بعد الأحداث المؤلمة التي مرت علينا بسقوط 15 شهيد من جيشنا الوطني وتفشي ظاهرة الإرهاب في بلادنا لا يمكننا أن نقف إزاء ما يحدث مكتوفي الأيدي، فأضعف الإيمان يمكن أن ننقد أو نفسر أو نندد أو نعطي وجهة نظرنا فيما يحدث وسننطلق في هذا المقال بالإشكالية التالية كيف يمكن أن يكون الشاب فريسة للإرهاب؟ فسنحاول طرح موضوع الشباب المقترن بمرحلة المراهقة من خلال استعراض جوانب من المقاربة النفسية وبعض الجوانب من المقاربة السوسيولوجية ثم محاولة الإجابة التساؤل السابق. حاول علماء النفس دراسة طبيعة الانفعالات والتقلبات في المزاج عند المراهقين، فوجدوا أن هناك عاملان قويان يلعبان دورًا هامًا في توجيه انفعالات المراهق وهما: العامل الأول : وهو أن المراهق يتعرض لتغييرات جسمانية سريعة وانقلاب جسدي جديد لم يكن له به عهد. والعامل الثاني: هو عامل البيئة التي يعيشها المراهق، إنه ينظر إلى نفسه كما لو أصبح رجلا بالفعل، ويتطلب من البيئة التي تحيط به أن تعامله كرجل ناضج بينما ينظر إليه الأهل والأبوان كما لو كان لا يزال صغيرًا. فحسب هال "S.Hall" فالمراهقة هي فترة ميلاد جديد مصحوب بالثورات وصعوبات التكيف، يتحكم فيها الجنس تحكما مدمرا إذ يضطر الشاب إلى السقوط في الرذيلة السرية والمرض الذي يضعف بنيته وينتهي به إلى الانهيار. المراهقة عند "هال" هي ميلاد عجيب ومثير تستيقظ فيه مشاعر الحب ويتقلب فيه المزاج ويتزايد فيه الطموح و يسود رفض البيت والمدرسة وانتشار حالات الهروب. انطلاقا من التحديدات السابقة فإن تعرض الشباب المراهق لأزمات نفسية حادة تجعله يتساءل عن جدوى وجوده في المجتمع وكيفية تحقيق ذاته وذلك نتيجة للتغيرات الفيزيولوجية فيه والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية الحاصلة في المجتمع، وفي هذا السياق إن لم يجد الشاب المحيط المناسب للحد من هذه الأزمات سيجد نفسه لقمة سائغة لتجار الدين وتجار المغدرات وتجار العنف ... الذين يملكون أساليب لغوية ووسائل إقناع قادرة على السيطرة عليهم وأعطائهم إجابة على تساؤلهم المحوري الوجودي وحلول لأزماتهم النفسية ولكن بصورة مسمومة. واهتم عالم الاجتماع "ادقار موران" (Edgar Morin) بموضوع الشباب من خلال كتابه الذي نشره سنة 1991، يقر فيه "موران" (Morin) بأن الإنسان الكهل الذي فرض نفسه في المجتمعات التاريخية يجد نفسه في منافسة مع الإنسان الشاب، في فترة الأزمات، فسان جوست (Saint Just) وروبس بيار(Robes Pierre) هما بطلان مرهقان لإحدى اكبر ثورات العصور الحديثة... والأجيال الشابة كانت دائما في مقدمة الحركات الثورية، وكان المحرك الرئيسي للثورة التونسية جيل من الشباب انتفض وتحرك للأسباب قريبة وبعيدة، فمن الأسباب القريبة يهان شاب ذو شهادة علمية ارتضى أن يعمل ليكسب قوته بعرق جبينه فتغلق في ووجهه الأبواب ويطعن في كرامته الإنسانية، أما الأسباب البعيدة فهي قتل الأمل وانسداد الآفاق بتجاهل السلطة الإشراك الحقيقي للشاب في صنع القرار وإنقاذه من البطالة التي تؤدي به، في غياب الإحاطة السليمة، إلى الوقوع فريسة سهلة للتطرف والإرهاب سواء اتجه إلى الذات بالانتحار (تصاعدت حالات الانتحار في تونس منذ اندلاع الثورة أي منذ أن أوقد البوعزيزي في جسده النار حتى نهاية 2013 لتبلغ 450 حالة منها 53% من الشباب، مصدر وزارة الداخلية) أو اتجه إلى الغير القريب والبعيد وذلك ما عايشناه من تكرر اغتيال السياسيين التونسيين واغتيالات المتكررة للجيش والأمن الوطني. فتصاعد وتيرة حالات الانتحار والاغتيال ليست حوادث فردية معزولة في المجتمع، بل هي مؤشر للوقوع تحت طائلة وقمع وتجاهل من قبل سلطة صماء. فيكون العنف المضاد هو الرد الآلي خصوصا وقد تعطلت لغة الحوار، وهذا ما يمكن تفسيره بأحداث مجموعة سليمان ذات التوجه الأصولي في موفى 2007 ومجموعات تنسب إلى نفسها أتباع القاعدة في بلاد المغرب وأنصار الشريعة (2011) ومجموعات من الشباب الذين تما تجنيدهم للجهاد في سوريا، فكل هذه المجموعات الدينية المتطرفة استطاعت أن تسيطر على الشباب من خلال بث خطابها الديني الذي استوعبه الشاب كإثبات لوجود ذاته. يِؤكد الفيلسوف الألماني بيتر سلوترديك (Peter Sloterdijk) في كتابهColère et temps: Essai politico-psychologique أن "الحركات الاسلاموية" تستعمل الشباب العاطل والزائد عن الحاجة بحكم الانفجار السكاني في العالم الاسلامي حيث تضاعف عدد السكان المسلمين في العالم ثماني مرات خلال قرن (فبعد أن كان المسلمون يعدون 150 مليون نسمة عام 1900 بلغ عددهم في عام 2000 مليار ومأتي مليون نسمة فأصبح عددهم يمثل سلاحا ديمغرافيا حديث العهد) لتكون بنك غضب إسلامي عالمي، لاسيما أن معظم الدول الإسلامية فشلت في بناء دول تنهض على مشروع الحداثة المتكاملة. وحسب التحليل الذي ذهب إليه "سلوترديك" فإن ما يسميه هذا الفيلسوف الألماني "الإرهاب الاسلاموي" الماثل بخطره الدائم، يعد وريث الثورة البلشفية الشيوعية والثورة الفرنسية من قبلها، حيث أن الزمن الحالي أصبح زمنا لا تتوافر فيه شروط الحركات الثورية القائمة على صراع الطبقات وعلى الانتقام من المظالم بنفي شروط الظلم البنيوية. وعلى هذا قد يكون الإرهاب الإسلاموي نكوصا عن منجز الثورات لأنه يعيد الحسم والفصل إلى الآخرة والسماء، بعد أن سحبته تلك الثورات إلى الدنيا والأرض. وحسب تحليل سلوترديك، تعد الثورات استعجالا للعقاب الذي كان ينتظر الظالمين أخراويًا، وُفق ما تثبته العقائد الدينية، بشكل يجعل هؤلاء يُعاقبون دنيويًا في ظل الثورة. كما أنه يتم استعجال نعيم المظلومين والمسحوقين الذي كان مؤجلاً إلى يوم القيامة، فعن طريق الثورة أصبح هؤلاء يتنعمون بالسعادة في دنياهم. أما في حالة الإرهاب الاسلاموي فالضحية انتقاله إلى ما يعتقد أنه ينتظره من سعادة أخروية، تكون بديلا عن شقائه وبؤسه الدنيوي، لأنه يرى أنّ "الشهادة" تطهير له من الآثام التي علقت به في سالف عمره، وتعد طريقة موته درسًا للآخر في التضحية والفداء والخلاص. فهذا ما يمكن أن نطلق عليه غسيل الأدمغة وهي طريقة تستخدمها الجماعات الدينية بصفة غير أخلاقية للإقناع، بهدف جلب الشباب إلى المشاركة معهم ومحاولة تغيير اتجاهاتهم النفسية والفكرية، فنجحوا في ذلك في مقابل فشل المحولات المجتمعية (العائلة ومؤسسات الدولة ومجتمع مدني..) في احتواء مطالب الشباب أو تجاهلها. فأترك هذا التساؤل إلى السادة القرّاء كيف يمكن تحقيق الحصانة الكافية لعقول أبنائنا أمام هذا المدّ الخطير؟