نجاح المعارضة في تمرير لائحة لوم وسحب ثقة ضد رئيس الجمهورية ووزيرة المرأة يعتبر تقليدا جديدا يحدث لأول مرة في برلمان تونسي وربما عربي، وبقطع النظر على مدى نجاح هذه اللائحة التي يتطلب تمريرها في جلسة عامة الحصول على أغلبية مطلقة (أكثر من 109 صوتا) وهو ما يبدو أمرا صعبا، وبقطع النظر عن خلفيته السياسية وعلاقته بالمنافسة السياسية الدائرة بين الترويكا الحاكمة والمعارضة، فإنه يؤكد أننا في مسار ديمقراطي سليم يحق فيه للمعارضة أن تمرر لائحة لوم ضدّ أي مسؤول مهما علا شأنه انطلاقا من المؤسسة المنتخبة من قبل الشعب. كما يمكن ونحن في تجربة ديمقراطية وليدة للمجلس المنتخب طبقا لهذا التقليد أن ينجح نظريا في سحب الثقة فعلا من أي مسؤول إذا تحصلت على أغلبية الأعضاء المنتخبين. وهذا الأمر الذي لم نعهده في مجتمعاتنا العربية الحديثة يتيح للشعب عبر ممثليه محاسبة مختلف المسؤولين ومساءلتهم في كل ما يتعلق بسياسة الدولة وبخيارات المجتمع. وهذا الحق وإن أراد البعض من المعارضة استغلاله لاضعاف الترويكا والتشكيك في نجاحها فإنه حتما يؤكد سلامة المسار التأسيسي الذي انتهجته تونس، ويؤكد وبدون أن تشعر المعارضة قوة الترويكا الراعية لهذه المرحلة التأسيسية بتفويض انتخابي من الشعب. وعلى الحكومة وأنصارها أن لا ينظروا إلى مبادرة لائحة اللوم التي تقدمت بها المعارضة على أنها أمر جلل وخطير، بل على العكس هي مصدر فخر لنا جميعا لأننا نؤسس لتجربة ديمقراطية تقوم على القانون والمؤسسات ويحق فيها للأقلية حتى وان لم تعجبنا آراؤها أن تمارس حقها كاملا في النقد والاختلاف وبالطرق القانونية. لا أعتقد آن لائحة اللوم ستضعف من دور كل من المرزوقي وسهام بادي في المرحلة القادمة، لأنهما سيقبلان باللعبة الديمقراطية ويخضعان لمساءلة التأسيسي، وهو أمر متوقع في أي مجتمع ديمقراطي، وفي صورة فشل حصول المعارضة على أغلبية لسحب الثقة منهما فسيعتبر ذلك تجديدا لثقة المجلس فيهما فيما تبقى من هذه المرحلة الانتقالية، وهو ما يعتبر انتصارا لا هزيمة.