هناك طريقة ظريفة وعملية لحلب الثور، تتمثل في إضافة تاء التأنيث في آخره ليصبح "ثورة". تحدث الكثيرون عن "الثورة" ونظّروا لها، وتغنّى شعراؤهم بمحاسنها، وتحوّلت بقوّة عوامل التعرية و"اللَّوْك" إلى مضغة قديمة ممجوجة من عامة الشعب الثائر في "خضراء الدمن" بلد الثلاثمائة ونيف شهيد. لهذا السبب تحديدا، سنؤجّل الحديث عن "الثورة"، وسنكتفي بالحديث عن أصلها: "الثور". للثور حضور خاصّ في الميثولوجيا القديمة، فقد ارتبطت صورته بالقوّة والخصب، حتّى أن "زوس" كبير آلهة الإغريق حين عشق الفتاة "أوروبا" وأراد اختطافها من أبويها، تصوّر لها في شكل ثور، حتى يتمكّن من اغتصابها. آلاف الغارقين في لجّة المتوسّط على أبواب الجميلة مفتوحة الذراعين "أوروبا" لم يركبوا الثور، وإنما فرّوا من مؤنّثه بعد أن خذلتهم.. تلك حكاية أخرى... وقد اعتقد القدماء أن الأرض تدور على قرن ثور، وأن الزلازل ناجمة عن تحريك الثور للأرض من قرن لآخر. دارت الأرض في السنوات الأخيرة على قرن ثورة، بل قفزت ككرة "البينغبونغ" بين قرنيها مرتدّة من اليسار إلى اليمين، ومن اليسار إلى اليمين... وفي كلّ مرة تهتزّ فيها عروش الأباطرة، ترتدّ "الثورة" إلى نحورنا لكن... تلك لعبة أخرى... وفي الميثولوجيا أيضا، أن ثور "المينوتور" كان الحيوان المدلل للملك "مينوس" حاكم جزيرة كريت، يلقي له بلصوص المدينة وشذّاذ آفاقها وخصومه. وكان يسكن متاهة من دخلها تاه إلى الأبد، أو انتهى في أحشاء المينوتور... لا أدري لماذا تذكّرني هذه الأسطورة بقضيّة أخرى... أمّا لدى البابليين، فإن الثور "إنكيدو" كان في السماء لدى كبير الآلهة، يخور نارا وينفث دخانا، وكان عقابا وسنة إذا أطلقه حلّت بالأرض سبع عجاف. وحين أرادت "عشتار" أن تنتقم من قلقامش الذي شتمها وأخرج فحشاءها، أرسلت له الثور "إنكيدو" للانتقام منه. لكنّ قلقامش كان أدهى، فأرسل للثور غانية روّضته وحوّلته إلى... لا، ليس إلى "ثورة" وإنما إنسانا... والحبّ يصنع المعجزات، لكن تلك أسطورة أخرى... والثور كائن غريب، يجرّ الأحمال فلا يشتكي، لكنه يهتاج لأوّل إشارة مستفزّة من مصارع ما (ثبت أن الثور لديه عمى ألوان وأن راية المصارع الحمراء لا تعني له شيئا) فيرغي ويزبد ويطعن بقرنيه ويطارد المصارع الرشيق حتى يخور وتخور قواه فيتلقى طعنة "الرحمة"... هل قلنا ثور أم "ثورة"؟ تلك محاكاة أخرى... وفي بلد رعاة البقر، يركب صهوته "فتى بقريّ" (ترجمتي الخاصة لكاوبوي) فيظلّ الثور ينتفض محاولا نفض تلك الحشرة الثقيلة الملتصقة بظهره، حتّى تسقط.. المنتصر هو الذي يبقى أطول وقت على ظهر الثور... قد يذكّركم هذا بالراكبين على "الثورة"؟ لكن تلك لعبة أخرى... ولأن الثور يحبّ السفاد حبّا جمّا، وحتّى لا يُفسد في الأرض فتغزوها ذرّيته من "الثوّار" (نسبة إلى الثور) يخصى متى بلغ أشدّه. والثور المخصيّ أقدر على الجرّ والأشغال الشاقة، وأقلّ عنادا وحرونا. ولا يذهبنّ بأحد الظنّ أن الثور المخصيّ سيصبح بقرة... قد يصبح – كما أسلفنا – "ثورة"، لكن تلك بداية أخرى...