رئيس الدولة: "التونسيون أمام خيارين لا ثالث لهما"..    هاو وين تمشي فلوسك... 26٪ من شهريّة التونسي تمشي للمواد هذه    عاجل/ 20 شهيدا في غزة من بينهم 5 من منتظري المساعدات..    الشهر الماضي ثالث أكثر شهور جويلية حرارة على الأرض..علماء يكشفون..#خبر_عاجل    النادي الصفاقسي يُعلن ضمّ ترافيس موتيابا    كرة اليد: منتخب الشاطئية يفوز على الصين    بطل العالم للسباحة احمد الجوادي: "استقبالي من قبل رئيس الجمهورية رسالة تحفيز على مزيد التألق"    محمد العبيدي: من اختصاص الآثار إلى كلية الطب بالمنستير رسميًا بعد تصحيح التوجيه    عاجل : فرصة عمل للتونسيين في السفارة الألمانية: شهرية محترمة وظروف عمل مميزة    وفاة والدة براد بيت عن عمر 84 عامًا    منى نور الدين: مصدومة من جمهور سوسة... المسرح كان شبه خالٍ رغم تعبنا    تاكل برشة من الغلة هذي؟ راك تعرّض في صحتك للخطر    البحر صالح للسباحة اليوم؟ هذي التوقعات    السخانة طلعت شويّة: شنوّة يحكيلنا الطقس اليوم؟    عاجل: قرار صارم ضد الحكم حسام بولعراس بعد مباراة الترجي والملعب    عاجل : الحاضر يعلم الغايب ...الصولد يبدا ليوما يا توانسة    قصة الغواص اللي ضاع في بحر الهوارية...التفاصيل الكاملة    تحب البطاطا المقلية؟'' هذا علاش ممكن تجيبلك مرض السكري!''    قراءة قانونية معمّقة في تنقيح الفصل 96 من المجلة الجزائية ... حوار مع الأستاذة نجاة البراهمي الزواوي    وزارة الداخلية: صفحات تعمدت ترويج مغالطات ضد المؤسسة الامنية و يجري تتبعها قضائيا    "عربون" لعماد جمعة على ركح مهرجان الحمامات: عرض كوريغرافي يرقص على جراح الفنان التونسي في ظل الوجع والتهميش    اليوم : أنغام تُجري عملية جراحية دقيقة في ميونخ    ترامب يعلن دخول الرسوم الجمركية حيز التنفيذ    حزب الله: "سنتعامل مع قرار تجريدنا من السلاح كأنه غير موجود"    تونس وجهة صحية إقليمية: اجتماع وزاري لدعم السياحة العلاجية وتصدير الخدمات الصحية    فرنسا تعلّق إعفاءات التأشيرة لجوازات السفر الدبلوماسية الجزائرية وماكرون يلوّح بتدابير "أشد حزماً"    رئيس الجمهورية يقلد بطل السباحة العالمي أحمد الجوادي بالصنف الأول من الوسام الوطني للاستحقاق في قطاع الرياضة    الجزائر.. مقتل 4 أشخاص في سقوط طائرة بمطار جيجل    5 دول إفريقية تدفع ثمن سياسات ترامب بشأن "وسائل منع الحمل"    رئيس الجمهورية يستقبل البطل التونسي أحمد الجوادي    الخطوط الجوية الفرنسية تعلن عن اختراق أمني لبيانات المسافرين... وتحذر من رسائل مشبوهة    "قتلوا للتو بيليه فلسطين " .. أسطورة مانشستر يونايتد يهاجم إسرائيل    قيس سعيّد: الشعب التونسي سيُحبط محاولات التنكيل به وتأجيج الأوضاع    تعرض لأزمة صحية شديدة.. نقل الفنّان المصري محمد منير الى المستشفى    متابعة للوضع الجوي لهذه الليلة..    سياحة: تونس تسجل أرقاما قياسية في عدد الوافدين والإيرادات خلال النصف الأول من عام 2025    المهرجان الصيفي «مرايا الفنون» بالقلعة الكبرى .. عبد الرحمان العيادي في الإفتتاح وسنيا بن عبد الله في الإختتام    تاريخ الخيانات السياسية (38): قتل باغر التركي    20 ألف هكتار مهددة: سليانة تتحرك لمواجهة آفة 'الهندي'    في دورتها الثلاثين... تتويج مبدعات تونسيات بجائزة زبيدة بشير... التفاصيل    مبادرة لتنظيم "الفرنشيز"    مدير جديد لوكالة التحكم في الطاقة    مكانة الوطن في الإسلام    مدنين: فتح تحقيق في ملابسات وفاة شاب أثناء شجار مع عدد من الأشخاص    توننداكس يسجل تطورا ايجابيا قارب 31ر16 بالمائة خلال النصف الأول من سنة 2025    تعليق إضراب جامعة النقل المبرمج ليومي 7 و8 أوت    فتح باب الترشح للطلبة التونسيين للتمتّع بمنح دراسية بمؤسّسات جامعية بالمغرب وبالجزائر    نجم المتلوي يعزز صفوفه بالمهاجم مهدي القشوري    ما هي التطورات المتوقعة في قطاع الاستهلاك الصيني؟    عاجل/ رئيس قسم طب الأعصاب بمستشفى الرازي يحذر من ضربة الشمس ويكشف..    الحمامات: وفاة شاب حرقًا في ظروف غامضة والتحقيقات جارية    ماء الليمون مش ديما صحي! شكون يلزم يبعد عليه؟    بعد اقل من اسبوعين من تعيينه : مستقبل القصرين يفك علاقته التعاقدية مع المدرب ماهر القيزاني    الرابطة المحترفة الاولى : شبيبة العمران تعلن عن تعاقدها مع 12 لاعبا    مهرجان قرطاج الدولي 2025: الفنان "سانت ليفانت" يعتلي ركح قرطاج أمام شبابيك مغلقة    تاريخ الخيانات السياسية (37) تمرّد زعيم الطالبيين أبو الحسين    عاجل- في بالك اليوم أقصر نهار في التاريخ ...معلومات متفوتهاش    التراث والوعي التاريخيّ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خرافات الإعلام في تونس.. إلى أين ؟

خلال الأيام الأخيرة نشرت عديد المواقع الالكترونية خبرا يتمحور حول اعترافات قدمتها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتن في كتابها "خيارات صعبة" « hard choices » الذي أصدرته مؤخرا. ويتمثل هذا الخبر في أن الولايات المتحدة أسست تنظيم داعش واتفقت مع إخوان مصر وعديد الدول على الاعتراف به. واحتوى الخبر على عديد الخرافات من قبيل أن الولايات المتحدة خططت لاستعمال القوة ضد مصر وأن الأسطول الأمريكي تحرك ناحية الإسكندرية فصدته غواصات وطائرات روسية، وأن الولايات المتحدة تريد من خلال تنظيم داعش "السيطرة" على منابع النفط والمسالك البحرية...
لو تعلق الأمر بما ينشره صبيان الفيسبوك أو بما تنشره عديد المواقع المختصة في الخرافات، لما تطرقنا إلى المسألة. لكن الخطير في الأمر أن هذا الخبر تناقلته عدة مواقع الكترونية وصحف تونسية عريقة ومنتشرة جماهيريا، مع الإشارة إلى المصدر على أنه واشنطن (وكالات) وأشياء من هذا القبيل.
اطلعت على كتاب "خيارات صعبة" "hard choices" الذي أصدرته أخيرا وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتن، فاستنتجت أن هذا الخبر هو مجرد خرافة. ومع يقيني مسبقا بأن هذا الخبر هو خرافة، اطلعت على الكتاب لعلني أجد ما يمكن إخراجه من سياقه على الأقل، لكن لا أثر لذلك.
قد تبدو هذه المسألة تافهة وقد تمر مرور الكرام في ظل هذا الواقع الإعلامي الذي يطغى عليه طابع الإسهال والانفلات. إلا أن نشر خبر كهذا يُعتبر جريمة في حق الرأي العام واعتداء على شرف مهنة الصحافة. ومثل هذه الأخبار تساهم في نشر الغباء وخلط الأوراق و تبليد الوعي الاستراتيجي العام.
أتفهم أن ما قلته سيزعج الكثيرين وسيجعلهم يشعرون بالامتعاض. فالكثيرون يتمنون أن يكون هذا الخبر صحيحا، والكثيرون يدركون أن هذا الخبر خرافة لكنهم يريدون تمريره للرأي العام، لأنهم يتوهمون أن ذلك سيساهم في ضرب طرف ايديولوجي معين. لكن وحسب تقديري، هذه الأساليب لن تساهم في إنهاك ذلك الطرف الإيديولوجي، بل ربما ستساهم في تغوله وزيادة شعبيته وإعادة إنتاجه على المستوى المتوسط والبعيد، هذا بالإضافة إلى نشر الجهل والغباء والفهلوة والتشاطر العقيم.
اعتمادا على متابعة دقيقة لموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" سنحاول تحليل ردود الفعل حول هذا الخبر من خلال تقسيم ناشري هذا الخبر والمتفاعلين معه إيجابيا إلى صنفين.
أولا، فئة "النخبة" التي تتمتع بمستوى تعليمي مرتفع وتنشط سياسيا واجتماعيا وفكريا، وتتكون من الأساتذة الجامعيين والإعلاميين والاطباء والمهندسين وغيرهم. وهذه الفئة ننتظر منها أن تتمتع بحس نقدي قوي وقدرة على "تذوق" الخبر ونقده، إلا أنها بادرت بنشر الخبر والتأكيد على صحته. ومن جهة أخرى تجب الإشارة إلى أن هناك من أدرك زيف هذا الخبر وبادر بنشره متوهما أن ذلك سيحقق مكتسبات سياسية وحزبية وايديولوجية لا توجد إلا في ذهنه، متناسيا أن هذا سيساهم في تعكير الأجواء وتبليد الوعي الاستراتيجي العام، والمساهمة في نشر الغباء والتنطع والتشتت الفكري والذهني.
ثانيا، فئة "العوام" التي ليس لها اهتمامات فكرية عميقة وتتكون من أدعياء الثقافة، وصبيان الفيسبوك المشحونين ايديولوجيا، والبرجوازية الصغيرة التي تتوهم أنها ستحقق مكتسبات سياسية وايديولوجية من خلال نشر مثل هذه الأخبار بغض النظر عم مدى صحتها.
نستنتج أن مثل هذه الخرافات تدور من خلال منظومة متكاملة تبدأ من الفاعلين الإعلاميين الذين ينشرون الأخبار الزائفة والمضللة من خلال ماكينات إعلامية قوية، مرورا بمجموعة من "النخب" التي تساهم في نشر الخبر وإعطائه مصداقية زائفة سواء عن حسن أو عن سوء نية، وصولا إلى جمهور "العوام" الذي يتقبل الخبر الزائف ويساهم في نشره بعد التأثر بالبهرج الإعلامي و "النخبوي" الذي يقف وراء الخبر.
سنمر من الخاص إلى العام لنقول ان هذا الخبر هو نسخة مصغرة لعديد الأخبار والخرافات التي يقع نشرها وتداولها في وسائل الإعلام من طرف الفاعلين السياسيين والإعلاميين والفكريين. والمسألة لا تتعلق بطرف إيديولوجي أو سياسي معين بل هي تخص جميع الاتجاهات السياسية والايديولوجية. وقد تمر هذه الخرافات مرور الكرام في ظل هذا الواقع المشحون سياسيا وايديولوجيا. لكن هذا لا يمنع من الإشارة إلى أن لها تبعات سلبية على الذكاء والوعي الاستراتيجي العام، إضافة إلى مساهمتها في تثبيط مقومات التقدم والتطور على جميع المستويات.
آن الأوان لإيجاد ديناميات فكرية وإعلامية من أجل التصدي إلى مثل هذه الخرافات الخطيرة التي تهدد النسيج الإعلامي والسياسي والاجتماعي والثقافي والفكري في تونس، والتي تلعب وستلعب أدوارا رئيسة في جر البلاد نحو مستنقعات التخلف والرجعية والانحطاط في هذا الواقع الكوني المعقد والصعب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.