حصدت قيادة حركة النهضة مكاسب سياسية قبل الانطلاق الرسمي في مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة، وحققت أهداف المناورة التي أطلقتها منذ الإعلان عن النتائج الأولية الانتخابات التشريعية بتجنبها لقيادة الحكم في المدة النيابية القادمة الجديدة. ونجحت النهضة في ركوب قطار النجاة من تحمل مسؤولية تزعم الحكم، عبر خيارات الأحزاب المعنية بالحكم التي اشترطت عليها سحب رئاسة الحكومة منها، وهي ما يتوافق مع خيارات قيادة النهضة الذي يحبذون عدم ترؤس الحكم عكس توجهات أعضاء مجلس الشورى. وفيما صوّت أغلبية مجلس شورى حركة النهضة على قرار يخص ترشيح شخصية من صفوف الحركة لرئاسة الحكومة، كانت قيادة الحزب وعلى رأسها راشد الغنوشي، مصرة على تجنب تزعم الحكم خلال الفترة القادمة وتؤكد على ضرورة الاكتفاء بالصف الثاني في الحكومة لاعتبارات سياسية داخلية وخارجية. ولم يفلح قادة النهضة في إقناع أعضاء مجلس الشورى بخيار الابتعاد عن قيادة الحكم وارتأت القبول بمواقف الأغلبية دون قناعة وتحت ضغط نتائج التصويت الداخلي على القرار. ونقل أعضاء المكتب التنفيذي للنهضة، قرار مجلس الشورى لحزبي التيار الديمقراطي وحركة الشعب آملة في أن يتم رفضه ليمنحوها قارب النجاة من تحمل مسؤولية الحكم. وتلائمت خيارات أحزاب التيار الديمقراطي وحركة الشعب وكذلك حزب قلب تونس، مع النوايا الخفية لقادة النهضة، وأصرت على رفضها ترؤس الحركة للحكومة الجديدة، وهو الأمر الذي حبذه الغنوشي. ويسّرت خيارات الأحزاب على زعيم النهضة مساعيه لإقناع أعضاء مجلس الشورى بكون لا يمكن لحزبهم أن يرأس الحكومة بسبب رفض الأحزاب لقرارهم وسيدفعهم خطاب مراعاة المصلحة الوطنية إلى التصويت على إمكانية ترشيح شخصية من خارج الحركة لرئاسة الحكومة. وسيتمكن الغنوشي والأعضاء المقربين منه من كسب رهانات سياسية وتتجلى في اقناع أعضاء مجلس الشورى بعدم ترأس الحكومة كون التمسك بخيار ترشيح شخصية نهضوية لرئاسة الحكومة سيخلق مأزقا سياسيا في مشاورات تشكيل الائتلاف الحاكم الجديد، وكذلك في نجاتها من مسؤولية الحكم وتحميله إلى الشخصية التي ستترأس الحكومة وإلى الأحزاب الذي عارضت رئاستها للحكومة الجديدة. غير ذلك، ستحقق النهضة مكسبا سياسيا آخر وستضع الأحزاب السياسية أمام مقايضة تنبني على فكرة تخليها عن رئاسة الحكومة استجابة لمطالبهم لكنها لن تتخلى عن رئاسة مجلس نواب الشعب. وتنوي النهضة ترشيح زعيمها راشد الغنوشي إلى رئاسة البرلمان خاصة وأنه سيصبح خارج هياكل ومؤسسات الحركة خلال المؤتمر القادم للحركة وفق للنظام الداخلي لها الذي يحتم عليه عدم الترشح لدورة ثالثة لرئاسة الحركة أو لعضوية المكتب التنفيذي. اعتبارات إقليمية دفعت النهضة إلى تجنب زعامة الحكم وأهمها حالة الاختناق السياسي الذي يستبد بتيار الإسلام السياسي في العالم العربي على غرار مصر والسودان وليبيا. وسينعقد مجلس شورى النهضة نهاية الأسبوع الجاري (السبت والأحد) ليعلن عن القرار النهائي الخاص بترؤسها للحكومة قبل تكليفها بصفة رسمية من طرف رئيس الجمهورية قيس سعيد بتشكيل الحكومة الجديدة.