عندما كانت الشماريخ تطلق احتفالا بقدوم السنة الجديدة في بعض عواصم العالم والمنطقة العربية، كان السوريون محاصرين جائعين في العراء. عندما كان العالم العربي من اقصاه الى اقصاه يحتفل كل بطريقته بدخول السنة الجديدة دخل السوريون عامهم الرابع مع المحنة والحرب الاهلية. لا شيء ينبئ بتوقف آلة الحرب هناك. المعارضة السورية اصدرت بيانها مع الساعات الاولى من فجر اليوم الاول من العام الجديد تقول فيه انها قتلت حوالي أحد عشر الفا من المجندين في الجيش العربي السوري . و بالتوازي فان اعداد المدنيين وانصار المعارضة الذين قتلوا يعدون أيضا بالالاف حيث تذهب بعض منظمات حقوق الانسان الى احصاء مئة الف قتبل سوري حتى الان. بدخولها عامها الرابع تحولت الحرب في سوريا لاسباب عدة الى حرب عبثية لا معنى للانتصار فيها لاي طرف. حتى وان وصلت المعارضة السورية الى العاصمة دمشق فان طعم الانتصار سيكون كطعم العلقم. ماذا يعني تحقيق الحرية على فرضية تحققها بقتل مائة الف سوري وتشريد الملايين وتدمير البنية التحتية بالكامل التي بنتها دولة الاستقلال منذ ستين سنة ؟ المعارضة المنتصرة على فرضية انتصارها سوف تنطلق في بناء سوريا من نقطة الصفر. وكانه لم تكن هناك دولة ولم تكن هناك بنية تحتية ولم يكن هناك عمران وشعب. مصير المناطق الاثرية التاريخية التي يعود بعضها الى خمسة عشر قرنا في كل من حلب ومناطق اخرى دليل على النتيجة الكارثية لهذه الحرب على تاريخ شعب باكمله. بالمثل فانه لو فرضنا انتصار النظام فانه سكون مجبرا على اعادة بناء سوريا من جديد. الدمار في سوريا فوق التصور. وهو أولا وقبل كل شيء دمار العمران والطرق ، دمار شامل لجيل كامل من السوريين. جيل اطفال الحرب السورية سيحمل لعقود قادمة اثار هذه الحرب المجنونة على السلطة. قد تعالج التشويهات الخلقية للعديد من الجرحى ولكن الجراح النفسية ستظل غائرة في النفوس الى عشريات اخرى. الحرب السورية هي "رحلة في قلب الليل" على عنوان رواية الكاتب الفرنسي فردينود سيلين. كتب سيلين روايته في اواسط الثلاثينات بعيد الحرب العالمية الاولى وقبيل الحرب العالمية الثانية ليكشف فيها العبثية التي اصبح يعيشها جيل فرنسي واروبي باكمله. المجند الفرنسي وبطل الرواية "فردينود باردمو" والذي يشارك في الحرب ضد الالمان سوف يفر من الجبهة مكتشفا عبثية الحرب والقتل والقتل المضاد. يطرح سيلين في كتابه على لسان بطله اسئلة من قبيل: لماذا اقتل الاخرين؟ ولماذا يقتلونني؟ لماذا اكرههم ولماذا يكرهونني؟ واسئلة اخرى تكتشف فيها الذات الانسانية حقارتها العبثية وهي تقوم بفعل القتل وانتزاع الحياة من الاخرين. عبثية الحرب في سوريا تأتي من تحولها الى حرب قروسطية وتناحر بين مذاهب وعشائر وقبائل واقليات. التسميات التي تأتينا من هناك هي من جنس العبثية التي تسود: داعش والنصرة ولواء ابي فضل العباس وحزب الله ونصيرية وسنة وشيعة واكراد ومسيحيون.. التناحر المذهبي والطائفي والديني كفيل بالتاكيد على فقدان ما اطلق عليه ثورة سورية لبوصلتها وانحرافها منذ البدايات عن طريقها. من السهل القاء الاتهامات حول من المتسبب في ما يجري ولكن النتيجة واحدة : تواصل الدمار وانهيار دولة وتشرد شعب بأكمله. ليس هناك حلول سحرية في الحرب العبثية السورية: على البنادق ان تخمد وان تتوقف عمليات القتل الاعمى. على السوريين ان يجلسوا للحوار فيما بينهم. عندما تصمت زخات الرصاص وتخمد المدافع وتتوقف البراميل المتفجرة المتساقطة من السماء، سيكتشف السوريون انهم بالفعل قاموا بمغامرة عبثية في قلب الليل.