أقر نواب المجلس التأسيسي (البرلمان) في تونس، صباح اليوم السبت، تأجيل المصادقة على النصّ الكامل لتوطئة (ديباجة) الدستور، إثر خلافات بين النواب الليلة البارحة الجمعة، حسب مصادر برلمانية. واتجه النواب مباشرة، اليوم السبت، إلى بداية المصادقة على المادة الأولى من الدستور، قبل العودة الى المصادقة على التوطئة في وقت لاحق، من المرجّح أن يكون بعد التوصّل الى توافقات بين روؤساء الكتل النيابية لإنهاء الخلافات. وتمت مناقشة جميع فقرات "توطئة" الدستور والمصادقة على جميع الفقرات، في جلسة مساء أمس الجمعة، قبل أن تبرز حالة من التشنج إثر مطالبة المقرر العام للدستور، الحبيب الخذر، بإعادة التصويت مرة ثانية على تعديل متعلق بالفقرة الرابعة من "التوطئة"، الأمر الذي لقي معارضة من عدد من النواب. وسادت قاعة الجلسة خلافات ونقاشات حادّة قام على إثرها رئيس المجلس مصطفى بن جعفر برفع الجلسة الى صباح السبت لاستكمال النقاش والمصادقة على "التوطئة". وتعلّق التعديل على الفقرة الرابعة من التوطئة، باضافة جملة تؤكد البعد المتوسطي لتونس، وهو ما اعتبره قطاع واسع من النواب فتح باب التطبيع مع "الكيان الصهيوني" (في إشارة لإسرائيل)، على اعتبار تواجد إسرائيل في منظومة الاتحاد من أجل المتوسط. وبسبب طلب مقرر الدستور، طالب نواب آخرون إعادة التصويت ثانية على تعديل في الفقرة الخامسة من "التوطئة" يقضي بالتنصيص على مناهضة "الصهيونية"، كان قد تم رفضه في عملية التصويت الأولى. وتحوّل الخلاف الى نقاشات طالب فيها نواب بإعادة التصويت على الفقرة الخامسة إذا ما قرر المقرر العام حبيب خضر إعادة التصويت على الفقرة الرابعة. وكان النواب، قبل نشوب الخلافات، قد أنهوا المصادقة على الفقرات الست للتوطئة، في انتظار المرور للمصادقة على نصّ التوطئة كاملا بمجمل الفقرات. وبدأ المجلس التأسيسي التونسي (برلمان مؤقت)، الجمعة، المصادقة على النسخة النهائية لمشروع الدستور الجديد في البلاد، ما يمثّل حدثا فاصلا في التاريخ المعاصر لتونس. وانتظر الشعب التونسي منذ نجاح ثورته في ال14 من جانفي/كانون الثاني 2011، في الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي، لحظة بداية المصادقة على مشروع الدستور المرتقب، الذي مثّل محلّ تجاذبات كبرى وعديدة بين مختلف الكتل النيابية في البرلمان والقوى السياسية في البلاد، قبل التوصّل مؤخّرا إلى حصيلة من التوافقات حول المشروع النهائي الحالي. وعُقدت في وقت سابق مساء الجمعة جلسة مصغّرة بين رؤساء الكتل النيابية للاتفاق حول صيغة تمرير النصوص الأساسية للفصول وتسهيل عملية النقاش والمصادقة على الفصول لكسب الوقت. وفي ما يلي النصّ الكامل للتوطئة بعد المصادقة على جميع فقراتها فقرة فقرة قبل المصادقة على النصّ في مجمله، والذي تم تأجيله إلى وقت لاحق،: بسم الله الرحمن الرحيم التوطئة نحن نوابَ الشعب التونسي، أعضاءَ المجلس الوطني التأسيسي، اعتزازا بنضال شعبنا من أجل الاستقلال وبناء الدولة، والتخلّص من الاستبداداستجابة لإرادته الحرّة، وتحقيقا لأهداف ثورة الحرية والكرامة، ووفاءً لدماء شهدائنا الأبرار، ولتضحيات التونسيين والتونسيات على مرّ الأجيال، وقطعا مع الظلم والحيف والفساد. وتأسيسا على تعاليم الإسلام ومقاصده المتّسمة بالتفتّح والاعتدال، وعلى القيم الإنسانية ومبادئ حقوق الإنسان الكونية السامية، واستلهاما من رصيدنا الحضاري على تعاقب أحقاب تاريخنا، ومن حركاتنا الإصلاحية المستنيرة المستندة إلى مقوّمات هويتنا العربية الإسلامية وإلى الكسب الحضاري الإنساني، وتمسّكا بما حقّقه شعبنا من المكاسب الوطنية. وتأسيسا لنظام جمهوري ديمقراطي تشاركي، في إطار دولة مدنية الحكم فيها للقانون والسيادة فيها للشعب عبر التداول السلمي على الحكم بواسطة الانتخابات الحرة وعلى مبدأ الفصل بين السلطات والتوازن بينها، ويكون فيه حقُّ التنظّمِ القائمِ على التعددية، وحيادُ الإدارة، والحكمُ الرشيد هي أساسَ التنافس السياسي، وتضمن فيه الدولة احترام الحريات وحقوق الإنسان واستقلالية القضاء والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين والمواطنات والعدل بين الجهات. وبناء على منزلة الإنسان كائنا مكرّما، وتوثيقا لانتمائنا الثقافي والحضاري للأمّة العربية والإسلامية، وانطلاقا من الوحدة الوطنية القائمة على المواطنة والأخوّة والتكافل والعدالة الاجتماعية، ودعما للوحدة المغاربية باعتبارها خطوةً نحو تحقيق الوحدة العربية، والتكامل مع الشعوب الإسلامية والشعوب الإفريقية، والتعاون مع شعوب العالم، وانتصارا للمظلومين في كلّ مكان، ولحقّ الشعوب في تقرير مصيرها، ولحركات التحرر العادلة وفي مقدمتها حركة التحرّر الفلسطيني، ومناهضة لكلّ أشكال الاحتلال والعنصرية. ووعيا بضرورة المساهمة في سلامة المناخ والحفاظ على البيئة سليمة بما يضمن استدامة مواردنا الطبيعية واستمرارية الحياة الآمنة للأجيال القادمة، وتحقيقا لإرادة الشعب في أن يكون صانعا لتاريخه، مؤمنا بأن العلم والعمل والإبداع قيم إنسانية سامية، ساعيا إلى الريادة، متطلعا إلى الإضافة الحضارية، وذلك على أساس استقلال القرار الوطني، والسلم العالمية، والتضامن الإنساني. فإننا باسم الشعب نرسم على بركة الله هذا الدستور.