمسة المتبقين رغم المجهودات الحثيثة لمعرفة أمكنة دفنهم وهم إلى جانب قائد المجموعة الأزهر الشرايطي، الحبيب الحنيني والصادق بن سعيد وعمر البنبلي والحبيب بركية وسيتم دفن الشهداء صبيحة اليوم الخميس 24 يناير بمقبرة الشهداء بالسيجومي ( أحواز تونس العاصمة ) في جنازة رسمية خاشعة يحضرها الرئيس الدكتور المنصف المرزوقي وشخصيات وطنية وحقوقية وأهالي الشهداء وفي ذلك رد إعتبار لحقبة زمنية من تاريخ تونس الحديث طواها النسيان وإعادة للبوصلة التاريخية لمكانها الطبيعي وفتح للباب من جديد لإعادة كتابة تاريخنا الونسي الذي زيفه المزيفون لقد طوى النسيان تاريخ هؤولاء المجاهدين الذين عرفوا تاريخيا بمسمى مجموعة (لزهر الشرايطي الإنقلابية ) إلى أن من الله على الشعب التونسي بهبة شعبية و ثورة تاريخية زحزحت عروش الطغاة وبلغ صيتها الآفاق وليفتح هذا الملف من جديد وينبري المؤرخون لإعادة كتابة التاريخ الذي مسخه الحبيب بورقيبة وكتبه على هواه وعين نفسه زعيما تاريخيا للإستقلال تكتسي الجنازة الرسمية لأول شهداء الثورة التونسية ( هكذا يحلو لي تسميتها ) صبيحة اليوم نكهة خاصة وذلك رغم عدم التوصل لمكان دفن قائد المجموعة الأزهر الشرايطي الذي يبدو أن بورقيبة أولى لرفاته تعاملا خاصا بإعتبار أنه كان له خصم عنيد وهو الذي كان ذو شعبية وجماهيرية عالية خاصة وأنه أحد المجاهدين التونسيين المتطوعين في حرب فلسطين سنة 1948 والذي شارك في جبهات القتال ضد الغاصب الصهيوني إثر إعلان دولة إسرائيل ولم يرجعه لبلده تونس غير خذلان القادة العرب إبان حرب فلسطين سنة 1948وما رافق ذلك من نقص مخطط له في السلاح والعتاد ورب ضارة نافعة فرغبته الجامحة في المقاومة وتطهير البلاد من الاحتلال الفرنسي مكنته عند العودة لتونس من تشكيل أول نواة للمقاومة المسلحة ضد الغاصب الفرنسي المحتل مستفيدا بذلك من تجربته الحربية والقتالية إبان حرب فلسطين الأولى وأسس كتائب مسلحة تعتمد الإغارة الخاطفة وحرب العصابات ولمن يجهل تاريخ الشهيد الأزهر الشرايطي لا بد أن نذكر أنه أشرس وأشهر مقاوم تونسي ضد الإستعمار الفرنسي وأنه كان القائد الأعلى لجيش التحرير التونسي وأنه كان يمثل الحصان الأسود للمستعمر الفرنسي زمن العمل المسلح حتى أن فرنسا حارت في أمره ورصدت لمن يبلغ عنه أو يدلي بمعلومات تؤدي لقتله أو القبض عليه مكافأة مالية هامة قدرت بمبلغ مليوني فرنك فرنسي ونشرت صوره للتبليغ عنه في صحيفة لومند سنة 1952 هؤولاء الشهداء الأخيار الذين ندفن اليوم هم رجال تونس الشرفاء الذين إفتتحوا سلسلة جحافل شهداء الثورة التونسية التي إنطلقت حقيقة سنة 1962 ولم تكن إنطلاقتها نهايات سنة 2010 كما يدعي بعض أصحاب الرؤى التاريخية الضيقة فإن سلمنا بحقيقة أن الثورة التونسية هي ثورة ضد الفساد و الإستبداد بإمتياز فهؤولاء الذين ندفنهم اليوم في مقبرة الشهداء هم أول تشكيل تونسي منظم وقف في وجه الفساد والديكتاتورية والإستبداد ودفع الثمن باهضا من أجل وضع أول سطر من سطور الحرية والكرامة في تاريخ تونس الحديث لقد عاش الشعب التونسي طيلة أكثر من نصف قرن في خديعة تاريخية كبرى وهي خديعة الإستقلال الأول من المستعمر الفرنسي حيث قامت أجهزة الدعاية الجهنمية على تصوير الزعيم الحبيب بورقيبة على أنه باعث أمجاد تونس الحديثة ومهندس إستقلال البلاد وقد ساعدت إرتفاع نسبة الأمية والجهل المستشرية في نسيج الطبقات الشعبية في ترسيخ هذه الفكرة المغلوطة في حين أن القلة القليلة الواعية بحقائق التاريخ وقع قمعها ومحاصرتها وتشريدها لكي لا يرى الشعب التونسي إلا ما يريهم الزعيم الأوحد والقائد الجهبذ وبما أن الحق يعلو ولا يعلى عليه مهما أمتد الدهر وطال الزمن فما حدث في تونس إبان ثورة الحرية و الكرامة فتح الأبواب على مصراعيها لإعادة كتابة تاريخ الإستقلال الأول ولكشف الحقائق التي غيبتها الطبقة التي حكمت البلاد طيلة نصف قرن بالحديد والنار وذلك بتنسيق وتواطؤ من المستعمر الفرنسي الذي يخطأ من يعتقد أنه خرج من البلاد وتركها لأهلها رحم الله شهداءنا الأبرار وجعلهم في أعلى عليين إنهم شموع مضيئة في طريق الحرية والكرامة والعدالة سطروا لنا بداية الطريق بدمائهم الزكية وما على شرفاء تونس والأحرار إلا مواصلة المشوار بقلم عادل السمعلي