أثار تصريح رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في قناة نسمة مؤخرا ، حول اقراره بطلب صندوق النقد الدولي من حزبه ومن نداء تونس ضمانات لتسديد القروض والديون التونسية ، تأويلات ونقاط استفهام عديدة لا سيما في ظلّ حديث البعض عن دور محوري لقوى أجنبية ودوائر مالية عالمية متنفذة في رسم ملامح مسار تونس الجديدة، فالغنوشي لم يتورّع عن الاصداح بأنّ صندوق النقد الدولي "دعّم" مشاركة النهضة في حكومة الصيد قبل أن يستدرك وينفي وجود املاءات خارجية. تحالف النهضة ونداء تونس في حكومة واحدة والتقاء خطين كانا يوصفان بالأمس القريب بالمتوازيين طرح أسئلة ملّحة حول مدى امكانية وجود ضغوطات دولية دفعت نحو هذا التشارك في الحكم رغم قوة عنفوان المعارضات الداخلية سواء صلب الحزبين أو حتّى من حساسيات سياسية أخرى على غرار الجبهة الشعبية. وعلى الرغم من اعتراف رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي أمس الثلاثاء في القناة الوطنية بكونه خطّ فلسفة لمنهاج حكمه قوامها اسناد الشرعية الانتخابية بمشروعية التوافق فإنّه شدّد على ضرورة أن يكون القرار الوطني مستقلّا بمنأى عن املاءات ورغبات الدول الأجنبية الصديقة التي لها رأي في الشأن التونسي حيث قال حرفيا:" من حقّهم التفكير كما يشاؤون." لهذا يظلّ السؤال مطروحا حول ماهية وجهات النظر الخارجية للقوى العالمية الكبرى كالولايات المتحدةالأمريكية والاتحاد الأوربي فضلا عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في علاقة بالشأن السياسي في تونس و درجة تأثيرها على المسار الحالي للبلاد الذي شهد تشكيل حكومة ضمّت "المتناقضات" بحسب رأي لفيف من المراقبين والمحلّلين وربّما تواصلا في ذات السياسات الاقتصادية والاجتماعية القديمة التي وضعت بعيد الاستقلال. ارتباط عضوي و تبعية للخارج حول هذا الموضوع،أكّد المحلّل السياسي والمؤرخ الجامعي المختص في التاريخ المعاصر عبد اللطيف الحنّاشي أنّه منذ الاستقلال و توجه الدبلوماسية التونسية نحو الغرب كان هناك ارتباط متين جدّا على جميع المستويات مع هذا القطب العالمي الذي ازدادت سطوته لا سيما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي مطلع تسعينات القرن المنصرم. وأبرز أنّ تونس كانت ولازالت تعيش على قروض ومنح البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرهما من المؤسسات العالمية وهو ما أثّر على القرار السياسي الداخلي. وبيّن أنّ هذا المنحى تعزّز بشكل كبير خاصة منذ سنة 1986 إبّان وضع سياسة الاصلاح الهيكلي التي كانت انعكاسا لاملاءات من صنديق النقد الدولي. وأضاف الحنّاشي أنّ تونس تعيش تحت رحمة هذه المؤسسات الدولية متسائلا هل أنّ قدر التونسيين أن يعيشوا في ارتباط عضوي معها؟ وأردف تحليله بالتأكيد على أنّ هذه الوضعية تشي بأنّ الدوائر العالمية المتنفذة تؤثر بشكل كبير على القرار الوطني مستدلا في ذلك على الشخصيات التكنوقراطية التي عادت لتونس بعد 14 جانفي 2011 على غرار مصطفى كمال النابلي وياسين ابراهيم وسعيد العايدي ومهدي جمعة وجلّول عيّاد وهي التي لها علاقات متينة مع مؤسسات دولية كبرى وشركات عالمية كانوا يتقاضون فيها رواتب مالية كبيرة وامتيازات هامة حيث فرّطوا في كلّ هذا ليس فقط حبّا في تونس، وفق تقديره. الحلّ في التكامل المغاربي وبخصوص آفاق هذه التبعية للدوائر العالمية المتنفذة المتدخلة في الشأن الوطني التونسي وسبل فكّ الارتباط بها بشكل تدريجي، أفاد عبد اللطيف الحنّاشي أنّ الحلّ يكمن في ايجاد تكامل اقتصادي اقليمي خاصة مع اقطار المغرب العربي موضحا هنا أنّه لا يقصد الوحدة. وقال إنّ هذه الاشكالية تتطلب إرادة سياسية لدى النخبة بما فيها الاقتصادية مشدّدا على أنّ تونس تدفع الآن ضريبة اللامغرب بمعنى عدم تفعيل مشروع اتحاد المغرب العربي في اطار تكامل اقتصادي. وبيّن أنّ هذه المقاربة من شأنها أن تكون أداة لفكّ الارتباط العضوي مع المنظومة العالمية الغربية المعولمة التي كانت و لازالت تتدخل في الشأن التونسي عبر قنوات عديدة بسبب التبعية والارتهان المالي والاقتصادي. وختم حديثه بالاشارة إلى أنّ مشروع التكامل المغاربي يظلّ للاسف مجرد حلم في ظلّ غياب الارادة السياسية والنخبوية التي هي حجر الأساس لبناء كتلة مغاربية في زمن التكتلات العالمية يمكن أنّ تستفيد فيها الدول الخمس من بعضها البعض في علاقة بالموارد البشرية والمقدّرات الطاقية والطبيعية.