إنّ المتأمل في ثنايا خطاب رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي خلال زيارته إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية يلاحظ بشكل جلّي أنّه لم يخل من رسائل للخارج/العالم الغربي و للداخل التونسي في الآن ذاته. وبقطع النظر عن فحوى الدعوات التي وجّهها السبسي للغرب وبالأساس إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية من أجل دعم الشراكة بين البلدين ودفع العلاقات الثنائية لا سيما على المستويين الاقتصادي و الأمني/العسكري وهي مسائل كانت منتظرة، فإنّ تصريحاته انطوت على رسائل يبدو أنّها مشفّرة وموجّهة للقوى السياسية في تونس وعلى رأسها حركة النهضة الشريك الجديد لحركة نداء تونس في الحكم و الذي من المرجح أيضا أن يكون هناك أفق لهذا الائتلاف على الاقلّ في المدى المتوسط لاعتبارات موضوعية متعلقة بطبيعة المشهد الحزبي الحالي و توازناته والمخاطر المحدقة بالتجربة الديمقراطية الناشئة التي مازالت لم تثبّت مداميكها بعدُ. اصرار رئيس الجمهورية على التطرق لمسألة الاسلام السياسي و حديثه أمام شخصيات أمريكية على ضرورة التمييز بين الإسلام والإسلاميين الذين قال إنّهم يوظفون الدين من أجل الوصول إلى السلطة ولو كان ذلك باستعمال العنف، يفتح من جديد الباب على مصرعيه للنبش في خلفيات هذا الطرح و أهدافه التي لا مراء في أنّ السبسي أرادها أن تكون مضمونة الوصول لقادة حركة النهضة و للتيار الإسلامي ككلّ في تونس. الملفت للانتباه أيضا، أنّ السبسي لم يفوّت الفرصة مجدّدا لتوجيه رسائل مبطنّة لمنافسه السابق في الانتخابات الرئاسية محمد المنصف المرزوقي و من لفّ لفّه من شخصيات و كيانات سياسية و تيّارات حينما تحدّث عن كون أنّ" الانتقال الديمقراطي في تونس مهدّد بالفوضى من قبل أحزاب و أشخاص غير مؤمنين بالديمقراطية." ليس من المهم الآن الغوص في الجدل العقيم و التافه أحيانا حول مدى وجاهة التشكيك في مدى التزام المرزوقي و من يصطفّ خلفه من مناصرين و أعضاء في "حراك شعب المواطنين" بقواعد اللعبة الديمقراطية. لكن من الضروري الوقوف عند غائية مثل هذا الخطاب من لدن رئيس الجمهورية و انعكاساته على الجسم المجتمعي التونسي الذي هو في أمس الحاجة إلى لملمة جراحه و معالجة أخطاء الماضي القريب و البعيد بشكل حضاري و في أطر وطنية و دستورية محضة بعيدا عن أساليب الضرب تحت الحزام و منطق تسجيل النقاط على حساب المنافسين و الخصوم كلّما أتيحت الفرصة.