"الدماء التي تجري في عروقنا ليست ملكا لنا بل ملكا لأمة متى طلبتها وجدتها"، هذا لسان حال معظم اهالي الضاحية الجنوبيةلبيروت، معقل حزب الله، صباح اليوم الأول بعد التفجير الذي استهدف منطقة حارة حريك في الضاحية وأدّى لمقتل 5 اشخاص و جرح 70 آخرين. موقع الانفجار، الذي اعتاد أن يعجّ يوميا بمئات المواطنين نظرا لتواجد عدد كبير من المحلات التجارية والمطاعم الشعبية فيه، بدا اليوم الجمعة اشبه بساحة معركة...سيارات متفحمة وواجهات مباني مدمّرة بالكامل. كل شيء بدا أسود قاتما، وحدهم عناصر الأدلة الجنائية جالوا بلباسهم الأبيض في الأرجاء يبحثون عمّا قد يفيد التحقيقات، اثنان منهما انشغلا بالتدقيق بما تبقى من محرك السيارة المفخخة، فيما انتشر عدد منهم على الشرفات المدمرة يبحثون عن أدلة تطايرت بعصف الانفجار. مباشرة وراء صورة كبيرة لقائد الثورة الايرانية آية الله الخميني التي تمزّق جزء منها، حدّدت الأجهزة الأمنية العاملة في موقع التفجير المكان التي كانت تتواجد فيه السيارة المفخخة بشرائط بيضاء ألصقت على الأرض، فيما أطل سكان المباني المحيطة من على شرفاتهم يحدقون مذهولين الى ما آلت اليه منطقتهم. لم يفاجئ انفجار يوم أمس سكان الضاحية الذين باتوا يعيشون على أعصابهم منذ اغسطس /اوت الماضي بعد تفجير أول هزّ منطقة بئر العبد، أدّى إلى سقوط عدد من الجرحى، تلاه تفجير آخر في منطقة الرويس راح ضحيته 30 قتيلا ومئات الجرحى. فهم باتوا يتوقعون في كل لحظة أن تستهدف منطقتهم بسيارة مفخخة أو بانتحاري يقرر تفجير نفسه من دون سابق انذار، بعد قرار حزب الله القتال في سوريا الى جانب نظام الرئيس السوري بشار الاسد. وتضاربت المعلومات حول طبيعة انفجار حارة حريك، ففيما تحدثت بعض منها عن أنّه ناتج عن سيارة مفخخة تم ركنها في المنطقة، اشارت أخرى الى أن انتحاريا من منطقة عكار شمال لبنان فجّر نفسه أو تم تفجيره دون علمه. وأفادت "الوكالة الوطنية للاعلام" انه تم العثور في مسرح التفجير على اخراج قيد افرادي باسم اللبناني قتيبة محمد الصاطم، والذي غادر منزله في عكار شمال لبنان قبل 4 أيام فيما أبلغ والده في حينه عن اختفائه. ولفتت الوكالة الى أنّه تم استدعاء والدة الصاطم الى مركز مخابرات الجيش في وادي خالد (شمال لبنان) لاخذ عينات لاجراء فحص الحمض النووي للتأكد من هويته وما اذا كان هو الانتحاري الذي فجر نفسه. "نحن صامدون رغم كل الجراح..شيوخ، أطفال، نساء ورجال لا تهمنا التفجيرات"، هذا ما أكدت عليه الحاجة رجاء داوود (50 عاما) متمنية على اللبنانيين أن يتعاملوا بوعي مع المرحلة، واضافت :"القصة أصبحت واضحة . يفجرون في مناطق بيروت فيتهمون الشيعي بالتفجيرات ويفجرون في مناطقنا ليتهموا السني..جراحنا لن تطيب". وكانت سيارة مفخخة استهدفت في وسط بيروت في 27 ديسمبر/ كانون الأول الماضي موكب الوزير اللبناني السابق محمد شطح، مستشار رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، ما أدّى الى مقتله و 6 آخرين. واتهم الحريري حزب الله بالعملية. في الضاحية لا جو من الاستسلام أو الخيبة بل موقف واحد يؤكد الصمود. فالحاجة ام محمد السبعينية توجهت "للعالم العربي" قائلة: "الدماء التي تجري في عروقنا ليست ملكا لنا بل ملكا لأمة متى طلبتها وجدتها". واضافت :"نحن أمة مستعدة لتعطي كل الدماء التي في جسدها للشهادة...فالحياة وقفة عز". الغضب المسيطر على النفوس عبّرت عنه أمل الجمعة (35 عاما) متسائلة:"أي دين هذا وأي عقل ومنطق يقول بأن يقدم انتحاري على قتل الناس؟ هل هذه تعاليم الرسول محمد؟" وقالت :"طالما فينا من العزيمة والارادة والقوة والايمان ما يكفي فنحن لن نخاف وهذه الانفجارات لن تهزّنا". وبدأ ظهر اليوم تسليم جثث ضحايا الانفجار. ومن مستشفى "بهمن" في الضاحية حيث تجمع عدد من النساء اتشحن بالسواد وسط حالة من الوجوم، انطلقت سيارة اسعاف تقل جثماني ملاك زهوي ووالدتها إيمان حجازي، الى مثواهما الأخير مسقط رأسهما في جنوبلبنان.