يلاحظ المتتبع للمشهد السياسي اليوم ظاهرة ملفتة تتمثل في عزوف فئات عديدة من الشعب التونسي عن السياسة في ما تركض النخبة نحو تاسيس الاحزاب ،بل والخطير ان الفئة المهتمة الغارقة في الشان السياسي سابقا والمسؤولة عن افساده هي اكثر الفئات اليوم انشغالا بهذه المسالة وحشدا لانصارها ورموزها في المدن والقرى والارياف ،في اماكن تعجز بعض الاحزاب عن تنظيم اجتماعاتها وتظاهراتها. ولتفكيك هذه الظاهرة نسجل الملاحظات التالية: *تعطل المسار الثوري الحقيقي بفعل الالتفافات المتواصلة على استحقاقاتها وهو دور تنهض به اطراف معلومة ومسؤولة فعليا عن هذه الاستحقاقات في تراتبية مريبة يدفع الى الشك في ان العمل ممنهج بداية بالحكومة فالقضاء فالاعلام وهو ما بعث برسالة سالبة ومحبطة لعزائم الجمهور العادي من المتابعية للحياة السياسية لن المشهد لا زال على حاله فاحجم عن الانخراط في النضال من اجل بقية الاستحقاقات وانزوي فاسحا المجال لقوى الردة التي كانت مسيطرة على الساحة لتعود اليها لان الساحة لاتحتمل الفراغ: وقد سجل بعض المتابعين عودة قوية لهذه القوى اثناء فترة تسجيل القوائم الانتخابية فيما شهد البعض ظواهر سلبية لدى العوام من الناس كالعزوف عن التسجيل او الاحباط من التغيير حتى بلغ بالبعض من بسطاء الناس درجة الرقابة الذاتية والاحجام عن انتقاد الحكومة والتجمعيين بسبب الخوف من عودة العسكر القديم . *تحويل كثير من السجالات السياسية حول المشهد العام في البلاد الى مواضيع لا علاقة لها الان بالمرحلة الراهنة والهروب الى تناحرات ايديولوجية ،فكرية تفرغ المسار الثوري من مضمونه وتحيد اعداء الثورة وتتعجل المعركة الانتخابية التي لا قيمة لها قبل كنس المشهد العام من الفاسدين والمندسين واعادة الحق لاصحابه ماديا كان او معنويا واول هذه الحقوق هو الحق العام للشعب والبلاد والتاريخ من الذين سرقوه واسروه وشوهوه. *الاداء الاعلامي الباهت الذي مازال بيد الوجوه القديمة ظهرت على السطح ام لن تظهر مما جعل القضايا المصيرية والهامة هامشية في كثير من الاحيان وسقط في اجندات سياسوية او شخصية او مشبوهة وتغافل عن دوره الرئيس في الكشف عن الملفات الساخنة وتحقيق السبق الصحفي الجاد المتمثل في تحقيق اهداف الثورة ومصلحة الوطن العليا بالاستمرار في الضغط على المتمكنين من السلطة والضامنين لاعداء الثورة من الافلات من العقاب او اتاهة الراي العام والقضاء وفسح المجال لتغييب الملفات المستحقة ووثائقها . *الاحزاب والهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة واداؤها المتذبذب بين اتهام للحكومة وتوافق معها وانشغال بالصراعات الجانبية والالتهاء به عن خوض الرقابة والضغط اليومي المستمر على الحكومة لتسريع نسق الانتقال الديمقراطي الذي بقي جدلا في الندوات والمحاضرات والجمعيات. الواقع ان المشهد العام في البلاد يبعث على القلق وهو قلق دافعه البطء الشديد في تحقيق اهداف الثورة ما مكن قوى الردة من العودة وخلق شعورا لدى فئة هامة من الشعب بان شيئا لم يتغير وعجز عن جذب النسبة الهائلة من المواطنين العازفين عن متابعة الشان العام وهو محط فرح لبقايا النظام لانه لا يهدد الوعي الزائف عندهم و لايغير تصوراتهم السابقة ازاء المشهد السياسي ورموزه واذا لم تعمل الاحزاب على استقطاب هذه الفئة من الناس وبيث الوعي الثوري بين صفوفهم وتصعيد مسار المحاسبة واصلاح القضاء وتحقيق الامن فان السمتقبل سيظل غامضا.