يرى مراقبون أن تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) وقع حالياً بين "فكي كمّاشة" بقتاله على جبهتين في آن واحد. الجبهة الأولى للقتال ضد الجيش العراقي ومسلحي العشائر في محافظة الأنبار (أكبر المحافظات مساحة - غرب)، والثانية ضد الجيش السوري الحر وحلفائه الإسلاميين في محافظة حلب (شمال)، وسط توقعات باتساع نطاق الجبهتين المتصلتين جغرافياً خلال الفترة القادمة. و"الدولة الإسلامية في العراق والشام" أو "داعش"، هو تنظيم يتبع للقاعدة ومدرج على لائحة الإرهاب الدولية، ونشأ في العراق بعيد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وامتد نفوذه إلى سوريا بعد اندلاع الثورة الشعبية فيها مارس/ آذار 2011، واستثمر التنظيم الاعتصامات المناوئة للحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي، التي بدأت منذ أكثر من عام في 6 محافظات عراقية، لتوسيع نفوذه واكتساب قاعدة شعبية حاضنة له. على التوازي، سعى التنظيم خلال الأشهر الماضية إلى توسيع نفوذه في سوريا، عبر محاولة ضم "جبهة النصرة" الإسلامية (مدرجة أيضاً على لائحة الإرهاب الدولية)، التي رفضت الأمر، كما تمكن التنظيم من السيطرة على معابر حدودية استراتيجية على الحدود الشمالية لسوريا مع تركيا، وآبار نفطية في شرق وشمال البلاد. وكثرت المخاوف خلال الفترة الماضية من تحول الصراع في سوريا إلى صراع داخلي بين "داعش" وبين الجيش السوري الحر وحلفاؤه الإسلاميين بالتوازي مع الصراع القائم مع نظام بشار الأسد، وذلك مع الاتهامات من قبل الجيش الحر وحلفائه للتنظيم بكثرة الانتهاكات ومطامعه في توسيع نفوذه في مناطق البلاد، إضافة إلى الخلاف الأيديولوجي بينه وبين الجيش الحر، أول تنظيم عسكري تشكل لقتال قوات النظام السوري مع نهاية عام 2011. وبدأت الحملة العسكرية على تنظيم "داعش" في العراق يوم 21 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، على خلفية مقتل 16 عسكريا من الفرقة السابعة التابعة للجيش، على رأسهم اللواء الركن محمد الكروي وعدد من الضباط والعناصر، اثناء مداهمتهم معسكراً تابعاً لتنظيم القاعدة في منطقة الحسينيات ضمن وادي حوران (420 كم) غرب الأنبار. على خلفية ذلك، حشد الجيش العراقي قواته باتجاه محافظة الأنبار، ومركزها مدينة الرمادي، (110 كم غرب العاصمة بغداد)، وشن عملية عسكرية واسعة النطاق في صحراء المحافظة الغربية، التي تمتد حتى الحدود الأردنية والسورية، وما تزال مستمرة حتى اليوم، تشارك فيها تشكيلات عسكرية قتالية تابعة للفرقتين السابعة والاولى وطيران الجيش. وبعد اقتحام الجيش العراقي ساحة اعتصام "الرمادي"، السبت الماضي، وبعدها اعتقال النائب السني أحمد العلواني أحد أبرز الداعمين للاعتصام ومقتل شقيقه وعدد من مرافقيه، دخل من يسمون أنفسهم ب"ثوار العشائر"، وهم مسلحين من عشائر الأبنار، في مواجهة أيضاً مع القوات العراقية، واستثمر "داعش" الأمر في إعلان سيطرته على مدينة الفلوجة، الاربعاء الماضي، وأجزاء من مدينة الرمادي وغيرها. فبينما وقف بعض مسلحي العشائر، أو من يعرفون بال"صحوات" المشكلة منذ سنوات لمواجهة القاعدة والحد من نفوذها، إلى جانب الجيش العراقي في مواجهة "داعش" و"ثوار العشائر"، وما زالت الاشتباكات مستمرة بين الطرفين وازدادت حدّتها خلال اليومين الماضين وأوقعت عشرات القتلى في صفوفهما. أما في سوريا، فقد أُعلن الخميس الماضي، عن تشكيل عسكري جديد في حلب، باسم "جيش المجاهدين"، يضم 7 فصائل إسلامية وموالية للجيش الحر، تنشط في محافظتي حلب وإدلب وريفهما، وذلك من أجل قتال "داعش"، وهو التشكيل الأول من نوعه الذي يعلن صراحة القيام بهذه المهمة. وفي بيان بثه نشطاء على شبكة الانترنت، قال أحد قادة التشكيلات السبعة إن "جيش المجاهدين" يسعى إلى تحرير مناطق حلب وريفها، وإدلب وريفها، من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، ودعا مختلف الفصائل إلى الانضمام إليه لتحرير كافة المناطق السورية منه. واندلعت اشتباكات شرسة أمس الجمعة بين "جيش المجاهدين"، المشكل حديثاً، ومقاتلين من الجيش الحر، و"الجبهة الإسلامية"، أكبر تجمع للفصائل الإسلامية المقاتلة لقوات النظام، من جهة، و"داعش" على الجهة المقابلة، وذلك في عدد من أحياء مدينة حلب التي تسيطر عليها قوات المعارضة، إضافة إلى مدينة "الأتارب" في ريف المحافظة الغربي، ما أدى إلأى وقوع قتلى وجرحى من الطرفين، وأسر الجيش الحر لعشرات المقاتلين من "داعش"، وعلى رأسهم أمير للدولة في المدينة. وقال نشطاء إعلاميون إن الاشتباكات التي تعد الأولى من نوعها بين "داعش"، والجيش الحر وحفاؤه جاءت على خلفية قتل التنظيم علي عبيد، ابن شقيق المقدم عبيد عبيد أحد قادة الجيش الحر في مدينة الأتارب، مؤخراً، ومحاولة "داعش" اقتحام المدينة والسيطرة عليها بشكل كامل. كما تأتي رداً على قتل "داعش" الطبيب حسين السليمان (أبو ريان) مدير معبر "تل أبيض" الحدودي مع تركيا والقيادي في "الجبهة الإسلامية" أحد القوى المتحالفة مع الجيش الحر، وذلك بعد 20 يوماً من اعتقاله من قبل التنظيم، الأمر الذي أثار موجة استياء واسعة في صفوف المعارضة وصلت إلى دعوة الائتلاف السوري المعارض مقاتلي "داعش" إلى الانشقاق عن التنظيم، وتعهده بملاحقة ومحاسبة قادة هذا "التنظيم الإرهابي"، والرموز المجرمة في النظام، لينالوا جزاءهم العادل عما اقترفوا من جرائم بحق أبناء الشعب سوري، على حد قوله. وتزايدت خلال الفترة الماضية موجة من السخط لدى المعارضين لنظام الأسد، وعدد من فصائل "الجيش الحر"، من تصرفات تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، الذي يتهمونه بقتل وتصفية عدد من عناصر "الجيش الحر" وإعلاميي "الثورة"، وذهب بعضهم إلى اتهامه بأنه يقوم ب"التنسيق مع النظام" في مواجهة الثوار والسيطرة على مناطق تم "تحريرها" من يده، في حين أن التنظيم لا يؤكد أو ينفي تلك الاتهامات. وحاليا، يمتد نفوذ "داعش" في العراق من مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى (شمال) إلى جنوبها في محافظة كركوك ومدينة سامراء مركز محافظة صلاح الدين (شمال)، ومنها إلى مدن ومناطق محافظة الانبار مثل مدينة الفلوجة (70 كم غرب بغداد)، مروراً بالرمادي مركز المحافظة، إلى ناحية الرطبة على الحدود السورية - الأردنية الشرقية، ويبسط التنظيم سيطرته على معظم مساحة الصحراء العراقية الغربية المحاذية لتلك الحدود والممتدة لمئات الكيلومترات. أما في سوريا فيمتد نفوذهم من مدينة البوكمال (شرق على الحدود مع محافظة الأنبار العراقية) إلى ريف محافظة دير الزور الشرقي (شرق) الممتد على مساحة 130 كم وصولاً إلى محافظة الرقة (شمال) التي يسيطر عليها التنظيم بشكل شبه كامل منذ أكثر من عام، إلى بعض مناطق ريف حلب وأحياء من المدينة، فريف محافظة إدلب (شمال)، وصولاً إلى مناطق شمال محافظة اللاذقية والحدود السورية مع إقليم هاتاي التركي الجنوبي. كما يوجد لهم بعض التواجد في مناطق شمال محافظة الحسكة التي ما يزال نظام بشار الأسد يسيطر على معظم مساحتها. وحرص تنظيم "داعش" خلال الفترة الماضية على السيطرة على المعابر والبوابات الحدودية بين سورياوالعراقوتركيا. ويرجّح مراقبون أن فتح الجبهتين وبتوقيت متزامن يأتي بتنسيق من أجهزة امخابرات دولية وإقليمية، بهدف إضعاف التنظيم ومحاولة القضاء عليه، ووضعه بين "فكي كمّاشة"، وخاصة أن نفوذه يمتد على مساحة جغرافية ممتدة بلا انقطاع من وسط وغرب العراق إلى غرب سوريا. ويرى هؤلاء أن الهجوم المستمر على "داعش" منذ الأسبوع الماضي على الجبهتين، يأتي في ظل الحشد الدولي في إطار "مكافحة الإرهاب"، وظهر ذلك من خلال التصريحات الأخيرة لمسؤولين أمريكان وروس، هم الطرفين الداعمين لعقد مؤتمر جنيف2 الخاص بإيجاد حل للأزمة السورية المندلعة منذ نحو 3 أعوام، بأن أولوية المؤتمر ستكون مكافحة الإرهاب والتنسيق بين النظام والمعارضة في هذا الإطار. فيما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، بعددها الصادر في 26 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بأن واشنطن سلمت السلطات العراقية، قبل أيام، 75 صاروخا من طراز "هيلفاير" (صواريخ أرض-أرض، وجو-أرض موجّهة بالليزر)، كما ستسلمها طائرات استطلاع من دون طيار قبل مارس/ آذار القادم، بهدف ضرب "معسكرات المتشددين" في صحراء الأنبار بغرب البلاد، وخاصة أولئك المنتمين إلى ما يسمى ب"الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش).