سيكون غياب المؤتمر من أجل الجمهورية وتيار المحبة وحزب الإصلاح والتنمية بالإضافة إلى حركة وفاء عن جلسات الحوار الوطني أمرا غير مقبول وفي غاية الخطورة على سلامة الانتقال الديمقراطي. وستكون نتائج الحوار الوطني في غياب عدد مهمّ من الأحزاب الوطنية وخاصة الممثلة في المجلس الوطني التأسيسي مبتورة وعرجاء، كما أن نتائج هذا الحوار وهو الأخطر في تاريخ تونس ستكون غير ذات جدوى وغير مقنعة شعبيا، ولن تجد لها السند الكامل والإجماع المريح في المستقبل، مما يجعل مسار الانتقال الديمقراطي عرضة للمزيد من الاهتزازات والمخاطر. أما الأمر الأخطر على المدى القريب فهو فرضية أن لا تجد نتائج الحوار الوطني الأغلبية المطلوبة في المجلس التأسيسي، وخاصة عند المصادقة على الحكومة المستقلة، ففي المجلس ثلاث كتل مهمة هي الآن خارج الحوار الوطني، وهي كتلة وفاء، وكتلة تيار المحبة، وكتلة المؤتمر من أجل الجمهورية، ويمكن أن ينضمّ إليها عدد من النواب المستقلين، مما يعرّض أيّ توافق إلى جدار صدّ داخل المجلس الوطني التأسيسي، وهو ما يعني آليا العودة إلى المربع الأول وإلى نقطة الصفر، وستمتدّ الأزمة زمنا أكثر، وستخلف الكثير من التداعيات السلبية نحن في غنى عنها. سيقول البعض إن الأحزاب المذكورة رفضت التوقيع، أو رفضت المشاركة، وهذا ليس صحيحا؛ لأن هذه الكتل لم ترفض مبدأ الحوار، ولكنها رفضت الآليات، كما أن هذا ليس مبررا لتغييبها إذا كان الأمر يتعلق بإجراءات تقنية فقط يمكن أن يقع تعديلها لتتناسب مع أكثر عدد ممكن من القوى الوطنية. وهنا على الرباعية الراعية للحوار أن تكون أكثر مرونة وأكثر حرصا على مشاركة الجميع في هذا الحوار الوطني الذي إن نجح فسيكون فخرا للأجيال القادمة، وفصلا مهما في تاريخ تونس الحديث، ربما يدرس في كليات العلوم السياسية في العالم. إن فرصة نجاح الحوار الوطني كبيرة رغم الصعوبات الواضحة التي ستكون بمثابة الفخاخ التي يمكن أن تنفجر في أي لحظة، ولذلك فإن على الرباعي الراعي للحوار وعلى المشاركين في هذا الحوار أن يكونوا على قدر كبير من الحرص على المشاركة الواسعة فيه وعلى تحقيق المرونة المطلوبة في مختلف مراحله؛ لضمان أكبر حظوظ للنجاح، وحتى تكون التجربة التونسية قائمة على أرضية قوية ومحصنة بشكل جيد قانونيا وسياسيا، ولنتجنب كثيرا من الرجّات التي نراها في عدد من الدول الشقيقة والتي غابت فيها مثل هذه الحوارات الوطنية، وغابت فيها الرؤية المشتركة للمستقبل، وهو ما يمكن أن يحسب حتى الآن للثورة التونسية.