لمن الأحقية الشرعية؟ ولمن ستؤول الغلبة: للانتخابات التشريعية أم الرئاسية؟ هذه عناوين بارزة لتطاحن سياسي غرقت فيه تونس بعد انتخابات 2019 وباتت تعيش على وقع سباق بين حكّام قصري قرطاج وباردو من أجل بسط النفوذ على قصر الحكومة بالقصبة وأصبحت مؤسساتها سجينة معركة إعلاء الشرعية الانتخابية. تقلبات في المشهد السياسي بدأت منذ الأشهر الأولى التي تلت الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2019 وراكمت الكثير من الخلافات بين لاعبين رئيسيين في البلاد، قيس سعيد وراشد الغنوشي، فتغيرت الحكومات وسط شد وجذب بينهما لخيوط اللعبة ولمفاتيح الدستور. وبعد إعلان المكلف بتكوين الحكومة الحبيب الجملي في مشاورات لإطلاق حكومة تكنوقراط، اتضحت كل مؤشرات الأزمة التي ستمر بها تونس طيلة المدة النيابية 2019-2024، وتجلت أولى المناوشات السياسية بين قيس سعيد الرافض لتشريك حزب قلب تونس في الحكم وراشد الغنوشي الذي شدد على ضرورة تكوين حكومة وحدة متحزبة تعكس تمثيلية الانتخابات التشريعية بما فيها حزب نبيل القروي. سقطت الحكومة التي اقترحها الجملي، وأسقطت النهضة من مرتبة زعيم البرلمان صاحب الآلية الدستورية المتعلقة باختيار رئيس حكومة، ودخلت تونس طور تكوين "حكومة الرئيس 1" التي تتماهى تركيبتها وأهواء قيس سعيد، وقبلتها الحركة على مضض ثم أسقطتها فيما بعد رفقة حلفائها قلب تونس وائتلاف الكرامة إيمانا منهم بعلوية نتائج الانتخابات التشريعية بما أعتبروه عدم شرعية لحكومة الياس الفخفاخ. سقوط "حكومة الرئيس 1 " سياسيا، جابهه الياس الفخفاخ بإعادة الكرة مجددا الكرة إلى قيس سعيد بتقديمه الاستقالة استباقا لسحب الثقة منه في البرلمان، فحُرم ائتلاف النهضة وأخواتها من استعادة آلية تكليف شخصية لتكوين حكومة. لم يغفر الغنوشي لسعيد والأحزاب الداعمة له، سحب آلية اختيار رئيس حكومة من النهضة، وظل يراود هشام مشيشي إلى أن استماله إلى رتبة "العصفور النادر" وتلذذ معه خطة تغيير هوية الحكومة من "تكنوقراط " إلى "متحزبة" تعكس نتائج الانتخابات التشريعية معتمدا في ذلك فن المخاتلة. الآن وبعد كل هذه التطورات، انتهت كل أسلحة المناورة السياسية ودخلت الحرب إلى نفق الجدال الدستوري، فأضحت الكرة في ملعب قيس سعيد، خبير القانون الدستوري ورئيس الجمهورية المعني بالسهر على احترام تطبيق الدستور. استغل أستاذ القانون الدستوري، اتباع مشيشي بدعة سياسية أرساها رئيس الحكومة الأسبق الحبيب الصيد، بذهابه إلى البرلمان وفق أحكام النظام الداخلي للبرلمان دون دراية راميا بعرض الحائط الفصل 92 من الدستور الذي يمنحه حق تعديل تركيبة حكومته دون العرض لنيل الثقة. والواضح أن توجه مشيشي إلى البرلمان لعرض التعديل الوزاري لنيل الثقة ليس بمجرد بروتوكول شكلي، بل كان خطوة للاستعراض السياسي والتباهي بحجم الأغلبية البرلمانية الداعمة له لبعث رسالة إلى حاكم قصر قرطاج كونه لا يقدر على أن يتقدم بطلب لمجلس نواب الشعب للتصويت على الثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها. استعراض اصطدم برئيس لم يغفر للغنوشي تحويل وجهة الحكومة وسحب البساط منه، فارتكز على درايته بالمجال الدستوري وعلى صلاحياته كرئيس جمهورية، وتأبط الدستور ليمتنع عن أداء الوزراء الجدد لليمين الدستورية أمامه انتقاما لمحاولة عزله سياسيا ودفاعا عما يعتبره قوة شرعيته الانتخابية. ويعتبر سعيد أن التحوير الوزاري الذي أجراه مشيشي لا دستوري لاعتماده على مقتضيات النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب ولتناقضه مع أحكام الفصل 92 من الدستور، ومنح لنفسه حق مصادرة صفقة توزير أبناء حزب قلب تونس وحركة النهضة. هي ورطة دستورية دُفع إليها هشام مشيشي، لم يجد لها مخرجا مترقبا رحمة سعيد لدعوته ووزرائه الجدد لأداء اليمين الدستورية بقصر قرطاج، ولم يجد منفذا دستوريا للمزج بين أحكام الفصل 89 من الدستور الذي ينص على أداء اليمين وبين أحكام الفصل 92 الذي يخول له إجراء التعديل الوزاري.