محامي يتوفّى بعد مرافعته مباشرة..رئيس المحامين يكشف السبب    شنيا حكاية التونسي المحكوم عليه بالاعدام في قطر؟أمه توّجه نداء لرئيس الجمهورية    الجمعة: ضباب محلي بهذه المناطق    رعب في طريق العودة: رشق حافلات مدرسية بالحجارة أمام التلاميذ في جندوبة!    وفاة محمد صبري نجم الزمالك ومنتخب مصر السابق    تاكر كارلسون ينتقد انشغال واشنطن ب"إسرائيل" على حساب القضايا الداخلية    مصرع 8 إيرانيين في حادث اصطدام خلال تهريب وقود    روسيا تعلن إحباط اغتيال "أحد كبار مسؤولي الدولة"    البيت الأبيض: الحزب الديمقراطي الأمريكي يتحول إلى حزب شيوعي    واشنطن تدرج 4 كيانات أوروبية في قائمة الإرهاب العالمي    الفرجاني يبحث مع ثلة من الكفاءات الطبية التونسية في مرسيليا جملة من المقترحات تتعلق أساسا بتيسير ممارستهم جزئيا بتونس    فرنسا تهزم أوكرانيا وتحسم تأهلها رسميا إلى كأس العالم 2026    رونالدو يرتكب المحظور والبرتغال تتكبد خسارة قاسية تهدد تأهلها المباشر إلى مونديال 2026    اتحاد الشغل بصفاقس: إضراب ال68 مؤسسة "خيار نضالي مشروع" وسط تعطل المفاوضات الاجتماعية    وزير التجهيز والإسكان يتفقد جاهزية مشروع المساكن الاجتماعية بمعتمدية بوعرقوب    ولاية تونس: جلسة عمل حول الاستعدادات لتنظيم الدورة 26 للمهرجان الدولي لأيام قرطاج المسرحية    حفل تسليم جائزة العويس الثقافية/ المؤرخ عبد الجليل التميمي ل"وات" : تتويجي هو دليل على مواكبة ذكية لمسيرتي    بريطاني يرسب في اختبار القيادة النظري 128 مرة    لطيفة العرفاوي في الشارقة لدعم مبادرة "أطفال يقرؤون" لصالح مكتبات تونس    على مدار السنة وخاصة التمور وزيت الزيتون ..وزير التجارة يؤكد دور البنوك في تمويل الصادرات    فتح باب التسجيل ضمن قائمة حجيج مكفولي التونسيين بالخارج في هذا التاريخ    عاجل/ تم ضبطه في مطار قرطاج: هذا ما تقرّر ضد شاب يهرّب "الكوكايين" في أمعائه    أيام قرطاج المسرحية ..يحيى الفخراني نجم الدورة و«حلم» الجعايبي يتحقّق    كم مدتها ولمن تمنح؟.. سلطنة عمان تعلن عن إطلاق التأشيرة الثقافية    خطبة الجمعة ...استغفروا ربّكم إنه كان غفّارا    الاختلاف بين الناس في أشكالهم وألوانهم ومعتقداتهم سنّة إلهية    وزير الإقتصاد ورئيسة المجمع التونسي لصناعة مكونات الطائرات يتباحثان آفاق القطاع في تونس    حالة الطقس هذه الليلة    الكاف: افتتاح موسم جني الزيتون وسط توقعات بإنتاج 18 ألف قنطار من الزيتون    الرابطة الثانية: تعيينات حكام مباريات الجولة التاسعة ذهابا    عاجل : وفاة المحامي كريم الخزرنادجي داخل المحكمة بعد انتهاء الترافع    إنتقالات: روبرتو مانشيني مدربًا جديدًا للسد القطري    هذا ما جاء في جلسة بين الترجي الجرجيسي والمسؤول على التحكيم !    ديوان الافتاء يعلن نصاب زكاة الزيتون والتمر وسائر الثمار    معهد باستور بتونس: عدد براءات الاختراع المودعة لا يتجاوز 5 سنويا    القصرين: تسجيل 331 مخالفة اقتصادية وحجز أكثر من 45 طنا من الخضر والغلال خلال شهر أكتوبر المنقضي    القيروان: إيواء تلميذتين بقسم الإنعاش بعد تناولهما داخل المعهد مبيدا للفئران    عاجل: للتوانسة... ديوان الافتاء يحدد مقدار زكاة الزيتون والتمر لسنة 1447 ه    عاجل/ اتحاد الفلاحة يحذّر التونسيين من استهلاك هذه المادة..    اتّحاد الفلاحة يطالب بتخفيض أسعار الأجبان لحماية صحة المواطن    9% من التوانسة مصابين بأمراض الكلى    أزمة صحية عالمية.. انفجار في معدلات ارتفاع ضغط الدم بين الأطفال    منهم إيوان والأخرس وهالة صدقي.. ألمع النجوم المرشحين لنيل جائزة نجوم تونس    عاجل/ السجن لموظف بقباضة استولى على 20 ألف دينار..وهذه التفاصيل..    عاجل/ هذا ما تقرر في القضية الاستعجالية المرفوعة ضد المجمع الكميائي بقابس..    زغوان: تخصيص اعتماد بقيمة 17 مليون دينار لتهذيب 3 محطات لمعالجة المياه المستعملة    انطلاق مناقشة مشروع ميزانية مهمّة أملاك الدولة والشؤون العقارية لسنة 2026    تونس: قافلة في المدارس باش تعلّم صغارنا كيفاش يستهلكوا بعقل    عاجل/ انقلاب قارب "حرقة".. وهذه حصيلة الضحايا..    تونس تتألّق في الكراتي: إسراء بالطيب ذهبية ووفاء محجوب فضية    المنظمة التونسية للأطباء الشبان تعبر عن رفضها لسياسة "المماطلة والتجاهل"    انتقال رئاسة النجم الساحلي الى فؤاد قاسم بعد استقالة زبير بية    سوسة: طفل العاشرة يحيل شيخ إلى غرفة الإنعاش    ترامب يوقّع قانونا ينهي أطول إغلاق حكومي في تاريخ أمريكا    المهدية: مواد خطيرة وحملة وطنية لمنع استعمالها: طلاء الأظافر الاصطناعية و«الكيراتين» مسرطنة    تعاون ثقافي جديد بين المملكة المتحدة وتونس في شنني    ليوما الفجر.. قمر التربيع الأخير ضوي السما!...شوفوا حكايتوا    معهد باستور بتونس العاصمة ينظم يوما علميا تحسيسيا حول مرض السكري يوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الهربة".. عاملة جنس ومتشدد ديني ولقاء الهروب
نشر في حقائق أون لاين يوم 17 - 12 - 2020

لقاء صدفة، لقاء هروب ولقاء تحرير رغبات كامنة، لقاء لا يعترف بزمان ومكان ولكنه يحتكم الى الجسد، هو لقاء عاملة جنس ومتشدد ديني انهارت فيه كل الثوابت والمسلمات.

في غرفة ضيقة يوحي كل تفصيل فيها بالرتابة والكآبة والاهتراء، يلتقي رجل وامرأة كل منهما قادم من سبيل لا تخال ولو لوهلة أنهما ستتقاطعان في نقطة ما، ولكن في حضن الماخور يصير المستحيل ممكنا.

إلى الماخور هرب المتشدد الديني من أعين البوليس الذي يلاحق أثره ليجد نفسه وجها لوجه مع "بائعة هوى" ألقت في وجهه كلمات كثيرة موشحة بالمعاني والرسائل.

حكاية إنسانية وجودية مطرزة بالفلسفة أجاد غازي الزغباني رسم ملامحها على الركح في مسرحية "الهربة" قبل ان ينقلها الى الشاشة بنفس العنوان لتعانق الكاميرا كل التفاصيل وتلامس الزوايا والأركان.

في تجربته الاولى في الاخراج السينمائي أفلح الزغباني في بسط طرحه في علاقة بالحرية والجسد والحياة والحب في مختلف أبعاده وقارع الامكانيات المتواضعة للانتاج.

ليس من الهين ان يعتمد المخرج فضاء ضيقا للتصوير ولكن للانتاج أحكامه، وفي الفيلم الذي يحرك خيوط اللامعقول واللاممكن كان الغرفة بامتداد الفكرة التي لا اعرف بالجدران ولا الاسقف.

بنفس الشخصيات والشخوص يتحسس غازي الزغباني عوالم السينما، وبنص أضفى عليه بعض التعديلات يسطر معالم الطريق المؤدية الى التصالح مع الذات ومع الجسد ومع الآخر المختلف.

شخصيات قد لا يجمعها فضاء واحد تتشارك تفاصيل كثيرة من الغرفة وصولا الى الشهوة، وتلتقي عند نقطة الهروب من واقعها ومن قيوده وحدوده بعد أن تندلع معركة ناعمة في أغلبها بين أفكار متصادمة.

متشدد ديني رأسه ممتلئة باللاءات وعاملة جنس متحررة من كل السياقات، وجهها في وجهه وجسديهما يغالبان رغبة متأججة احرقت في النهاية كل الحواجز بينهما وتماهى الجسدان وارتعشت اوصالهما.

وعلى إيقاع التناقض بينهما تتحرك الكاميرا تطارد التفاصيل وتسبر أغوار الأنفاس وتوغل في النظارات والابتسامات المبهمة والايماءات المحملة بالمعاني وتتحسس تفاصيل الجسد وتستنطق كل أعضائه.

رغم الاختلاف بينهما، تهرب عاملة الجنس الى المتشدد دينيا تداعبه بكلماتها المستفزة وتقتلع منه بعض الإجابلت التي لا تشفي غليلها، تستقيل ليوم من مهنتها وتمتهن مساعدته.

في الأثناء يغالب هو رغبة في تصفح جسدها الذي يناديه في كل حركة ويستجير بالله من رغبته حتى يرصخ لإغوائها ويلتهم التفاحة ويعبر منها الى ثنايا جسدها الضمأن للمسات أخرى.

مرة أخرى تتأثر حواء على آدم، وتعري أفكاره المتشددة وتحمله الى داخله حيث يصرخ صوت ترتسم ترجمته في عينيه المثقلة بأحاديث لا يقوى على نطقها لفرط تناقضها.

مع كل كلمة وكل نفس وكل ايماءة، يتخفف المتشدد الديني من أفكاره التي سجنته في مربع لا يستطيع تجاوز محيطه ويمضي نحو ذاته يربت عليها ويواسيها.

وفي "الهربة" هدم غازي الزغباني الثوابت وأعاد تشكيلها وقوض كل الصور النمطية عن عاملة الجنس فبدت أنيقة وعقلانية وحالمة معترفة بالآخر المختلف عنها، الآخر الذي كان مصدر تهديد لها لكنها لم تسلمه الى الأمن.

في الضفة الاخرى خريج جامعة نهل من العلم الكثير على عكس عاملة الجنس، ولكنه تقوقع على نفسه وأغرقها في أفكار سجنته خارج الحياة.

وفي الفيلم شخصيات أخرى تسير في خط ثالث عرت بعض القضايا المجتمعية منها الخيانة الزوجية والبطالة والتلاعب بأدمغة الشباب والعنف المسلط على المرأة بمختلف أبعاده.

وفي خاتمة الفيلم، سقط قناع التوت حينما طلب المتشدد الديني من رفيقته في الغرفة أن تجهض، وهي التي تعلمته بحملها لتختبره، وظهرت الحقيقة عارية وحاد عن افكاره في اول اختبار.

في المقابل قايضته بالتخلي عن لحيته مقابل الاجهاض وفعل، وفي الواقع هي كانت تساعده لكي لا يقع في ايدي رجال الأمن وعبدت له طريق "الهربة" للمرة الثانية واحتضنت كوفيته واغرقت في التأمل.

وفي الغرفة الضيقة، كانت أجساد الممثلين غازي الزغباني ونادية بوستة متحررة من الفضاء الضيق تنشد الانعتاق وتحملك الى عوالم التحرر .
من زينتها الى نبرة صوتها وخطواتها وضحكاتها الموزونة بعناية، أفلحت مادية بوستة في تقمص دور عاملة الجنس وحملته الى زاوية أخرى مغمسة بالفلسفة.
وفي تطويعه لجسده ونظراته وانفاسه وتحكمه في نسق الاضطراب، نقل صورة المتشدد دينيا غير المقتنع بأفكاره حتى انه يتخلص منها عند اول اختبار.

رانيا القابسسي وحسين قريع أجادا لعب ادوارهما في فيلم ضاق فيه المكان واتسعت فيه الافكار والتأويلات، فيلم تعبق منه فلسفة صاحب ماكينة السعادة كمال الزغباني الذي ترفرف روحه في مواطن الحرية والحياة والمحبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.