التحليلات التي قدمها الكثيرون عن أحداث الذهيبة كانت أغلبها هامشية ومتنطعة. ويبدو أن أغلب المحللين لا يمتلكون أبسط أبجديات التحليل خاصة إذا تعلق الأمر بأزمة يختلط فيها ما هو اجتماعي مع ماهو سياسي وأمني واقتصادي وجيوسياسي. هناك من يحلل الأزمة من منطلق انتخابي وهناك من يركز على الجانب الأمني وهناك من يقدم نظرة حزبية إيديولوجية وهناك أيضا من يتناول المسألة بنوع من العنصرية والجهوية تحت غطاءات وتبريرات تحمل شعارات رنانة كالوطنية ومقاومة الإرهاب والوحدة الوطنية وغير ذلك . هذه الأزمة معقدة وتتشابه وتتداخل فيها الأسباب مع التبعات، والدوافع مع النتائج، والمنطلقات مع التوقعات. وهذا ما يضعنا أمام ضرورة التمييز بين المحللين وأشباه المحللين وبين من يريد تفكيك الازمة ومن يريد تصنيمها وإعطاءها بعدا حزبيا جهويا إيديولوجيا طبقيا تحت تبريرات الوطنية التي وقع تصنيمها منذ عقود. 1- مثل هذه الاحتجاجات الاجتماعية الجماهرية تُولّد فطريا صداما بين الجماهير والواجهة الرئيسية لقوة السلطة المتمثلة في قوات الأمن أو ما شابهها. وهذه القاعدة ليست وليدة زماننا ومكاننا، بل هي ظاهرة تاريخية كانت وما زالت موجودة في الشرق والغرب وحتى في البلدان التي تُعتبر عريقة في الديمقراطية والحداثة. 2- هذه الأحداث لها منطلقات اجتماعية ولّدت صداما مع واجهة قوة السلطة المتمثلة في قوات الأمن أو ماشابه ذلك. وهذه الظاهرة طبيعية وتاريخية. وهذه المواجهة قد تستغلها بعض الأطراف لإدخال الأسلحة وتهديد الأمن الوطني. لكن هذا لا يعني أن هذه الأحداث كان هدفها الرئيسي من منطلق إدخال الأسلحة وتهديد الأمن الوطني. واستغلال الأوضاع الاجتماعية والامنية المتوترة من طرف التنظيمات الجهادية ليس أمرا جديدا بل يدخل ضمن تكتيكاتها واستراتيجياتها. 3- تحرك بعض الأطراف السياسية للركوب على الحدث وللتلميح ببعض الاجندات الغير وطنية ولعرض خدماتها على تنظيمات خارجية لا يعني أن الأحداث في منطلقها كانت تهدف إلى هذه الغايات. ولنا في ذلك أفضل مثال، أحداث الرش في سليانة عندما صرح قادة حركة النهضة بأن أهالي سليانة تلقوا مبالغ مالية من أجل الإحتجاج. 4- ما يروج عن تحرك جناح السلطة في طرابلس ومحاولته الركوب على الحدث والحصول على مكاسب سياسية وللفك من عزلته الدولية، لا يعني ان أهالي الذهيبة متورطون مع هذا الطرف الليبي. 5- هناك مافيات تهريب تغوّلت كثيرا في مناطق الجنوب. وهذا كلام معقول وجميل. لكن هذه المافيات هي نتاج طبيعي لحالة عامة سائدة مرتبطة بنمط الإدارة الاجتماعية والسياسية الذي كان وما زال سائدا في تونس. والحركة الاقتصادية في تلك المناطق متشابكة ومترابطة بين كبار المهربين وبين عامة المواطنين الذين يعيشون من هذه الدورة الاقتصادية. وهذه المافيات وشبيهاتها موجودة في كامل تراب الجمهورية ومتغلغلة في الدولة والنسيج الإداري والأمني والديواني. وللتذكير، في تونس ليس لدينا دولة / حكومة سويدية أو دانمركية . وإذا كان رب البيت بالدف ضارب فشيمة أهل البيت الرقص. أزمة الذهيبة معقدة وتتشابه وتتداخل فيها الأسباب مع التبعات، والدوافع مع التنائج، والمنطلقات مع التوقعات. ومن الواجب أن يصمت أشباه المحللين وأبواق البلاط الذين يبحثون عن الإثارة والتموقع.