أقرت الدكتورة عائدة قائد السبسي دكتورة القانون الخاص والإعلامية التي كانت لها تجربة في إذاعة الشباب منذ انبعاثها سنة 1995 وإلى غاية 2012 بوجود ارتباك واضح بين النصوص والواقع بخصوص حرية التعبير بعد ثورة 2011، فمن ناحية هناك تراجع ودفاع مستميت عن حرية التعبير قابله من ناحية أخرى إفراط في الحريات كالحق في الحياة الخاصة والحق في الصورة والحق في حماية المعطيات الشخصية. كان ذلك على هامش الندوة الحوارية التي نظمتها رابطة المثقفين العرب Arab Cogito بالتعاون مع رابطة تونس للثقافة والتعدد يوم الأحد 9 ديسمبر 2018 بأحد نزل العاصمة حول موضوع حرية التعبير في ظل الأنظمة السياسية العربية والتي أدراها الإعلامي مكي هلال، في ظل حضور كثيف للجمهور وغياب لوسائل الإعلام يثير التساؤل. وتوصلت المتحدثة في مداخلتها التي جاءت تحت عنوان ''حرية التعبير بين النص والواقع قبل سنة 2011 وبعد الثورة'' إلى أنه قبل سنة 2011 كان هناك تناقض صارخ بين مبدأ الحماية المنصوص عليه في الدستور الذي يكفل ويحمي حرية التعبير وبين التطبيق على أرض الواقع وبين القواعد التي تنص عليها مجلة الصحافة التي كانت تضيق الخناق إلى درجة إفراغ النص القانوني من محتواه. وتمحورت الندوة كذلك حول مواضيع مسؤولية المثقف العربي بين نداء الضمير ومخاطر الخطاب التسلطي، والنظام السياسي العربي وإشكالية حرية التعبير إعلاميًّا وأكاديميًّا، والجامعة والإعلام ورسالتهما المعرفية المجتمعية التحررية. الدكتور احميده النيفر رئيس رابطة تونس للثقافة والتعدد والأستاذ بجامعة الزيتونة قدم مداخلة حول ''المثقف العربي وصناعة الحرية : مقاربة مفاهيمية''، تطرق من خلالها لخمس مفاهيم أساسية هي الحرية والدولة والفرد والمجتمع والمنهج، مبينا أن الحرية ليست عملية مسقطة وليست أمرا معطى بل هي سيرورة وعملية يتم إفرازها من خلال عديد المداخل القانوني منها والثقافي والسياسي والأكاديمي والإعلامي معرجا على تباعد ثقافة النخبة المحلية وتهميشها محملا الفرد المسؤولية في حرية التعبير. الأستاذ عبد اللطيف الهرماسي الدكتور في علم الاجتماع التاريخي والمهتم بالظاهرة الدينية المعاصرة، والذي له مؤلفات من أحدثها (المجتمع والإسلام) و(النخب الإصلاحية في تونس والجزائر) ركز في مداخلته التي جاءت تحت عنوان ''المؤسسة الأكاديمية وحرية التعبير : التحديات والآفاق'' على علاقة الجامعيين والأكادميين بحرية الكلمة والتعبير وبالتالي علاقتهم بالسلطة، مستهلا حديثه بالتعريف بمفهوم المثقف وهو القادر على إنتاج خطاب ما والمهتم بالمجتمع الكلي والمتعاطي مع القيم الإجتماعية. واستطرد متحدثا عن النخبة بعد الإستقلال والتي كان لها موقف من الدين إذ قامت بثورة من داخل الدين من أجل تعصير الرؤية ومقاومة المؤسسة التقليدية، مستدلا بأمثلة من قطاع الإنسانيات والعلوم الإجتماعية الذي ينتمي إليه ومن خلال الجامعة الزيتونية ومصيرها. وخلص إلى أن تدخل السلطة لم يكن مباشرا في مجال الإنسانيات لفرض برامج معينة وإنما كان هناك مناخ قمعي ومضيق على الحريات للأساتذة والعمداء. وتم آنذاك نقل المعركة مع الإسلاميين إلى جامعة الزيتونة ومعهد الشريعة وأصول الدين وفرض برامج قسرية دون تشريك الأستاذة والجامعيين المعنيين ودون تفاعل معهم وعاشت بذلك الجامعة عزلة جراء التدخل السافر للشأن السياسي في الشأن العلمي. وهو ما نتج عنه بروز لمثقفي السلطة مقابل المثقفين الأحرار، وبروز ثنائية السياسة والدين مقابل السياسة والعلم. الدكتور أكرم حمدان - وهو أكاديمي وتربوي بريطاني من أصول فلسطينية وهو صاحب الصالون الفكري الذي انعقد في لندن لمدة تزيد عن العشر سنوات وعنه اثبثقت رابطة المثقفين العرب Arab Cogito التي يترأسها وهي هيئة مستقلة مقرها الرئسي في لندن تضم طيفًا واسعًا من رجال الرأي والفكر والأدب والثقافة في العالم العربي وخارجه تسعى إلى تشكيل رأي عام عربي مساند للقضايا العربية الكبرى – اختار تونس لعقد هذه الندوة لسببين اثنين : لما لتونس من رمزية بعد أن قامت فيها أول ثورة للربيع العربي، ولما أتاحته هذه الثورة في تونس من هامش للحرية ومناخ مكن من عقد مثل هذه الندوات بأريحية. واعتبر أن حرية التعبير شهدت ردة بعد ما أصبح يعرف بالثورة المضادة، فعاد التضييق من جديد على الحريات العامة ومنها حرية التعبير على نحو أشد مما كان من قبل مستدلا في ذلك بحادثة مقتل جمال خاشقجي التي كانت مؤشرا عن هذا التراجع. محمد اليوسفي الإعلامي والباحث وعضو نقابة الصحفيين التونسيين قدم مقاربة جديدة لجيل شاب ناظر للواقع بعين ناقدة وثاقبة أحيانا تحت عنوان ''الإعلام والإنتقال الديمقراطي'' لا سيما أنه الحامل الأبرز ضمن المحاضرين لإيصال حرية التعبير والذود عنها. انطلق من إشكالية : كيف نجعل من حرية التعبير والإعلام دعامة لتأسيس دولة المواطنة التي غابت وتبقى حلما منشودا بعد أن كان الشعب التونسي مجرد رعايا لا حق له في التعبير والتفكير خارج النسق، مضيفا أن الإعلام تحرر بفضل الثورة ولكنه لم يساهم في الثورة. وبين أنه اشتغل على هذا المبحث (الإعلام والإنتقال الديمقراطي) لأن التركيز كان على الإنتقال السياسي والدستوري منتقدا أساتذة القانون الدستوري الذين انتشروا في الفضاءات الإعلامية وكأن الخطاب أصبح قانونيا بالأساس، متسائلا عن كيفية التأسيس لإعلام ديمقراطي يعبر عن التنوع الموجود في تونس، لإعلام يحترم أخلاقيات المهنة وضوابطها. وأضاف أن الإعلام الذي كان أداة للإستبداد ولقمع الحريات وللغطرسة السياسية لنظام أحادي وحزب واحد، يخوض اليوم معركة التحرر والدمقرطة والإنتقال الإعلامي، معرجا على أنه مثل ما نتحدث عن انتقال سياسي واقتصادي في تونس فإننا نشهد وهو حرية الإعلام مع ما نتابعه من ارتفاع لمنسوب العنف الرمزي والسباب والشتم والتجريح، وهي ظاهرة انخرط فيها البعض من الصحفيين. واعتبر أن أهم مكسب تحقق بعد الثورة في تونس هو حرية الإعلام والتعبير ولكنه يعيش أزمة مضامين ووجهة وتمثل لهذه الحرية أي كيفية الإستثمار في هذه الحرية لبناء ديمقراطية تعكس طموحات الشعب التونسي داعيا إلى الإصلاح لما من تأثير للإعلام على العملية السياسية والسياسات العمومية وتوجهات الدولة والفاعلين السياسيين، منبها إلى دوره الحقيقي في طرح وإنشاء نقاش حول أمهات القضايا كإصلاح التعليم والمشروع الثقافي والمقدرة الشرائية للمواطن والقضايا الإجتماعية والإقتصادية. روشان صالح صحفي وكاتب بريطاني سافر وزار أغلب بلدان الربيع العربي والدول الإسلامية ومؤسس موقع الأركان الخمسة (5 pillars) ومهتم بنشاط الجالية المسلمة ببريطانيا قدم انطباعات عن ثورات الربيع العربي من منظور الغرب، مبينا أن المواطن الغربي لا يزال يرى العالم العربي عبر عيون نخبته البعيدة عن أرض الواقع إضافة الى "عدم ثقته الفطرية" تجاه الدين الإسلامي.