من ينظر في وجه علي العريض سيلحظ حتما ترفا مركبا و دعة عيش جاءته في خريف العمر. تجاعيد وجه العريض لم تستطع محوها غرف مكياج قصر الحكومة بالقصبة ولا المجالس الفاخرة في قاعات النزل الفخمة والفيلات المعبقة برائحة ياسمين الدعة والثراء. فجأة وجد الرجل نفسه وزيرا للداخلية في أول حكومة منتخبة بعد انتخابات 23 أكتوبر ثم استغل تمرد "الجبالي" على شيخ مونبليزير ليصبح وزيرا اول. كان يريد ان يذهب بعيدا لولا اغتيال شكري بالعيد في فيفري 2013 ثم محمد البراهمي في جويلية من نفس السنة. من سوء حظ الرجل ان الاغتيالين وقعا تحت مسؤوليته المباشرة، الاول اغتيل حينما كان العريض وزيرا للداخلية , والثاني قتل بالرصاص بنفس الطريقة وبنفس المسدس وهو رئيس للحكومة . اغتيالان سياسيان اجهضا بالفعل أحلام العريض , و اغتالا طموحه في ان يكون في مكان محمد المنصف المرزوقي كمرشح مفترض لحزبه في الانتخابات المقبلة , ان قدر لها ان تتم. كل الدوائر القريبة من حركة النهضة , و الى وقت قريب , كانت تعرف الطموحات الخفية الظاهرة لعلي العريض. كان حينما يجلس بين شيخ مونبيليزير وقيادات النهضة لا يخفي تبرمه من عدم وجود مرشح حقيقي للرئاسة للانتخابات المقبلة. بالنسبة له لا أحد من اليمين واليسار يمكن ان يكون مرشحا مستحقا للنهضة للرئاسيات المقبلة. ضمنيا كان مجالسوه يعلمون انه يطرح نفسه بديلا وحيدا حقيقيا للرئاسيات! أحلام علي العريض في ان يذهب الى قرطاج اغتيلت بنفس الرصاصات التي سقط بها محمد البراهمي وقبله شكري بالعيد. المحيطون بالرجل يقولون انه اصبح شديد التوتر منذ ان بدأت قصة رحيله من الوزارة الاولى. كان العريض يطمح لقرطاج فجاءت الاحداث المأساوية الاخيرة التي تعيشها البلاد لتقول له انه لم يعد من الممكن الحفاظ حتى على منصبه الذي نُصب فيه من قبل. تكسرت احلام العريض و تكسرت معها احلام آل العريض في ان يكونوا في قرطاج يوما ما. انتهت احلام العريض في الرئاسة والريادة لانه لم يخلق لها او لم يكن جديرا بها. فشل كوزير للداخلية ثم فشل في الوزارة الاولى ولا يمكن ان يتحمل التونسيون أكثر من ذلك في تحقيق احلامه في ان يكون رئيسا لهم يوما ما. فشل العريض لانه ببساطة كان سياسيا لا خبرة له و لا ماضي في الادارة السياسية و في اجهزة الدولة. جاء لوزارة الداخلية وهو الذي زارها عشرات المرات قياديا مطاردا لحركة الاتجاه الاسلامي ولحركة النهضة المطاردة فيما بعد. صحيح انه كان مناضلا عقائديا صلبا في نظر الاسلاميين ولكنه كان صفرا في التجربة السياسية. هو من نوعية وزراء النهضة الذين تقلدوا اول مهنة لهم في حياتهم كوزراء. لم يعملوا يوما او لم تتح لهم الفرصة لكي يعملوا، لا يهم، المهم انهم جربوا أول تجربة لهم كمسؤولين على ظهور التونسيين فكانت الكوارث التي تعيشها البلاد. من هنا كان فشل العريض وكان فشل كل وزراء النهضة المناضلين دون استثناء. عذرا، كانوا يصلحون كمناضلين في التنظيمات السرية وفي مخابئ الاجتماعات في أنفاق المدن المعتمة , و لكنهم غرباء عن مقاعد المسؤوليات التي تخترقها اشعة الشمس في طوابق الوزارات. بعد السقوط المدوي لحمادي الجبالي نعيش اليوم سقوطا لقيادي اخر من حركة النهضة اسمه علي العريض. لم يهضم علي العريض الى حد اليوم المطالبة بسقوطه ورحيله المبكر عن السلطة وهو ما عكسه اخر خطاب له في قصر الحكومة امام الصحفيين. كان العريض متوترا متشنجا. لم يفهم بعد الرسالة التي وجهتها له المعارضة والشارع التونسي. شيخه في مونبيلزير يقاتل بشراسة من اجل ربح بعض الوقت له. لم يترك الغنوشي بيتا سياسيا الا زاره من اجل دعم العريض والمحافظة عليه في القصبة او على الاقل في منصب اخر قريب من القصبة. لم يفهم العريض وشيخه الغنوشي ان التونسيين قرروا ان يرحل ، وفي اقرب وقت ممكن.. العريض يعي انه أصبح يلعب في الوقت الضائع. انتهت الرحلة يا سي العريض. شكر الله سعيكم. لستم انتم من نحتاجكم لقيادة البلاد !