وقع مجموعة من الشخصيات الاعلامية والثقافية والجامعية التونسية بيانا ضد سياسة التفرقة والنعرات الجهوية ومن اجل الوحدة الوطنية. حقائق أون لاين تنشره كاملا: رغم كل ما فتحته ثورة الحرية والكرامة من آفاق واسعة أمام شعبنا وشعوب المنطقة العربية كلها لبناء نظام ديمقراطي وإحلال ثقافة مُجتمعية تحترم التعدد والتتوّع والحق في الاختلاف وتنبذ العنف والتمييز والتهميش والإقصاء، ورغم النجاح اللافت الذي حققه التونسيات والتونسيون في بناء الأطر القانونية للانتقال الديمقراطي الذي كان متبوعاً بتنظيم أول انتخابات حرّة نزيهة في تاريخهم في أكتوبر 2011 فانتخابات ثانية بشقها التشريعي في أكتوبر 2014 وشقها الرئاسي الذي تنتظر البلاد استكمال دوره الثاني بعد أسبوعيْن أو ثلاثة، ورغم توفّق بنات وأبناء شعبنا في إدارة اختلافاتهم ومُعالجة قضاياهم بطريق الحوار وتصدّيهم بأشكال مدنية سلمية راقية لكل محاولات جرّ بلادهم إلى العنف وأسلوب الاغتيالات ولكل مشاريع تخريب الدولة وتفتيت بنيتها من أجل بناء مسارات الفوضى كبديل لمسارات الإصلاح والبناء فعمّقوا أسباب وحدة المجتمع المتضامن والمتآخي قاطعين الطريق على كل ما يُراد استنباتُه من نماذج وأنماط مجتمعية غريبة عنهم وعن بلادهم، رغم ذلك كله، مازالت بلادنا من جنوبها إلى شمالها ومن غربها إلى شرقها ترزح تحت أوضاع صعبة على الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والأمنية لا تَخفَى مَظاهرُها ولا أسبابُها على كل ذي عين بصيرة، ولا تنفكّ الأخطار والمَخاوف تُحدّق بها. تلك الأخطار التي تتغذّى من حين لآخر بحوادث أو خطابات أو تصريحات من قبيل ما شهدناه ونَشهَدُه في الحملة الانتخابية التشريعية والرئاسية وما أعقبَه من تداعيات وما صاحبَه من دعوات جهوية ونعرات مناطقية واصطفافات عصبية تُنذر بكل شرّ فقد علّمتنا التجاربُ أنّ "النار أوّلها ضرام وأنّ الحرب أوّلُها الكلام". وانطلاقا مِن وَعينا بخطورة ما يَستهدف بلادنا وشعبنا في ظلّ وضع إقليمي متفجّر ودولي متقلّب، وتوقياً من كل ما قد يُهدّد نسيجنا الاجتماعي المتلاحم ووحدتنا الوطنية وأسس عيشنا معا، فإننا مجموعة من المثقفين الناشطين في المجتمع المدني الموقّعين أدناه: نُندّد بأقسى العبارات وإلى أقصى المدَيات بكل الدعوات الصريحة أو المبطّنَة إلى تقسيم الشعب الواحد وتمزيق نسيجه المتآلف وتفتيت نواته الوطنية الصلبة وتشظيتها تحت عناوين سياسية أو عقائدية أو مذهبية أو قبلية بائسة، دعوات وصلَت حدّ الترويج للتفرقة والانفصال وإقامة ما يُسمّى ب "دولة الجنوب". كما نُندّد في السياق ذاته بكل الخطابات السياسية غير المسؤولة وكل التصريحات التمييزية والأحكام الحِدّيّة التي من شأنها تصعيد الموقف وصبّ الزيت على النار. نُحذّر من خطورة التساهل مع هذه الدعوات والتحركات بدعوى أنّ مصادرها وفاعليها إمّا تأتي من هوامش لا فاعلية لها وأطراف لا يُعتَدّ بهم وإمّا هي مِن قبيل التحركات الشعبية التلقائية. كما نُحذّر من تواتر لغة ماضية في التصاعد مدارُها على العنف وحمّامات الدم والتهديد بالقتل والاحتراب الأهلي. وعليه، فإننا ندعو إلى التعاطي مع هذا الأمر بكامل الجدية والمسؤولية آخذين في الاعتبار قدرة هذه الأطراف على التجييش وركوب الموجة بتوظيف مُعاناة أهلنا في الجنوب وغيره من المناطق المُهمَّشَة واللعب على الوَتَر الحسّاس للجهوية والعواطف الجيّاشَة. نُنبّهُ إلى أنّ استثارة النعرات بأنواعها مثّلت واحدة من أبرز الأدوات التي تمّ استخدامُها عقبَ الثورة التونسية في ما يُسمّى ب"الربيع العربي" ومَدخلاً لخطط الفوضى الهدّامة التي أحالت أوطانا ودُوَلاً إلى الخراب وأحالت شعوبا إلى العراء. ولأنّ التجاربَ القريبة منّا والبعيدة تُبيّن أنّ هذه النّعرات كانت مَدخلا إلى الإرهاب وأنّ ذلك الإرهاب لا ينتعش إلاّ في واقع التشرذم والتردّي والأزمات لذلك تبدو العملية الإرهابية التي جدّت الليلة البارحة في بنزرت كأنها رجْعُ صَدًى لما يحدث على الساحة، فإنّ الواجب يقتضي مُواجَهة اللحظة بأقصى درجات الحزم واليقظة. نرفض بشكل قاطع أنْ تكون استثارة النعرات أداة من أدوات الحملة الانتخابية، ونَعُدُّها من أخطر الانحرافات التي يُمكن أنْ يشهدها المسار الانتخابي والتي مِن الواجب التصدّي لها بالقانون من قِبَلِ الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وباليقظة والمراقبة مِن قِبَلِ كل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين والمدنيين دون استثناء حماية لبيئتنا الانتخابية الناشئة وإرساءً لتقاليد انتخابية تونسية "بيضاء" وغير مُلَطَّخَة بالدماء. وإنه لمن الواجب أيضا أنْ تُمارس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري بأكثر فاعلية ونجاعة دورا تعديليا إزاء ما يتمّ تَداوُلُه عبْر وسائل الإعلام من تصريحات ومواقف تحريضية واتهامات لسياسيين ونقابيين ونشطاء مدنيين وفنانين ومثقفين. نُطالبُ النيابة العمومية بفتح تحقيق جدّي لكشف مَن دبَّرَ ومَن خطّطَ ومَن أعلنَ ومَن وَقفَ ويقف وراء هذه الدعوات الهادمة للجمهورية، وندعوها لاتخاذ الإجراءات القانونية إزاء كل التجاوزات فور حدوثها من أجل إيقاف هذا النزيف المتفاقم للدعوات البغيضة إلى العنف والتفرقة والكراهية. نُهيبُ بكافة القوى الحيّة في البلاد وفي مقدّمتها القوى الاجتماعية والاقتصادية وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والقوى الحقوقية وعلى رأسها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات وبوسائل الإعلام والاتصال، أنْ يتصدّى كل من موقعه وبكامل طاقته لدعوات الفتنة والتفرقة وأنْ يَعمل الجميعُ وِسعَهم للحيلولة دون انزلاق بلادنا -لا قدَّرَ الله- إلى هاوية لا قرار لها، لن تعصف بآمالنا جميعا في بناء الدولة المدنية الديمقراطية فحسبُ بل هي ستبدّد الأساس الصلب للشخصية التونسية المتفتحة والمتسامحة وستضرب عوامل قوتها الضامنة لاستمرارها وتوازنها ومناعتها عبر العصور. المُوَقِّعون: أحمد القلعي / ناشط حقوقي [بنزرت] أحمد النظيف / صحفي [تطاوين/تونس] أمل الجربي / إعلامية [تونس] آمال الحمروني / فنانة [قابس/تونس] أنوار المنصري / ناشطة نسوية [تونس] بسمة الخلفاوي / ناشطة حقوقية [تونس] حسن بن عثمان / روائي [تونس] حافظ البريقي / محام وناشط حقوقي [سوسة] حفيظة شقير / جامعية وحقوقية [تونس] خميس الخياطي / إعلامي [الكاف/تونس] رمزي الجبابلي / محام وناشط حقوقي [الكاف] رياض بن خليفة / جامعي [بنزرت] ريم الحمروني / فنانة مسرحية [تونس] زينب فرحات / ناشطة ثقافية [قابس/تونس] شكري الذويبي / ناشط حقوقي [توزر] شوقي الطبيب / محام وناشط حقوقي [تونس] عائدة محرز / ناشطة نقابية وحقوقية [نابل/تونس] عبد الحليم المسعودي / جامعي وكاتب [تونس] عبد اللطيف حداد / أستاذ [غمراسن] عادل بوعلاّق / فنان موسيقي [نابل/تونس] عادل الحاج سالم / إعلامي [تونس] الفاهم بوكدّوس / ناطق رسمي باسم مؤسسة بالمفتي [قفصة] ليلى طوبال / مسرحية [تونس] محمود الوسلاتي / ناشط حقوقي [القيروان] مريم الجربي / ناشطة نسوية [المهدية/تونس] مصباح السالمي / محام وناشط حقوقي [مدنين] مصطفى القلعي / كاتب وباحث سياسي [تونس] مفيدة الميساوي / جامعية وناشطة حقوقية [تونس] مكّي هلال / إعلامي [بنقردان/لندن] منية بن جميع / جامعية وناشطة نسوية [تونس] ماهر حنين / ناشط سياسي [تونس] لطيفة الأخضر / جامعية ومناضلة ديمقراطية [تونس] ناجي الخشناوي / كاتب وإعلامي [القصرين/تونس] نصر الدين اللواتي / إعلامي نوّال بن صالح / فنانة وناشطة نقابية [تونس] نايلة الجدّي / ناشطة حقوقية [المنستير/تونس] هناء الكافي / ناشطة حقوقية [الكاف] وفاء فراوس / ناشطة نسوية [تونس] وليد الطايع / سينمائي [تونس] ياسر جرادي / فنان تشكيلي وموسيقي [تونس] يُسرى فراوس / محامية [تونس]